البرُّ حُسن الخُلق ..) وحديث (جئتَ تسأل عن البرِّ والإثم... ) عن النواس بن سمعان رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ( البرُّ حُسن الخُلق، والإثمُ ما حاك في النفس وكرهتَ أن يطَّلع عليه الناس) رواه مسلم. وعن وابصة بن معبَد رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (جئتَ تسأل عن البرِّ والإثم؟ قلت: نعم! قال: استفت قلبَك، البرُّ ما اطمأنت إليه النفس واطمانَّ إليه القلب، والإثمُ ما حاك في النفس وتردَّد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك) حديث حسن، رويناه في مسندي الإمامَين أحمد بن حنبل والدارمي بإسناد حسن.
1 ــ حديث النواس رواه مسلم، وحديث وابصة رواه أحمد والدارمي وفي إسناده مقال، لكن له شواهد بأسانيد جيِّدة، ذكرها الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم، وهو في الجملة مُماثل لحديث النواس بن سمعان.
2 ــ البرُّ كلمةٌ جامعة تشمل الأمور الباطنة التي في القلب والأمور الظاهرة التي تكون على اللسان والجوارح، وآية (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ) واضحة الدلالة على ذلك؛ فإنَّ أوَّلَها مشتمل على الأمور الباطنة، وآخرَها مشتمل على الأمور الظاهرة، ويُطلق البرُّ على خصوص برِّ الوالدين، لا سيما إذا قُرن بالصلة، فإنَّه يُراد بهما بر الوالدين وصلة الأرحام، ويأتي البرُّ مقروناً بالتقوى، كما في قول الله عزَّ وجلَّ: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) ، فعند اجتماعهما كما في هذه الآية يُفسَّر البرُّ بفعل الطاعات، والتقوى بترك المنهيات، فإذا أُفرد أحدهما عن الآخر بالذِّكر شمل المعنيين جميعاً، وهذا نظير الإسلام والإيمان، والفقير والمسكين.
3 ــ جاء في حديث النواس "البرُّ حسن الخلق" وحُسنُ الخُلُق يحتمل أن يكون المراد به خصوص الخلق الكريم المعروف بهذا الاسم، ويكون تفسير البرِّ به لأهميَّته وعظيم شأنه، وهو نظير "الدِّين النصيحة"، و "الحجُّ عرفة"، ويُمكن أن يُراد به العموم والشمول لكلِّ ما هو خير، ويدلُّ عليه وصف أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها لِخُلق الرسول صلى الله عليه وسلم بأنَّه القرآن، والمعنى أنَّه يتأدَّب بآدابه، ويمتثل أوامره، ويجتنب نواهيه.
4 ــ قوله: "والإثمُ ما حاك في نفسك وكرهت أن يطَّلع عليه الناس"، من الإثم ما يكون واضحاً جليًّا، ومنه ما يحوك في الصدر ولا تطمئنُّ إليه النفس، ويكره الإنسانُ أن يطَّلع عليه الناس؛ لأنَّه مِمَّا يُستحيا من فعله، فيخشى صاحبُه ألسنةَ الناس في نيلهم منه، وهو شبيه بما جاء في الأحاديث الثلاثة الماضية: "فمَن اتَّقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه"، و "دع ما يريبُك إلى ما لا يريبك"، و "إنَّ مِمَّا أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت". والإثمُ يُراد به عموم المعاصي الواضحة والمشتبهة، ويأتي مقترناً بالعدوان، كما في قول الله عزَّ وجلَّ ) وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) ، فيُفسَّر العدوان بالاعتداء والظلم، فيدخل فيه الاعتداء على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم.
5 ــ فُسِّر البرُّ في حديث وابصة بما اطمأنَّت إليه النفس واطمأنَّ إليه القلب، ولا يظهر لي فرقٌ بينهما، فقد تكون الجملة الثانية مؤكِّدةً للجملة الأولى؛ لاتِّفاقهما في المعنى، وفُسِّر فيه الإثم بما يُقابل ذلك، وهو بمعنى ما فُسِّر به الإثم في حديث النواس.
6 ــ قوله في أول حديث وابصة: "استفت قلبك" وفي آخره: "وإن أفتاك الناس وأفتوك" يدلُّ على أنَّ ما كان فيه شبهة وريبة ولا يطمئنُّ إليه القلب، أنَّ السلامةَ في تركه ولو حصل إفتاء الناس به، والمقصود أنَّ من كان من أهل الإيمان يخاف الله ويتَّقيه فإنَّه لا يُقدِم على الشيء الذي لا يطمئنُّ إليه قلبه، وقد يكون الإفتاء مِمَّن لا علم عنده، وقد يكون مِمَّن عنده علم، ولكن ليس في المسألة دليل بيِّن يُعوَّل عليه في الفعل، أمَّا إذا كان في المسألة دليل من الكتاب والسنَّة فالمتعين المصير إليه، واستفتاء القلب لا يكون من أهل الفجور والمعاصي؛ فإنَّ من أولئك مَن قد يُجاهر بالمعاصي ولا يستحيي من الله ولا من خلقه، فمثل أولئك يقعون في الحرام البيِّن، ومن باب أولى المشتبه.
7 ــ ما جاء في حديث وابصة من إخبار النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم له بالذي جاء يسأل عنه قبل أن يُبدي سؤاله محمول والله أعلم على علم سابق للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم باهتمام هذا الصحابيِّ بمعرفة البرِّ والإثم، فلعلَّه حصل له مراجعة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من قبل في شيء من ذلك.
8 ــ مِمَّا يُستفاد من الحديث: 1 ــ بيان عظم شأن حسن الخلق. 2 ــ أنَّ البرَّ والإثمَ من الكلمات الجامعة. 3 ــ أنَّ المسلمَ يُقْدِم في أمور دينه على فعل ما هو واضح الحلِّ دون ما هو مشتبه. 4 ــ أنَّ المؤمن الذي يخاف الله لا يفعل ما لا يطمئن إليه قلبه، ولو أُفتي به، ما لم يكن أمراً واضحاً في الشرع كالرخص. 5 ــ حرص الصحابة رضي الله عنهم على معرفة الحلال والحرام والبر والإثم.
1 ــ حديث النواس رواه مسلم، وحديث وابصة رواه أحمد والدارمي وفي إسناده مقال، لكن له شواهد بأسانيد جيِّدة، ذكرها الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم، وهو في الجملة مُماثل لحديث النواس بن سمعان.
2 ــ البرُّ كلمةٌ جامعة تشمل الأمور الباطنة التي في القلب والأمور الظاهرة التي تكون على اللسان والجوارح، وآية (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ) واضحة الدلالة على ذلك؛ فإنَّ أوَّلَها مشتمل على الأمور الباطنة، وآخرَها مشتمل على الأمور الظاهرة، ويُطلق البرُّ على خصوص برِّ الوالدين، لا سيما إذا قُرن بالصلة، فإنَّه يُراد بهما بر الوالدين وصلة الأرحام، ويأتي البرُّ مقروناً بالتقوى، كما في قول الله عزَّ وجلَّ: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) ، فعند اجتماعهما كما في هذه الآية يُفسَّر البرُّ بفعل الطاعات، والتقوى بترك المنهيات، فإذا أُفرد أحدهما عن الآخر بالذِّكر شمل المعنيين جميعاً، وهذا نظير الإسلام والإيمان، والفقير والمسكين.
3 ــ جاء في حديث النواس "البرُّ حسن الخلق" وحُسنُ الخُلُق يحتمل أن يكون المراد به خصوص الخلق الكريم المعروف بهذا الاسم، ويكون تفسير البرِّ به لأهميَّته وعظيم شأنه، وهو نظير "الدِّين النصيحة"، و "الحجُّ عرفة"، ويُمكن أن يُراد به العموم والشمول لكلِّ ما هو خير، ويدلُّ عليه وصف أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها لِخُلق الرسول صلى الله عليه وسلم بأنَّه القرآن، والمعنى أنَّه يتأدَّب بآدابه، ويمتثل أوامره، ويجتنب نواهيه.
4 ــ قوله: "والإثمُ ما حاك في نفسك وكرهت أن يطَّلع عليه الناس"، من الإثم ما يكون واضحاً جليًّا، ومنه ما يحوك في الصدر ولا تطمئنُّ إليه النفس، ويكره الإنسانُ أن يطَّلع عليه الناس؛ لأنَّه مِمَّا يُستحيا من فعله، فيخشى صاحبُه ألسنةَ الناس في نيلهم منه، وهو شبيه بما جاء في الأحاديث الثلاثة الماضية: "فمَن اتَّقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه"، و "دع ما يريبُك إلى ما لا يريبك"، و "إنَّ مِمَّا أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت". والإثمُ يُراد به عموم المعاصي الواضحة والمشتبهة، ويأتي مقترناً بالعدوان، كما في قول الله عزَّ وجلَّ ) وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) ، فيُفسَّر العدوان بالاعتداء والظلم، فيدخل فيه الاعتداء على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم.
5 ــ فُسِّر البرُّ في حديث وابصة بما اطمأنَّت إليه النفس واطمأنَّ إليه القلب، ولا يظهر لي فرقٌ بينهما، فقد تكون الجملة الثانية مؤكِّدةً للجملة الأولى؛ لاتِّفاقهما في المعنى، وفُسِّر فيه الإثم بما يُقابل ذلك، وهو بمعنى ما فُسِّر به الإثم في حديث النواس.
6 ــ قوله في أول حديث وابصة: "استفت قلبك" وفي آخره: "وإن أفتاك الناس وأفتوك" يدلُّ على أنَّ ما كان فيه شبهة وريبة ولا يطمئنُّ إليه القلب، أنَّ السلامةَ في تركه ولو حصل إفتاء الناس به، والمقصود أنَّ من كان من أهل الإيمان يخاف الله ويتَّقيه فإنَّه لا يُقدِم على الشيء الذي لا يطمئنُّ إليه قلبه، وقد يكون الإفتاء مِمَّن لا علم عنده، وقد يكون مِمَّن عنده علم، ولكن ليس في المسألة دليل بيِّن يُعوَّل عليه في الفعل، أمَّا إذا كان في المسألة دليل من الكتاب والسنَّة فالمتعين المصير إليه، واستفتاء القلب لا يكون من أهل الفجور والمعاصي؛ فإنَّ من أولئك مَن قد يُجاهر بالمعاصي ولا يستحيي من الله ولا من خلقه، فمثل أولئك يقعون في الحرام البيِّن، ومن باب أولى المشتبه.
7 ــ ما جاء في حديث وابصة من إخبار النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم له بالذي جاء يسأل عنه قبل أن يُبدي سؤاله محمول والله أعلم على علم سابق للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم باهتمام هذا الصحابيِّ بمعرفة البرِّ والإثم، فلعلَّه حصل له مراجعة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من قبل في شيء من ذلك.
8 ــ مِمَّا يُستفاد من الحديث: 1 ــ بيان عظم شأن حسن الخلق. 2 ــ أنَّ البرَّ والإثمَ من الكلمات الجامعة. 3 ــ أنَّ المسلمَ يُقْدِم في أمور دينه على فعل ما هو واضح الحلِّ دون ما هو مشتبه. 4 ــ أنَّ المؤمن الذي يخاف الله لا يفعل ما لا يطمئن إليه قلبه، ولو أُفتي به، ما لم يكن أمراً واضحاً في الشرع كالرخص. 5 ــ حرص الصحابة رضي الله عنهم على معرفة الحلال والحرام والبر والإثم.
تعليق