عبـاد الله، عندما وصف الله -سبحانه وتعالى- عُبَّاده بقيام الليل، والتضرع بين يديه، وصَفَهم بعد ذلك مباشرة بالجود والكرم والإنفاق، فقال -تعالى-: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة:15-17].
فالذي لا ينفق أمواله في أبواب الخير وفي منافع العباد مِن حوله حسب قدراته وطاقته لا يوفق للقبول عند الله، ولا ينتفع بطاعة، ولا يتلذذ بعبادة؛ لأن حب المال في قلبه سيطغى على كل حب، وإنّ شكر نعمة المال لا يكون إلا بالإنفاق والبذل والعطاء.
وفي شهر رمضان يكون الإنفاق أعظم؛ لأنه يتزامن مع الصيام والقيام وقراءة القرآن، فكيف بمسلم يقرأ قول الله -عز وجل-: (مَنْ ذا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) [البقرة:245]، أو يقرأ أو يسمع قول الله -عز وجل-: (وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَىْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ:39]، ثم لا يسارع إلى الإنفاق والبذل والعطاء؟! كلٌّ بما يستطيع، فكم من جائع ومحتاج ويتيم ومسكين ومريض وغارم يحتاج إلى مَن يقف بجانبه ويمد يد العون له! ولن يضيع ذلك عند الله.
عبــــــــاد الله: لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس في رمضان وغير رمضان، أخرج البخاري من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، وكان يدارسه القرآن في كل ليلة من ليالي رمضان، فلَرسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة".
فتشبهوا بنبيكم، واقتدوا بسلوكه وأخلاقه، والتزموا بتوجيهات؛ تفلحوا في الدنيا والآخرة.
وفي الحديث القدسي: قال الله -عز وجل-: "أنفِقْ يا ابن آدم أنفقْ عليك" البخاري ومسلم.
في عام الرمادة، وقد بلغ الفقر والجوع بالمسلمين مبلغاً عظيماً، جاءتْ قافلةٌ لعُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ مُؤَلَّفة ٌمِن أْلفِ بَعْيِرٍ، مُحَمَّلَة ٌ بالتَّمْرِ والزَّبيْبِ والزَّيْتِ وغيرِها من ألوانِ الطعامِ، فجاءَهُ تُجّارُ المدينةِ المُنَوَّرَةِ مِنْ أَجْلِ شِرائِها منه، وقالُوا لهُ: نُعْطيكَ ربحاً بَدَلَ الدِّرْهَمَ دِرْهَمَينِ يا عثمان. قالَ عثمانُ: لقد أُعْطِيْتُ أكثرَ مِنْ هذا. قالوا: نَزِيْدُكَ الدِّرْهَمَ بخَمْسة. قالَ لَهُمْ: لَقَدْ زادنَي غيرُكم، الدِّرْهَمَ بَعَشَرة! قالوا له: مَنْ ذا الذي زادَكَ، ولَيْسَ في المدينةِ تُجّارٌ غيرُنا؟ قالَ عثمانُ: أَلَمْ تَسْمَعُوا قَوْلَ اللهِ -تعالى-: (مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ فلهُ عَشْرُ أمثاِلها)؟ أُشْهِدُكُمْ أنّي قَدْ بِعْتُها للهِ ورسولهِ. فأنفَقَها في سبيل الله.
إن القضية ليست قضية ربح الدنيا وما فيها؛ ولكن القضية التي ينبغي أن يسعى لها كل مسلم هي ربح الآخرة، فأنفقوا -رحمكم الله-، وقدموا لأنفسكم ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، واستغلوا أيام رمضان بالأعمال الصالحات.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر...
هذا وصلوا وسلموا على محمد خير البرية، ورسول الإنسانية، صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والحمد لله رب العالمين.
تعليق