فتحت أبواب الجنة وغلّقت أبواب النار
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد
فإن الجنة هي متطلع كل مسلم يعيش على وجه هذه البسيطة ، فهي دار كرامة أولياء الله تعالى وعباده المخلصين ، ولن يجد المسلم يوم القيامة كرامة وفوزاً وفلاحاً بعد رضي الله تعالى ورؤيته أنعم ولا أفضل من الجنة . هذه الجنة تتهيأ في شهر رمضان بالذات ، وتزدلف لأهل الإيمان ، تفتّح أبوابها إشعاراً بعظمة هذه الطاعة في هذا الشهر الكريم ، ولئن كثيراً من نفوس المؤمنين تتطلع إلى هذا النعيم ، وتود اليوم الذي تشهده واقعاً حياً في حياتها ، فإن من المناسب أن ننقل وصفاً لهذه الدار التي بشّر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في إقبال هذا الشهر حين قال صلى الله عليه وسلم : (( إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة ......... الحديث ))(88)
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين : ما لاعين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر )) .(89) وعن سهل بن سعد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إن في الجنة لشجرة ، يسير الرّاكب الجواد في ظلها مئة عام لايقطعها ))(90) . وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إنّ في الجنة لسوقاً ، يأتونها كل جمعة فتهبّ ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم . فيزدادون حسناً وجمالاً . فيرجعون إلي أهليهم وقد ازدادوا حُسناً أو جمالاً . فيقول لهم أهلوهم : والله ! لقد أزددتم بعدنا حسناً وجمالاً . فيقولون : وأنتم ، والله ! لقد ازددتم حسناً وجمالاً ))(91) . وعن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( الخيمة درّة مجوّفة ، طولها في السماء ثثلاثون ميلاً ، في كل زاوية منها للمؤمن أهل لا يراهم الآخرون ))(92) . وفي رواية للبخاري : (( أن في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوّفة عرضها ستون ميلاً ، في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين ، يطوف عليهم المؤمنون ، وجنتان من كذا ، آنيتهما وما فيهما ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبر على وجهه في جنّة عدن ))(93) وعن أنس رضي الله عنه قال : لما عُرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال : أتيت على نهر ، حافتاه قباب اللؤلؤ مجوّفاً فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : الكوثر ))(94) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنّ أول زمرة يدخلون الجنّة على صورة القمر ليلة البدر ، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب درّيّ في السماء إضاءة ، لا يبولون ، ولا يتغوطون ، ولا يتفلون ، ولا يتمخطون ، أمشاطهم الذهب ، ورشحهم المسك ، ومجامرهم الألوّة ، وازواجهم الحور العين على خَلْق رجل واحد ، على صورة أبيهم آدم ، ستون ذراعاً في السماء )(95) ، وفي رواية لهما : (( .. لكل امرئ زوجتان من الحور العين ، يُرى مخ سوقهن من وراء العظم واللحم )) زاد فيها مسلم : (( ومافي الجنة أعزب )) وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إنّ أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم ، كما تتراءون الكوكب الدرّيّ الغابر في الأفق ، من المشرق أو المغرب ، لتفاضل ما بينهم )) قالوا : يارسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم ، قال : بلى ، والذي نفسي بيده ، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين )) (96) وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال : (( من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه )) (97) . وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ينادي مناد : إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً ، وغنّ لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً . وإن لكم أن تشبّوا فلا تهرموا أبداً ، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً )) فذلك قول الله تعالى : (( ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون ))(98) وعن صهيب رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا دخل أهل الجنّة الجنّة ، قال : يقول الله تبارك وتعالى : تريدون شيئاً أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيّض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنّة وتنجينا من النار ؟ قال : فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل .
هذه بعض صفات الجنة التي بشّر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر المبارك . فهل من مشمّر إلى هذا النعيم العظيم ؟ هذا هو السؤال الذي لا زال ينتظر إجابة واضحة من كل فرد أدرك رمضان هذا العام ، ولن يكون هناك أبلغ من العلم للإجابة على هذا التساؤل العريض . إن من يدرك هذا النعيم وتهفو نفسه لأن يعيش هذه الأيام حقيقة ماثلة في حياته لا بد أن يعي أن عليه أن يتقدّم خطوة للأمام تبدأ بإصلاح ذاته أولاً ، ومن ثم السعي والتطلّع إلى كل عمل يمكن أن يزيد في دفع هذه الخطوة إلى المقدمة . حينها فقط يمكن أن يكون من أصحاب هذا الفضل لا حرم الله كل مستمع من هذا الخير ، وجعلنا الله وإياهم ممن نشهد هذا الفضل ، ونعيش أيامه في قابل الأيام .
وغلّقت أبواب النار
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد
فإن النجاة من النار يعد فوزاً عظيماً في حياة من تحقق له ذلك . ذلك أن النار التي خلقها الله تعالى إنما جعلها جزاء للمتمردين عن منهجه ، الشاردين عن طاعته ، وليت شعري حين يتجاوز هذا الإنسان في عرصات القيامة جسر جهنم ، ويترك أهوال الحساب خلف ظهره ، متحققاً من النجاة ! أي فوز أعظم من هذا ! إن هذا الذي خلّف النار خلف ظهره لن يتصوّّر هذه النجاة على حقيقتها ما لم يتصوّر النار على صورتها التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أوضح أن أبوابها تغلق مع دخول شهر رمضان في قوله صلى الله عليه وسلم : (( أتاكم شهر رمضان شهر مبارك افترض الله عليكم صيامه ، فيه تفتح أبواب الجنة ، وتغلق أبواب الجحيم ،........ الحديث (99) وفي هذه الليلة سنستعرض بعض هذه الصفات كما جاءت على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ويمكن أن ندرك حينها هذه المعاني لنفيق من غفلة هذه الحياة .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( ناركم جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم )) . قيل : يارسول الله ، إن كانت لكافية ، قال : فضّلت عليهن بتسعة وستين جزءاً ، كلهن مثل حرها )(100) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( اشتكت النار إلى ربها ، فقالت : ربّ أكل بعضي بعضاً ، فإاذن لها بنفسين : نفس في الشتاء ونفس في الصيف ، فأشتد ما تجدون من الحرّ ، وأشد ما تجدون من الزمهرير ))(101) . وعن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( يؤتى بجهنّم يومئذ لها سبعون ألف زمام . مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرّونها ))(102) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمع وجبة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( أتدرون ما هذا ؟ )) قال : قلنا : الله ورسوله أعلم . قال : هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفاً فهو يهوي في النار الآن ، حتى انتهى إلى قعرها ))(103) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما بين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع ))(104) . وعن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( منهم من تأخذه النار إلى كعبيه . ومنهم من تأخذه النار إلى ركبتيه . ومنهم من تأخذه النار إلى حجزته . ومنهم من تأخذه النار إلى ترقوته ))(105) . وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة لرجل ، توضع في أخمص قدميه جمرة يغلي منهما دماغه ))(106) هذه بعض صفات تلك النار التي يجدها المتمردون عن منهج الله تعالى كأعظم جزاء ينالونه حين يتجاوزون أمر الله تبارك وتعالى ، ويجانبون طريق الطاعة والهدى . إنهم يبقون غرقى في تلك النهايات فتلتهمهم نار جهنم وحينها لا يستطيع الواحد منهم أن يفصح عن شكواه ، ولا يجد أقرب من البكاء والعويل يعبّر به فقط عن تجرّع المأساة . إن المتناسين للفح جهنّم غداً بين يدي الله تعالى هم أقرب الناس لمس حرارة تلك النار لأن الغفلة داء عضال متى ما وصلت إلى إنسان أغلقت منافذ الخير ، وأصمت دواعي الهداية ، وجرّدت الإنسان من كل دواعي التفكير لمستقبله وأيام حياته . وحينئذ يخسرون ويقعون في النهايات المرة .
أجارنا الله وإياكم من نار جهنم . وجنبنا الله حرها وزمهريرها . إنه ولي ذلك والقادر عليه .
(88) رواه النسائي والبيهقي وصححه أحمد شاكر .
(89) متفق عليه
(90) متفق عليه
(91) متفق عليه
(92) رواه مسلم
(93) رواه البخاري
(94) متفق عليه
(95) متفق عليه
(96) رواه مسلم
(97) رواه مسلم
(98) متفق عليه
(99) رواه النسائي والبيهقي وصححه أحمد شاكر .
(100) متفق عليه
(101) متفق عليه
(102) رواه مسلم
(103) رواه مسلم
(104) متفق عليه
(105) رواه مسلم
(106) متفق عليه
تعليق