استقبال شهر رمضان المبارك
أ/ محمود الشال
موقع الألوكة
يختلف الناس فيما بينهم في استقبال رمضانَ شهرِ الخيرات، وإليكم أحوالَ بعض الفئات في استقبال شهر رمضان المبارك:
1 - ربَّات البيوت:
تحرِص ربَّاتُ البيوت - غالبًا - على استقبال هذا الشهر الكريم بنظافةِ المنزل، والحرص على أن تكونَ كلُّ لوازم الطعام متوفرة، إما يوميًّا، وإما في بداية الشهر، لأغلبِ ما يحتاجه البيت مِن الطعام في رمضان؛ حتى تكونَ على استعداد تام لإعداد الطعام بما يشتهيه أهل المنزل، ومَن يستضيفونهم.وكذلك تحرص على تجهيز ملابس عيد الفطر لأفراد الأُسرة، إما قبل رمضان، وإما قُبيل العيد فيما بعد منتصف رمضان، وفي بعض البلدان تعتاد النساء على صناعة الكعك والبسكويت بمختلف أنواعها، والتفنُّن فيها، استقبالًا لعيد الفِطر المبارك.كذلك تكون ربَّةُ المنزل مَهُمومةً بمصيرها أمام غسيل الأطباق، وتنظيف المطبخ يوميًّا، وباقي لوازم البيت أثناء الصيام.(يرهقها كثرة العمل في رمضان).
2 - ربُّ البيت:
مَهمُوم بالإنفاق في رمضان، وما يحتاجه البيت من لوازمَ، وإعداد موائدَ، وما يحتاجه عيدُ الفِطر عقِب رمضان من لوازمَ ومصروفات.(يرهقه ما يبذله مِن جهد في قضاء احتياجات بيته وأولاده في رمضان).
3 - الطالب:
يأتي رمضانُ هذا العام على بعض الطلاب وهم بصدد امتحانات نهاية العام، وهم قبل رمضان مهمومون بما سيواجهونه من عناءٍ وجُهد، وتشتُّت ذاكرة بسبب صومهم في رمضان وهم بصدد الامتحانات.(يرهقهم المجهود المبذول في رمضان).
4 - المصالح العامة والخاصة وأصحابُ الأعمال والعمَّال:
يرتِّبون قبل دخول الشهر ساعاتِ العمل، فيعمَلون على تقليلها، وتأخير الذهاب للعمل، وسرعة إنهاء ساعات العمل، ويحمِلون همَّ العمل في هذا الشهر المبارك إلى جانب الصيام.(تُرهقهم أعمالهم في رمضان).
5 - الفنَّانون والفنَّانات:
موسِمُهم في رمضان، فيتنافسون في الاستعداد بقصص درامية، وأخرى كوميدية، وغيرها، لعرضها في رمضان؛ لأن نسبةَ المشاهدة تكون أعلى في رمضان عن غيره؛ ذلك أن الناسَ يتسلَّوْنَ بها في رمضان؛ لمقاومة الصيام، سواء بالنهار؛ لفقد الشعور بساعات النهار الطويلة، أو بالليل؛ للسهر، وإبدال ساعات نوم الليل بساعات نوم بالنهار، وهكذا..(وكأنه يرهقهم الصيام في رمضان).والغريب أننا نقرأ خبرًا عجيبًا، وهو أن هذا العام في التليفزيون المصري أكبر نسبة راقصات مشاركات في أعمال رمضان الفنية هذا العام!ولله الأمرُ مِن قبلُ ومن بعدُ.
6 - المساجد:
حيث قيام الليل، واستقبال الأعداد الكبيرة في رمضان عن غيره من الأيام، وحضور أكبر عدد من المصلين، ومتابعتهم للدروس العلمية، لكن للأسف هذا الحال لا يدوم أكثر من أيام قليلة في بداية الشهر الكريم، ثم يتناقص العدد كل يوم، حتى نخرج في آخر أيام الشهر الكريم بنفس الأعداد التي كانت ترتاد المساجد قبل رمضان، ولا جديد بعدُ.(وكأنه ترهقهم الصلاة والقيام في رمضان).
7 - العلماء والدعاة:
يتهيَّؤون بأفضل إعداد، سواء للصلاة؛ مِن استعداد بضبط القرآن في الصلوات، أو بإعداد الدروس العلمية والمواعظ التي يلقونها على الناس في رمضان المبارك، حيث أكبر عدد يمكن أن يتجمع في هذه الأيام.
والسؤال المطروح الآن:كيف نستقبل رمضان في وسَط هذا الواقع؟!
أولًا: التوبة لتحقيق قاعدة: التخلية قبل التحلية:
مَن كان على معاصٍ، أو لم يكن يصلي، أو كان مقصرًا في الصلاة قبل رمضان، وأقبل مع الناس لدخول المسجد والانتظام في الصلاة - عليه أن يعقِدَ توبة، ويعزم على عدم الرجوع مرة أخرى لِما كان عليه، وألا يفارق الطاعة، حتى لو شعَر بمرارتها في نفسه يومًا.وليعلَمْ جيدًا: أن اللهَ تعالى يقبَل توبته طالما رجَع إليه، بل إن الله يفرَح بتوبته ورجوعه إليه، كما يفرح أحدُنا بضالَّتِه التي عليها طعامه وشرابه في بيداءَ مِن الأرض وقد وجدها قائمةً عند رأسه وعليها طعامُه وشرابه بعد أن كان قد أَيِسَ منها وانتظَر الموت!عن أنسِ بن مالكٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لَلهُ أشَدُّ فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه مِن أحدكم كان على راحلته بأرض فلاةٍ، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأَيِسَ منها، فأتى شجرةً فاضطجع في ظلها قد أَيِسَ مِن راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخَذ بخطامها))، ثم قال مِن شدة الفرَحِ: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأَ مِن شدة الفرح))؛ رواه مسلم/ 2747.ولنعلَمْ أن رمضان فيه فرص متعددة لمغفرة الذنوب؛ فالله تبارك وتعالى - الذي يبسُطُ يده بالليل ليتوب مُسيءُ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مُسيءُ الليل - هو الذي جعل الفرص متعددة في هذا الشهر المبارك؛
حيث جاءَ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبه))؛ متفق عليه، فهذه فرصة، وعنه أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبه))؛ متفق عليه.وهذه فرصة أخرى، وعنه أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدم مِن ذنبه))؛ متفق عليه.وهذه فرصة ثالثة، وقال صلى الله عليه وسلم: ((الصلوات الخمسُ، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان - مُكفِّرات لِما بينهن، ما اجتُنبت الكبائر))؛ أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، وهذا تأكيد لجميع الفرص السابقة.
ثانيًا: الإكثار مِن الطاعات، وفِعل الخيرات:
وعلينا أيضًا أن نستعد بالعزم على تكثيف الطاعات، واجتناب المحرمات في رمضان؛ فقد كفَل اللهُ لنا قَبول الطاعات، وأخَّر لنا إحصاءَ السيئات؛ روى الترمذيُّ وابن ماجه وابن خزيمة،
قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان أول ليلة في شهر رمضان، صُفِّدت الشياطينُ، ومردةُ الجن، وغُلِّقت أبواب النار فلم يُفتَحْ منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يُغلَق منها باب، وينادي منادٍ: يا باغي الخير، أقبِلْ، ويا باغيَ الشرِّ، أقصِرْ، ولله عتقاءُ مِن النار، وذلك كل ليلة))؛
حسَّنه الألباني في صحيح الجامع.وقال صلى الله عليه وسلم: ((إذا جاء رمضانُ فُتِّحت أبواب الجنة، وغُلِّقت أبواب النار، وصُفِّدت الشياطين))؛ متفق عليه.فهي فرصةٌ لتكثير الحسنات، والبُعد عن المعاصي، ومَن اقتَرَف معصية فليعلَمْ أن فرصة التوبة منها والتراجع عنها أكبرُ في رمضان من غيره؛ حيث إن أبوابَ النار مغلَّقة، والشياطين الباعثة على الإصرار على المعاصي مُصفَّدة.
ثالثًا: نشكُرُ اللهَ تعالى أن بلَّغنا رمضانَ:
وعلينا أيضًا إذا ما سمِعنا بقدوم رمضان أن نشكرَ الله تبارك وتعالى على أن بلَّغنا هذا الشهر المبارك، الذي تعددت فيه الخيراتُ؛ فإن قدومَ رمضانَ على العبد - وهو على قيد الحياة - نعمة تستوجب شكر الله عليها؛ فكم مِن صحيح معافًى كان بيننا في العام الماضي يصوم رمضان ويصلي القيام هو محروم هذا العام! إما بمرضه الذي يمنعه من الصيام، وإما بموته ومواراته في التراب، بل وكان يسمع منا مثل هذا الكلام، والحث على شكر الله على نعمة إدراكه رمضان في العام الماضي!ففاته بموته المقدَّر له خيرٌ كثير؛ فعلى مَن بقي أن يغتنم رمضانَ؛ فلعله لا يُدركه في العام المقبل.عن طَلْحة بن عبيدالله: أن رجلينِ مِن بَلِيٍّ قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إسلامهما جميعًا، فكان أحدهما أشدَّ اجتهادا من الآخَر، فغزا المجتهدُ منهما فاستشهد، ثم مكث الآخَر بعده سنة، ثم توفي، قال طلحةُ: فرأيت في المنام بينما أنا عند باب الجنة إذا أنا بهما، فخرج خارج من الجنة، فأذِن للذي توفي الآخِرَ منهما، ثم خرج فأذن للذي استشهد، ثم رجع إليَّ فقال: ارجِعْ؛
فإنك لم يَأْنِ لك بعدُ، فأصبح طلحةُ يحدِّثُ به الناس، فعجِبوا لذلك، فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وحدَّثوه الحديث، فقال: ((مِن أيِّ ذلك تعجبون؟))، فقالوا: يا رسول الله، هذا كان أشدَّ الرجلين اجتهادًا، ثم استُشهد، ودخل هذا الآخِر الجنةَ قبله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أليس قد مكَث هذا بعده سَنة؟!))، قالوا: بلى، قال: ((وأدرَك رمضانَ، فصام وصلَّى كذا وكذا مِن سجدةٍ في السنة؟))، قالوا: بلى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فما بينهما أبعدُ مما بين السماءِ والأرض))؛ سُنن ابن ماجَهْ.
رابعًا: رمضان شهرُ عمل:
علينا أن نفهمَ جيدًا أن رمضان شهرُ عمل، وليس شهرَ كسَل؛ فقد شهِد تاريخُ المسلمين معاركَ كبرى مِن أكبر المعارك الفاصلة في رمضان، مثل: غزوة بدر، وفَتْح مكة، والقادسية، وفتح بلاد الأندلس، وعين جالوت، وحِطِّين، والسادس من أكتوبر - العاشر مِن رمضانَ، وغيرها مِن المعارك الكثيرة التي استطاع المسلِمون أن يحسِموها لصالحهم، رغم أنهم كانوا في رمضان.كيف يتصوَّرُ شخصٌ أن الله يحرمه من الطعام والشراب والشهوة لأجل أن يترك عمله، أو أن ينام نهاره ويسهَرَ ليله، رغم أن عمله بالنهار وليس بالليلِ؟!وكيف يتصوَّر أن اللهَ يمنَعه من شهوتي البطن والفَرْج وهو مَن يسخِّر نفسه أمام شاشات التليفزيون لا لتحصيل علمٍ في أغلب الأوقات، ولكن للتسلية بالمسلسلات الدرامية والكوميدية التي يتسلى بها، وربما شاهَد فيها ما لا يرضاه الله لا في رمضان ولا في غير رمضان، وهو الذي يصوم بالنهار عن الشهوات، ويُنهي يومه بقيام الليل "التراويح" بعد العشاء، ثم يُسرع إما للجلوس على المقاهي، أو أمام شاشات التلفاز!
خامسًا: شهر القرآن:كيف تستعد للقرآن في رمضان؟
قال تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 185].وعن ابن عباس قال: (كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وكان أجودُ ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة مِن رمضان فيدارسه القرآن؛ فلرسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجودُ بالخيرِ مِن الريح المرسَلة)؛ (البخاري 6، مسلم 2308).شهرُ القرآنِ يجب أن يكون أكثرَ الشهور التي تقترب فيها مِن القرآن، وتفتح له قلبك، وتتأمل آياته، وتشعُر أن الله تعالى هو الذي يخاطبك، ولا يشترط - على الإطلاق - كثرة القراءة بقدر ما يشترط إتقان القراءة، والتفكر فيها، والشعور بها، واعلَمْ أن كل حرف تقرؤُه مِن كتاب الله تعالى لك به حسنة، كما أخبر بذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؛ عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن قرأ حرفًا مِن كتاب الله، فله به حسنةٌ، والحسنة بعَشْر أمثالها، لا أقول: الم حرف، ولكن أَلِفٌ حرف، ولام حرف، وميم حرف))؛ رواه الترمذي.
سادسًا: ساعة وساعة:
إن النفسَ البشرية تمَلُّ وتحتاج إلى ترفيه، لكن لا يكون هذا الترفيه في معصية الله تعالى، بل أنا أشجِّعك - أيها المسلم - على الترويح عن النفس، لا سيما مع بداياتك الحارة في الإقبال على العبادة في بداية شهر رمضان المبارك؛ لأنك لن تستمر - بحال من الأحوال - على هذه الحالة التي بدأت عليها، إلا إذا كان لك برنامج ترويح عن النفس، وأنا أقترح عليك أن تمارس رياضة المشي ليلًا، أو أن تجلس بين أسرتك بعض الأوقات التي تروحون فيها عن أنفسكم في غير معصية الله، أو أن تُعِدَّ رحلات منتظمة في الشهر الكريم تشحن بها طاقة للاستمرار على حالتك مع الله التي بدأتها مع الشهر المبارك، وهو ما أقَرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صحابته الكرام عليه؛ عن حنظلة بن الربيع الأسيدي - رضي الله عنه -
قال: لقِيَني أبو بكر قال: كيف أنتَ يا حنظلة؟ قلت: نافَق حنظلة، قال: سبحان الله! ما تقولُ؟! قلت: نكونُ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكِّرُنا بالنار والجنة كأنا رأي عين، فإذا خرجنا مِن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافَسْنا الأزواجَ والأولاد والضَّيْعات، نسينا كثيرًا، قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مِثلَ هذا، فانطلقتُ أنا وأبو بكر حتى دخَلْنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فقلتُ: نافَق حنظلة يا رسول الله! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وما ذاك؟))، قلت: يا رسول الله، نكونُ عندك تذكِّرنا بالنار والجنة كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافَسْنا الأزواج والأولاد والضَّيعات، نسينا كثيرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذِّكر، لصافَحَتْكم الملائكة على فُرُشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة، ساعةٌ وساعةٌ)) ثلاث مرات؛ (رواه مسلم).والإسلامُ قد رفَض الإفراطَ في كمية العبادات الشرعية؛ مثال قوله صلى الله عليه وسلم:
((إذا قام أحدُكم مِن الليل، فاستعجَم القرآنُ على لسانه فلم يدرِ ما يقول، فليضطجع))؛ رواه مسلم.فهذا نهيٌ عن زيادةِ كمية العبادة على ما تتحمَّله النفسُ البشرية، فلنعلَمْ جميعًا أننا مأمورون بالفرائض أولًا، ثم نتقرب إلى الله بالنوافل، كما أمرنا، لكن لا نُكثر منها إذا ملَّت النفسُ؛
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: دخل النبيُّ صلى الله عليه وسلم فإذا حبل ممدود بين الساريتين، فقال: ((ما هذا الحبل؟!))، قالوا: هذا حبلٌ لزينبَ، فإذا فتَرَتْ تعلَّقت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا، حُلُّوه؛ ليُصَلِّ أحدُكم نشاطَه، فإذا فَتَرَ فليقعُدْ))؛ صحيح البخاري.
سابعًا: رمضان شهر الصِّلة والتَّراحم:
إذا وجَد الإنسانُ في نفسِه شدةَ عطش أو جوع، فليتذكَّرْ أولئك الفقراء والمساكين الذين يقضُون أغلبَ أيام العام بنفس الحالة، ليس لأنهم يتعبدون لله، ولكن لأنهم لا يجِدون قُوتًا لهم ولا لأبنائهم.فعلينا ألا نُغفِلَ هؤلاء؛ فهم إخواننا يُخبِرنا الله بهم، ولنعلَمْ جميعًا أن الصدقةَ تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير، كما أخبَر صلى الله عليه وسلم بذلك؛ عن أبي الحباب سعيد بن يسارٍ: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن تصدَّق بصدقة مِن كَسْبٍ طيِّب، ولا يقبَلُ اللهُ إلا طيِّبًا، كان إنما يضَعُها في كفِّ الرحمن، ويُربِّيها كما يربي أحدُكم فَلُوَّه أو فَصِيلَه، حتى تكونَ مِثلَ الجبلِ))؛ متفق عليه.وإفطارُ الصائمين لِمَن يستطيع: حالةٌ مِن البر يجزيك الله عليها خير الجزاء، كما أخبر بذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدِّثنا عن أجرِ وجزاء تفطير الصائمين؛ حيث قال: ((مَن فطَّر صائمًا، كان له مِثلُ أجره؛ غيرَ أنه لا ينقُصُ مِن أجرِ الصائم شيءٌ))؛
رواه الترمذي وابن ماجه، وهو حديثٌ صحيح، كما في صحيح الترمذي للألباني برقم (647).وصلةُ الأرحام واجبةٌ في كل وقتٍ، ويتأكدُ وجوبها في وقت قُرْبِك مِن الله تعالى؛ فلا يصحُّ أبدًا التقرُّبُ إلى اللهِ مع شِقاقِ الأرحام؛ فقد جعَل الله طاعةَ الوالدين وصلة الأرحام بعد عبادةِ الله تعالى وعدمِ الإشراك به؛ حيث
قال سبحانه: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ﴾ [النساء: 36].
تعليق