ليلة القدر ، ليلة عظيمة مباركة ولقد نوه الله تعالى بشأنها فقال سبحانه ((إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ، سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ))سورة القدر - الآية من ١ـ٥.
فذكر الله سبحانه و تعالى أن ليلة القدر خير من ألف شهر، و معنى ذلك أن الصلاة فيها أفضل من الصلاة في ألف شهر، و العمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه.) رواه البخاري ومسلم .
وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها في العشر الأواخر من رمضان حيث قال - عليه الصلاة والسلام - : ( التمِسوها في العشرِ الأواخِرِ وفي وِترٍ مِنها . ) حديث حسن
سبب تسميتها بليلة القدر
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
أولاً: سميت ليلة القدر من القدر وهو الشرف كما تقول فلان ذو قدر عظيم، أي ذو شرف.
ثانيا: أنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة، فيكتب فيها ما سيجري في ذلك العام، وهذا من حكمة الله عز وجل وبيان إتقان صنعه وخلقه.
ثالثا: قيل إن للعبادة فيها قدر عظيم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) متفق عليه
تحديد ليلة القدر
وهذه الليلة قد أخفي العلم بعينها، فلم يطلع الله عليها أحداً من خلقه، و السبب في ذلك طلب الاجتهاد في بقية الليالي، فإنهم لو علموا عينها لناموا في بقية الليالي، وقاموا هذه الليلة وحدها، ولم يحصل لهم زيادة الأعمال، فإذا أبهمت في هذه الليالي فإنهم يجتهدون، فيقومون في كل ليلة جزءاً رجاء أن يوافقوها.
أما تعيين تلك الليلة فقد اختلف فيها اختلافاً كثيراً، حتى وصلت الأقوال فيها إلى أكثر من أربعين قولاً كما في فتح الباري. و كلها ليست بيقين.
فمنهم من قال: إنها ليلة إحدى وعشرين،
واستدلوا بهذا الحديث عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ قالَ : كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يعتَكِفُ العشرَ الأوسطَ من رمضانَ ، فاعتَكَفَ عامًّا ، حتَّى إذا كانت ليلةُ إحدى وعِشرينَ وَهيَ اللَّيلةُ الَّتي يخرجُ فيها من اعتِكافِهِ ، قالَ: مَن كانَ اعتَكَفَ معي ، فليعتَكِفِ العشرَ الأواخرَ ، وقد رأيتُ هذِهِ اللَّيلةَ ، ثمَّ أنسيتُها ، وقدَ رأيتُني أسجُدُ من صبيحتِها في ماءٍ وطينٍ ، فالتَمِسوها في كلِّ وِترٍ ، قالَ أبو سعيدٍ: فمُطِرَتِ السَّماءُ من تلكَ اللَّيلةِ وَكانَ المسجِدُ على عريشٍ ، فوَكَفَ المسجدُ ، فقالَ أبو سعيدٍ: فأبصرَت عينايَ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وعلى جبهتِهِ ، وأنفِهِ أثرُ الماءِ والطِّينِ مِن صَبيحةِ إحدى وعِشرينَ
و رجّح الإمام الشافعي ليلة إحدى وعشرين لهذا الحديث. ومنهم من قال: هي ليلة ثلاث وعشرين، و استدلوا بهذا الحديث
قال رسول الله صل الله عليه وسلم (( كم مضَى من الشهرِ قال قلنا مضت ثنتان وعشرونَ وبقى ثمانٍ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بل مضت منه ثنتان وعشرون وبقي سبعٌ اطلُبوها الليلةَ قال يعلى في حديثِه الشهرُ تسعٌ وعِشْرُونَ (يعني ليلة ثلاث و عشرين) إسناده صحيح
ذكره ابن رجب في الوظائف.
و منهم: من رجح ليلة أربع وعشرين، و ذلك لأنها أولى السبع الأواخر، و استدلوا بأنه صلى الله عليه و سلم لما رأى كثير من أصحابه ليلة القدر في السبع الأواخر
قال: أن رجالًا من أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُرُوا ليلةَ القدرِ في المنامِ في السبعِ الأواخرِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : ( أَرَى رؤياكم قد تواطَأَتْ في السبعِ الأواخرِ، فمَن كان مُتَحَرِّيها فلْيَتَحَرَّها في السبعِ الأواخرِ ) .
.
و السبع الأواخر أولها ليلة أربع وعشرين إذا كان الشهر تاماً. ومنهم من قال: إنها تطلب في ليالي الوتر من العشر كلها؛ وذلك
أنه كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يجاور في العشرِ الأواخرِ من رمضانَ، ويقول : ( تَحَرَّوْا ليلة القدرِ في العشرِ الأواخرِ من رمضانَ ) .
و الوتر هي الليالي الفردية. و بالرجوع إلى ما مضى فليالي الوتر هي ليلة إحدى وعشرين، و ثلاث وعشرين، و خمس وعشرين، و سبع وعشرين، و تسع وعشرين. فهذه أوتارها بالنسبة إلى ما مضى.
علامات ليلة القدر
1- قوة الإضاءة والنور في تلك الليلة، وهذه العلامة في الوقت الحاضر لا يحس بها إلا من كان في البر بعيداً عن الأنوار
2-الطمأنينة، أي طمأنينة القلب، وانشراح صدر المؤمن، فإنه يجد راحة وطمأنينة وانشراح صدر في تلك الليلة أكثر مما يجده في بقية الليالي .
3- الرياح تكون فيها ساكنة أي لا تأتي فيها عواصف، بل يكون الجو مناسبا.
4- قد يُري الله الإنسان الليلة في المنام ، كما حصل ذلك لبعض الصحابة رضى الله عنهم .
5- الإنسان يجد في القيام لذة أكثر مما في غيرها من الليالي
6- الشمس تطلع في صبيحتها ليس لها شعاع، صافية ليست كعادتها في بقية الأيام، ويدل على ذلك حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال : أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنها تطلع يومئذ ٍ لا شعاع لها ) - رواه مسلم -
والله أعلم
تعليق