الصيام جُنَّة وجَنَّة
وما زالت وصايا الرسول الكريم تَتَتابعُ في موسم الطاعات ومنهل الخيرات ومرتع الحسنات، محبِّبة لفضائله، حيث يقول: ((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ )) . وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى : ( إِذَا كَانَ رَمَضَان فَتَحْت أَبْوَاب الرَّحْمَة وَغُلِّقَتْ أَبْوَاب جَهَنَّم وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِين ) . رواه الإمام مسلم )).
ويتحدث النبي الكريم عن جُنة الصوم (وقايته للصائم) في الدنيا، وجنته في الآخرة؛ روى البخاريُّ ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الصيام جُنَّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفُث، ولا يجهل، وإن امرؤ قاتَلَه أو شاتمه، فليقل: إني صائم، إني صائم، والذي نفسي بيده لَخُلوفُ فم الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به، الحسنة بعَشْر أمثالها)).
(الصوم جُنة): هذه أولى مظاهر التربية الإسلامية، والقِيَم العالية، والآداب الرفيعة، والأخلاق القويمة؛ فالصوم جُعل وقايةً للصائم من الضلال، ومن المعاصي، ومن المروق في الدنيا، وحصنًا منيعًا له من النار في الآخرة؛ لأن الصوم يدعو إلى التوبة والأَوْبة، ويرشد إلى طاعة الله عز وجل، ويقود إلى ما يُرضي الله؛ لأنه السر العظيم بين العبد وخالقه.
وفي الحديث عن عبدالله بن مسعود: خرَجْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شبابٌ لا نقدر على شيء، فقال: ((يا معشر الشباب، عليكم بالباءة؛ فإنه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج - من وقايته أنه أغض للبصر، وأحصن للفرج؛ أي علاج واقٍ لهما في الدنيا - فمن لم يستطع منكم الباءة فعليه بالصوم؛ فإن الصوم له وجاءٌ))، اللفظ للترمذي، والباءة: كناية عن النكاح، ومعنى (وجاء)؛ أي: كسر شديد يذهب بشهوته.
ومن الأعمال الأساسية والمستحبة في رمضان: كثرةُ الذِّكر، التي تتجلى مع الباقيات المنجيات الصالحات:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((خذوا جُنَّتكم))، قلنا: يا رسول الله، من عدوٍّ حَضَر؟ قال: ((لا، بل جُنَّتكم من النار، قولوا: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ فإنهن يأتين يوم القيامة منجيات ومقدمات، وهن الباقياتُ الصالحات))؛ رواه الحاكم، والنسائي في عمل اليوم والليلة.
الباقيات الصالحات التي قال فيها ربُّ العزَّة والجلال: ﴿ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف: 46]، وقال أيضًا: ﴿ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا ﴾ [مريم: 76].
وفي الحديثِ المتَّفق عليه، واللفظُ للبخاري: ((إن في الجنة بابًا يقال له: الرَّيَّان، يدخُلُ منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخُلُ منه أحدٌ غيرهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحدٌ غيرُهم، فإذا دخلوا أُغلِق فلم يدخل منه أحدٌ)).
وهذا الباب هو أحد أبواب الجنة الثمانية، وليس بابًا آخر؛ قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري عند شرح هذا الحديث: قوله: "إن في الجنة بابًا" قال الزين بن المنير: إنما قال: في الجنة، ولم يقل: للجنة، ليُشعِر بأن في الباب المذكور من النعيم والراحة في الجنة، فيكون أبلغ في التشوُّق إليه.
شبكه الالوكه
تعليق