أعمال مشروعة في ختام رمضان
الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر
تاريخ الإضافة: 25/7/2014 ميلادي - 28/9/1435 هجري
المصدر/ شبكة الألوكة
أمَّا بعدُ:
أيها الناس، اتَّقوا الله ذا الكرم والجلال، وزَكُّوا أنفسكم بالتوبة إليه من السيِّئات والمسارعة بصالح الأعمال، فيما بقي لكم من شهركم من اللَّيال، وما فسَح الله لكم به من العمر قبل انقِضاء الآجال، فقد أفلَحَ عبدٌ جاهَد نفسَه فزكَّاها، وقد خابَ عبدٌ دسَّى نفسه إذ أتْبَعَها هَواها.
عباد الله:
استَدرِكوا بقيَّة شهركم بكثْرة الطاعات، وتِلاوة الآيات، والاشتِغال بالذِّكر وكثرة الصدقات، والتوبة إلى الله ممَّا سلَف من الزلاَّت، فإنَّ العاقل الرشيد مَن ينتَهِز فُرَصَ العمر، ويغتَنِم مواسم الخير؛ ليمحو السيِّئات بالحسنات، فإنَّ الحسنات يُذهِبنَ السيِّئات، ذلك ذكرى للذاكرين.
وتذكَّروا بِمُضِيِّ الليل والنهار، سرعة انقِضاء الأعمار، وقُرب الرَّحيل من الدِّيار، فكم لكم من المواعظ فيمَن تَعرِفون، ممَّن فارَقُوا المنازل والقُصور، وما كانوا به
من النَّعِيم والحبور، وسكَنُوا الأجداث والقبور، فإنَّ السعيد مَن وُعِظَ بغيره، واتَّعظ وعقل عن الله أمره، فخافَه وأدَّى ما عليه فُرِض، وإنَّ الشقيَّ مَن فرَّط في ماضيه، ولم ينتَفِع من أيَّامه ولياليه، ولم يتدارك بقيَّة عمره في الإنابة إلى خالقه وباريه، والمسارعة في التقرُّب إلى المُنعِم عليه بما يُرضِيه، قبل أنْ يُوقَف رغم أنفه بين يديه.
أيها المسلمون:
تذكَّروا أنَّكم الآن في خِتام الشهر؛ حيث لم يبقَ منه إلاَّ بضع ليال، وكم من الناس مَن هو في آخر العمر ومعترك الآجال. فمَن كان منَّا في شهره مسيئًا، فليتبْ إلى الله توبة نصوحًا، وليلج باب التوبة ما دام مفتوحًا، قبل غلق الباب، وطي الكتاب، ومَن كان في شهره إلى ربه منيبًا، وفي عمله مصيبًا، فليُحكِم البناء، وليَشكُر النَّعماء، ولا يكون كالتي نقضَتْ غزلَها من بعد قوَّة أنكاثًا.
أيها المسلمون:
اعمروا المساجد بالمُحافَظة على الصلوات، وحضور الجماعات؛ ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 9 - 11]، واستَكثِروا من الصدقات؛ فإنَّ الله - تعالى - قال في المتصدِّقين والمتصدِّقات: ﴿ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 35]،
واتلُوا القرآن واعمَلُوا به؛ فإنَّه يأتي شفيعًا لأهله يوم القيامة، ولازِمُوا قيامَ الليل تكونوا ممَّن قال الله فيهم: ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 16 - 17].
وأتبعوا صيامَ رمضان بصيام ستٍّ من شوال؛ فإنَّ ذلكم كصيام الدهر، وهكذا صيام ثلاثة أيَّام من كلِّ شهر، يعدُّ كصيام الدهر؛ فإنَّ الحسنة بعشْر أمثالها، وصوم يوم عرفة يُكفِّر الله به السنة الماضية والباقية، وصوم عاشوراء يُكفِّر الله به ذنوب السنة التي قبلَه.
وهكذا - يا عباد الله - فإنَّ عمل المؤمن لا ينقضي بانقضاء رمضان؛ فإنَّ المرء مأمورٌ بعبادة الرحمن، في كل وقت وأوان، قال الله - تعالى -: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99]، وقال - تعالى - عن عيسى - عليه الصلاة والسلام - أن الله - تعالى - أمره بالطاعات على الدوام: ﴿ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾ [مريم: 31].
أيها المسلمون:
ومن فضل الله - تعالى - عليكم أنْ شرَع لكم في خِتام شهركم عِبادات تعمَلون بها لله شكرًا، وتَزدادون بها منه قُربًا، ويُكفِّر بها عنكم وزرًا؛ فمن ذلك التكبيرُ ليلة العيد إلى صلاة العيد؛ قال - تعالى -: ﴿ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185]، فهو من الشعائر العظيمة، والسُّنن الكريمة،
ومن آيات شُكر النِّعمة، وصفته أنْ تقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلاَّ الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد، فينبغي إعلانه - إذا ثبَت العيدُ - في المساجد والأسواق والبيوت ومنتديات الناس، يجهر به الرجال، وتسرُّ به النساء؛ إعلانًا للشعيرة، وشكرًا للنعمة، وإغاظةً للكَفَرة والمنافقين.
وإنَّ من أعظم الناس أجرًا مَن أحيا سنَّةً قد أُمِيتَتْ، فقد صَحَّ عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((من سنَّ في الإسلامِ سنَّةً حسنةً فلَهُ أجرُها وأجرُ من عملَ بِها من غيرِ أن ينتقصَ من أجورِهم شيئًا ، ومن سنَّ في الإسلامِ سنَّةً سيِّئةً فعليْهِ وزرُها ووزرُ من يعملُ بِها من غيرِ أن ينتقصَ من أوزارِهم شيئًا)) صححه الألباني
أيها المسلمون:
وممَّا شرع الله لكم في خِتام الشهر زكاةُ الفطر، وهي صاعٌ من قُوتِكم، يتصدَّق به كلُّ فردٍ منكم؛ الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والغني والفقير، شرَعَها الله - تعالى - تَكمِيلاً للصيام، وشُكرًا له - سبحانه - على الإنعام بإكمال عدَّة رمضان، وطُهرة للصائم من اللغو والرفث، ومُواساة للفُقَراء والمساكين، وإغناءً لهم عن ذلِّ الحاجة والسُّؤال يوم العيد، ولإشاعة المحبَّة والوئام بين الناس في يوم العيد، وهو يوم الفرح المشروع.
ووقت إخراجها من ثبوت خبر العيد إلى صلاة العيد، ويجوز قبلَ العيد بيومٍ أو يومين، مَن أدَّاها في ذلك الوقت فهي له زكاة فطر، وإلاَّ فهي صدقةٌ من الصدقات،
وقد قال غيرُ واحدٍ من أهل العلم: إنها هي المُشار إليها بقول الحق - تبارك وتعالى -: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾ [الأعلى: 14 - 15]؛ أي: فازَ كل الفوز، وظفر كل الظفر مَن أدَّى زكاةَ الفِطر، وصلَّى صلاة العيد، فأخرِجُوها - عبادَ الله - من طيب قوتكم، وابذلوها طيِّبة بها نفوسُكم؛ فقد قال - تعالى -: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 92].
والأَوْلَى أنْ يخرجها المسلم في البلد الذي يُدرِكه العيد وهو فيه؛ لما في ذلك من إظهارٍ لشعيرةٍ، وإعلان الشُّكر والإحسان إلى مَن يَلِيه من المسلمين المحتاجين، وإنْ أخرَجَها في بلدٍ آخَر لرُجحان المصلحة، فلا بأس.
ولا ينبَغِي إخراجُ القيمة بدَلاً عن الطعام؛ فإنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأصحابه كانوا يُخرِجونها طعامًا مع وجود القيمة، وقد قال - تعالى -: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].
فابذلوا - عِبادَ الله - زكاةَ فِطرِكم، تصدقوا بها إيمانكم، وتنالوا بها مثوبة ربكم، وتحيوا سنَّة نبيِّكم - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتُحسِنوا بها إلى إخوانكم، وتعظموا بها شعائر ربِّكم؛ فإنَّ الله - تعالى - يحبُّ المحسنين، ويَجزِي المتصدِّقين، ومَن يُعظِّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب.
أيها المسلمون:
وممَّا شرعه الله لكم في خِتام شهركم صلاةُ العيد؛ شُكرًا لنعمة الله أيضًا، وفرَحًا بما يسَّر الله من أسباب المغفرة والعِتق من النار، وإنما كان عيد رمضان عيدًا لجميع الأمَّة لأنَّه يُعتَق فيه أهل الكبائر من النار، فيلحق فيه المذنبون بالأبرار، ويَفرَح فيه الجميع برَجاء العِتق من النار، فهنيئًا لِمَن احتَسَب صيامه وقيامه، وعمَّر بالطاعات لياليَه وأيامه، وتاب فيه توبة نصوحًا يكفِّر الله به ذنوبه وآثامه، ذلك هو الفضل العظيم، والفوز الكريم؛ ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58]
اللهمَّ اجعَلنا من النار مُعتَقين، وعند خِتام الشهر فائِزين، واجعَلنا لجنَّات الفردوس وارِثين، يا رحمن يا رحيم.
بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفَعَنا جميعًا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كلِّ ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنَّه هو الغفور الرحيم.
تعليق