بسم الله الرحمن الرحيم
كذبة الإرهاب: أسباب إخفاق الثورات
أبو أحمد العامري - صنعاء
إن الصراع بين الحق والباطل مستمر، كما نعلم ونعتقد يقيناً بأن حجة الباطل داحضة، قال تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ والدليل على ذلك أن الباطل لا يواجه الحق بل يلتفُّ عليه ويوجِد الأساليب والوسائل ويخترع الحيل التي تزور الحقائق وتلبس الحق بالباطل. فالأصل أن تكون المواجهة: الفكرة بالفكرة، والبرهان بالبرهان، والحجة بالحجة؛ ولكن أين المواجهة؟ فهي غير موجودة، وإن كانت فالباطل زائل لا محالة، فكما كان كفار قريش يواجهون رسول الله حجةً بحجة وبرهاناً ببرهان ولكن سرعان ما كانوا لا يستطيعون الصمود فيغلبو ويخيبو خاسرين ويرد الله كيدهم وتزول حججهم الداحضة ويبين فسادها. وعلى سيبل المثال لا الحصر، فقد تحداهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن فلم يستطيعوا، فتحداهم أن يأتوا بعشر سور من مثله فعجزوا، فتحداهم أن يأتوا ولو بسورة واحدة من مثله فخرسوا. وصدق قول الله فيهم وفي جميع الكفار: وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا . وكذلك ينطبق هذا الأمر على حضارة الغرب المفلسة، والتي من إفلاسها أنهم لم يستطيعوا مواجهة الفكرة بالفكرة، فأنتجوا مصطلحات واتهموا بها الإسلام والمسلمين الواعين المخلصين واستعانوا بـ «إدارة الأزمات وصناعة المصطلحات» في أجهزة الاستخبارات الدولية لإلصاقها بالجهات المعنية. ومثل هذا تماماً ما فعلته قريش عندما لعبت بهذا السلاح، سلاح التشويه والتضليل الإعلامي، فقالوا عن أصدق الناس سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأنه كاذب وساحر وكاهن وشاعر... وكذلك عندما أذاعوا بين العرب أن محمداً يقتل الناس في الشهر الحرام حينما هاجمت سرية عبد الله بن جحش قافلة الكفار وقتل منهم عمرو بن الحضرمي فأنزل الله تعالى يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا أي إن القتل في الشهر الحرام إثم كبير؛ ولكن الصد عن المسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله من القتال في الشهر الحرام. والقتل فيه وما فعلته قريش وتفعله من فتنة المسلمين عن دينهم بالوعد والوعيد والإغراء والتعذيب أكبر من القتل والقتال في الشهر الحرام وفي غير الشهر الحرام، وإن قريشاً هذه هي التي تحاول الإرجاف والدعاوة ضد المسلمين لقتالهم في الشهر الحرام، وهؤلاء لا يزالون يقاتلون المسلمين حتى يردوهم عن دينهم إن استطاعوا. إذن فقتال المسلمين لقريش في الشهر الحرام ليس فيه شيء يشينهم لأن قريشاً ترتكب الكبائر من الوقوف في وجه الدعوة الإسلامية والصد عن سبيل الله والكفر بالله وإخراج أهل المسجد الحرام منه وفتنة المسلمين عن دينهم... نعم وهذا هو الزمان يعيد نفسه، وهذا ما يفعله الغرب اليوم بالمسلمين باتهامهم بـ» الإرهاب»، وخاصة أميركا، حين يلجأ للخديعة والتلبيس على الناس بالاتهام والتشويه والتكذيب وإيجاد مصطلحات تخدمه كالإرهاب، والأصولية، والوسطية، وغيرها. وكذلك نرى الغرب، وخاصة أميركا، لا يلتزم بما ينادي به ويدعو إليه، فهو يتكلم عن الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والحريات العامة بالمفهوم الغربي، بينما هو يقتل الملايين في العراق وأفغانستان وفيتنام وغيرها، مرتكباً أبشع الجرائم الإرهابية على مرأى من جميع الناس باستعماله الأسلحة المحرم استعمالها دولياً، وبالقتل العشوائي لهم غير مميز بين كبير وصغير، ولا بين رجل وامرأة، ولا بين مقاتل له وبريء. وها هو يدعي الديمقراطية ثم ينقلب عليها متى خالفت مصالحه، وينقلب على قوانينه الاقتصادية التي تدعو لحرية السوق وعدم تدخل الحكومات فيها متى تهددت مصالحه... نعم، إن الغرب، لكثرة ما يخالف فعلُه قولَه لا تجد لمواقفه ولتصريحاته مصداقية وصدى عند الآخرين بسبب القدوة السيئة، وهذا ما يجعله مفلساً منهزماً في عالمه قبل أن يكون ذلك في الخارج. فالغرب قد انكشف أمره، وبان زيف فكره، وفُضحت أكاذيبه وخداعه، وأصبح واقعاً في هاجس سقوط مبدئه أمام مبدأ الإسلام؛ لذلك هو يتهمه بقوة ويحاربه بقوة مستغلاً ضعف أهله وضعف إمكاناتهم.إن من وسائل الغرب وأساليبه الخبيثة هي التلبيس على الناس، وقد بدا هذا واضحاً عندما استبدل حكام الضرار بحكام أضرّ في الثورات التي حدثت مؤخراً، فكان السيسي مكان مبارك. والسبسي مكان بن علي، وهو كان من المقربين منه. وعبد ربه منصور مكان علي صالح وهو كان نائبه، وحفتر ما زال يقاتل في ليبيا حتى يسلم ويستلم الحكم من أسياده... كل هذا حدث ويحدث مع بقاء الوسط السياسي والأمني والعسكري والاقتصادي في كل بلد من بلاد الثورات...، فكان كمن يستبدل الثوب البالي بثوب جديد لنفس الشخص العميل. وبدا واضحاً كذلك عندما غُيِّر الدستور تغييراً شكلياً بعدم تغيير شكل الحكم فيه، أي بإبقاء الحكم مدنياً، وباعتبار الديمقراطية أساساً لقوانينه، وما غُيِّر كان غير ذي بال، بل إن الأوضاع الثقيلة ما زالت جاثمة على صدر الأمة؛ فلم تلمس الأمة نهضة فكرية وسياسية واقتصادية وثقافية، فأين التغيير إذن؟!. لقد أدركت الأمة أنه لم يحدث تغيير يذكر، فما هي أسباب عدم حدوث التغيير الجذري: 1- وجدت الأمة أن ما تغير إنما هم الأشخاص والواجهة من الحكم ولم يتغير شيء في الواقع؛ فأدرك جزء منها أنه لا بد من تغيير الدستور والقانون والنظام الذي يحكم هذه البلاد لتتغير إلى أحسن حال؛ لأن مكون النظام الأول (الدستور والقانون) الذي تقوم عليه البلاد مضافاً إليه المكون الثاني (الحكام) وزبانية هذا النظام مازالوا كما هم؛ فكان لا بد من تغيير المكوِّنين حتى يحدث تغيير حقيقي. وهذا ما لعبه الغرب حين غير عملاءه القدامى بعملاء جدد، ولكن إلى متى يستطيع هذا الغرب الخبيث أن يضحك على الأمة؟ ثم ألم تعِ الأمة أن الثورات أخفقت لأن التغيير كان جزئياً وغير كامل.2- دخول حركات وأحزاب النظام السابق المأجورة لاستيعاب وامتصاص مظالم ومطالب الناس، وبالفعل استوعبتها وعدلتها عن الطريق السليم فأضحت تجد نفسها بلا نتيجة ملموسة ودون نهضة وتغيير حقيقي. وهذه الحركات والأحزاب هي بالأصل أوجدها الغرب رديفاً للحكام مزيفاً ليلعب بهم لعبة المعارضة المزعومة، أي إنهم الوجه الآخر للعمالة للغرب. وقد كان لهؤلاء دور قذر في إفشال هذه الثورات.3- تدخل الغرب بإيجاد ثورات مضادة لتحبط مسيرة التغيير ولتوجد رأياً عاماً وإجماعاً أن هذه الثورات كانت وبالاً على الأمة وشراً يضاف إلى الشرور السابقة؛ إذ صرنا نلاحظ وجود أزمات مفتعلة كما في ارتفاع البنزين والديزل والغاز، وصرنا نرى كيف يتم عن قصد إطفاء الكهرباء بشكل مستمر ولساعات طويلة ما يؤدي إلى إحباط الأمة من أن تحاول أو تعمل للتغيير مرة ثانية بعد أن أفرغت الأمة طاقتها والتي كانت طاقة عالية؛ ولكن هيهات هيهات أن يتمكن الغرب من زرع اليأس والإحباط في الأمة، ناهيكم عن المؤمنين العاملين للتغيير الحقيقي فيها. 4- تعمد تشويه صورة الإسلام السياسي في الحكم، رغم أنه لم يوجد حكم إسلامي مطبق اليوم حتى نتهم الإسلام، وتعمد اتهام من جاء بصورة الإسلام السياسي ولم يحكم به بأنه أخفق في الحكم، وبالتالي فلا عودة للمطالبة بحكم الإسلام، ولسان المرجفين والمنافقين والمضبوعين والملبس عليهم يقول إن هذه كانت صورة من الإسلام لو طبق، فما بالنا لو كان هناك حكم خلافة؟ لا شك أنه كان هناك الإخفاق الذريع، وهذا ما يريده الحاقدون على الإسلام من إيجاد رأي عام سلبي عن الإسلام ودعاته. وكانت النتيجة أنه لا بد أن نبحث عن حكم آخر وحل آخر، وليكن مثلا علمانياً يفصل الدين كدين عن الحياة .5- وجود حشد من العملاء من الحكام والعلماء والأحزاب والتجار وأعضاء وأعيان ووزراء ووجهاء وسياسيين... فهؤلاء يفتقدون إلى الشعبية، وهؤلاء ارتبطت مصالحهم بأنظمة الضرار وتضررت مصالحهم من التغيير، فهم كانوا مستفيدين من النظام السابق؛ لذلك حاربوا لمصلحة عدم التغيير.6- إيجاد قلاقل واضطرابات من أحداث أمنية متوترة من تفجيرات وإطلاق نار واغتيالات يقف وراءها الغرب الذي يسخر عملاء له لإحداث مثل هذه الفوضى لاتهام الإسلام حسب مصلحته ما يؤدي إلى إيجاد حالة من الإحباط والفشل والاستسلام للواقع والتسليم بأنه لا فائدة من أي تغيير قادم حتى ولو كان تغييراً جذرياً. 7-حالة الجهل واللاوعي عند الحركات والأحزاب والأمة بطريقة التغيير وعناصره ومكوناته، والتي بمعرفتها يزال السرطان الذي مازال يفتك بالأمة. فالجهل بالمفاهيم والأفكار الناهضة للأمة، وكذلك الجهل بمشاريع الغرب في البلاد الإسلامية والذي يستعمرنا ليل نهار سياسياً واقتصادياً وفكرياً وعسكرياً أدى إلى عرقلة فرصة التغيير التي كانت تؤمل جراء هذه الثورات.8-عدم وجود أحزاب تملك رؤية واستراتيجية تنهض الأمة على أساسها، فلا تمتلك إلا شعار الإسلام من غير وجود دستور إسلامي لديها يمثل عقيدة وتوجه الأمة، ومن غير وجود رؤية لكيفية النهضة العملية للواقع المعاش؛ بحيث تجمع بين عاملي الحكم (السياسة والاقتصاد والاجتماع والعقوبات وغيرها) والإدارة (تجديد الأساليب والوسائل والخطط بما يناسب تنفيذها) أي كيف سيكون تطبيق الاقتصاد؟ وكيف سيمارس الحكم؟ وكيف سيكون التعليم، والقضاء وغيرها؟ وما يلفت للانتباه هنا أن هذه الأحزاب غارقة في الدساتير والحلول الرأسمالية التي صيغت أصولها من الغرب، والتي ضحكت على عقول المسلمين بقولها إن الإسلام هو المصدر الرئيسي للحكم وليس الوحيد ما يعكس عجز تلك الأحزاب لأن تمتلك مشروعاً حضارياً منبثقاً من عقيدة الأمة وفكرها، والتي تنبثق عنها حلول ومعالجات لمشاكل الإنسان. فهي أحزاب عاجزة، وتبعيتها للأنظمة الحاكمة، ولا تجد بأساً بالاعتراف بها والتعامل معها ونيل رضاها؛ فيلمع اسمها في الإعلام، ويسمح لها ولدعاتها بالظهور في المساجد والمنابر والإذاعات والفضائيات.9-تدخل أهل القوة والجيش لصالح الأنظمة الفاسدة، فلم تتغير قيادات الجيش إلا تغييراً شكلياً، واستطاع الغرب أن يُحْكِم قبضته من خلال هذه القيادات العسكرية الموالية له، وأن يمتص هذا الهجوم من الأمة على الأنظمة التابعة له؛ لذلك بقيت القوة بيد الغرب الكافر المستعمر لا بيد الإسلام، وكان الواجب على من يريد التغيير أن تكون له قوة نصرة له من أهل القوة حتى يحافظ على مكتسبات التغيير ويمنع القضاء عليه، كما حدث بالفعل.
كذبة الإرهاب: أسباب إخفاق الثورات
أبو أحمد العامري - صنعاء
إن الصراع بين الحق والباطل مستمر، كما نعلم ونعتقد يقيناً بأن حجة الباطل داحضة، قال تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ والدليل على ذلك أن الباطل لا يواجه الحق بل يلتفُّ عليه ويوجِد الأساليب والوسائل ويخترع الحيل التي تزور الحقائق وتلبس الحق بالباطل. فالأصل أن تكون المواجهة: الفكرة بالفكرة، والبرهان بالبرهان، والحجة بالحجة؛ ولكن أين المواجهة؟ فهي غير موجودة، وإن كانت فالباطل زائل لا محالة، فكما كان كفار قريش يواجهون رسول الله حجةً بحجة وبرهاناً ببرهان ولكن سرعان ما كانوا لا يستطيعون الصمود فيغلبو ويخيبو خاسرين ويرد الله كيدهم وتزول حججهم الداحضة ويبين فسادها. وعلى سيبل المثال لا الحصر، فقد تحداهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن فلم يستطيعوا، فتحداهم أن يأتوا بعشر سور من مثله فعجزوا، فتحداهم أن يأتوا ولو بسورة واحدة من مثله فخرسوا. وصدق قول الله فيهم وفي جميع الكفار: وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا . وكذلك ينطبق هذا الأمر على حضارة الغرب المفلسة، والتي من إفلاسها أنهم لم يستطيعوا مواجهة الفكرة بالفكرة، فأنتجوا مصطلحات واتهموا بها الإسلام والمسلمين الواعين المخلصين واستعانوا بـ «إدارة الأزمات وصناعة المصطلحات» في أجهزة الاستخبارات الدولية لإلصاقها بالجهات المعنية. ومثل هذا تماماً ما فعلته قريش عندما لعبت بهذا السلاح، سلاح التشويه والتضليل الإعلامي، فقالوا عن أصدق الناس سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأنه كاذب وساحر وكاهن وشاعر... وكذلك عندما أذاعوا بين العرب أن محمداً يقتل الناس في الشهر الحرام حينما هاجمت سرية عبد الله بن جحش قافلة الكفار وقتل منهم عمرو بن الحضرمي فأنزل الله تعالى يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا أي إن القتل في الشهر الحرام إثم كبير؛ ولكن الصد عن المسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله من القتال في الشهر الحرام. والقتل فيه وما فعلته قريش وتفعله من فتنة المسلمين عن دينهم بالوعد والوعيد والإغراء والتعذيب أكبر من القتل والقتال في الشهر الحرام وفي غير الشهر الحرام، وإن قريشاً هذه هي التي تحاول الإرجاف والدعاوة ضد المسلمين لقتالهم في الشهر الحرام، وهؤلاء لا يزالون يقاتلون المسلمين حتى يردوهم عن دينهم إن استطاعوا. إذن فقتال المسلمين لقريش في الشهر الحرام ليس فيه شيء يشينهم لأن قريشاً ترتكب الكبائر من الوقوف في وجه الدعوة الإسلامية والصد عن سبيل الله والكفر بالله وإخراج أهل المسجد الحرام منه وفتنة المسلمين عن دينهم... نعم وهذا هو الزمان يعيد نفسه، وهذا ما يفعله الغرب اليوم بالمسلمين باتهامهم بـ» الإرهاب»، وخاصة أميركا، حين يلجأ للخديعة والتلبيس على الناس بالاتهام والتشويه والتكذيب وإيجاد مصطلحات تخدمه كالإرهاب، والأصولية، والوسطية، وغيرها. وكذلك نرى الغرب، وخاصة أميركا، لا يلتزم بما ينادي به ويدعو إليه، فهو يتكلم عن الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والحريات العامة بالمفهوم الغربي، بينما هو يقتل الملايين في العراق وأفغانستان وفيتنام وغيرها، مرتكباً أبشع الجرائم الإرهابية على مرأى من جميع الناس باستعماله الأسلحة المحرم استعمالها دولياً، وبالقتل العشوائي لهم غير مميز بين كبير وصغير، ولا بين رجل وامرأة، ولا بين مقاتل له وبريء. وها هو يدعي الديمقراطية ثم ينقلب عليها متى خالفت مصالحه، وينقلب على قوانينه الاقتصادية التي تدعو لحرية السوق وعدم تدخل الحكومات فيها متى تهددت مصالحه... نعم، إن الغرب، لكثرة ما يخالف فعلُه قولَه لا تجد لمواقفه ولتصريحاته مصداقية وصدى عند الآخرين بسبب القدوة السيئة، وهذا ما يجعله مفلساً منهزماً في عالمه قبل أن يكون ذلك في الخارج. فالغرب قد انكشف أمره، وبان زيف فكره، وفُضحت أكاذيبه وخداعه، وأصبح واقعاً في هاجس سقوط مبدئه أمام مبدأ الإسلام؛ لذلك هو يتهمه بقوة ويحاربه بقوة مستغلاً ضعف أهله وضعف إمكاناتهم.إن من وسائل الغرب وأساليبه الخبيثة هي التلبيس على الناس، وقد بدا هذا واضحاً عندما استبدل حكام الضرار بحكام أضرّ في الثورات التي حدثت مؤخراً، فكان السيسي مكان مبارك. والسبسي مكان بن علي، وهو كان من المقربين منه. وعبد ربه منصور مكان علي صالح وهو كان نائبه، وحفتر ما زال يقاتل في ليبيا حتى يسلم ويستلم الحكم من أسياده... كل هذا حدث ويحدث مع بقاء الوسط السياسي والأمني والعسكري والاقتصادي في كل بلد من بلاد الثورات...، فكان كمن يستبدل الثوب البالي بثوب جديد لنفس الشخص العميل. وبدا واضحاً كذلك عندما غُيِّر الدستور تغييراً شكلياً بعدم تغيير شكل الحكم فيه، أي بإبقاء الحكم مدنياً، وباعتبار الديمقراطية أساساً لقوانينه، وما غُيِّر كان غير ذي بال، بل إن الأوضاع الثقيلة ما زالت جاثمة على صدر الأمة؛ فلم تلمس الأمة نهضة فكرية وسياسية واقتصادية وثقافية، فأين التغيير إذن؟!. لقد أدركت الأمة أنه لم يحدث تغيير يذكر، فما هي أسباب عدم حدوث التغيير الجذري: 1- وجدت الأمة أن ما تغير إنما هم الأشخاص والواجهة من الحكم ولم يتغير شيء في الواقع؛ فأدرك جزء منها أنه لا بد من تغيير الدستور والقانون والنظام الذي يحكم هذه البلاد لتتغير إلى أحسن حال؛ لأن مكون النظام الأول (الدستور والقانون) الذي تقوم عليه البلاد مضافاً إليه المكون الثاني (الحكام) وزبانية هذا النظام مازالوا كما هم؛ فكان لا بد من تغيير المكوِّنين حتى يحدث تغيير حقيقي. وهذا ما لعبه الغرب حين غير عملاءه القدامى بعملاء جدد، ولكن إلى متى يستطيع هذا الغرب الخبيث أن يضحك على الأمة؟ ثم ألم تعِ الأمة أن الثورات أخفقت لأن التغيير كان جزئياً وغير كامل.2- دخول حركات وأحزاب النظام السابق المأجورة لاستيعاب وامتصاص مظالم ومطالب الناس، وبالفعل استوعبتها وعدلتها عن الطريق السليم فأضحت تجد نفسها بلا نتيجة ملموسة ودون نهضة وتغيير حقيقي. وهذه الحركات والأحزاب هي بالأصل أوجدها الغرب رديفاً للحكام مزيفاً ليلعب بهم لعبة المعارضة المزعومة، أي إنهم الوجه الآخر للعمالة للغرب. وقد كان لهؤلاء دور قذر في إفشال هذه الثورات.3- تدخل الغرب بإيجاد ثورات مضادة لتحبط مسيرة التغيير ولتوجد رأياً عاماً وإجماعاً أن هذه الثورات كانت وبالاً على الأمة وشراً يضاف إلى الشرور السابقة؛ إذ صرنا نلاحظ وجود أزمات مفتعلة كما في ارتفاع البنزين والديزل والغاز، وصرنا نرى كيف يتم عن قصد إطفاء الكهرباء بشكل مستمر ولساعات طويلة ما يؤدي إلى إحباط الأمة من أن تحاول أو تعمل للتغيير مرة ثانية بعد أن أفرغت الأمة طاقتها والتي كانت طاقة عالية؛ ولكن هيهات هيهات أن يتمكن الغرب من زرع اليأس والإحباط في الأمة، ناهيكم عن المؤمنين العاملين للتغيير الحقيقي فيها. 4- تعمد تشويه صورة الإسلام السياسي في الحكم، رغم أنه لم يوجد حكم إسلامي مطبق اليوم حتى نتهم الإسلام، وتعمد اتهام من جاء بصورة الإسلام السياسي ولم يحكم به بأنه أخفق في الحكم، وبالتالي فلا عودة للمطالبة بحكم الإسلام، ولسان المرجفين والمنافقين والمضبوعين والملبس عليهم يقول إن هذه كانت صورة من الإسلام لو طبق، فما بالنا لو كان هناك حكم خلافة؟ لا شك أنه كان هناك الإخفاق الذريع، وهذا ما يريده الحاقدون على الإسلام من إيجاد رأي عام سلبي عن الإسلام ودعاته. وكانت النتيجة أنه لا بد أن نبحث عن حكم آخر وحل آخر، وليكن مثلا علمانياً يفصل الدين كدين عن الحياة .5- وجود حشد من العملاء من الحكام والعلماء والأحزاب والتجار وأعضاء وأعيان ووزراء ووجهاء وسياسيين... فهؤلاء يفتقدون إلى الشعبية، وهؤلاء ارتبطت مصالحهم بأنظمة الضرار وتضررت مصالحهم من التغيير، فهم كانوا مستفيدين من النظام السابق؛ لذلك حاربوا لمصلحة عدم التغيير.6- إيجاد قلاقل واضطرابات من أحداث أمنية متوترة من تفجيرات وإطلاق نار واغتيالات يقف وراءها الغرب الذي يسخر عملاء له لإحداث مثل هذه الفوضى لاتهام الإسلام حسب مصلحته ما يؤدي إلى إيجاد حالة من الإحباط والفشل والاستسلام للواقع والتسليم بأنه لا فائدة من أي تغيير قادم حتى ولو كان تغييراً جذرياً. 7-حالة الجهل واللاوعي عند الحركات والأحزاب والأمة بطريقة التغيير وعناصره ومكوناته، والتي بمعرفتها يزال السرطان الذي مازال يفتك بالأمة. فالجهل بالمفاهيم والأفكار الناهضة للأمة، وكذلك الجهل بمشاريع الغرب في البلاد الإسلامية والذي يستعمرنا ليل نهار سياسياً واقتصادياً وفكرياً وعسكرياً أدى إلى عرقلة فرصة التغيير التي كانت تؤمل جراء هذه الثورات.8-عدم وجود أحزاب تملك رؤية واستراتيجية تنهض الأمة على أساسها، فلا تمتلك إلا شعار الإسلام من غير وجود دستور إسلامي لديها يمثل عقيدة وتوجه الأمة، ومن غير وجود رؤية لكيفية النهضة العملية للواقع المعاش؛ بحيث تجمع بين عاملي الحكم (السياسة والاقتصاد والاجتماع والعقوبات وغيرها) والإدارة (تجديد الأساليب والوسائل والخطط بما يناسب تنفيذها) أي كيف سيكون تطبيق الاقتصاد؟ وكيف سيمارس الحكم؟ وكيف سيكون التعليم، والقضاء وغيرها؟ وما يلفت للانتباه هنا أن هذه الأحزاب غارقة في الدساتير والحلول الرأسمالية التي صيغت أصولها من الغرب، والتي ضحكت على عقول المسلمين بقولها إن الإسلام هو المصدر الرئيسي للحكم وليس الوحيد ما يعكس عجز تلك الأحزاب لأن تمتلك مشروعاً حضارياً منبثقاً من عقيدة الأمة وفكرها، والتي تنبثق عنها حلول ومعالجات لمشاكل الإنسان. فهي أحزاب عاجزة، وتبعيتها للأنظمة الحاكمة، ولا تجد بأساً بالاعتراف بها والتعامل معها ونيل رضاها؛ فيلمع اسمها في الإعلام، ويسمح لها ولدعاتها بالظهور في المساجد والمنابر والإذاعات والفضائيات.9-تدخل أهل القوة والجيش لصالح الأنظمة الفاسدة، فلم تتغير قيادات الجيش إلا تغييراً شكلياً، واستطاع الغرب أن يُحْكِم قبضته من خلال هذه القيادات العسكرية الموالية له، وأن يمتص هذا الهجوم من الأمة على الأنظمة التابعة له؛ لذلك بقيت القوة بيد الغرب الكافر المستعمر لا بيد الإسلام، وكان الواجب على من يريد التغيير أن تكون له قوة نصرة له من أهل القوة حتى يحافظ على مكتسبات التغيير ويمنع القضاء عليه، كما حدث بالفعل.
تعليق