احذَر أن تعيش في سجن اللحظة الحاضرة، فتشعر أنها سرمد، وأنها باقية، وأن ما فيها من أوضاع وأحوال سيرافقها ويُطاردها، وهذا سجن نفسي مغلق، مُفسد للأعصاب في كثير من الأحيان، وليست هذه هي الحقيقة؛ فقدرُ الله دائمًا يعمل، ودائمًا يُغير، ودائمًا يُبدل، ودائمًا يُنشئ ما لا يجول في حُسبان البشر من الأحوال والأوضاع، فرَجًا بعد ضيقٍ، وعُسرًا بعد يُسرٍ، وبَسطًا بعد قبْض، والله كل يوم هو في شأن:
﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: 1].
دعوة إلى أن يُفتِّش كلُّ واحدٍ منا في دفتر حياته؛ ليستخرج منه ما ينفعه في حاضره ومستقبله، فكل إنسان في تجاربه الخاصة، يستطيع حين يتأمَّل أن يجد في حياته مكروهاتٍ كثيرةً كان من ورائها الخيرُ العميم، ولذَّاتٍ كثيرة كان من ورائها الشرُّ العظيم، وكم من مطلوب كاد الإنسان يُذهب نفسه حسرات على فوْته، ثم تبيَّن له بعد مدة أنه كان إنقاذًا من الله أن فوَّت عليه هذا المطلوب في حينه، وكم من محنة تجرَّعها الإنسان لاهثًا، يكاد يتقطَّع لفظاعتها، ثم ينظر بعد مدة، فإذا هي تُنشئ له في حياته من الخير ما لم يُنشئه الرخاء الطويل،
هذة دعوة إلى تحقيق الصبر أمام كلِّ ما يصيب الإنسانَ في هذه الحياة، فلن يتحقَّق الاستسلام والانقياد لله بدون صبرٍ؛ فالصبر هو مركب النجاة للمؤمن وهو يواجه تحديات الحياة؛ لأنه يعلم أن عِلمه محدود من كلِّ جانب، ومعلوماته بالنسبة إلى مجهولاته كقطرة في مقابل البحر، وعلى هذا الأساس يستقبل المؤمن الأوامر والأحكام الإلهيَّة، فيعتبرها كالأدوية الشافية له، ويطبِّقها بمنتهى الرضا والقَبول
ودعوة إلى الاستسلام لله في كل أمور الحياة، وخصوصًا فيما يَكره الإنسان، فالمؤمن يتعامل مع ربٍّ ودود، رحيم حكيم، عليم يعلم ما يُصلح الإنسان وما يُفسده؛
﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾
(وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)
د. هاني درغام
شبكة الالوكة
تعليق