ما يستحب فعله لمن أدرك ليلة القدر
هذه الليلة المباركة مَن حُرِمها فقد حُرِم الخير كله، ولا يُحْرَم خيرها إلا محروم. لذلك ينبغي للمسلم الحريص على طاعة الله أن يحيها إيمانًا وطمعًا في أجرها العظيم، وأن يجتهد في العشر الأواخر أسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد أخرج الإمام مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها".
ولذلك يسن فيها هذه الأعمال:
أولًا: الاعتكاف:
وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الاعتكاف في العشر الأواخر في رمضان، فقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفَّاه الله تعالى، ثم أعتكف أزواجه من بعده ".
وفى العام الذي قُبض فيه النبي اعتكف عشرين يومًا، أي: العشر الأواسط والعشر الأواخر جميعًا.
كما جاء عند البخاري من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قُبِض فيه اعتكف عشرين".
وإنما كان يعتكف النبي صلى الله عليه وسلم في هذه العشر التي يطلب فيها ليلة القدر قطعًا لأشغاله، وتفريغًا لباله، وتخليًا لمناجاة ربه وذكره ودعائه، وكان يحتجر حصيرًا يتخلى فيها عن الناس، فلا يخالطهم ولا يشتغل بهم حتى يَتِمَّ أنسه بالله تعالى، وَلَمّ شعث القلب بالإقبال على الله تعالى، وذلك بالانقطاع التام إلى العبادة، وعملًا على حفظ الصيام من كل ما يؤثر عليه من حظوظ النفس والشهوات، والتقلُّل من المباح من الأمور الدنيوية، والتخلُّص من خِصال الترف، والحماية من آثار فضول الصحبة، فإن الصحبة قد تزيد على حد الاعتدال، فيصير شأنها شأن التخمة بالطعام، وأيضًا حماية القلب من جرائر فضول الكلام.. وغير ذلك من الأمور التي تفسد القلب وتمرضه، بل ربما تقضي عليه، فالاعتكاف مشفى هذه الأمراض، يخرج الإنسان من معتكفه معافى سليم القلب، وذلك إذا علم معنى الاعتكاف، وقام على تحقيق هذا المعنى.
ثانيًا: القيام فيها:
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه".
قال الحافظ رحمه الله: "معنى إيمانًا: أي تصديقًا بوعد الله بالثواب عليه.
معنى احتسابًا: أي طلبًا للأجر، لا لقصد أخر كرياء ونحوه" اهـ[1].
قال ابن رجب رحمه الله: "وقيام ليلة القدر إنما هو أحياؤها بالتهجد فيها والصلاة" اهـ[2].
ثالثًا: الدعاء فيها:
قال ابن رجب رحمه الله: "وقد أخرج الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن وافقتُ ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي: «اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعف عني»[3].
العَفُوّ: من أسماء الله تعالى، وهو المتجاوز عن سيئات عباده، الماحي لآثارها عنهم، وهو يحب العفو، فيحب أن يعفو عن عباده، ويحب من عباده أن يعفو بعضهم عن بعض، فإذا عفا بعضهم عن بعض عاملهم بعفوه، وعفوه أحب إليه من عقوبته، فالرحمة من صفات الذات والغضب من صفات الفعل، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أعوذ برضاك من سخطك، وعفوك من عقوبتك»[4]
قال يحيى بن معاذ رحمه الله: "لو لم يكن العفو أحب الأشياء إليه لم يبتل بالذنب أكرم الناس عليه".
يشير إلى أنه ابتلى كثيرًا من أوليائه وأحبابه بشيء من الذنوب؛ ليعاملهم بالعفو فإنه سبحانه يحب العفو.
وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال كما عند الترمذي في فضل رمضان: «ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة».
سبحانك من إله عفو كريم!
فاللهم إنك عَفُوٌّ تحب العفو فاعفُ عنا
قال ابن رجب: "قال سفيان الثوري: الدعاء في تلك الليلة أحب إليَّ من الصلاة" اهـ[5].
ومراده: أن كثرة الدعاء أفضل من الصلاة التي لم يكثر فيها الدعاء، وإن قرأ ودعا كان حسنًا.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتهجَّد في ليالي رمضان، ويقرأ قراءة مرتَّلةً، لا يمر بآية فيها رحمة إلا سأل، ولا بآية فيها عذاب إلا تعوَّذ، فجمع بين الصلاة والقراءة والدعاء والتفكُّر، وهذا أفضل الأعمال وأكملها في ليالي العشر وغيرها.. والله أعلم.
رابعًا: إيقاظ الأهل للصلاة:
وتتأكد في الوتر التي يُرْجَى فيها ليلة القدر، فقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله".
1- شد المئزر: أي اجتهد في العبادة واعتزل النساء.
2- أحيا ليله: أي سهره بالطاعة.
3- أيقظ أهله: أي للصلاة.
وعند الطبراني من حديث عليِّ رضى الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان وكلَّ صغير وكبير يطيق الصلاة".
قال سفيان الثوري: "أحبَّ إليَّ إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجَّد بالليل، ويجتهد فيها، وينهض أهله وولده إلي الصلاة إن أطاقوا ذلك".
وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في (صحيح البخاري): أنه كان يطرق فاطمة وعليًا ليلًا فيقول لهما: «ألا تقومان فتُصَلِّيان».
وكان يوقظ عائشة رضي الله عنها بالليل إذا قضى تهجُّده وأراد يُوتر.
وقد رغب النبي أيضًا أيقاظ أحد الزوجين صاحبه للصلاة، ونضح الماء في وجهه[6].
وفي (الموطأ): "أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة، يقول لهم: الصلاة... الصلاة ويتلو هذه الآية: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه من الآية:132].
خامسًا: المحافظة على الصلوات المكتوبات في المسجد:
خصوصًا المغرب والعشاء والفجر، وهذا هو الحد الأدنى، وأقل القليل الذي به تكون قد أصبت من ليلة القدر، فقد أخرج البيهقي عن أنس بن مالك رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن صلَّى المغرب والعشاء في جماعة حتى ينقضي شهر رمضان فقد أصاب من ليلة القدر بحظ وافر".
وأخرج الإمام مالك في (الموطأ) عن سعيد بن المسيب رحمه الله أنه قال: "مَن شَهدَ العشاء ليلة القدر في جماعة فقد أخذ بحظه منها".
قال ابن عبد البر: "قول ابن المسيب لا يكون رأيًا، ولا يؤخذ إلا توقيفًا، ومراسيله أصح المراسيل".
وكذا قال الشافعي رحمه الله في (القديم): "مَن شَهدَ العشاء والصبح ليلة القدر فقد أخذ بحظه فيها".
فأقل شيء يفعله الإنسان في تلك الليلة: هو أن يحافظ على الأوقات في جماعة خاصة العشاء الأخيرة والفجر.
نداء:
يا مَن ضاع عمره بلا شيء، استدرِك ما فاتك ليلة القدر، فإنها تحسب بالعمر، فبادر إلى اغتنام العمل فيما بقى من الشهر، فعسى أن تتدارك ما فاتك من ضياع العمر.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم ولا
حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمنات وللمسلمين وللمسلمات الاحياء والاموات
هذه الليلة المباركة مَن حُرِمها فقد حُرِم الخير كله، ولا يُحْرَم خيرها إلا محروم. لذلك ينبغي للمسلم الحريص على طاعة الله أن يحيها إيمانًا وطمعًا في أجرها العظيم، وأن يجتهد في العشر الأواخر أسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد أخرج الإمام مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها".
ولذلك يسن فيها هذه الأعمال:
أولًا: الاعتكاف:
وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الاعتكاف في العشر الأواخر في رمضان، فقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفَّاه الله تعالى، ثم أعتكف أزواجه من بعده ".
وفى العام الذي قُبض فيه النبي اعتكف عشرين يومًا، أي: العشر الأواسط والعشر الأواخر جميعًا.
كما جاء عند البخاري من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام، فلما كان العام الذي قُبِض فيه اعتكف عشرين".
وإنما كان يعتكف النبي صلى الله عليه وسلم في هذه العشر التي يطلب فيها ليلة القدر قطعًا لأشغاله، وتفريغًا لباله، وتخليًا لمناجاة ربه وذكره ودعائه، وكان يحتجر حصيرًا يتخلى فيها عن الناس، فلا يخالطهم ولا يشتغل بهم حتى يَتِمَّ أنسه بالله تعالى، وَلَمّ شعث القلب بالإقبال على الله تعالى، وذلك بالانقطاع التام إلى العبادة، وعملًا على حفظ الصيام من كل ما يؤثر عليه من حظوظ النفس والشهوات، والتقلُّل من المباح من الأمور الدنيوية، والتخلُّص من خِصال الترف، والحماية من آثار فضول الصحبة، فإن الصحبة قد تزيد على حد الاعتدال، فيصير شأنها شأن التخمة بالطعام، وأيضًا حماية القلب من جرائر فضول الكلام.. وغير ذلك من الأمور التي تفسد القلب وتمرضه، بل ربما تقضي عليه، فالاعتكاف مشفى هذه الأمراض، يخرج الإنسان من معتكفه معافى سليم القلب، وذلك إذا علم معنى الاعتكاف، وقام على تحقيق هذا المعنى.
ثانيًا: القيام فيها:
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه".
قال الحافظ رحمه الله: "معنى إيمانًا: أي تصديقًا بوعد الله بالثواب عليه.
معنى احتسابًا: أي طلبًا للأجر، لا لقصد أخر كرياء ونحوه" اهـ[1].
قال ابن رجب رحمه الله: "وقيام ليلة القدر إنما هو أحياؤها بالتهجد فيها والصلاة" اهـ[2].
ثالثًا: الدعاء فيها:
قال ابن رجب رحمه الله: "وقد أخرج الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن وافقتُ ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي: «اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعف عني»[3].
العَفُوّ: من أسماء الله تعالى، وهو المتجاوز عن سيئات عباده، الماحي لآثارها عنهم، وهو يحب العفو، فيحب أن يعفو عن عباده، ويحب من عباده أن يعفو بعضهم عن بعض، فإذا عفا بعضهم عن بعض عاملهم بعفوه، وعفوه أحب إليه من عقوبته، فالرحمة من صفات الذات والغضب من صفات الفعل، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أعوذ برضاك من سخطك، وعفوك من عقوبتك»[4]
قال يحيى بن معاذ رحمه الله: "لو لم يكن العفو أحب الأشياء إليه لم يبتل بالذنب أكرم الناس عليه".
يشير إلى أنه ابتلى كثيرًا من أوليائه وأحبابه بشيء من الذنوب؛ ليعاملهم بالعفو فإنه سبحانه يحب العفو.
وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال كما عند الترمذي في فضل رمضان: «ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة».
سبحانك من إله عفو كريم!
فاللهم إنك عَفُوٌّ تحب العفو فاعفُ عنا
قال ابن رجب: "قال سفيان الثوري: الدعاء في تلك الليلة أحب إليَّ من الصلاة" اهـ[5].
ومراده: أن كثرة الدعاء أفضل من الصلاة التي لم يكثر فيها الدعاء، وإن قرأ ودعا كان حسنًا.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتهجَّد في ليالي رمضان، ويقرأ قراءة مرتَّلةً، لا يمر بآية فيها رحمة إلا سأل، ولا بآية فيها عذاب إلا تعوَّذ، فجمع بين الصلاة والقراءة والدعاء والتفكُّر، وهذا أفضل الأعمال وأكملها في ليالي العشر وغيرها.. والله أعلم.
رابعًا: إيقاظ الأهل للصلاة:
وتتأكد في الوتر التي يُرْجَى فيها ليلة القدر، فقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله".
1- شد المئزر: أي اجتهد في العبادة واعتزل النساء.
2- أحيا ليله: أي سهره بالطاعة.
3- أيقظ أهله: أي للصلاة.
وعند الطبراني من حديث عليِّ رضى الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان وكلَّ صغير وكبير يطيق الصلاة".
قال سفيان الثوري: "أحبَّ إليَّ إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجَّد بالليل، ويجتهد فيها، وينهض أهله وولده إلي الصلاة إن أطاقوا ذلك".
وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في (صحيح البخاري): أنه كان يطرق فاطمة وعليًا ليلًا فيقول لهما: «ألا تقومان فتُصَلِّيان».
وكان يوقظ عائشة رضي الله عنها بالليل إذا قضى تهجُّده وأراد يُوتر.
وقد رغب النبي أيضًا أيقاظ أحد الزوجين صاحبه للصلاة، ونضح الماء في وجهه[6].
وفي (الموطأ): "أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه كان يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة، يقول لهم: الصلاة... الصلاة ويتلو هذه الآية: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه من الآية:132].
خامسًا: المحافظة على الصلوات المكتوبات في المسجد:
خصوصًا المغرب والعشاء والفجر، وهذا هو الحد الأدنى، وأقل القليل الذي به تكون قد أصبت من ليلة القدر، فقد أخرج البيهقي عن أنس بن مالك رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن صلَّى المغرب والعشاء في جماعة حتى ينقضي شهر رمضان فقد أصاب من ليلة القدر بحظ وافر".
وأخرج الإمام مالك في (الموطأ) عن سعيد بن المسيب رحمه الله أنه قال: "مَن شَهدَ العشاء ليلة القدر في جماعة فقد أخذ بحظه منها".
قال ابن عبد البر: "قول ابن المسيب لا يكون رأيًا، ولا يؤخذ إلا توقيفًا، ومراسيله أصح المراسيل".
وكذا قال الشافعي رحمه الله في (القديم): "مَن شَهدَ العشاء والصبح ليلة القدر فقد أخذ بحظه فيها".
فأقل شيء يفعله الإنسان في تلك الليلة: هو أن يحافظ على الأوقات في جماعة خاصة العشاء الأخيرة والفجر.
نداء:
يا مَن ضاع عمره بلا شيء، استدرِك ما فاتك ليلة القدر، فإنها تحسب بالعمر، فبادر إلى اغتنام العمل فيما بقى من الشهر، فعسى أن تتدارك ما فاتك من ضياع العمر.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم ولا
حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
اللهم اغفر لي وللمؤمنين وللمؤمنات وللمسلمين وللمسلمات الاحياء والاموات
تعليق