إذا داهمتْك الأحزانُ والخُطُوب، وكَثُرتْ عليك المعاصي والذنوب، وعزَّ عليك المأمول والمطلوب - فانطرح بين يَدَي مولاك، وأظهر له فاقتَك وعجزك، وَاشْكُ إليه حاجتَك: ﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ﴾ [يوسف: 86]، إلى الله، لا إلى أحد سواه سواه!
وَإذَا عَرَاكِ بليةٌُ فاصبِرْ لَهَــا *** صَبْرَ الكريمِ فَإنَّه بكَ أَعلـــمُ
وَإِذَا شَكَوتَ إلى ابنِ آدمَ إِنَّمَا *** تَشْكُو الرَّحِيمَ إلى الذي لا يَرْحَمُ
وهذا عمر يقول: \"ما في الشكوى إلى الخلق إلا أن تحزنَ صديقك، وتشمِّت عدوك\"
إِذَا أَرْهَقَتْكَ هُمُومُ الْحَيَــاةِ *** وَمَسَّكَ مِنْهَا عَظِيمُ الضَّـرَرْ
وَذُقْتَ الْأَمَرَّيْنِ حَتَّى بَكَيْـتَ *** وَضَجَّ فُؤادُكَ حَتَّى انْفَجَـرْ
وَسُدَّتْ بِوَجْهِكَ كُلُّ الدُّرُوبِ *** وَأَوْشَكْتَ تَسْقُطُ بَيْنَ الْحُفَرْ
فَيَمِّمْ إِلَى اللهِ فِي لَهْفَـــةٍ *** وَبُثَّ الشَّكَاةَ لِرَبِّ الْبَشَـرْ
فإذا فعلتَ ذلك سَمِع الله شكواك، واستجاب دعاك، كما استجاب لِمَن سبقك من الأنبياء والصحابة والأخيار؛ فهذا أيوب - عليه السلام - يشكو حاله إلى ربه، فيقول: ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 83]؛ فسَمِع الله شكواه، واستجاب دعاه، وكشف بلواه: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 84].
وهذا يونس - عليه السلام - ينادي ربه ويُنَاجِيه، ويشكو إليه حاله، فينادي ﴿ فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 87]؛ فسمع الله شكواه، واستجاب دعاه، وكشف بلواه: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 88].
وهذا نبينا - عليه الصلاة والسلام - يشكو حاله إلى ربه، فيناديه: ((اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنتَ ربُّ المستضعفين وأنت ربي، إلى مَن تَكِلُني؟ إلى بعيدٍ يتجهَّمني؟ أم إلى عدوٍّ ملكتَه أمري؟ إن لم يكن بك غضبٌ عليَّ فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهِك الذي أشرقتْ له الظلمات، وصَلَح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تُنْزِل بي غضبَك، أو يحل عليَّ سخطك، لك العُتْبَى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك)).
فيا من تقطعت به الأسباب .. واغلقت في وجهه الأبواب ..
اقرع أبواب السماء .. والجأ الى الله بالدعاء
بث شكواك اليه وأحسن الظن به
فما خاب من رجاه .. ولا رُد من دعاه ..
( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ )[البقرة:186]
" وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ"[غافر:60]
لا اله الا الله فلنتوجه جميعا للخالق العظيم رب العرش الكريم
هو الرحيم يرحمنا..........
هو الكريم يكرمنا
هو الغفور يغفر لنا
هو الرزاق يرزقنا
صيد الفوائد
لكن ليست كل شكوى إلى المخلوق محرمة، بل إن كانت لغرض صحيح كالاستعانة به على زوال الضرر، فلا بأس بها، وأما الشكوى دون حاجة فهي مكروهة، وقد تصل إلى التحريم إن اقترن بها تسخط من قدر الله،
قال ابن تيمية: والصبر أن يصبر عن شكوى ما به إلى غير الله فإن هذا هو الصبر الجميل، وأما الكتمان فيراد به شيئان: أحدهما: أن يكتم بثه وألمه ولا يشكو إلى غير الله فمتى شكا إلى غير الله نقص صبره، وهذا أعلى الكتمانين؛ لكن هذا لا يصبر عليه كل أحد، بل كثير من الناس يشكو ما به، وهذا على وجهين: فإن شكا ذلك إلى طبيب يعرف طب النفوس ليعالج نفسه بعلاج الإيمان فهو بمنزلة المستفتي وهذا حسن، وإن شكا إلى من يعينه على المحرم فهذا حرام، وإن شكا إلى غيره لما في الشكوى من الراحة كما أن المصاب يشتكي مصيبته إلى الناس من غير أن يقصد تعلم ما ينفعه ولا الاستعانة على معصية فهذا ينقص صبره، لكن لا يأثم مطلقا إلا إذا اقترن به ما يحرم كالمصاب الذي يتسخط. اهـ. من مجموع الفتاوى .
اسلام ويب
تعليق