جاءكم شهر رمضان
بتصرف من دروس المسجد في رمضان للشيخ عائض القرني
أيها الناس
يقول ابن عباس رضي الله عنهما: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن ..ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة.
والريح المرسلة التي تهب معطاءة وكريمة ورخوا فكان المصطفى عليه الصلاة والسلام أجود الناس في رمضان. ما سئل سؤالا فقال: لا
وفي رمضان يُخصص هذا الشهر لقراءة القرآن ..وقد فهم هذا علماء الأمة فعطلوا الفتيا وحلقات العلم والتدريس والاتصالات الخارجية بالناس وأخذوا المصحف يتدارسونه يضعون دواءه على الجراحات ويأخذون بلسمه على الأرض والأسقام فيشفيهم رب الأرض والسماء لأن هذا القرآن شفاء ونزل في الليل وأتى في رمضان ليحيى الأمة الميتة التي ما عرفت الحياة وينير بصيرة الأمة التي ما عرفت البصيرة ويرفع رأس الأمة التي كانت في التراب.
لما أتى عليه الصلاة والسلام قال لأمته في أول رمضان ما قاله الله تبارك وتعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزئ به ) لأنه سر بينك وبين الله لا يطلع على صيامك إلا الله ولا يعلم أنك صائم إلا الله بإمكانك أن تأكل وراء الجدران وأن تشرب وراء الحيطان ولكن من الذي يعلم السر وأخفى إلا الله .
من الذي يعلم أنك أكلت أو شربت أو تمتعت ؟ إلا الله .. هو رب الظلام ورب الضياء.
فالصلاة تُصلى بمجمع من الناس ..والزكاة تزكى بمجمع من الناس ..والحج يُحج بمجمع من الناس ..أما الصيام فيا سبحان الله : قد تختفي في الظلام وتأكل وتشرب ويظن الناس أنك صائم ..ولكن الله يدري أنك لست بصائم ..هو سر بينك وبين الله..
ثم أنظر للتلطف في لفظ الحديث القدسي يوم يقول الله تعالى: يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي يقول الله : ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ) حديث صحيح.
يوم تهب رائحة الصوم ..ويتأذى منها الناس ..تنبعث شذا وعبيرا فتسبح عبر الأثير إلى الحي القيوم ..فتكون كالمسك الخالص.
كل عمل ابن آدم له الحسنة بمثلها أو بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة إلا الصيام فلا يعلم ثوابه إلا الله . وخصص الله للصائمين بابا في الجنة بابا واسعا يدخل منه الصوام يوم القيامة يناديهم الله بصوته إذا دخلوا : كلوا يا من لم يأكلوا واشربوا يا من لم يشربوا وتمتعوا يا من لم يتمتعوا.
وفي الحديث: (إن في الجنة بابا يسمى الريان يدخل منه الصائمون لا يدخل منه غيرهم فإذا دخلوا أغلق الباب فلا يدخل منه غيرهم )
وقال: ( من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا) .
فيا أيها المسلمون:
يا من ولدتم على لا إله إلا الله ..ويا من شببتم على لا إله إلا الله جاءكم شهر رمضان وأصبح منكم قاب قوسين أو أدنى فالله الله ..لا يخرج رمضان منكم وقد خاب الكثير لا تعوض فإنه التوبة وإنه القبول من الله أكثروا فيه من الذكر بآيات الله البينات واهجروا الأغاني الماجنات الخليعات السافلات السخيفات التي أغوت القلوب عن ربها سبحانه .
فاغتنموه أن تعتق رقابكم من النار وان تبيض وجوهكم يوم تعرضون على الواحد القهار طوبى لبطون جاعت في سبيل الله ..هنيئا لأكباد ظمئت لمرضاة الله هنيئا لكم يوم أدرككم الشهر تصومونه إيمانا واحتسابا ويباهي بكم الملائكة من فوق سبع سماوات فيا أيتها الأمة الخالدة يا أيتها الأمة التي رضي الله عنها بمحسنها.
كفروا عن سيئاتكم في هذا الشهر وجددوا توبتكم مع الله .
فحياك الله يا رمضان ..لتحط عنها بفضل الله كل خطيئة وخسران ولوردنا الحوض المورود نشرب منه بإذن الله شربة لا نظمأ بعدها أبدا.
تعليق