السلام عليكم ورحمة الله
عيد يناير: أساطير وأكاذيب ودعوة إلى الجاهلية الوثنية
في 7.محرم.1432هـ - - 13-12-2010م
للشيخ محمد حاج عيسى الجزائري –حفظه الهة تعالى-
http://islahway.com/v2/index.php/ite...05-26-16-17-40
عيد يناير: أساطير وأكاذيب ودعوة إلى الجاهلية الوثنية
في 7.محرم.1432هـ - - 13-12-2010م
للشيخ محمد حاج عيسى الجزائري –حفظه الهة تعالى-
http://islahway.com/v2/index.php/ite...05-26-16-17-40
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: فإننا نعيش في بلدان عرفت نور الهداية إلى الإسلام؛ دين الله تعالى الخالد الذي حطَّم سلطان الخرافة، وأرسى دعائم عقائد التوحيد وسد ذرائع الشرك ووسائله، ودعا إلى العلم وإعمال الفكر في آيات الله الكونية والمتلوَّة، ونَهى عن التقليد والخرافة والدجل، وحرَّم على المسلم الكذب كما حرم عليه نشر الأكاذيب والأساطير وإشاعةَ المنكرات والخرافات.
وإننا والحمد لله نُبغض الكذب والتحريف؛ وهما من أبغض الأشياء إلى الفطرة الإنسانية، ونُحارب إشاعة الأساطير التي تعتبر دليل التخلُّف والانحطاط الفكري، ولا نرضى بأن ينتشر فينا الدجَل وتجارة الدجل، وخاصة إذا تعلق الأمر بأشياء تَمس العقيدة الإسلامية وتُزعزِع انتماء الأمة إلى الحضارة الإسلامية، وإنَّ من الأكاذيب التي أصبح الإعلام يروج لها، ومن الخرافات التي صار بعض بني جلدتنا يعتبرها تراثا يعتزُّ به، ومن مظاهر الشرك التي يريد بعض المخذولين أن يبعثها بعد أن قبرها الإسلام: ما يسمى بـ"عيد يناير" وما تعلق به من اعتقادات جاهلية وطقوس وثنية.
عيد يناير: أساطير وأكاذيب ودعوة إلى الجاهلية الوثنية
لازلنا نسمع بالتقويم المحلي الذي يعتبر تقويما شمسيا يتأخر قليلا عن التقويم الغريغوري المعروف، من الناس من يظنه عربيا ومنهم من يعدُّه أمازيغيا، ومنهم من يسميه أعجميا، وبعض الناس يخص أوَّله ببعض الأطعمة، ولكن ما تنامى إلى أسماعنا في هذه السنوات الأخيرة عن "عيد يناير" جعلني أتطلع إلى قراءة من يكتب عنه وسماع ما يقال فيه لبيان الموقف الشرعي منه، حيث إن هذا اليوم قد أصبح عند بعض الناس عيدا لا بد من الاعتراف به كسائر الأعياد الوطنية والدينية، وصارت تُربط به اعتقادات وتُعطى له دلالات، ويُدعى إلى تعميم الاحتفال به ببعض الطقوس الوثنية، والزعم أن تلك الطقوس من التراث الأمازيغي الذي ينبغي أن يحافظ عليه من الزوال والاندثار.
وفي هذا المقال تجلية لحقائق وبيان لأساطير وكشف لأكاذيب لا يجوز لمن علمها أن يسكت عنها.
كذبة التسمية "يناير"
يزعم دعاة هذا العيد الجديد أن هذا العيد عيد أمازيغي محض وحتى يثبتوا ذلك كان لزاما عليهم أن يَفصِلوا مدلوله عن المعنى الروماني، لأن مما يعلمه العام والخاص أن يناير هو اسم للشهر الذي نترجمه نحن من الفرنسية ونقول "جانفي"، وهم يقولون عيد يناير أو الناير أو ينِّير، وينِّير ما هو إلا تحريف حدث بفعل النقل إلى اللهجة الأمازيغية، ومنه يظهر أنه لا تَميُّز لها لهذا اليوم من حيث الاسم ولا من حيث التقويم، وإنما هو تقويم شمسي بدايته هي عينها بداية السنة الشمسية كما يأتي توضيحه، وأسماء الشهور هي أسماء رومانية معروفة يناير وفورار (فبراير) ومغرس (مارس) إبرير (أبريل) مايو (ماي) يونيو (جوان) يوليو (يوليو) غشت (أوت -أغسطس) سكتمبر أو شوتمبر (سبنتمبر) توبر (أكتوبر) نونمبر أو وانبر (نوفمبر) دوجنبر أو جنبر (ديسمبر).
أمَّا ما يَحكيه بعض فلاسفة العصر من أن "يَنِّير" كلمة أمازيغية مركبة من كلمتين (يان!!) التي تعني الأول و(أيُّور) التي تعني الشهر، فيكون معنى "ينير" الشهر الأول فمجرد تخيل وتكلُّف لإيجاد تفسير أمازيغي لكلمة لاتينية، ولو كان كلامهم صحيحا لكان التركيب يَنُّور، والذي أعرفه أن ترجمة "الشهر الأول" عندنا في لهجتنا "أجور(aggour) أمزوارو"، وهذه عبارة لا تشبه ينِّير ولا يناير، ولو تأمَّل العارف كلمة أجور التي تنطق في بعض المناطق أيُّور([1]) وهي تطلق على القمر أيضا لعَلِم بُعد انطباقها على المعنى المراد، بل ربما استفاد أن الأمازيغ كانوا يعتمدون على تقويم قمري لا شمسي.
وهذا يُبيِّن أن ما يتداوله هؤلاء الفلاسفة! ما هو إلا كذب يشبه الاستهزاء والاستخفاف بعقول شعوب الشمال الإفريقي كله.
وأما قولهم إن بعض الأمازيغ يعبرون عن اليوم ب(ثبورث أوسجاس) بمعنى باب السنة، فهو تحصيل حاصل ولا دلالة تاريخية ولغوية فيه، لأن كل الناس يعتبرون أول شهور التقويم باب السنة وأولها وبدايتها وفاتحها سواء كان غريغوريا أو غيره.
حقيقة ما يسمى التأريخ الأمازيغي
الذي ينبغي أن يُعلم أن هذا التقويم الذي بدايته في 12 يناير في الجزائر، وفي 13 يناير في المغرب، وهو عينه التقويم الشمسي الذي لا تزال تعتمده الكنيسة الشرقية إلى اليوم، وهو تقويم وضعه القيصر الروماني يوليوس في سنة 46 قبل الميلاد لأنَّه اكتشف خللا في التقويم الروماني القديم، وكان أوَّل من جعل السنة الشمسية تتكون من 365 يوما، وأدرج يوما إضافيا كل أربع سنوات لتسمى تلك السنة بالسنة الكبيسة، وجعل هذا اليوم في آخر شهر فبراير، ولكن إضافته ليوم في كل أربعة سنوات كان أمرا تقريبيا لأن دورة الشمس السنوية تدوم 365.2422 يوما وليس 365.25 يوما، وهذا الفارق الضئيل جدا (0.0078يوم) سيصبح بَعدَ قرون يُعدُّ بالأيام، ففي سنة 1582 اكتشف البابا غريغور الثامن أن الحسابات المعتمدة للتاريخ أصبحت متقدمة عشرة أيام عن الدورة الحقيقية للشمش، فقرَّر أن يتراجع في التاريخ عشرة أيام كاملة بحيث يصبح الفاتح يناير الجديد في 22 ديسمبر القديم، والفاتح يناير القديم في 10 يناير الجديد، وحتى يتجنب خطأ يوليوس فيما يستقبل من الزمن قرَّر أن تُحذف ثلاثة أيام كل أربعمائة سنة، والآن قد مرَّ على تجديده أكثر من أربعمائة سنة، وهذا ما جعل التقويم اليوليوسي متأخرا 13 يوما عن التقويم الغريغوري، ولأجل هذا فإن الفاتح من يناير يأتي 13 جانفي في المغرب، أما في الجزائر فبقي الفاتح يناير في اليوم 12 لأنه كان كذلك في سنة 1831 (وهي السنة التي بدأت الجزائر تعمل فيها بالتقويم الغرغوري) فبقي الناس يتوارثون ذلك إلى اليوم!!
لماذا 13 جانفي
الجواب قد علمناه في الفقرة السابقة، وهو بكل بساطة لأنه الفارق الطبيعي بين التقويمين اليوليوسي والغريغوري للسنة الشمسية.
وأما عند الخرافيين الجدد (وهم دعاة علمنة وحداثة مع الأسف الشديد) فله تفسيرات علمية وتاريخية!! سنحاول إيقاف القارئ الكريم عليها.
التفسير الأول: وهو تفسير يسمونه تاريخيا وهو أسطوري ويعتبرونه دينيا وهو مبني على الخرافة والوثنية، وذلك أن بعضهم ودون حياء من الله تعالى أو من عباده يكتب أن هذا اليوم (13 أو 12 جانفي) ارتبط بمعتقدات أمازيغية قديمة تحكي أن امرأة عجوزا استهانت بقوى الطبيعة واغترت بنفسها وأرجعت صمودها أمام برد الشتاء إلى قوتها، فغضب يناير رمز (أو إله) الخصوبة والزراعة من صنيعها فطلب من فورار (فبراير) أن يقرضه يوما لمعاقبة العجوز على جحودها، فحدثت عاصفة شديدة أهلكت العجوز وعنزتها وجميع ما تملكه، فتحوَّل ذلك اليوم إلى رمز للعقاب الذي قد يَحِلُّ بكلِّ من سوَّلت له نفسه الاستخفاف بالطبيعة! ويُعلِّل بعض الكتاب بذلك تسمية بعض الناس لهذا اليوم بيوم العجوز، تجنبهم الخروج فيه للرعي أو للزراعة خوفا من قوى الطبيعة، ومن جهة أخرى يجعلونه يوما للاحتفال بالأرض وما ينتج منها من الخيرات، ولعل في هذا جوابا عمن تساءل عن سر جمع بعض أهل منطقة أولاد نايل بين مظاهر الحزن والفرح في هذا اليوم!
ولنا وقفة مع هذا التفسير الذي نعتبره دعوة صريحة إلى معتقدات جاهلية وخرافية لا أثر عليها من علم ولا عقل من منطق، وتأملوا كيف يجرؤ دعاة الاحتفال بهذا اليوم بربطه بالاعتقاد في قوى الطبيعة وأن للطبيعة قدرة على الانتقام من العباد الذين لم يشكروها، إن هذا الاعتقاد وإن كان موجودا فعلا عند بعض الناس كما سنبينه فإنه ينبغي علينا إن كنا مسلمين أن نُحاربه ونسعي إلى محوه والقضاء عليه وعلى جميع الأفكار البالية التي ارتبطت به، لا أن ندعو إلى إحيائه وجعله مناسبة نحتفل بها ونجعلها عيدا وطنيا أو دينيا.
وحتى الخرافة التي حكاها هؤلاء الكتاب فيها تحريف وكذب لأن مدَّة البرد الشديد لا يعلم انتهاؤها في الثالث عشر من جانفي، بل في نهايته مع احتمال عودة البرد والثلوج في العشر الأول من فبراير، والذي تلقيته سماعا في خصوص هذه القصة أعني قصة العجوز أنها استهانت بيناير بعد انقضائه فهنا اضطر إلى أن يستعير يوما من فبراير ليتمكن من الانتقام من العجوز بالثلوج والبرد القارس، فكان فبراير سخيا وأعاره سبعة أيام ولياليها فقضى على العجوز وعنزتها، وهذه الأسطورة على سذاجتها وبطلانها أنسب لقضية الاستعارة، لأنه لا يمكن لفبراير أن يعير يناير يوما ليس له وهو الفاتح من يناير أو 13 منه حسب هذا الزاعم.
على أن هذه الخرافة لا اختصاص للأمازيغ بها لأن العرب في المشرق يحكون حكاية مقاربة لها عن أيام سبعة يسمونها أيام برد العجوز، أيام يعتبرونها ختام فصل الشتاء، وزعم أحدهم في موقع فلكي بعد أن عرَّف فيه بهذه الأيام وحكى حكاية العجوز أن هذا الاسم اسم محلي وشعبي خاص بدولة الكويت!! في حين إننا نَجد الاسم عربيا يرجع إلى الجاهلية، وأهل اللغة يجعلون لكل يوم من هذه الأيام اسما، وأهل الأدب يحكون عن هذه العجوز هذه الحكاية وحكايات أخرى غيرها تنظر في كتاب الأزمنة والأمكنة للمرزوقي (المتوفي سنة412هـ) وثمار القلوب في المضاف والمنسوب لأبي منصور الثعلبي (المتوفي سنة 429هـ) (ص310 وما يليها)
وأما التفسير الثاني: وهو ما يسميه الكثيرون تفسيرا طبيعيا، فيقولون إن هذا اليوم مرتبط بالطبيعة، وقد وجدت منهم من يقول إنه يوم يفصل بين مدتين، مدة البرد القارس ومدة الاعتدال، ومنهم من يقول يُعتبر بداية السنة الفلاحية أو الإنجازات الحقيقية للأشغال الفلاحية، ومن ثَمَّ وُجِد من يُطلق على هذا اليوم رأس السنة الفلاحية.
والذي أعرفه أن أول السنة الفلاحية هو أول الخريف من حيث الجملة وليس أول يناير أو وسطه، لأنَّ أهمَّ أعمال الفلاحة هو الحرث وهذا يكون دائما مع أوائل نزول المطر في أواخر أكتوبر أو أوائل نوفمبر، وأوَّل السنة عند الفرس في القديم هو يوم المهرجان تاريخه يوم 26 أكتوبر، وذلك بمناسبة ما يسمى بالاعتدال الخريفي الذي يعبر عن بداية الموسم الفلاحي.
وأما كذبة الانتقال من البرد القارس إلى الاعتدال فأتفه من أن يجاب عنها، وتنفيها أيام برد العجوز التي هي من أيام شهر فبراير بلا خلاف.
بداية التأريخ : لماذا 950 قبل الميلاد
والآن يبقى طرح تساؤل، لماذا يزعم دعاة هذا التأريخ أنه يبدأ من سنة 950 قبل الميلاد؟ وهل عندهم شيء من الوثائق تثبت اعتماد الأمازيغ على هذا التاريخ؟
تزعم الأساطير الحديثة أنه في هذه السنة هزم الزعيم البربري شيشنق (أو شاشناق أو شيشرون أو سوكاسوس أو شيشق) فرعون مصر ثم اعتلى عرش مصر، وقد تواتر عندهم أنه هزمه في بني سنوس قرب تلمسان بعد أن جاء ليستولي على مملكته، ومنهم من زاد في الخبر أن رمسيس الثاني كان قد تحالف مع الرومان، (ومنهم من كتب أنه رمسيس الثالث) فهزمهم شيشنق في تلمسان ليتربَّع على عرش مصر!! وذلك في سنة 950 (ق م)، ويقال إن في هذه المنطقة احتفال سنوي يسمى احتفال "إيرار" الذي يعني الأسد حسب لهجة تلك الجهة.
ومنهم من شعر بالتناقض في هذه القصة التي لا مستند لها، إذ كيف يهزمه في تلمسان ثم يتربع على عرش مصر، فزعم أنه إنما هزمه على ضفاف النيل، وهذا وإن كان فيه حلٌ لمشكلة؛ ففيه مشكلة أخرى، وهي كيف ساغ للأمازيغ وهم الأحرار ودعاة الحرية أن يجعلوا عيدهم ويومهم التاريخي وبداية تأريخهم يوما ثبت عليهم جرم الاستعمار لبلاد مجاورة.
إنَّ هؤلاء المروجين لهذه الخرافات من أبعد الناس عن العلوم بجميع أنواعها، ويستغفل أحدهم أُمَماً بأكملها بكتابة تُرَّهات لا قيمة لها في ميزان العلم والنقد، وإني أقف متعجبا ممن يكتب دون أدنى روية أن شيشنق هزم رمسيس الثاني المتوفي سنة 1202 قبل الميلاد في سنة 950 قبل الميلاد، أو هزم ابنه رمسيس الثالث المتوفي سنة 1152 قبل الميلاد.
وإن من مقتضى هذه الكِذبة أن يكون شيشنق حاكما على شمال أفريقيا كله بما فيه مصر والسودان، ولا دليل على وجود مملكة بهذا الحجم في ذلك الزمن، والذي تدل عليه الدلائل التاريخية أن مدة وجود شيشنق في مصر تزامن مع وجود الفنيقيين في شمال أفريقيا.
والذي يعرفه المؤرخون أن شيشنق ملك مصري الجنسية من أصول ليبية هاجرت إلى مصر، وكانت رئاسة كهانة الديانة المصرية في أجداده وآخرهم والده، وقد تزوج من ابنة فرعون مصر المسمى بسوسنس الثاني الأمر الذي أهله للاستيلاء على الحكم في سنة 950 قبل الميلاد تقريبا حسب بعض الدراسات، وبعضهم يقول إنه تولى الحكم سنة 940 قبل الميلاد.
والخبر الذي تسنده الوثائق التاريخية في خصوص الملك شيشنق أنه كان ظالما نهابا لخيرات الدول المجاورة، فإننا نجد في العهد القديم أن شيشنق هجم على القدس ونهب ما فيها من كنوز، وذلك في سنة 930 قبل الميلاد، جاء في سفر الملوك الأول (إص14 ع25-27):"وفي السنة الخامسة للملك رَحُبعام صغد شيشق ملك مصر إلى أورشليم وأخذ خزائن بيت الرب وخزائن بيت الملك ، وأخذ كل شيء وأخذ جميع أتراس الذهب التي عملها سليمان". وبقيت مصر تنفق من هذه الكنوز التي نهبها مدة قرنين كاملين من الزمن.
والواقع الذي لا يَمتري فيه اثنان أن أكثر المحتفلين بليلة يناير لا يعرفون شيشنق الذي ظهر فجأة ليعتبر رمزا للأمازيغ، ولا يعرفون خبره لا أخبار دولته ولا أخبار عدوانه ونهبه، ولا تلك الأرقام التي يرصها بعض الناس إلى جنب بعض كل عام ويقولون هذه سنة أمازيغية جديدة...
يتبع إن شاء الله...
تعليق