ما أشبه الليلة بالبارحة هذه الأيام تمر بسرعة وكأنها لحظات، لقد استقبلنا رمضان ثم ودعناه، وما هي إلا فترة من الزمن وإذا نحن نستقبل رمضان مرة أخرى ..
لقد تربَّصنا أحد عشر شهرًا بحلوِها ومرِّها وصَدَئها وصقالها وفرحها وترَحها، لقد تربَّصنا تلكم الشهور بعجرها وبجرها؛ حتى تاقت النفوس واشرأبَّت إلى محطِّ رِحالٍ نُلقي فيه أحمالنا، ونمسَح ما على جِباهنا من عرقٍ، ونُكَفْكِفُ ما بأعيننا من دموعٍ. لقد كنَّا بحاجةٍ إلى وقتٍ نُثبِّت به قلوبنا، ونُطفئ به ظَمأها، ونسقي زرعَها، وهاهو رمضان يعود، وبشايره تقترب نسأل الله أن يبلغنا وإياكم إياه ...
ولكن السؤال كيف تسقبل الأمة هذا الزائر الكريم ... وهذا الموسم العظيم ؟!
وحتى نعرف واقعنا اليوم لابد وفي البداية إيه الإخوة الكرام أن نتذكر وإياكم هذا الموقف .. ونتوقف عنده ..
في يوم من الأيام صعدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبرَ ذات مرةٍ فقال: ((آمين آمين آمين))
قيل: يا رسول الله، إنك حين صعدتَ المنبر قلت: آمين آمين آمين!
قال:
((إنَّ جبريل أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان فلم يغفَر له فدخل النار فأبعده الله، قل: آمين، فقلت: آمين))
رواه ابن خزيمة وابن حبان .
وفي رواية :
"ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له" .
في رمضان أيها الإخوة يعطى السائل ويغفَر للتائب، تتّصل القلوب ببارئها، تمتلئ المساجد؛ هذا مصلٍّ، وهذا ذاكر، وآخر يتلو كتاب ربّه، كلهم يرجون الأجر والتخلّص من أوزار الذنوب.
ترى هؤلاء وتحمَد الله، لكنك تحزن وأنت ترى بالمقابل فئامًا من الناس يستقبلون رمضان انتظارًا لأن تتسلّط عليهم هذه القنوات ببرامجها التافهة التي تحمل شرًا وفسقًا ورقصًا وعريًا، والأعظم استهزاء بدين الله وشرائعه وتشويهًا للتاريخ ومراجعه. فما الذي دهى القوم؟! قد يكون هدف هذه القنوات ماديًا لجلب المال، ولكن بالمقابل كيف بمن أضاع فرصة رمضان العظيمة بالمغفرة والرحمة والعتق من النار ليشتري بدلاً منها وزرًا وإثمًا؟! ثم ألم يكف هذه القنوات ورجالها ما أفسدوه خلال العام في بيوت المسلمين ليعتدوا على هذه الشهر الكريم بهذا الفسق والفجور بالبرامج الرمضانية كما يسمونها؟! ما الذي دهى القوم؟! وأيّ قناعات تسرّبت إليهم ليجعَلوا من شهر التقى والعفاف موسم حياة لاهية وسمر عابث؟!
قد يتهمني البعض ـ إخوتي ـ بالمبالغة والتهويل، لكن تعالوا إلى حديث صريح نناقش إخواننا فيه المتابعين لتلك البرامج هدانا الله وإياهم.
هل ينكر أحدٌ منا أن الله حرم علينا ـ معاشر الرجال ـ النظر إلى المرأة الأجنبية؟! ولا أتكلم عن الخلاف المعروف بين الفقهاء في وجه المرأة لأن الذي يعرض على التلفاز وجه المرأة وشعرها وصدرها وذراعاها وساقاها، وربما أعظم من هذا، هل ينكر أحدٌ منا أن الإسلام قد حرّم علينا الاستماع إلى الغناء وآلات الطرب واللهو؟!
ولا يمكن أن تخلو برامج هذه القنوات من أصوات الموسيقى المحرمة. كل هذا ـ أيها الأحبة ـ
لو سلّمنا بأن ما يعرض على الناس هو النساء والموسيقى، ولكن الواقع أن الأمر أعظم من هذا، فاليوم يعرض على الناس في رمضان – وحتى في غيره - الشرك والكفر بالله تعالى، يعرض على الناس السحر والشعوذة والزندقة، ويعرض على الناس تمثيليات الجنس ومسلسلات العشق والغرام والكذب والسيئ من الأخلاق، يعرض على الناس الزنا الصريح، يعرض على الناس صور الجريمة وأساليب النصب والاحتيال، يعرض على الناس التهوين بحجاب المرأة والاستهزاء بعباءتها ونقابها وعادات المجتمع وتقاليده، يعرض على الناس برامج منتجة في بلاد عربية مسلمة وأغلب القائمين على إنتاجها وتمثيلها نصارى يحاربون الله ورسوله، يعرض على الناس الخمر والمخدرات.
أفلا يستحي هؤلاء من ربهم ؟!
في رمضان .. وفوق ذلك دماء المسلمين تسال، وأعراضه تنتهك، وأطفالهم يقتلون، وهؤلاء في غيهم وفسقهم ؟؟!!!
تُرى هل تبلّدت أحاسيس الناس؟!
وهل ماتت الكثير من الفضائل الإسلامية في نفوسهم حتى صاروا يتقبلون أن ينظروا في الشاشة رجلاً يحتضن بنتًا شابّة على أنه أبوها؟! ونحن مطالبون أن نأخذ الأمر بعفويّة وطبيعية يدعوننا إليها.
وصرنا لا ننكر وجود رجلٍ وامرأة في وضع الزوجين، ونصِف الرجل بأنه ممثل محترم وأنها ممثلة قديرة، وصرنا لا ننكِر أن تظهر المرأة حاسِرة الرأس كاشفةَ الشعر والرقبة والذراعين والساقين، ثم تهريج وإضحاك غير منضبط واستهزاءٌ بالشعوب واللهجات وانتقادٌ واستهزاءٌ لما حسن من العادات.
يالله لطفك بنا ولا تعاقبنا بما فعل السفهاء منا ..
وأحفظ بلدنا وبلاد المسلمين يارب العالمين ..
د . عبد الله بن راضي المعيدي الشمري
تعليق