الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله أما بعد:
ماذا نكسب من وراء تحديد أهدافنا؟
موضوع أعجبتني فأردت أن أشارككم به ونبدأ بسؤال :
ماذا نكسب من وراء تحديد أهدافنا؟
ماذا نستفيد من جراء تحديد ما نريد الوصول إليه؟
هل يمكن أن يغير ذلك من حياتنا؟
إن الإجابة على هذه الأسئلة تكمن في مجموعة الثمار التي تعود على الفرد حينما يحدد أهدافه بدقة، حينما تتعرف على هذه الثمار ستعلم أن الأهداف ليست فقط ضرورة لتحفيزنا وتنشيطنا، وإنما "هي شيء أساسي يبقينا أحياء" كما قال: (روبرت. إتش. شولر)، والآن تعرف على بعض هذه الثمار..
كلٌ يسعى لهدف:
إن ساعة من التأمل في هذا الكون العظيم بما فيه من آيات بينات ومخلوقات متنوعة، شمس وقمر ونجوم وجبال سماء وسحاب، كل منها خُلِق لهدف واضح يؤديه في إتقان بتدبر الله سبحانه ووفق إرادته، والمخلوقات كذلك كل منها يسعى لهدف واضح، خلق من أجله في هذه الحياة، ويتخلف كثيرًا عن الركب ذلك (الإنسان) -وهو الذي أمده ربه بالعقل- فترى الكثير من بني الإنس يحيون ولا يسعون لتحقيق أهداف واضحة، فيمضي ركب الحياة دون أثر حقيقي يذكر، فأدِر حياتك أيها الإنسان وتناغم مع الكون، فحدد أهدافك وانطلق في تحقيقها وإلا فهو النشاز عن ذلك الكون الفسيح، ونحن نربأ بك أن تكون نشازًا.
قالوا مَرَّ وهذا الأثر:
إئذن لي أن أقص عليك قصة كثير من الناس، حياته تتلخص في: "أنه ولد ثم نشأ في بيت والديه ودخل المدرسة، فلما أنهى دراسته الثانوية قالوا له: مجموعك يدخلك الكلية الفلانية، فدخلها، فلما تخرج فيها؛ قالوا له: إن تقديرك هذا يتيح لك العمل في الوظيفة الفلانية، فتقدم إليها حصل عليها فعلاً، فلما استقر في عمله قالوا له: آن لك اليوم أن تتزوج وهذه فلانة زوجة مناسبة لك، فتزوجها وأنجب منها أولادًا كرر معهم نفس قصته، إلى أن رقد على فراش الموتومات ثم دفن وبقي أولاده ليعيشوا نفس القصة!
أليست هذه القصة تعبر عن واقع أكثر الناس اليوم؟! وإن المرء ليتساءل: ما الفرق بين صاحب هذه القصة وبين باقي الكائنات الحية من غير بني البشر؟ أليست هذه قصة جميع الأنعام؟ وُلِد، كبر، تزوج، أنجب، مات! إن الفرق الأساسي بين الإنسان وغيره من الكائنات الحية أنه وحده الذي يمتلك القدرة على وضع الأهداف وتحقيقها، فإذا لم يحدد الإنسان هدفه في الحياة فإنه لا يستحق إنسانيته بعد أن أضاع حياته في أكل وشرب ونوم" (صناعة الهدف، هشام مصطفى، صويان بن شايع الهاجري، بتصرف يسير).
لئن كانت هذه هي حياة كثير من الناس اليوم، فينبغي أن تكون أنت شيء مختلف، ينبغي أن يكون لك هدف تحيا من أجله، هدف يضفي على حياتك قيمة ومعنى، هدف عند تحقيقه تترك أثرًا في هذه الحياة ثم ترتحل عنها وتبقى ذكراك فيها بأهدافك النبيلة، ولا يمكنك أن تضع مثل هذه الأهداف إلا إذا كانت لك رسالة محددة..
فحدد رسالتك، وضع أهدافك، وأترك أثرك تحيا إنسانًا كريمًا، ولا تحيا زيادة على الحياة.
بوصلة الحياة:
هل تملك بوصلة؟ إذا كنت تملك واحدة فهنيئًا لك السير في الطريق الصحيح، معظمنا يعرف البوصلة، أليس كذلك؟ إنها ذلك الاختراع البسيط الذي يتكون من إبرة مغناطيسية تشير دومًا نحو اتجاه الشمال، يستخدمها المسافر في الصحراء أو القبطان على سفينته لتحديد الاتجاه الصحيح للسير، إن البوصلة هي أقرب تشبيه لتلك الأهداف التي يضعها الإنسان في حياته، فهو مرشد ذاتي بالنسبة له، دائمًا ما تحدد له الطريق الصحيح الذي ينبغي عليه أن يسير فيه وتنأى به عن طرق كثيرة أخرى لا تحقق أهدافه في الحياة، ولذلك نجد أصحاب الأهداف في هذه الحياة، هو أكثر الناس توفيقًا في تحقيق ما يريدون، لأن لديهم مرشد ذاتي يرجعون له في كافة قراراتهم فيشير عليهم بالطريق الصواب.
أما الذي لا يملك أهدافًا فإنه يخبط في حياته خبط عشواء، لا يدري أي الطرق يسلك، وإذا كنت قد قرأت قصة لويس كارول: (أليس في بلاد العجائب) فربما تتذكر معنا ذلك الحوار المعبر الذي دار بين تلك الفتاة (أليس) والقط الحكيم (تشيتشاير) والذي يعبر عن هذا المعنى العام الذي نتحدث عنه، عندما تسأل (أليس) القط (تشيتشاير) عن الطريق؛ فتقول: "من فضلك هل لي أن أعرف أي طريق أسلك؟ يرد القط: يتوقف هذا إلى حد بعيد على المكان الذي تريدين الذهاب إليه، تقول أليس: إنني لا أعبأ كثيرًا بالمكان، يرد القط: إذًا فلا تهتمي كثيرًا أي الطرق تسلكين، تضيف أليس متسائلة: (طالما) أصل إلى أي مكان؟ يرد القط: نعم، نعم، ستصلين بالتأكيد إلى مكان ما، بشرط أن تسيري كفاية" (صناعة الهدف، هشام مصطفى، صويان بن شايع الهاجري).
أيها القارئ: "لا يحتاج الوصول إلى أي مكان إلى أي جهد يذكر، لا تفعل أي شيء وسوف تصل بعد دقيقة واحدة، على أي حال، إذا كنت تريد الوصول إلى مكان ذي معنى فعليك أولاً أن تعرف أين تريد الذهاب" (الإدارة للمبتدئين: ص 156). وهكذا، إذا أردت أن تتخذ أي قرار في حياتك، مثل: في أي كلية تدرس؟ أي رياضة تمارس؟ أي مستوى مادي ينبغي أن تحصله؟ أي عمل تلتحق به؟ فعليك أولاً أن تحدد بوصلتك الذاتية، أي أهدافك التي سوف تسترشد بموجبها في جميع قرارات حياتك وإلا وقعت في دوامة من الفوضى والتخبط لا تنتهي إلا يوم وفاتك، وساعتها تكتشف مقدار الخسران الذي طالك في حياتك.
إدارة الوقت:
إن الشخص بإمكانه أن يستغل وقته الاستغلال الأمثل إذا حدد أهدافه بوضوح، ولذا نجد أفضل تحديدًا لأهدافهم هم أقدر الناس على إدارة أوقاتهم؛ ولذا فإن تحديد الهدف وإدارة الوقت لا ينفصلان، فكيف يمكنك تحقيق أهدافك بكفاءة إن لم تدر وقتك بكفاءة عالية، وباختصار (فإن الشخص الذي حدد أهدافه في الحياة هو الشخص الوحيد القادر على إدارة وقته بكفاءة واقتدار، بحيث يحقق أقصى استفادة منه)، ونحن لا نقصد بإدارة الوقت مجرد استغلاله، بل نقصد تحقيق الاستفادة القصوى من الساعات التي نمتلكها وتوجيهها لتحقيق أكبر قدر من أهدافنا، فليس المهم أن نتقدم بسرعة ولكن المهم أن يكون تقدمنا في الاتجاه الصحيح.
"فلا يكفي أن ننشغل، السؤال هو: ما الذي يشغلنا؟" (قوة الأهداف اقتباسات إدارية للانتقال إلى مستويات أعلى في الحياة، كاثرين كارفيلس، ص 53)، إن هذا السؤال يشير إلى أهمية تحديد أولوياتنا بدقة حتى لا يسحب بساط الوقت من تحت أيدينا دون تحقيق أولوياتنا وأهدافنا المهمة، ومن ثم نجد من لديه هدف وقدرة على إدارة وقته يرتب أولوياته على مدار يومه وفقًا لأهميتها، أما الذي لا يملك أهدافًا واضحة في حياته فإن وقته يضيع سدى للأسف، وحتى لو كانت أوقاته تصرف في أنشطة مفيدة إلا أنها لا تحقق أهدافًا واضحة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ليس العاقل من يعرف الخير من الشر، إنما العاقل من يعرف خير الخيرين وشر الشرين" (مجموع الفتاوى 5/48).
طريقك إلى الثقة بالنفس:
"لا بد للإنسان أن يكون في تحرك وتطور مستمرين، وأن يساعد نفسه على اتخاذ القرارات، ولا يقول لم يعد هناك وقت، أو يقول لقد كبرت على أن أُحدث تغييرًا بحياتي، ومن أهم جوانب الشخصية التي هي في أمس الحاجة إلى الوقوف معها لاستدراك ما بها من قصور أو خلل.. الجزء المتعلق بالثقة. ذلك لأن الإنسان إذا افتقد الثقة في نفسه فإنه لا يستطيع أن يحقق أي إنجاز، وسيكون وجوده في الحياة بلا قيمة تُذكر" (قوة الثقة بالنفس: د. إبراهيم الفقي: ص8).
ومن الوسائل العملية التي تبني لديك الثقة بالنفس هي الأهداف، فتحديدك لأهدافك وسعيك لتحقيقها يمنحك شعورًا بالتحكم في حياتك وتوجيهها في الطريق الذي تريد، فأنت الذي تحدد هدفك الذي تريد، وطريقك الذي تسلكه، والطريق الذي تمتنع عن السير فيه، فأنت من تمتلك القرار، إنك بهذا تتحكم في حياتك حقًا فلا يسيرك أحد ولا تدع حياتك متروكة للظروف وللآخرين، وهذا من شأنه أن يمنحك شعورًا قويًا بالثقة.. فحدد أهدافك تمتلك الثقة. فإن: "تركيز كل طاقاتك على مجموعة محددة من الأهداف هو الشيء الذي يستطيع أكثر من أي شيء آخر أن يضيف قوة إلى حياتك" (قوة الأهداف اقتباسات إدارية للانتقال إلى مستويات أعلى في الحياة: كاثرين كارفيلس: ص 63). وتزداد هذه الثقة عندما ترى نفسك وقد اقتربت يومًا بعد يوم من تحقيق أهدافك، وعندها لن يمنعك شيء من بلوغ آمالك، وستجد في نفسك القوة على مواجهة أي عقبة تحول بينك وبينها.
في الختام: تذكر جيدًا أن تحديد أهدافك يجعلك متناغمًا مع الكون الذي تعيش فيه؛ يجعلك تحيا حياة كريمة، وتترك بها أثرًا قويًا يمنحك مرشدًا ذاتيًا يوجه حياتك نحو تحقيق أهدافك؛ يجعلك تدير وقتك بكفاءة، ومع تحديد أهدافك تمتلك ثقتك بذاتك، فإن لم تكن بدأت بعد في تحقيق أهدافك فانطلق فقد حانت ساعة الصفر.
نقلا عن: مفكرة الإسلام
تعليق