فتاوى الحبيب صلى الله عليه وسلم
من فتاوي رسول الله لإبن القيم الجوزية
في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم سئل : أي الصيام أفضل بعد شهر رمضان؟
فقال : شهر الله الذي تدعونه المحرم ،
قيل : فأي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟
قال : الصلاة في جوف الليل .
وسألته صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها فقالت: يا رسول الله، دخلت علي وأنت صائم، ثم أكلت حيساً
فقال: نعم . إنما منزلة من صام في غير رمضان، أو قضى رمضان في التطوع بمنزلة رجل أخرج صدقة من ماله، فجاد منها بما شاء فأمضاه، وبخل بما شاء فأمسكه . (ذكره النسائي)
ودخل صلى الله عليه وسلم على أم هانئ فشرب، ثم ناولها فشربت، فقالت: إني كنت صائمة
فقال: الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر . (ذكره أحمد).
وذكر الدارقطني أن أبا سعيد صنع طعاماً، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال رجل من القوم : إني صائم ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صنع لك أخوك طعاماً وتكلف لك أخوك ! أفطر وصم يوماً آخر مكانه .
وذكر أحمد أن حفصة أهديت لها شاة، فأكلت منها هي وعائشة وكانتا صائمتين، فسألتا رسول الله عن ذلك
فقال: أبدلا يوماً مكانه .
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: قد اشتكيت عيني، أفأكتحل وأنا صائم ؟
قال : نعم . (ذكره الترمذي) .
وسأله صلى الله عليه وسلم عمر بن أبي سلمة ، أيقبل الصائم ؟
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : سل هذه ، لأم سلمة ، فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ، قال : يا رسول الله ، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأتقاكم لله وأخشاكم له . (ذكره مسلم).
وعند الإمام أحمد أن رجلاً قبل امرأته وهو صائم في رمضان ، فوجد من ذلك وجداً شديداً ، فأرسل امرأته فسألت أم سلمة عن ذلك ، فأخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله ، فأخبرت زوجها ، فزاده ذلك شراً ، وقال: لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن الله يحل لرسوله ما شاء ، ثم رجعت امرأته إلى أم سلمة ، فوجدت رسول الله،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذه المرأة، فأخبرته أم سلمة، فقال: ألا أخبرتها أني أفعل ذلك؟ قالت: قد أخبرتها، فذهبت إلى زوجها فزاده ذلك شراً ، وقال: لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يحل لرسوله ما شاء ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال: والله إني لأتقاكم لله وأعلمكم بحدوده . (ذكره مالك وأحمد والشافعي رضي الله عنهم).
وذكر أحمد أن شاباً سأل فقال: أقبل وأنا صائم؟ قال: لا
وسأله شيخ: أقبل وأنا صائم؟
قال: نعم، ثم قال: إن الشيخ يملك نفسه .
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله أكلت وشربت ناسياً وأنا صائم
فقال: أطعمك الله وسقاك . (ذكره أبو داود)،
وعند الدارقطني فيه بإسناد صحيح : أتم صومك، فإن الله أطعمك وسقاك، ولا قضاء عليك، وكان أول يوم من رمضان .
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الخيط الأبيض والخيط الأسود
فقال : هو بياض النهار وسواد الليل . (ذكره النسائي) .
ونهاهم عن الوصال وواصل، فسألوه عن ذلك فقال: إني لست كهيئتكم، إني يطعمني ربي ويسقيني . (متفق عليه) .
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم ، فقال: لست مثلنا يا رسول الله ، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فقال : والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتقي . (ذكره مسلم) .
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الصوم في السفر
فقال : إن شئت صمت وإن شئت أفطرت .
وسأله صلى الله عليه وسلم حمزة بن عمرو فقال: إني أجد في قوة على الصيام في السفر ، فهل علي جناح ؟
فقال: هي رخصة الله، فمن أخذ بها فحسن ، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه . (ذكرهما مسلم) .
وسئل صلى الله عليه وسلم عن تقطيع قضاء رمضان
فقال : ذلك إليك، أرأيت لو كان على أحدكم دين قضى الدرهم والدرهمين، ألم يكن ذلك قضاء؟ فالله أحق أن يعفو ويغفر . (ذكره الدارقطني ، وإسناده حسن).
وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم ونذر ، أفأصوم عنها؟
فقال : أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته ، أكان يؤدي ذلك عنها ؟ فقالت : نعم ، قال: فصومي عن أمك . (متفق عليه).
وسألته صلى الله عليه وسلم حفصة فقالت : إني أصبحت أنا وعائشة صائمتين متطوعتين، فأهدي لنا طعام فأفطرنا عليه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقضيا مكانه يوماً . (ذكره أحمد)
ولا ينافي هذا قوله : الصائم المتطوع أمير نفسه ، فإن القضاء أفضل .
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال: هلكت، وقعت على امرأتي وأنا صائم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا ، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: هل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال: لا، قال: اجلس، فبينا نحن على ذلك إذ أتي النبي صلى الله عليه وسلم بفرق فيه تمر- والفرق: المكتل الضخم- فقال: أين السائل ؟ قال: أنا ، قال: فخذ هذا فتصدق به ، فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابتيها -يريد الحرتين- أهل بيت أفقر من أهل بيتي ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال : أطعمه أهلك . (متفق عليه).
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل: فقال أي شهر تأمرني أن أصوم بعد رمضان؟
فقال: إن كنت صائماً بعد رمضان فصم المحرم ، فإنه شهر فيه تاب الله على قوم، ويتوب فيه على قوم آخرين . (ذكره أحمد) .
وسئل صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله لم نرك تصوم في شهر من الشهور ما تصوم في شعبان؟
فقال: ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم . (ذكره أحمد) .
وسئل صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الاثنين
فقال: ذاك يوم ولدت فيه، وفيه أنزل علي القرآن . (ذكره مسلم) .
وسأله صلى الله عليه وسلم أسامة فقال: يا رسول الله إنك تصوم لا تكاد تفطر ، وتفطر حتى لا تكاد تصوم، إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما. قال: أي يومين؟ قال: يوم الاثنين ويوم الخميس
قال: ذانك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم . (ذكره أحمد).
وسئل صلى الله عليه وسلم فقيل: يا رسول الله إنك تصوم الاثنين والخميس
فقال: إن يوم الاثنين والخميس يغفر الله فيهما لكل مسلم إلا مهتجرين ، يقول: حتى يصطلحا . (ذكره ابن ماجه).
وسئل صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله كيف بمن يصوم الدهر ؟
قال: لا صام ولا أفطر ، أو قال : لم يصم ولم يفطر .
قال: كيف بمن يصوم يومين ويفطر يوماً؟
قال: ويطيق ذلك أحد؟
قال: كيف بمن يصوم يوماً ويفطر يوماً؟
قال: ذاك صوم داود عليه السلام .
قال : كيف بمن يصوم يوماً ويفطر يومين؟
قال: وددت أني طوقت ذلك
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث من كل شهر ، ورمضان إلى رمضان، هذا صيام الدهر كله، صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده (ذكره مسلم).
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل: أصوم يوم الجمعة ولا أكلم أحداً؟
فقال: لا تصم يوم الجمعة إلا في أيام هو أحدها أو في شهر ، وأما أن لا تكلم أحداً فلعمري أن تكلم بمعروف أو تنهى عن منكر خير من أن تسكت . (ذكره أحمد)
وسأله صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه فقال: إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوماً في المسجد الحرام، فكيف ترى؟
فقال: اذهب فاعتكف يوماً .
فتاوى الحبيب عن ليلة القدر
قال: بل في رمضان .
فقيل : تكون مع الأنبياء ما كانوا فإذا قبضوا رفعت أم هي إلى يوم القيامة ؟
قال: بل هي إلى يوم القيامة
فقيل: في أي رمضان هي؟
قال: التمسوها في العشر الأول، أو في العشر الآخر .
فقيل: في أي العشرين؟
قال: ابتغوها في العشر الأواخر ، لا تسألني عن شئ بعدها،
فقال: أقسمت عليك بحقي عليك لما أخبرتني في أي العشر هي
فغضب غضباً شديداً ، وقال: التمسوها في السبع الأواخر ، لا تسألن عن شئ بعدها . (ذكره أحمد ، والسائل أبو ذر) .
وسألته صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها: إن وافقتها فيم أدعو؟
قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني . (حديث صحيح) .
أحداث وقعت في رمضان في عهد الحبيب صلى الله عليه و سلم
* هلاك أبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك سنةعشر من المبعث بعد الخروج من الشعب بزمن يسير.
*وفاة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وذلك أيضاً في السنة العاشرة من المبعث وقبل الهجرة بنحو ثلاث سنين وهو المشهور.
*أما عن الأحداث التي وقعت في شهر رمضان من السنة الأولى للهجرة ، فهيإرسال سرية حمزة بن عبد المطلب و هي سرية سيف البحر .
* و في شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة وبالتحديد في يوم ( 17 ) كانت غزوة بدر الكبرى.
* مصرع أبي جهل ( عمرو بن هشام ) وأمية بن خلف والعاص بن هشام بن المغيرة – خال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه - في هذا الشهر فيغزوة بدر وغيّبوا في القليب .. فلم تنفعهم اللات والعزى ، وقيل بعداً للقوم الظالمين .
* و في الشهر نفسه من السنة الثانية ماتت رقية بنت الرسول الله صلى الله عليه وسلم زوج عثمان بن عفان رضي الله عنه .
* و في نفس الشهر من نفس السنة وبالتحديد في يوم ( 25 ) و بعد عودته صلى الله عليه وسلم من بدر مباشرة ،كانت سرية قتل عصماء بنت مروان التي كانت ممن يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم وتعيب الإسلام وتحرض على النبي صلى الله عليه وسلم وقالت في ذلك شعراً .
* وفي شهر رمضان من السنة الثالثة للهجرة وبالتحديد ليلة النصف منه ولدت فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم ابنها الحسن رضي الله عنهما.
* وفي نفس الشهر من نفس السنة تزوج النبي صلى الله علية وسلم بزينب بنت خزيمة بنت الحارث ، أم المساكين .
*وفي السنة الخامسة من الهجرة نزلت براءة الطاهرة المطهرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها من حديث الإفك الذي اتهمت فيه بعد منصرفهم من غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع ، حيث كانت هذه الغزوة في شعبان ، وفي قصة الإفك من حديث عائشة رضي الله عنها : ( فاشتكيت حين قدمت شهراً والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك .. الخ ) فالشاهد من هذا أن حديث الإفك امتد إلى رمضان يقيناً .
*وهناك خلاف في تاريخ سرية عبد الله بن عتيك لقتل سلام بن أبي الحقيق .. حيث يذكر بعض المؤرخين أنها كانت في رمضان من السنة السادسة
* وفي رمضان من السنة السادسة للهجرة كانت سرية زيد بن حارثة إلى بني فزارة .
* إرسال سرية غالب بنعبد الله إلى الميفعة ، وهي الغزوة التي قَتَلَ فيها أسامة بن زيد رضي الله عنه رجلاً بعد أن قال لا إله إلا الله .
* ومن الأحداث أيضاً ما وقع في أول شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة ، وهي إرسال سرية أبي قتادة إلى بطن إضم .
* ومن الأحداث التي وقعت في السنة الثامنة للهجرة ، فتح مكة .. وكان خروج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة في عاشر رمضان ودخل مكة لتسع عشرة ليلة خلت منه .
* و أيضاً إرسال سرية خالد بن الوليد رضي الله عنه لهدم العزى في نفسالسنة لخمس ليال بقين من شهر رمضان .
* وسرية سعد بن زيد الأشهلي إلى مناة وذلك لستبقين من رمضان .
* وسرية عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى سواع ، صنم هذيل فهدمها .
* عودة النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك ، وكان ذلك في السنة التاسعة من الهجرة ، حيث كان خروجه صلى الله عليه وسلم إلى تبوك في رجب ، واستغرقت هذه الغزوة خمسين يوماً أقام منها عشرين يوماً في تبوك، والبواقي قضاها في الطريق جيئة وذهاباً .
* قدوم وفد ثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام التاسع معلنين إسلامهم .
* قدوم رسول ملوك حمير بكتابهم وكان ذلك في رمضان من السنة التاسعة للهجرة .
* قدوم جرير بن عبد الله البجلي على النبي صلى الله عليه وسلم وإسلامه في رمضان من السنة العاشرة .
إلى هنا نكون قد أتينا على أهم الأحداث التي وقعت في شهر رمضان المبارك خلال فترة حياة الحبيب صلى الله عليه وسلم ودعوته .. وقد صام عليه السلام تسع رمضانات ، لأن صيام رمضان فرض في شعبان في السنة الثانية من الهجرة ، وتوفي الحبيب صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول في سنة إحدى عشرة من الهجرة
ختاما:
فيا أخي المسلم، هذا شهرك، هذا شهر التوبة والإقبال فاغتنمه، وهذه فرصتك، فلا تضيعها، واعلم أن الحياة الحقيقية أن يسافر قلبك إلى الله وأن تعيش مع الله ومع الحبيب صلى الله عليه وسلم ، وارفع شعاراً رفعه نبي الله موسى عليه السلام أحد أولي العزم من الرسل :
(وعجلت إليك رب لترضى )( طه : 84)
وتذكر أن الأعمال بخواتيمها.. وأن السعيد من سعد بلقاء ربه :
ولدتك أمك يابن آدم باكياً
والناس حولك يضحكون سروراً
فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا
في يوم موتك ضاحكاً مسرورا
تعليق