السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
*************
السؤال:
هل يخلق الله تعالى الجنين مباشرة أم يرسل ملكا ليقوم بخلقه ، وعندما ينفخ الملك في الجنين : الروح هل هذه الروح من الله ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
الله تعالى هو الخالق البارئ ، لا يوجد خالق غير الله ، قال عز وجل : ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ) الفرقان/ 2 ، وقال سبحانه : ( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) الزمر/ 62 ، وقال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ) فاطر/ 3
والله تعالى هو الذي يخلق الجنين في بطن أمه ، قال تعالى : ( يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ) الزمر/6 .
وهو الذي يصوره كيف يشاء ، قال الله تعالى : ( هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) آل عمران/6 .
ويكون خلقه على أطوار ؛ كما قال تعالى : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) المؤمنون/ 12 – 14 . ثانيا :
لا يلزم من تفرد الله جل جلاله بالخلق والتصوير : أن يباشر ذلك بذاته العلية ، من غير توسط ملك من ملائكته ، أو خلق من خلقه ، على يشاؤه سبحانه ويقدره ، بل هذا شأن الملوك : أنه ربما تولى أمرا بنفسه مباشرة ، وربما ولى ذلك بعض جنوده أو وزرائه أو بطانته ، ثم الأمر في ذلك أمره .
قد روى الدرامي واللالكائي والآجري وغيرهم بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنه قال : ( خلق الله أربعة أشياء بيده : العرش والقلم وعدن وآدم ، ثم قال لسائر الخلق : كن فكان ) . وينظر إلى جواب السؤال رقم : (89966) . ثالثا :
روى مسلم (2645) عن حُذَيْفَة بْن أَسِيدٍ الْغِفَارِيُّ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : ( إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً ، بَعَثَ اللهُ إِلَيْهَا مَلَكًا ، فَصَوَّرَهَا ، وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا ، ثُمَّ قَالَ : يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى ؟ فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ ، ثُمَّ يَقُولُ : يَا رَبِّ أَجَلُهُ ، فَيَقُولُ رَبُّكَ مَا شَاءَ ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ ، ثُمَّ يَقُولُ : يَا رَبِّ رِزْقُهُ ، فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ ، ثُمَّ يَخْرُجُ الْمَلَكُ بِالصَّحِيفَةِ فِي يَدِهِ ، فَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا أُمِرَ وَلَا يَنْقُصُ ) .
وروى البخاري (3208) ، ومسلم (2643) عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ ( إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ : بِكَتْبِ رِزْقِهِ ، وَأَجَلِهِ ، وَعَمَلِهِ ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ) . وهذا يدل على أن الذي يتولى مباشرة خلق الجنين في بطن أمه : إنما هو الملك الموكل بذلك ، عن أمر الله له ، وإرساله بذلك ، والملك لا يتقدم بين يدي ربه بشيء من ذلك ، ولا من غيره .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قَوْلِهِ ( ثُمَّ يُرْسَلُ إِلَيْهِ الْمَلَكَ ) أَيْ : لِتَصْوِيرِهِ ، وَتَخْلِيقِهِ ، وَكِتَابَةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ " انتهى . وقال ابن حجر أيضا :
" وَمَعْنَى إِسْنَادِ النَّفْخِ لِلْمَلَكِ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ بِأَمْرِ اللَّهِ ، وَالنَّفْخُ فِي الْأَصْلِ إِخْرَاجُ رِيحٍ مِنْ جَوْفِ النَّافِخِ لِيَدْخُلَ فِي الْمَنْفُوخِ فِيهِ ، وَالْمُرَادُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ " انتهى من " فتح الباري" (11/486) . فتصوير الجنين وتخليقه وكتابة ما يتعلق به ونفخ الروح فيه يباشره الملك الموكل به ، بأمر من الله تعالى . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" قال الله تعالى : ( أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ) آل عمران/ 49 ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ يَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ، وَكَذَلِكَ الْمَلَكُ يَخْلُقُ النُّطْفَةَ فِي الرَّحِمِ بِإِذْنِ اللَّهِ " انتهى من " الجواب الصحيح " (3/251) . وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله :
" ملك الْمَوْت يقبض الْأَرْوَاح ، والأعوان يعالجون ، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، هُوَ الَّذِي يزهق الرّوح ، لَكِن لما كَانَ ملك الْمَوْت يتَوَلَّى ذَلِك بالوساطة والمباشرة : أضيف التوفي إِلَيْهِ ، كَمَا أضيف الْخلق للْملك فِي خبر مُسلم : ( إِذا مر بالنطفة ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَة بعث الله إِلَيْهَا ملكا فصوّرها وَخلق سَمعهَا وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها ) " انتهى من " الفتاوى الحديثية " (ص 20) . رابعا :
وقد تقرر لدى المسلم أن الله جل جلاله : هو الذي يحيي ويميت ؛ وكما أنه نسب إلى نفسه أنه يتوفى الخلق إليه ؛ فقال : ( وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) الأنعام/60 ، وقال تعالى : ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الزمر/42 .
ولم يمنع ذلك أن يتوفى الأرواح بوساطة الملك الذي يرسله سبحانه ، هو وأعوانه : ( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) السجدة/11 ، وقال تعالى : ( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ) الأنعام/61
فمفهوم كذلك : أن الله تعالى هو خالق الخلق ومحييهم ، وهو الذي يصورهم ، وإن كان ذلك لا يمنع أن يأمر رسله من الملائكة بما شاء من ذلك ، ويوكلهم بما شاء من أمره سبحانه .
قال ابن القيم رحمه الله :
" فالملك يرسل إليه فينفخ فيه ، فإذا نفخ فيه كان ذلك سبب حدوث الروح فيه ، ولم يقل يرسل الملك إليه بالروح فيدخلها في بدنه ، وإنما أرسل إليه الملك فأحدث فيه الروح بنفخته فيه ، لا أن الله سبحانه أرسل إليه الروح التي كانت موجودة قبل ذلك بالزمان الطويل مع الملك ، ففرق بين أن يرسل إليه ملك ينفخ فيه الروح ، وبين أن يرسل إليه روح مخلوقة قائمة بنفسها مع الملك " انتهى من " الروح " (ص 174-175) . خامسا :
هذه الروح خلق من خلق الله ، ليست صفة من صفات الله ، ولا هي من ذات الله - تعالى الله عن ذلك - .
فقول السائل : هل هذه الروح من الله ؟ نقول : هي من الله خلقا وتقديرا ، كما أن كل شيء من الله تعالى ، كما قال سبحانه : ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ) الجاثية/ 13 ، بل هي من إحداث الملك ، بأمر الله له ، كما مر معنا في تخليق الجنين ، وتصويره ؛ فإن ذلك كله بمباشرة من الملك ، عن أمر الله له . فقد سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَّة – رحمه الله - :
عَنْ " الرُّوحِ " هَلْ هِيَ قَدِيمَةٌ أَوْ مَخْلُوقَةٌ ؟ وَهَلْ يُبَدَّعُ مَنْ يَقُولُ بِقِدَمِهَا أَمْ لَا ؟ وَمَا قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِيهَا وَمَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) ؟ هَلْ الْمُفَوَّضُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَمْرُ ذَاتِهَا أَوْ صِفَاتِهَا أَوْ مَجْمُوعِهِمَا؟ بَيِّنُوا ذَلِكَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ؟ فَأَجَابَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - :
" الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، رُوحُ الْآدَمِيِّ : مَخْلُوقَةٌ مُبْدَعَةٌ بِاتِّفَاقِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا وَسَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَقَدْ حَكَى إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُ " مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِي " الْإِمَامِ الْمَشْهُورِ ، الَّذِي هُوَ أَعْلَمُ أَهْلِ زَمَانِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافِ ، أَوْ مِنْ أَعْلَمِهِمْ .
وَكَذَلِكَ " أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ " قَالَ فِي " كِتَابِ اللفظ " لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى خَلْقِ الرُّوحِ قَالَ : النَّسَمُ الْأَرْوَاحُ . قَالَ : وَأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ الْجُثَّةِ وَبَارِئُ النَّسَمَةِ أَيْ خَالِقُ الرُّوحِ .." انتهى من " مجموع الفتاوى " (4/216) .
وينظر : " الروح" لابن القيم " (144-145) . سادسا :
أما قوله تعالى : ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ) الحجر/ 29 ، وقوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ) النساء/ 171 .
فهذه إضافة ملك وتشريف ، قال ابن عثيمين رحمه الله :
" قال الله سبحانه وتعالى للملائكة : ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) ، فهل روح آدم هي روح الله ؟!
لا ، أبداً . بل روح آدم روحٌ مخلوقة خلقها الله ؛ لكن أضافها الله إليه على سبيل التشريف " انتهى من " لقاء الباب المفتوح " . راجع للفائدة جواب السؤال رقم : (4395) . والله أعلم . موقع الإسلام سؤال وجواب
فى آمان الله
*************
السؤال:
هل يخلق الله تعالى الجنين مباشرة أم يرسل ملكا ليقوم بخلقه ، وعندما ينفخ الملك في الجنين : الروح هل هذه الروح من الله ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
الله تعالى هو الخالق البارئ ، لا يوجد خالق غير الله ، قال عز وجل : ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ) الفرقان/ 2 ، وقال سبحانه : ( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) الزمر/ 62 ، وقال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ) فاطر/ 3
والله تعالى هو الذي يخلق الجنين في بطن أمه ، قال تعالى : ( يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ) الزمر/6 .
وهو الذي يصوره كيف يشاء ، قال الله تعالى : ( هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) آل عمران/6 .
ويكون خلقه على أطوار ؛ كما قال تعالى : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) المؤمنون/ 12 – 14 . ثانيا :
لا يلزم من تفرد الله جل جلاله بالخلق والتصوير : أن يباشر ذلك بذاته العلية ، من غير توسط ملك من ملائكته ، أو خلق من خلقه ، على يشاؤه سبحانه ويقدره ، بل هذا شأن الملوك : أنه ربما تولى أمرا بنفسه مباشرة ، وربما ولى ذلك بعض جنوده أو وزرائه أو بطانته ، ثم الأمر في ذلك أمره .
قد روى الدرامي واللالكائي والآجري وغيرهم بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنه قال : ( خلق الله أربعة أشياء بيده : العرش والقلم وعدن وآدم ، ثم قال لسائر الخلق : كن فكان ) . وينظر إلى جواب السؤال رقم : (89966) . ثالثا :
روى مسلم (2645) عن حُذَيْفَة بْن أَسِيدٍ الْغِفَارِيُّ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : ( إِذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً ، بَعَثَ اللهُ إِلَيْهَا مَلَكًا ، فَصَوَّرَهَا ، وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا ، ثُمَّ قَالَ : يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى ؟ فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ ، ثُمَّ يَقُولُ : يَا رَبِّ أَجَلُهُ ، فَيَقُولُ رَبُّكَ مَا شَاءَ ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ ، ثُمَّ يَقُولُ : يَا رَبِّ رِزْقُهُ ، فَيَقْضِي رَبُّكَ مَا شَاءَ ، وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ ، ثُمَّ يَخْرُجُ الْمَلَكُ بِالصَّحِيفَةِ فِي يَدِهِ ، فَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا أُمِرَ وَلَا يَنْقُصُ ) .
وروى البخاري (3208) ، ومسلم (2643) عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ ( إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ : بِكَتْبِ رِزْقِهِ ، وَأَجَلِهِ ، وَعَمَلِهِ ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ) . وهذا يدل على أن الذي يتولى مباشرة خلق الجنين في بطن أمه : إنما هو الملك الموكل بذلك ، عن أمر الله له ، وإرساله بذلك ، والملك لا يتقدم بين يدي ربه بشيء من ذلك ، ولا من غيره .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قَوْلِهِ ( ثُمَّ يُرْسَلُ إِلَيْهِ الْمَلَكَ ) أَيْ : لِتَصْوِيرِهِ ، وَتَخْلِيقِهِ ، وَكِتَابَةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ " انتهى . وقال ابن حجر أيضا :
" وَمَعْنَى إِسْنَادِ النَّفْخِ لِلْمَلَكِ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ بِأَمْرِ اللَّهِ ، وَالنَّفْخُ فِي الْأَصْلِ إِخْرَاجُ رِيحٍ مِنْ جَوْفِ النَّافِخِ لِيَدْخُلَ فِي الْمَنْفُوخِ فِيهِ ، وَالْمُرَادُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ " انتهى من " فتح الباري" (11/486) . فتصوير الجنين وتخليقه وكتابة ما يتعلق به ونفخ الروح فيه يباشره الملك الموكل به ، بأمر من الله تعالى . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" قال الله تعالى : ( أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ) آل عمران/ 49 ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ يَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ، وَكَذَلِكَ الْمَلَكُ يَخْلُقُ النُّطْفَةَ فِي الرَّحِمِ بِإِذْنِ اللَّهِ " انتهى من " الجواب الصحيح " (3/251) . وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله :
" ملك الْمَوْت يقبض الْأَرْوَاح ، والأعوان يعالجون ، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، هُوَ الَّذِي يزهق الرّوح ، لَكِن لما كَانَ ملك الْمَوْت يتَوَلَّى ذَلِك بالوساطة والمباشرة : أضيف التوفي إِلَيْهِ ، كَمَا أضيف الْخلق للْملك فِي خبر مُسلم : ( إِذا مر بالنطفة ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَة بعث الله إِلَيْهَا ملكا فصوّرها وَخلق سَمعهَا وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها ) " انتهى من " الفتاوى الحديثية " (ص 20) . رابعا :
وقد تقرر لدى المسلم أن الله جل جلاله : هو الذي يحيي ويميت ؛ وكما أنه نسب إلى نفسه أنه يتوفى الخلق إليه ؛ فقال : ( وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) الأنعام/60 ، وقال تعالى : ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الزمر/42 .
ولم يمنع ذلك أن يتوفى الأرواح بوساطة الملك الذي يرسله سبحانه ، هو وأعوانه : ( قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) السجدة/11 ، وقال تعالى : ( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ) الأنعام/61
فمفهوم كذلك : أن الله تعالى هو خالق الخلق ومحييهم ، وهو الذي يصورهم ، وإن كان ذلك لا يمنع أن يأمر رسله من الملائكة بما شاء من ذلك ، ويوكلهم بما شاء من أمره سبحانه .
قال ابن القيم رحمه الله :
" فالملك يرسل إليه فينفخ فيه ، فإذا نفخ فيه كان ذلك سبب حدوث الروح فيه ، ولم يقل يرسل الملك إليه بالروح فيدخلها في بدنه ، وإنما أرسل إليه الملك فأحدث فيه الروح بنفخته فيه ، لا أن الله سبحانه أرسل إليه الروح التي كانت موجودة قبل ذلك بالزمان الطويل مع الملك ، ففرق بين أن يرسل إليه ملك ينفخ فيه الروح ، وبين أن يرسل إليه روح مخلوقة قائمة بنفسها مع الملك " انتهى من " الروح " (ص 174-175) . خامسا :
هذه الروح خلق من خلق الله ، ليست صفة من صفات الله ، ولا هي من ذات الله - تعالى الله عن ذلك - .
فقول السائل : هل هذه الروح من الله ؟ نقول : هي من الله خلقا وتقديرا ، كما أن كل شيء من الله تعالى ، كما قال سبحانه : ( وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ) الجاثية/ 13 ، بل هي من إحداث الملك ، بأمر الله له ، كما مر معنا في تخليق الجنين ، وتصويره ؛ فإن ذلك كله بمباشرة من الملك ، عن أمر الله له . فقد سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَّة – رحمه الله - :
عَنْ " الرُّوحِ " هَلْ هِيَ قَدِيمَةٌ أَوْ مَخْلُوقَةٌ ؟ وَهَلْ يُبَدَّعُ مَنْ يَقُولُ بِقِدَمِهَا أَمْ لَا ؟ وَمَا قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ فِيهَا وَمَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) ؟ هَلْ الْمُفَوَّضُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَمْرُ ذَاتِهَا أَوْ صِفَاتِهَا أَوْ مَجْمُوعِهِمَا؟ بَيِّنُوا ذَلِكَ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ؟ فَأَجَابَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - :
" الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، رُوحُ الْآدَمِيِّ : مَخْلُوقَةٌ مُبْدَعَةٌ بِاتِّفَاقِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا وَسَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَقَدْ حَكَى إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُ " مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِي " الْإِمَامِ الْمَشْهُورِ ، الَّذِي هُوَ أَعْلَمُ أَهْلِ زَمَانِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافِ ، أَوْ مِنْ أَعْلَمِهِمْ .
وَكَذَلِكَ " أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ " قَالَ فِي " كِتَابِ اللفظ " لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى خَلْقِ الرُّوحِ قَالَ : النَّسَمُ الْأَرْوَاحُ . قَالَ : وَأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ الْجُثَّةِ وَبَارِئُ النَّسَمَةِ أَيْ خَالِقُ الرُّوحِ .." انتهى من " مجموع الفتاوى " (4/216) .
وينظر : " الروح" لابن القيم " (144-145) . سادسا :
أما قوله تعالى : ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ) الحجر/ 29 ، وقوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ) النساء/ 171 .
فهذه إضافة ملك وتشريف ، قال ابن عثيمين رحمه الله :
" قال الله سبحانه وتعالى للملائكة : ( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) ، فهل روح آدم هي روح الله ؟!
لا ، أبداً . بل روح آدم روحٌ مخلوقة خلقها الله ؛ لكن أضافها الله إليه على سبيل التشريف " انتهى من " لقاء الباب المفتوح " . راجع للفائدة جواب السؤال رقم : (4395) . والله أعلم . موقع الإسلام سؤال وجواب
فى آمان الله
تعليق