الرسالة الثانية عشرة : الطريق (بناء .. ابتلاء ..مواجهة ..تمكين )
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. أما بعد ..
أحبتي في الله ..
من منَّا - كمسلمين محبين لربنا ولنبينا صلى الله عليه وسلم - لا يحلم بأن يُحكم فينا شرع الله تعالى ؟
أن نجد مجتمعًا على نهج الحبيب صلى الله عليه وسلم ؟
أن يزول الظلم وتتحقق العدالة ؟
أن تزول العنصرية وتتحقق المساواة ؟
أن يقضى على الفساد وتسود الأخلاق والطهر ؟
كثيرون من يحلمون هذا الحلم الجميل ، وسلكوا في تحقيقه مسالك شتى ، وباءت للأسف بعدم النجاح ، وتشبث كلُ برايه وفق توصيفه للواقع وقراءته الخاصة ، " ولكل وجهة هو موليها "
لكن هذا الحلم ظلت له عوامل وأسباب مفقودة نحتاج في هذه الوقفة مع النفس أن نحاول أن نصدق مع أنفسنا ونخلص ونتجرد بعيدا عن هياج الحماس وعن ضغوط اللحظة .
إن منهاج النبوة من مرحلة الاستضعاف إلى مرحلة التمكين قام على أسس واضحة .
البناء والابتلاء والمواجهة ثم التمكين .
ودائما كان القفز على هذه الأسس يؤدي للفشل الذريع .
ولو تأملتم سورة آل عمران وسورة القصص لوجدتم هذه المعاني واضحة جلية .
سورة آل عمران لماذا سميت هكذا ؟ وتأتي السورة الثالثة بعد سورة الفاتحة ( ام الكتاب ) أو سمها المقدمة ، ثم سورة البقرة التي محورها ( هدي للمتقين ) أو سمها معالم ومنارات الطريق ، من الذي سيهتدي ؟ من الذي على صراط مستقيم ؟ ومن هم الغاوين .
ثم تأتي سورة آل عمران لتحدثنا على أمر ( التمكين ) كيف يسود الإسلام ؟ كيف يتحقق الحلم ؟
أولا : تسمى ( آل عمران ) هذه الأسرة العابدة الفاضلة ، أم متعلقة بالله ، تنذر حملها لله ، وأب يذكر اسمه دون وصفه يبدو صلاحه ، ونبتة طاهرة تخرج لتكون من أكمل النساء ، إنها مريم التي تعني في لغتهم ( العابدة القانتة ) ، لتكون على موعد مع الابتلاء ، تنجب طفلا بغير نكاح ، لكن من الابتلاء والمحنة تأتي النصرة والمنحة ، إنه المسيح عيسى عليه السلام وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين .
فهي نفس المعادلة ، ابدأ بالإصلاح الذاتي ، ثم أنذر عشيرتك الأقربين اجعلهم يتحملون رسالتك " الحلم " ليكون " واقعا " واصبر على البلاء والمحنة وسيأتي الفتح والنصرة .
ثانيا : تمضي السورة تشرح هذه المعادلة ، حتى الآية المائة والعشرين التي تحكي خلاصة مرحلة الابتلاء " وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ "
ثم انظر في قوله تعالى : " وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " لاحظ " من أهلك " فبداية النصرة " من أهلك " يوم يتحملون معك " الحلم " بعد أن عاشوه داخل بيوتهم " واقعا " ثم تأتي " المواجهة " مع قوى الشر والظلم ليتحقق في نهاية الأمر " وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"
ثالثا: لاحظ نفس المعادلة في سورة القصص ، فبعد أن ذكر صراع الحق والباطل ، بين موسى وفرعون ، كانت أول لقطة في القصة " وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ"
البداية من هنا ، من البناء التربوي ، من أم صالحة يلهمها الله .
إن الحلم لن يتحقق إلا بإقامة العبودية في الأرض بمعنى الكلمة " يعبدونني لا يشركون بي شيئا "
إقامة الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقا وسلوكا .
يوم يتحول كل مسلم لصاحب قضية اسمها الإسلام والشريعة ، على منهاج المصطفى صلى الله عليه وسلم ، بدون تبديل أو تحويل أو تزييف أو ترقيع أو تقديم تنازلات تحت مسمى المتاح أو الضرورة الملجئة .
وقفة مع النفس :
(1) ألم تظهر الأحداث زيف المسار السياسي حتى يصرح بعض المشايخ بأن السياسة لابد فيها من تنازلات ؟
(2) ألم تظهر الأحداث أسوأ ما فينا : لا نحسن العمل في فريق ، بسبب التعصب الأعمى أو إعجاب كل ذي رأي برأيه ؟
(3) أليست أخلاقنا - حتى في المحنة - دليلا واضحا على عدم التأهل لأن نكون جيل التمكين بحق ؟
ألا ترون سوء الظن بالمسلمين ؟
ألا ترون قبيح الاتهام على النوايا دون تثبت ؟!
ألا ترون لغة التخوين ، ولغة السباب والشتائم بألفاظ نابية ، لغة الحدة لدرجة الاتهامات القبيحة إذا اختلف في توصيف الواقع
هل هذه أخلاااااااااااااااااااااااق للتمكين ؟!!!
نبدا من هنا ، ولا يشغب بعضنا على بعض ، ونسير في مسارات متآلفة ، ونعيد البناء ، ونواجه الابتلاء ، فيتحقق " الحلم "
الشيخ هاني حلمي
تعليق