فوائد الإعتكاف في شهر رمضانَ
أما بعد:...
ـ فلا بد أن يغتنمَ الإنسانُ منا الثمرةَ المرجوةَ من العبادةِ وروحِها ، ولا يَتركْها تَمُرُّ بدونِ ذلك ، حتّى يشتاقَ لها ، ويتمنَّى بعد انقضائِها أنْ تبدأَ مرةً أخرى.
ـ لذلك كان علينا أن نتدارسَ سَوِيًّا بعضَ فوائدِ الاعتكاف فِي شهر رمضانَ والتي منها (ونذكر سبعَ فوائد):
أولا: الاقتداءُ بالنبي صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى:( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ).
فقد كان صلى الله عليه وسلم ( يعتكفُ في كلِّ رمضانَ عشرةَ أيامٍ ).
ثانيا: الصبرُ على الطاعة.
وذلك بالصبرِ على قراءةِ القرآنِ والذكرِ من بعد صلاة الفجر حتى تطلعَ الشمسُ ، وبانتظارِ الصلواتِ المفروضة في المسجد ، وبإتمامِ صلاة التراويح كاملة ، وباستغلال الاعتكاف بكثرة العبادة وعدم ضياعِه في النوم الكثير .
ثالثا: التدبرُ والتفكرُ في آيات الله تعالى.
قال تعالى:( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا ).
وذلك بقراءة الإمام للقرآن في الصلاة القراءة المتقنة ، والوَقَفَاتِ الصحيحةِ الْمُفْهِمَة.
ـ روى القرطبي في تفسير ( سورة قريش ) عن عمرو بن ميمون قال : صليتُ المغربَ خلف عمرَ بنِ الخطاب فقرأ في الركعة الثانية ( أَلَمْ تَرَ ) و ( لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ) . والمعنى: ... فعلنا ما فعلنا بأصحاب الفيل لأجل قريش وأمنهم ، واستقامة مصالحهم ...
ـ وقوله تعالى:( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ . وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ).
ـ وقوله تعالى : ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ).
رابعا: تنظيمُ الوقتِ والفِكْرِ والانضباط.
فيؤدي المعتكِفُ الأمورَ المتكررة في الاعتكاف بنظام ( من فطور وصلاة للمغرب والعشاء والقيام والتهجد والسُّحور والدعاء وقراءة القرآن ).
خامسا: المحافظةُ على العبادةِ ودوامِها ( وخاصة قيام الليل ).
فلا يصلح أنْ نقوم الليل كلَّه في شهرِ رمضانَ ، ولا نقدرَ أن نقومَ ركعتان أو أربع ركعات بعد رمضانَ ونواظب عليها.
سادسا: الازديادُ من التقوى والإيمانِ والتعلقِ بالله تعالى .
ليخوض الإنسانُ مِنَّا الدنيا وزينتها وزخرفها بقلب نقيٍّ تقيٍّ ، لا يَغُشّ الناس ولا يؤذيهم...
سابعا: الألفةُ والأخوةُ في الله تعالى وإنمائها.
فيبُشُّ في وجه إخوانِه ، وتزداد وتكثر معارفه....فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه.
(( والمهم في ذلك كلِّه ...تطبيقُ هذه الأمور بعد الانتهاء من الاعتكاف ، ولا نتركها وراء ظهورنا بعد خروجنا من الاعتكاف ))
ـ ونستفيد من التدبر والتفكر في آيات الله تعالى ..... بالتطبيق العملي لها ، وليس بالقراءة فقط.
ـ ونستفيد من تنظيم الوقت والفكر .... بأن نضع خِطّة لاستغلال حياتنا الدنيا أحسن استغلال.
ـ ونستفيد من المحافظة على العبادة ودوامها .... بالمحافظة على الصلوات في جماعة ، وعلى قيام الليل ، والدعاء في الثلث الأخير من الليل.
ـ ونستفيد من الازدياد من التقوى والإيمان والتعلق بالله تعالى .... في الدعوة إلى الله تعالى ، فيغسلُ المرءُ مِنّا في معتَكَفِهِ ما قد يحدث له من أخطاء وسلبيات ، ويُراجعُ نفسَه ويُصحِّح نيّته ، ويطلب الإخلاصَ أثناء قيامه بالدعوة إلى الله تعالى .
ـ ونستفيد من الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ...... فلا يكتفي المرء بتطبيق شخصية النبي صلى الله عليه وسلم في العبادة فقط، بل والمعاملات والحياة الاجتماعية والسياسية....
ـ وأخيراً نستفيد من الأُلفة والأُخوة وإنمائها .... لتشمل حبّ الخيرِ لجميعِ المسلمينَ والخوف عليهم ، إلى درجة تصل إلى ( وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ).
وهكذا لا يَعْكُفُ الإنسانُ مِنّا على نفسه بعد الانتهاء من الاعتكاف ، ولكن ينطلق بعد خروجه من المسجد بما اكتسبه واستفاده من الاعتكاف ...محببا للناس في دين الله تبارك وتعالى ، صابراً عليهم ، داعيا لهم إلى مشاركته في العبادة ومنافسته فيها .
تعليق