السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
روضة العشر الأواخر
نبيل بن عبدالمجيد النشمي
قال - تبارك وتعالى -: ﴿ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [السجدة: 15، 16].
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر، أحيا الليل وأيقظ أهله، وشدَّ المئزر"؛ متفق عليه[1].
روضة الجِد والعزم والنشاط وعُلو الهمة، والتنافس والمسابقة، وحصد الحسنات، وجني الثمار اليانعة.
العشر الأواخر مجال فسيح لتنافُسٍ شريف، وفوز كبير، مِنحة ربانيَّة وَهِبة إلهية، يكون للمجتهد فيها أعظم نصيب، ساعاتها غالية، ولياليها أغلى ليالٍ على الإطلاق، فلا تُماثِلها ليال طوال العام.
عشر في العدد لكنها مئات بل آلاف في الأجر والمعنى.
روضة العشر الأواخر فيها نسائم الرحمة، ورحيق المغفرة، ومِسْك الطاعة، ونعيم العبادة، ولذيذ المناجاة.
العشر وما أدراك ما العشر؟!! إيمان وقرآن، وتهجُّد وقيام، وزكاة وصيام، واعتكاف وذِكْر، فرصة ثمينة لمن فاته ما مضى من الشهر أن يُدرِك ما هو أفضل مما فات، فالحمد لله على التوفيق والتعويض والرحمة والتكريم.
ومَن فاته حظُّ الأول والوسط، ثم يُفرِّط في العشر الأواخر فلا عقل له ولا وحظَّ له من الخير في هذا الشهر الفاضل والعظيم.
العشر الأواخر ساعات لياليها أغلى من أيام بل من سنوات - إنْ وفِّق العبد إلى خير ما فيها - فإن في كل لحظة يرتجى فيها من الأجر والخير والسعادة في الدارين، ففي أوتارها ترتجى ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر؟!
روضة العشر تحمِل القلوب حملاً، وتدفع الأبدان دفعًا نحو الطاعة والعبادة والوقوف بين يدي الجليل - سبحانه وتعالى - فهي روضة انشغال مستمر بالطاعة، وعمل دؤوب من ذِكرٍ وقراءة وصلاة.
وأهم شرط للدخول فيها والحصول على أعظم ما فيها أن تُفرِغ قلبك ووقتك لها، فلا ينال منها مَن قلبه في وادي الدنيا ومشاكلها، ولا مَن يُعطيها دقائق من فضول ليله أو نهاره.
فهي روضة الجادِّين، ومتنزَّه الحريصين، ومقرُّ المُعتكِفين، وبوابة الراغبين بما عند أرحم الراحمين.
لا تجعل العشر كالعشرين الماضية، تَساهُل وتكاسُل وتفريط وتأخُّر أو تثاقل، ونوم وكلام وانشغال ببطن وكِسوة، فالعشر غيرٌ.
العشر فرصة والفرص سريعة الفوت بطيئة العَوْد، بل قد لا يكون عَود، فلا تُفرِّط فيما أنت متأكِّد من الحصول عليه لأملٍ ضعيف تعيش عليه.
روضة العشر أخي الحبيب، أزهارها لا تَذبُل، وأنهارها لا تَجِف، وميدانها فسيح، فلا تخَف ضيق المكان أو قلَّة الزاد، أو جفاف المنابع ويُبْس الأزهار؛ فأنت أنت بطل الميدان ومنافس الشجعان، إن اجتهدت وشمَّرت وابتعدت عن القيل والقال والاعتذار بما لا يليق بالأبطال، فدع عنك جلساء يجرُّونك لتضييع الأوقات، واختر كتابَ الله - تبارك وتعالى - في هذه الأيام وبيوته لتَفُوز بما في هذه الأيام من خير وبركة وأجر وثواب.
ارفع رقم حساب حسناتك أضاعفًا مضاعفة وضاعِف رصيدك من الأجر باستغلال هذه العشر بأفضل ما يمكن أن تستغلَّ فيه، ولا يكن حالُك فيها كما هو في غيرها؛ فالعاقل الذكي على كل خير حريص قوي.
والصواب ومما يُسهِّل المهام الاستعداد للعشر قبل إتيانها بطلب التوفيق ممن بيده الأمر - سبحانه - والصدق في الطلب والحرص، والعزم على الأمر: ﴿ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ﴾ [محمد: 21]، ثم أَعِدَّ احتياجات البيت قبل دخولها من أغراض الصوم أو العيد فلا يَصِح ولا يليق أن تكون في ليالي العشر متردِّدًا في الأسواق أو منشغلاً بقيل وقال في جلسات لا تنتهي سائر العام، فهذه العشر عشر الرحمات والبركات وأغلى اللحظات.
أقْبِل على العشر بقلبك، وأرِح جوارحك عن الحرام، وقيِّد لسانك على الذِّكر، واحفظ عينيك مما يجرح الصوم ويُفسِد القلب، ودع عنك اعتذار النفس ورغبتها في الكسل والدَّعة، وقل لها: الوقت غير الوقت، والراحة لها أيام طويلة وأوقات كثيرة، وشد المئزر وأيقظ أهلك وأحيِ ليلك وتوجَّه إلى ربك، فالعمر قصير وما سبق من عملٍ لا ندري أيليق بالجنة أم لا؟! وبين يديك جنة ونار، وبضاعة الجنة تُعرَض في هذه العشر، ومن الغفلة - بل من الخسران - أن تفوتك هذه البضاعة مع قدرتك على شرائها، والله يهدي من يشاء.
اللهم أكرمنا بخير هذه العشر، وبقيامها، وصيامها، والاجتهاد فيها، وأعنَّا على أنفسنا، وسهِّل أمرنا.
[1] البخاري (1884) مسلم (2008).
روضة العشر الأواخر
نبيل بن عبدالمجيد النشمي
قال - تبارك وتعالى -: ﴿ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [السجدة: 15، 16].
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر، أحيا الليل وأيقظ أهله، وشدَّ المئزر"؛ متفق عليه[1].
روضة الجِد والعزم والنشاط وعُلو الهمة، والتنافس والمسابقة، وحصد الحسنات، وجني الثمار اليانعة.
العشر الأواخر مجال فسيح لتنافُسٍ شريف، وفوز كبير، مِنحة ربانيَّة وَهِبة إلهية، يكون للمجتهد فيها أعظم نصيب، ساعاتها غالية، ولياليها أغلى ليالٍ على الإطلاق، فلا تُماثِلها ليال طوال العام.
عشر في العدد لكنها مئات بل آلاف في الأجر والمعنى.
روضة العشر الأواخر فيها نسائم الرحمة، ورحيق المغفرة، ومِسْك الطاعة، ونعيم العبادة، ولذيذ المناجاة.
العشر وما أدراك ما العشر؟!! إيمان وقرآن، وتهجُّد وقيام، وزكاة وصيام، واعتكاف وذِكْر، فرصة ثمينة لمن فاته ما مضى من الشهر أن يُدرِك ما هو أفضل مما فات، فالحمد لله على التوفيق والتعويض والرحمة والتكريم.
ومَن فاته حظُّ الأول والوسط، ثم يُفرِّط في العشر الأواخر فلا عقل له ولا وحظَّ له من الخير في هذا الشهر الفاضل والعظيم.
العشر الأواخر ساعات لياليها أغلى من أيام بل من سنوات - إنْ وفِّق العبد إلى خير ما فيها - فإن في كل لحظة يرتجى فيها من الأجر والخير والسعادة في الدارين، ففي أوتارها ترتجى ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر؟!
روضة العشر تحمِل القلوب حملاً، وتدفع الأبدان دفعًا نحو الطاعة والعبادة والوقوف بين يدي الجليل - سبحانه وتعالى - فهي روضة انشغال مستمر بالطاعة، وعمل دؤوب من ذِكرٍ وقراءة وصلاة.
وأهم شرط للدخول فيها والحصول على أعظم ما فيها أن تُفرِغ قلبك ووقتك لها، فلا ينال منها مَن قلبه في وادي الدنيا ومشاكلها، ولا مَن يُعطيها دقائق من فضول ليله أو نهاره.
فهي روضة الجادِّين، ومتنزَّه الحريصين، ومقرُّ المُعتكِفين، وبوابة الراغبين بما عند أرحم الراحمين.
لا تجعل العشر كالعشرين الماضية، تَساهُل وتكاسُل وتفريط وتأخُّر أو تثاقل، ونوم وكلام وانشغال ببطن وكِسوة، فالعشر غيرٌ.
العشر فرصة والفرص سريعة الفوت بطيئة العَوْد، بل قد لا يكون عَود، فلا تُفرِّط فيما أنت متأكِّد من الحصول عليه لأملٍ ضعيف تعيش عليه.
روضة العشر أخي الحبيب، أزهارها لا تَذبُل، وأنهارها لا تَجِف، وميدانها فسيح، فلا تخَف ضيق المكان أو قلَّة الزاد، أو جفاف المنابع ويُبْس الأزهار؛ فأنت أنت بطل الميدان ومنافس الشجعان، إن اجتهدت وشمَّرت وابتعدت عن القيل والقال والاعتذار بما لا يليق بالأبطال، فدع عنك جلساء يجرُّونك لتضييع الأوقات، واختر كتابَ الله - تبارك وتعالى - في هذه الأيام وبيوته لتَفُوز بما في هذه الأيام من خير وبركة وأجر وثواب.
ارفع رقم حساب حسناتك أضاعفًا مضاعفة وضاعِف رصيدك من الأجر باستغلال هذه العشر بأفضل ما يمكن أن تستغلَّ فيه، ولا يكن حالُك فيها كما هو في غيرها؛ فالعاقل الذكي على كل خير حريص قوي.
والصواب ومما يُسهِّل المهام الاستعداد للعشر قبل إتيانها بطلب التوفيق ممن بيده الأمر - سبحانه - والصدق في الطلب والحرص، والعزم على الأمر: ﴿ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ﴾ [محمد: 21]، ثم أَعِدَّ احتياجات البيت قبل دخولها من أغراض الصوم أو العيد فلا يَصِح ولا يليق أن تكون في ليالي العشر متردِّدًا في الأسواق أو منشغلاً بقيل وقال في جلسات لا تنتهي سائر العام، فهذه العشر عشر الرحمات والبركات وأغلى اللحظات.
أقْبِل على العشر بقلبك، وأرِح جوارحك عن الحرام، وقيِّد لسانك على الذِّكر، واحفظ عينيك مما يجرح الصوم ويُفسِد القلب، ودع عنك اعتذار النفس ورغبتها في الكسل والدَّعة، وقل لها: الوقت غير الوقت، والراحة لها أيام طويلة وأوقات كثيرة، وشد المئزر وأيقظ أهلك وأحيِ ليلك وتوجَّه إلى ربك، فالعمر قصير وما سبق من عملٍ لا ندري أيليق بالجنة أم لا؟! وبين يديك جنة ونار، وبضاعة الجنة تُعرَض في هذه العشر، ومن الغفلة - بل من الخسران - أن تفوتك هذه البضاعة مع قدرتك على شرائها، والله يهدي من يشاء.
اللهم أكرمنا بخير هذه العشر، وبقيامها، وصيامها، والاجتهاد فيها، وأعنَّا على أنفسنا، وسهِّل أمرنا.
[1] البخاري (1884) مسلم (2008).
تعليق