إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ساعات الصفاء الإيمانية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ساعات الصفاء الإيمانية



    يحتاج المرء في هذه الحياة مع كثرة غدوه ورواحه، وتنقله بين أنشطته المختلفةإلى ساعات صفاء يبتعد فيها عن دنيا الناس ليحلق بروحه إلى الملأ الأعلى.. يرفع فيها يديه إلى السماء راغباً وراهباً، راجياً وخائفاً.. يطلب ما عند الله عز وجل مننعيموإحسان،ويشتكي ما أظلم روحه وأضعف همته من ذنب وعصيان.. يراجع فيها حساباته،ويزنفيهامفاهيمه وأفكاره.. ساعات معدودة.. ينطلق بعدها في ميادين العمل والعطاءالأياموالليالي،وقد صفت نفسه، وتوقدت همته .

    وفي رمضان يجد المرء حظاً عظيماً ونصيباًكبيراً من مثل هذه الساعات، فرمضان بمجموعه هو: محطة صفاء وساعات نقاء، يصفي المرءفيها روحه، وينقي قلبه مما علق به من أكدار وأوضار، ولا أدلَّ على ذلك من تبشيرحبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم لنا بمقدم هذا الشهر العظيم بإشراقاته وأنوارهكما جاء عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان قال: (يا أيها الناس : قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خيرمن ألف شهر، شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً، من تقرب فيه بخصلة منالخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيه كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزاد في رزق المؤمنفيه، من فطر صائما كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غيرأن ينقص من أجره شيء ). قالوا : يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة، أو على شربة ماء، أومذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار).(1) .

    وعن عبادة بنالصامت رضي الله عنه مرفوعاً: (أتاكم رمضان، شهر بركة، يغشاكم الله فيه، فينزلالرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه،ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حرم فيه رحمةالله).(2)

    أرأيت أخي.. إنه شهر التجليات والنفحات ونزول الرحمات، إنه شهر الصفاء والنقاء، إنه شهر نستطيع أن نسمه بأنه شهر المراجعة والتزود.. مراجعةأوضاعنا وأحوالنا، والتزود لمآلنا .

    وفي هذا الشهر أيام وساعات ندب حبيبنا صلىالله عليه وسلم لنا الاعتكاف فيها، وفي لحظات الاعتكاف هذه يجد المرء بغيته منالصفاء الفكري والنقاء الروحي حين يخلو مع خالقه العظيم ومولاه الكريم في بيت منبيوته يناجيه ويذكره.. يسأله الجنة ويعوذ به من النار.. يتفكر في حاله ومآله، ليخرجبعد ذلك من خلوته هذه بفكر غير الفكر الذي دخل به، وروح غير الروح التي كان يحملها.. يخرج وقد صفا فكره، وامتلأ قلبه بمعرفة الله عز وجل وحبه وتعظيمه، وحتىتكتمل فرحة الإنسان بهذه اللحظات، ويحسن استغلاله لها، فإن أمامه ميدانان عظيمانوطريقان مشرعان حظ على سلوكهما سلفنا الأطهار ومن تبعهم من الأبرار خاصة في ساعاتالخلوة مع الله عز وجل ومناجاته، وذلك حتى يصل الإنسان إلى معرفة الله عز وجلوالتمتع بلذة القرب منه، وهذان الميدانان هما: ميدانا الذكر والفكر، أو التذكر والتفكر .

    واستمع معي إلى ما يقوله الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في هذا المعنى: " التذكر والتفكر منزلان يثمران أنواع المعارف، وحقائق الإيمان والإحسان، والعارف لا يزال يعود بتفكره على تذكره، وبتذكره على تفكره، حتى يفتح قفل قلبه بإذنالفتاح العليم . قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: ما زال أهل العلم يعودون بالتذكرعلى التفكر، وبالتفكر على التذكر، ويناطقون القلوب حتى نطقت ".(3)

    وها هو ذاالشيخ حسن البنا عليه رحمة الله عز وجل جاءه شاب يشكو قسوة قلبه، فكان مما قال له: " الفكر والذكر في أوقات الصفاء والخلوة والمناجاة والتأمل في هذا الكون البديعالعجيب، واستجلاء سر الجمال والجلال منه، وإجالة النظر في هذا القلب واللسان بآثار هذه العظمة الساحرة والحكمة البالغة. كل ذلك مما يمد القلب بالحياة، وينير جوانبالنفس بالإيمان، واليقين : { إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآياتلأولي الألباب } [سورة آل عمران، الآية 190 ]" (4) .

    دعنا - أخي- في هذه العجالة نتأمل في حقيقة هذينالمعنيين العظيمين: الفكر والذكر .

    فالأول منهما وهو الفكر أو التفكر ليسمحصوراً كما يظن البعض في النظر إلى السماء، والتدبر في آيات القرآن العظيم فقط،وإنما هو كما قال الإمام أبو سليمان الداراني رحمه الله تعالى: " إني لأخرج من منزليفما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله عليّ فيه نعمة، ولي فيه عبرة " .

    إذا المرء كانت له فكرة ففي كل شيء له عبرة

    ومن مجالات الفكر والتفكر التي تكلم فيهاالعلماء والمربون، ما ذكره الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى بقوله: " وأعلى الفكروأجلها وأنفعها ما كان لله والدار الآخرة فما كان لله فهو أنواع :

    الأول: الفكرةفي آياته المنزلة وتعقلها وفهمها وفهم مراده منها، ولذلك أنزلها الله تعالى لالمجرد تلاوتها .

    الثاني: الفكرة في آياته المشهودة والاعتبار بها والاستدلال بهاعلى أسمائه وصفاته وحكمته وإحسانه وبره وجوده .

    الثالث: الفكرة في آلائه وإحسانه وإنعامه على خلقه بأصناف النعم وسعة مغفرته ورحمته وحلمه .

    وهذه الأنواع الثلاثةتستخرج من القلب معرفة الله ومحبته وخوفه ورجاءه ودوام الفكرة في ذلك مع الذكر يصبغ القلب في المعرفة والمحبة صبغة تامة .

    الرابع: الفكرة في عيوب النفس وآفاتها وفىعيوب العمل، وهذه الفكرة عظيمة النفع وهي باب كل خير .

    الخامس: الفكرة في واجبالوقت ووظيفته وجمع الهم كله عليه فالعارف ابن وقته فإن أضاعه ضاعت عليه مصالحه كلها " (5) .

    أما المعنى الثاني الذي نريد أن نتأمل فيه، ونستجلي حقيقته فهو الذكرأو التذكر، وهو ميدان عظيم للتعرف على الله عز وجل، والوصول إليه، وحتى يكتمل حالنامع الذكر فلنستمع سوياً إلى هذه الوصية للإمام ابن عطاء الله الاسكندري رحمه اللهتعالى إذ يقول: " لا تترك الذكر لعدم حضور قلبك مع الله فيه؛ فإن غفلتك عن وجود ذكرهأشد من غفلتك في وجود ذكره.. فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجوديقظة، ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور.. ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكرمع وجود غيبة عما سوى المذكور.. وما ذلك على الله بعزيز ".(6)، فكأنه رحمه اللهيقول: إن إصرار المرء على الذكر وإن كان قلبه في غفلة عنه سبب في ترقيته إلى أعلىالمراتب، ولكن لابد من الدوام، وهو يدعونا من خلال كلامه رحمه الله إلى أن نصل إلىالقمة في الذكر بوصولنا إلى حالة الاستغراق, والمقصود بهذه الحالة: الحالة المعروفةفي حياتنا اليومية حين تنادي شخصاً تراه من بعيد مثلاً فلا يجيبك ولا يلتفت إليكلأنه مشغول الذهن غارق في التفكير، فلم يسمع ندائك، يقول الشيخ الغزالي رحمه اللهتعالى معلقاً على هذه الحالة: " إن من أهل الصلاح من تصفو سرائرهم، وتزكو بواطنهم،وتتوطّد مع الله علائقهم، ويمسُّ حبه شغاف قلوبهم، وربما تضطرم مشاعر الذكرى فيأنفسهم إثر طائف يمرُّ بها من الملأ الأعلى، كما تتقد الجذوة نفخت فيها الرياح،فتمر بهؤلاء لحظات ليست من حياة الناس، يذهلون فيها عن أنفسهم ويبقون مع ربهم فياستغراق يطول أو يقصر!! أي عجب في هذا؟ إن الإيمان يربو أحياناً كما تربو أمواجالبحر، ثم يعود رَهْواً، ساكن الصفحة، كأن لم يعره شيء " (7) .

    وللذكر مجالات شتى وطرق عدة، منها:ذكر أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته والتأمل في معانيها، والثناء عليه بها، وذكر إنعامه وإحسانه، ومنها: التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار وأنواع الأذكار، ومنها: قرآة القرآن، والدعاء، والصلاة على النبي صلىالله عليه وسلم، بل لقد عدّ بعضهم طلب العلم من ذكر الله عز وجل وجعل بعضهم الآخركل طاعة لله عز وجل ذكر له .

    وبعد هذا وذاك.. تأمل معي في قوله عز وجل في سورةآل عمران: { إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ... } [سورة آل عمران، الآيات (190-191) ]، وفي حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تلاوة هذه الآيات في بداية قيامهلليل وخلوته مع الله عز وجل لتعي معي أثر اجتماع هذين المعنيين العظيمين: الذكر والفكر في أوقات الخلوة والمناجاة .

    أخي.. ما أحوجنا إلى هذه الساعات.. ساعات الخلوة مع الله عز وجل.. ساعات الصفاء والنقاء.. لتقترب أرواحنا من مصدرها العلويبعد أن التصقت بطين الأرض! ما أحوجنا إلى هذه الساعات لنصحح فيها أفكارنا ونزنها بميزان الشرع والعقل ونحن في زمن قد انعكست فيه الموازين وانقلبت المفاهيم! ماأحوجنا إلى هذه الساعات نتأمل فيها في أخلاقنا وما علق بها من شوائب وأكدار لنسويهاونعدل من عوجها في هذا الزمن الذي أُعلنت فيه الحرب السافرة على القيم والأخلاق! ماأحوجنا إلى هذه الساعات نتأمل فيها في علل أمتنا وما أصابها من خلل وجمود لنرقىبالواقع وننهض بالحال! ما أحوجنا إلى هذه الساعات نرفع فيها أكفنا ضارعين إلى السماء نسأل الله عز وجل فيها الرحمة بأمتنا، وبالمنكوبين والبائسين من أبنائها، ونسأله النصر على أعدائنا، وأن يعيد علينا رمضان وقد زالت عنا سحائب الذل والتخلف،وحلت بديارنا سحائب العز والنصر والتقدم، وما ذلك على الله بعزيز !!

    --------------

    الهوامش :

    (1) رواه ابن خزيمة في صحيحه ثم قال صح الخبر،ورواه من طريق البيهقي، ورواه أبو الشيخ ابن حبان في الثواب باختصار عنهما .

    (2) أخرجه الطبراني ورواته ثقات .

    (3) انظر منزلة (التذكر) بمدارج السالكين للإمامابن القيم رحمه الله تعالى بتهذيب الشيخ عبد المنعم العزي حفظه الله تعالى .

    (4) نقلاً من كتاب (الطريق إلى الربانية منهجاًوسلوكاً) للدكتور/ مجدي الهلالي حفظه الله تعالى .

    (5) بتصرف من كتاب (الجوابالكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى .

    (6) الحكم العطائية للإمام ابن عطاء الله الاسكندري .

    (7) انظر كتاب (الجانب العاطفي منالإسلام) للشيخ الغزالي رحمه الله تعالى .

    أسأل الله الإخلاص فى هذا العمل وأن ينفع به.
    و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .


    هذا التوقيع افتراضيا لأى عضو جديد لذا يمكنك تغييره من لوحة التحكم او بالضغط على الصورة بأعلى

  • #2
    رد: ساعات الصفاء الإيمانية

    ساعات الصفاء الإيمانية ادامها الله علينا وعليكم ...ولدكر الله اكبر
    أخوكم المهدي

    تعليق

    يعمل...
    X