بالحبِّ نستقبلُه، وبعاطِر التحيَّات نحييه، وبأشْواق الفُؤاد نَلقاه، فله في النَّفس مكانةٌ، وفي حَنايا الفؤاد منزلةٌ.
مَرْحَبًا أَهْلاً وَسَهْلاً بِالصِّيَامْ يَا حَبِيبًا زَارَنَا فـِي كـُلِّ عَـامْ
قَدْ لَقِينَاكَ بـِحُبٍّ مـُفـْعَمٍ كُلُّ حُبٍّ فِي سِوَى الْمَوْلَى حَرَامْ
إنَّه رمضان، زينُ الشهور، وبدْر البُدور، إنَّه درَّة الخاشعين، ومِعراج التالين، وحبيبُ العابِدين، وأنيسُ الذَّاكرين، وفُرصة التائبين، إنَّه مَدرَجُ أولياء الله الصالحين إلى ربِّ العالمين.
مع بُزوغ أوَّل ليلةٍ من لياليه، تخفق القُلوب، وتتطلَّع النُّفوس، إلى ذلك النِّداء الرباني الخالد: "يا باغِيَ الخيرِ أقبلْ، ويا باغِيَ الشرِّ أقصرْ".
فيا لله ما أجمَلَه من نداءٍ، يفرَحُ به المؤمنون، ويستَبشِرُ به المتَّقون، فيَعمُرون المساجد، ويُقبِلون على القُرآن، ويتلذَّذُون بِمُناجاة الرحمن، ويتصدَّقون على المساكين، ويَؤمُّون البيت الحرام مُعتَمِرين ومُصلِّين.
العيون تدمَعُ، والقلوب تخشَعُ، والرِّقاب لربها تخضَعُ، تختَلِطُ دُموع التائبين بلذَّة الخاشعين، وتمتَزِج تِلاوات التالين بدَوِيِّ الذاكرين، فترسم في الدنيا أبهى حلَّةٍ، وأجمل صورةٍ، تسطر معنى وجمال الحياة بطاعة الله. إنَّه رمضان، يُبشِّرنا فيه الحبيبُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيقول: ((إذا جاءَ رمضانُ فُتحتْ أبوابُ الجنَّة، وغُلقتْ أبوابُ النار، وصُفدتِ الشياطين)) متفق عليه.
إنَّه رمضان، قد ادَّخَر الله لك أجرَ صيامه وسيَجزِيك به، فما ظنُّك بصاحب الكرَم والجُود - جلَّ جلالُه - إذا ادَّخَر لك شيئًا؟! يقولُ - صلَّى الله عليه وسلَّم - مخبرًا عن ربِّ العالمين: ((كلُّ عملِ ابن آدَم له، إلا الصوم فإنَّه لي وأنا أجزي به))
رواه البخاري.
إنَّه رمضان، يشفَعُ لك يوم القيامة؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم
الصيامُ والقرآنُ يشفعانِ للعبدِ يومَ القيامةِ، يقولُ الصيامُ: أيْ ربِّ إنِّي منعتُه الطعامَ و الشهواتِ بالنهارِ فشفعْنِي فيهِ، يقولُ القرآنُ ربِّ منعتُهُ النومَ بالليلِ فشفعْنِي فيهِ، فيُشَفَّعَانِ
الراوي: عبدالله بن عمرو المحدث:السيوطي - المصدر: الجامع الصغير - الصفحة أو الرقم: 5203
خلاصة حكم المحدث: صحيح
إنَّه رمضان، إذا صُمت نهارَه وقُمت ليلَه غفَر الله لك ما تقدَّم من ذنبك؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم
((مَن صام رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه))
متفق عليه،
وقال-صلَّى الله عليه وسلَّم
((مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه))
متَّفق عليه.
إنَّه شهر القُرآن؛ فيه نزَل، وفيه أعظَمُ ليلة يترقَّبُها المؤمنون، وهي ليلة القدر.
إنَّه حبيب المتَّقين، فقد كان سيِّد المتَّقين - صلَّى الله عليه وسلَّم - يهتمُّ به، فكانت له أحوالٌ أخرى مع رمضان؛ فقد كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يعرض القرآن على جبريل - عليه السلام - في كلِّ ليلةٍ، وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، وكان يعتَكِفُ العشر، ويُكثِر من الذِّكر. وكذلك أئمَّة السَّلَفِ من بعده - صلَّى الله عليه وسلَّم.
فقد كان ابن عمر - رضي الله عنهما - لا يُفطِر في رمضان إلا مع اليتامى والمساكين، وقال نافع: "كان ابن عمر - رضي الله عنهما - يقومُ في بيته في شهر رمضان، فإذا انصَرَفَ الناس من المسجد أخَذ إداوةً من ماءٍ ثم يخرج إلى مسجد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم لا يخرُج منه حتى يُصلِّي فيه الصبح".
وكان مالك بن أنس إذا دخل رمضان يفرُّ من الحديث ومُجالَسة أهْل العلم ويُقبِل على تلاوة القُرآن من المصحف.
وكان سفيان الثوري إذا دخَل رمضان ترَك جميعَ العباد وأقبَل على قِراءة القُرآن.
وكان سعيد بن جبير يختم القُرآن في كلِّ ليلتين. وكان محمد بن شهاب الزهري إذا دخَل رمضان فإنَّما هو تلاوة القُرآن وإطعام الطَّعام.
رمضانُ قد أقبل، فاحرِصْ فيه على صَلاةٍ خاشعة، وعُمرة مُتقنة، وصَدَقةٍ على مسكين، وترنُّم بآيات الكتاب، واعتكافٍ في المسجد، وتفطيرٍ للصائمين، وتلمُّسٍ لاحتياجات الفقراء والمساكين، تنقَّلْ من حالٍ إلى حالٍ حتى تَشعُرَ بلذَّة رمضان
تعليق