الرسالة التاسعة : ذرة إنصاف
بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
أما بعد .. أحبتي في الله ..
لا يخفي عليكم مناخ التراشق بالألفاظ الذي نعيشه في وسط هذه المحنة ، وطريقة فرض الآراء ( أما أن تكون ...أو تكون ) مع أن الحادث جلل والأمور لا تؤخذ هكذا ، وحسن الظن بالمسلمين خلق نادر فمن يتصف به ليكون أثقل في ميزانه ربما من صيام وقيام وقرآن ؟؟
إنما نؤتى من قبل أخلاقنا ، إنما نبتلى بسبب الكدر في نفوسنا ، ومن صفى صُفي له ، ومن كدَّر كُدِّر عليه .
لقد تعلم سلفنا الصالح وتربوا على مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة8] وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [النساء135].
وقد علمهم المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإنصاف والعدل مع الخصم
فهذا حاطب بن أبي بلتعة يُرسل إلى قريش قبيل فتح مكة يخبرهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يُعد لغزوهم، فلما كُشف أمره قال عمر بن الخطاب: ائذن لي يا رسول الله في قتله فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا إنه قد شهد بدرًا وإنك لا تدري لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم ، فإني غافر لكم . [ متفق عليه ]
واستدعى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاطبًا ثم سأله لماذا فعلت هذا؟ فقال: أحببت أن أتخذ لي يدًا عند قريش؛ ليحفظوا أهلي هناك مع علمي أن الله ناصرك، وما فعلت ذلك كفرًا ولا ارتدادًا ولا رضا بالكفر بعد الإسلام، فعفا عنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأطلقه.
لذا؛ كان الإنصاف والعدل مع الخصم سجية من سجايا الصحابة وخلق من أخلاقهم التي تعلموها من قائدهم ومربيهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فها هي عائشة رضي الله عنها لا يمنعها خصمها الذي قتل أخاها أن تقول قول الحق؛ فعن عبد الرحمن بن شماسة قال: دخلت على عائشة فقالت: ممن أنت؟ قلت: من أهل مصر، قالت: كيف وجدتم ابن خديج في غزاتكم هذه؟ قلت: خير أمير؛ ما يقف لرجل منا فرس ولا بعير إلا أبدل مكانه بعيرًا ولا غلامٌ إلا أبدله مكانه غلامًا قالت: إنه لا يمنعني قتله أخي أن أحدثكم ما سمعت من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إني سمعته يقول: "اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ، وَمَنْ شَقَّ عَلَيْهِمْ فَشُقَّ عَلَيْهِ".
أحبتي ..
كن منصفًا .. " اعدلوا هو أقرب للتقوى "
كن منصفًا من نفسك ، ولا تعامل الناس بما لا تعامل به نفسك .
كن منصفًا واتق الله في اتهام نوايا الناس أو أن تتعدى على مواقفهم دون بينة بما عملوا أو يعملون .
كن منصفًا والتمس لكل عذره في أي فعل تراه فيه مخطئا .
كفوا عن لغة التخوين ، واحرص على كف لسانك عن كل ما لا يعذرك أمام الله .
نحتاج للسان ذاكر مسدد ، وقلب شاكر مُجدد ، وأخلاق تقود دعوتنا ، ونقاء للنفوس والأرواح يبعثنا من جديد ، يعذر بعضنا بعضا ، ويدعو بعضنا لبعض ، أنصفوا
رمضان الخلق الكريم .
هاني حلمي
تعليق