ساعات التنبيه في رمضان (7 ساعات)
د/ خالد أبو شادي
ما كل الأوقات سواء.
ورمضان ليس كسائر الأشهر بل هو أميرها وسيِّدها.
وليالي رمضان هي أفضل ليالي العام.
وليالي العشر الأواخر أفضل ليالي رمضان.
وليلة القدر أفضل ليلة على الإطلاق.
بل حتى ساعات كل يوم من أيام هذا الشهر، تتفاوت في الفضل والشرف.
وهذه أجراس تنبيه داخلية، يجعلها المؤمن بجوار قلبه، وغرضها تنبيهه على اغتنام أهم الأوقات، وعدم هروبها من بين يديه.
دقَّ جرس التنبيه أول مرة
وذلك مع دخول أول ليلة وظهور الهلال، لينبِّهنا إلى قدوم هذا الزائر الكريم، لنحسن ضيافته ونستلم عطاياه وهداياه.
ويدق الجرس مرة ثانية
كل ليلة مع غروب الشمس؛ ليعلن بدء سباق يومي متجدد بين العُبّاد على الفوز بساعة الإجابة، وهي ساعة مخبوءة، وليست ثابتة بل قد تتغير، وقد أخفاها الله لنجتهد في البحث عنها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم::
«إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم، يسأل الله خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه».
وقد ذكر الإمام النووي أن إخفاءها يتضمن الحثَّ على الدعاء في جميع ساعات الليل رجاء مصادفتها، وكلما اجتهدنا اقتربنا من الوصول، فإن لم نصل فقد نلنا -لا أقول شرف المحاولة- بل أجرها وثوابها، وقطرةٌ واحدة من ثواب الآخرة لا تُقدَّر بمال ولا يحيط بها خيال.
وإذا كان هذا الفضل متاحا في غير رمضان، فكيف برمضان؟!
وكيف بالعشر الأواخر منه؟!
وكيف بأوتار العشر الأواخر؟!
ويدق الجرس مرة ثالثة
قبيل الفجر لينبِّهنا إلى تناول السَّحور، فإن فعلنا فقد تعرَّضنا لوعد سخي من النبي صلى الله عليه وسلم حين قال:
«إن الله تعالى وملائِكته يُصلُّون على المُتَسحِّرين». صحيح الجامع رقم: 2725
وصلاة الله عليهم رحمته إياهم، وصلاة الملائكة استغفار لهم، والسُّحور بركة مضاعفة لأن فيه الإعانة على الصوم، والتقوي على الطاعة، والتعرض للدعاء في وقت مظنة الإجابة وهو السَّحَر، واتباع سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان بين سحوره وصلاة الفجر قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية كما روى ذلك أنس بن مالك.
ويدق الجرس مرة رابعة:
هذه المرة مع صوت المؤذِّن، ليعانقه صوت ديك يؤازر الأذان بصياحه، وقد صاح لرؤية ملائكة كرام ينزلون ليشهدوا صلاة الفجر، ويسجِّلوا أسماء الحضور، ثم يرفعوا تقريرهم المشرِّف ممهورا بشهاداتهم لله رب العالمين، فيشهدون لمشي الناس إلى المساجد في الظلمات، لينالوا بذلك أعظم الدرجات.
ويدق الجرس مرة خامسة:
ليعلن عن أعظم ثواب في أقصر وقت!
أو أربح صفقة في أقل مدة!
اسمع التفاصيل على لسان أبي هريرة:
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا، فأعظموا الغنيمة، وأسرعوا الكَرَّة (رجعوا بسرعة)، فقال رجل:
يا رسول الله! ما رأينا بعثَ قومٍ بأسرع كرَّة وأعظم غنيمة من هذا البعث!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ألا أخبركم بأسرع كرة وأعظم غنيمة من هذا البعث؟!
رجلٌ توضأ في بيته فأحسن وضوءه، ثم تحمَّل إلى المسجد فصلى فيه الغداة، ثم عقَّب بصلاة الضحى، فقد أسرع الكَرَّة وأعظم الغنيمة».السلسلة الصحيحة رقم: 2531
وانظر –رعاك الله- كيف صرف النبي صلى الله عليه وسلم أبصار الصحابة وهممهم عن التطلع لزخارف الدنيا –ولو كانت مبهرة- إلى نعيم الآخرة ولو كانت غائبة؛ لتكون حال القوم على الدوام: جسد في الدنيا، وقلب مقيم في الآخرة.
في هذا الوقت القصير بين صلاة الفجر وصلاة الضحى، تستطيع أن تقرأ أذكار الصباح، وأن تتلو وردك من القرآن، ولأنه وقت مبارك، فأعظم ما يكون القلب والعقل فيه تفتُّحا، فتستقبل أنوار القرآن وتستشرف أسراره وهداه، وهي غنيمة ربما لم تكن متاحة بين يديك طيلة هذا العام.
ويدق الجرس مرة سادسة:
مع أذان المؤذن لكل صلاة، لينبِّهك أن الفرائض أوْلى وأهم وأثقل في الميزان وأحب إلى الرحمن.
لو سألت مصليا في ليلة من ليالي العشر الأواخر: أقيام الليل في رمضان خير أم صلاة الفجر في رمضان أو غير رمضان؟!
ستجد الأكثرين يحرصون على قيام ليالي رمضان أكثر من حرصهم على صلاة الفجر طوال العام، وهو اختلال في الموازين، فالله تعالى أوضح في الحديث القدسي:
«وما تقرَّبَ إليَّ عبْدي بِشْيءٍ أَحبَّ إليَّ مِمَّا افترضْتُ عليه».
أحيانا ننسى هذه البدهيات:
أن مسارعتك إلى صلاة الفريضة أعظم ثوابا من مسارعتك لقيام الليل والتهجد.
وأن ثواب خشوعك في الفريضة أعظم من ثواب خشوعك في النافلة.
وأن دعاءك في صلاة الفرض أحب إلى الله من دعائك في النافلة من قيام ليل وسنن رواتب.
ومن هنا كان عون بن عبد الله يقول:
«اجعلوا حوائجكم اللاتي تُهمُّكم في الصلاة المكتوبة؛ فإن الدعاء فيها كفضلها على النافلة».
ويدق الجرس مرة سابعة وأخيرة:
وهذه المرة قبيل الإفطار، لينبِّهك إلى ضرورة أن تترك ما في يديك، وتقبِل على أذكار المساء، وهي أفضل عمل تستطيع أن تقدِّمه بين يدي دعائك قبيل الإفطار، وأذكار المساء بمثابة رافعة الأعمال التي ترفع دعاءك إلى مصاف الإجابة ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾، فاجمع عليها أهلك، وادعُ بهم قبيل إفطارك لك ولهم ولأمتنا في كل مكان، ففي سنن ابن ماجه مرفوعًا للنبي صلى الله عليه وسلم:
«للصائم عندَ فطرِه دعوةٌ لا تُرَدُّ».
تعليق