﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ ﴾ [النور:44]، ﴿وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران:140]، ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً﴾[الأعراف:54].
وصدق الله، ومن أصدق من الله قيلاً، ومن أصدق من الله حديثاً.
هذا السير الحثيث يباعد عن الدنيا ويقرب إلى الآخرة، يباعد من دار العمل ويقرب من دار الجزاء.
قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: " ارتحلت الدنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلةً، ولكل واحدةٍ منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإنّ اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل " [أخرجه البخاري].
نسير إلى الآجال في كل لحظة *** وأعمارنا تطوى وهُنّ مراحل
ترحل من الدنيا بزاد من التقى *** فعمرك أيام وهن قلائل
وما هذه الأيام إلا مراحلُ *** يحث بها حادٍ إلى الموت قاصدُ
وأعجب شيء لو تأملت أنها *** منازلُ تطوى والمسافر قاعد
ها نحن الآن عام مضى وعام قادم ، نعم إنقضى عام كامل بكل مافيه من أفراح وبكل ما حوى من أحزان .
الفرح لم يبقى منه إلا الذكرى الجميله ، والحزن لم يعد له أثر سوى بعض الذكريات التي ربما تكون مؤلمه وقد تكون إنجلت مع الوقت ونسيت .
كم هي الأحداث التي قد تكون بدت عظيمه في حينها ، وكم هي المصائب التي بدت كبيره ولا يمكن تحملها في حينها ؟
كل ذلك قد زال وانتهى أو بقي له بعض الغبار والأثار التي سرعان ما تنجلي .
ولكن لنقف لحضه !
لنأمل للحظات .
إنقضى العام وانتهى فأي منا زاده هذا العام عملاً صالحاً ؟
أي منا زاد لله تقوى ؟
أي منا زاد من العمل الصالح عملا ؟
أيام تمر على أصحابها كالأعوام *** وأعوام تمر على أصحابها كالأيام
مرّت سنون بالوئام وبالهنا *** فكأننا وكأنها أيام
ثم أعقبت أيام سوء بعدها *** فكأننا وكأنها أعوام
إن كانت الذكريات والأحداث تمحى وتنسى في نهاية العام ، فلنتذكر أن هنالك مالا يمحى ولا ينسى ، هنالك كتاب عليه رقيب وعتيد .
الآن قف أخي وراجع نفسك حاول أن ترجع لذلك الكتاب وتتذكر ما كتب فيه فما كان خيراً فزده وباركه ونميه ، وما كان شراً فاعمل من اليوم على إزالته وشطبه قبل أن يأتي اليوم الذي لا حول فيه ولا قوه لنا إلا ما قدمنا .
وتذكر أن الحسنات يذهبن السيئات .
إن هذا العام الذي ولى مدبراً قد ذهب ظرفه وبقي مظروفه بما أودع فيه العباد من الأعمال، وسيرى كل عامل عمله ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً... ﴾ [آل عمران:30].
سيرى كل عامل عمله ﴿لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ﴾ [الأنفال:42]، ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ [فصلت:46].
سيُسأل العبد عن جميع شؤونه في الدنيا، وربه أعلم، لكن ليكون الإنسان على نفسه بصيرة، أخرج الإمام الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: { لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند الله حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم؟ }.
وفي رواية للترمذي أيضاً عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:{ لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه ما فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟ }. فالحذر الحذر من التفريط والتسويف.
ندمت على ما كان مني ندامةً *** ومن يتبع ما تشتهي النفس يندمُ
ألم تعلموا أن الحساب أمامكم *** وإن وراكم طالباً ليس يسلمُ
فخافوا لكيما تأمنوا بعد موتكم *** ستلقون رباً عادلاً ليس يظلمُ
فليس لمغرور بدنياه راحة *** سيندم إن زلّت به النعل فاعلموا
اللهم جازنا بالحسنات إحساناً والبالسيئات عفواً وغفرانا .
اللهم هب المسيئين منا للمحسنين .
اللهم لا تؤخذنا بذنوبنا .
اللهم إن عضمت ذنوبنا فرحمتك أوسع لنا .
اللهم إنا نسألك توبة قبل الموت -- وشهادة عند الموت -- ومفغرة وراحة ورحمة بعد الموت .
اللهم إنا نسألك عيش السعداء وميتة الشهداء والسلامة من شماتة الأعداء .
أليس من الخسران أن ليالياً *** تمر بلا نفع وتحسب من عمري
اللهم اختم عامنا بخير، واجعل عواقبنا إلى خير، إنك سميع مجيب الدعاء.
اللهم إنك قريب مجيب الدعاء .
آمين آمين أمين
لا اله الا الله
تعليق