أخي الشاب الكريم :
هذه الشهوة الخفيةَ فتكتْ بالكثيرِ من أمثالكِ ،وقضتْ على العديدِ من أترابكِ ، فتراهم صرعى الشهواتِ ، وسكارى الملذاتِ
، ونحن في زمنٍ يضطربُ محناً ، ويموجُ فتناً ، والقابضُ على ديِنه كالقابضُ على جمرٍِ ،هذه النارُ تلاحقُه في كلِّ مكان ؛
فكيف تحمي نفسكَ من هذه الشهوةِ العارمةِ ، واللذةِ القاتلة؟
إن هناكَ عدةُ أسبابٍ لوقايةِ نفسك من هذه الشهوةِ منها:
أولاً : تقوى الله تعالى ومراقبتُه في السرِ والعلنِ ، فُتِلزمُ نفسَك طاعةَ ربك ، وتحذرَها من معصيتِه ، وإعلامُها أنه لا يخفى
عليه ضمير ، ولا يعزبُ عنه قطمير ، وأنه يجازي المحسنَ ويكافئ المسيءَ ، و تقوى الله ومراقبتُه سلاحُ المؤمنِ الذي يقيه
الفتنَ ويصطبرُ أمامها قال تعالى :
(( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ )) [ الطلاق :2-3] .
وقال : (( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً)) [ الطلاق :4] .
وكم من معصيةٍ امتنعَ صاحبُها بسبب تقوى الله كما جاء في الصحيحين عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَمِعْتُ
رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : (( انْطَلَقَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوْا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ
فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ الْغَارَ فَقَالُوا : إِنَّهُ لَا يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ .. وفيه وَقَالَ الْآخَرُ :اللَّهُمَّ كَانَتْ
لِي بِنْتُ عَمٍّ كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنْ السِّنِينَ فَجَاءَتْنِي
فَأَعْطَيْتُهَا
عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَفَعَلَتْ حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا قَالَتْ لَا أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا
بِحَقِّهِ فَتَحَرَّجْتُ مِنْ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ
ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَانْفَرَجَتْ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا)) الحديث ..
فهذا الرجلُ قد أوشكَ على مقارفةِ الفاحشةِ ، ولم يبقَ بينَه وبينَها إلا شيءٌ يسيرٌ ، ولكن الإيمانَ في قلبهِ تيقظَ بكلمةِ
(اتق الله) فانتبه إلى قُبحِ ما هو مقدمٌ عليه ، وتذكرَ أن الله تعالى ، ينظرُ إليه ، فانتصرَ الإيمانُ على الشهوةِ ، وقامَ عنها
وهي أحبُ الناسِ إليه . فيا لله ..ما للإيمانِ من سموٍ ، ورفعةٍ وعزيمةٍ ، تَرفعُ الإنسانَ من حضيضِ الشهوةَ إلى علو العفةِ،
فما أحوجنا واللهِ لمثلِ هذه القلوبِ الحية ، والنفوسِ الأبية .
ثانياً : أن تغضَ بصركَ عما حرمَ الله عليكَ النظرَ إليه .
يقول الله تعالى :
(( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ))
فأمر اللهُ تعالى بغضِ البصرِ لأن البصرَ سهمٌ من سهامِ
إبليس .وهو السبيلُ للوقوعِ في الحرامِ . أجريتْ دراسةٌ على نزلاءِ دورِ الملاحظةِ فأجابَ مائةٌ بالمائة بأنهم يشاهدونَ
الأفلامَ من خلال الفيديو ، وأجابَ تسعةٌ وتسعون بالمائة أنهم يشاهدونَ الأفلامَ الجنسيةَ ـ عافانا الله وإياكم من ذلك ـ وهذا
الذي أوقعَهم في الحرامِ فقد أجابَ ثمانون بالمائةِ منهم أنهم قد فعلوا فعلَ قومِ لوطٍ والعادةَ السيئة .
كلُّ الحوادثِ مبدأُها من النظر ومُعظَمُ النارِ مِنْ مُستَصْغرِ الشَرِرِ
كْم نظرةٍ فعلتْ في قلب صاحبها فِعْلَ السهامِ بلا قوسٍ ولا وتـرِ
والمرءُ ما دامَ ذا عينٍ يُقَـلِبُها في أَعينِ الغِيرِ موقوفٌ على خَطرِ
يَسرُّ مُقلَتَهُ ما ضرَّ مُهجَـتَهُ لا مرحباً بسرورِ عادَ بالضـررِ
ولذا ضَمنِ النبيُّ الجنةِ لمن غضِ بصرَهُ كما في حديثِ عبادةَ بنِ الصامتِ ـ رضي الله عنه ـ أنه قال :
قال رسولُ الله : (( اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمنْ لكم الجنةَ : اصدقوا إذا حدثتم ، وأوفوا إذا
وعدتم ، وأدوا إذا ائتمنتم ، واحفظوا فروجَكم ، وغضوا أبصارَكَم ، وكفوا أيديَكم )) .
وجعلَ النبيُّ غضَ البصرِ من حقِ الطريقِ فقال عندما سأَلَهُ أصحابُه فقالوا : وما حقُ الطريق ؟ قال : "
غضُّ البصرِ .." الحديثُ رواه البخاري وقال ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه : ( الإثمُ حوازٌّ القلوبِ ، وما من نظرةٍ إلا وللشيطانِ فيها مطمعٌ ) .
وقال انسُ بنُ مالكٍ ـ رضي الله عنه ـ : ( إذا مرتِ بكَ امرأةٌ فاغمضْ عينيِك حتى تُجاوِزَك ) .
ثالثاً : المبادرةُ إلى الزواجِ المبكرِ ولكن من ذاتِ الدين ؛ لكسرِ الشهوةِ وإعفافِ النفس .
يقول الله تعالى:
(( وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ))
[النور :
32] .
وجعلَه النبيَّ من سنته ، وذلك كما جاء في حكايةِ الرهطِ الذين تقالوا عبادَته
وجعلَه النبيَّ من سنته ، وذلك كما جاء في حكايةِ الرهطِ الذين تقالوا عبادَته
، وقال أحدُهم : (( أما أنا فأعتزلُ النساءَ فلا أتزوجُ أبدا ..فرد عليه النبي وبين أنه : " يتزوجُ النساء "
وقال معقباً على ذلك : " فمن رغبَ عن سنتي فليسَ مني)) رواه البخاري ومسلم .
لذا أصبحَ الزواجُ المبكرُ الطريقَ الناجحَ لمشكلاتِ الغريزةِ الجنسية ، والذي يرضى فطرةَ الإنسانِ كلَّ الرضا، لكنْ بشرطِ أن
يُرضى الدينُ لدى الزوجين ، جاء في حديث عبد اللهِ بنِ مسعودٍ ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " يا معشرَ الشبابِ من استطاعَ منكم الباءةَ فليتزوجْ ؛ فإنه أغضُ للبصر وأحصنُ للفرجِ ، ومن لم يستطعْ فعليه
بالصومِ فإنه له وجاء " .
رابعاً : الصومُ للعاجزِ عن الزواجِ : فهذا علاجٌ ناجحٌ للشهوةِ العارمةِ فمن لم يستطعِ الزواجَ فعليه بالصومِ فإنه له وجاءٌ ، فهو
يُعينه على ضبطِ غرائزه ،وكبحِ شهواتِه الجنسية كما قال عليه الصلاة والسلام : ((ومن لم يستطعْ فعليه بالصومِ فإنه له
وجاء )) .
خامساً : الصحبةُ الطيبة .
فهم المعينُ بعد الله تعالى على سلوكِ طريقِ الاستقامةِ، قال : (المرءُ على دينِ خليلهِ فلينظرْ
أحدُكم من يخالل)
فهم يذكرونَك إذا نسيت ، وإذا غفلتَ نبهوك ، وإذا أخطأتَ نصحوك ، مجالسهُم تحفُها الملائكة ، وألسنتهُم لله ذاكرة ،
وقلوبُهم بالإيمان عامرة ، ولذا أمرَ الله تعالى نبيه أن يصبرَ نفسَه معهم فقال :
(( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ
الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ
ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً)) [ الكهف :28] .
يقولُ عمرُ رضي الله عنه : ( عليك بإخوانِ الصدقِ فعش في أكنافهِم فإنهم زينةٌ في الرخاءِ وعدةٌ في البلاءِ ).
وقال بعضُ السلفِ: ليس شيءٌ أنفعُ للقلبِ من مخالطةِ الصالحينَ والنظرِ إلى أفعالِهم وليس شيءٌ أضرُّ على القلبِ من
مخالطةِ الفاسقينَ والنظرِ إلى أفعالهِم. وقال بعضُهم: مجالسةُ أهلِ الصلاحِ تُورثُ في القلبِ الصلاحَ.
سادساً : الابتعادُ عن الأسبابِ التي تُثيرُ الشهواتِ في نفسِك
ولذلك يقول الله تعالى :
((وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى))
[الإسراء : 32] .
نهى الله تعالى عبادَه عن القربِ من الزنى بمباشرةِ أسبابِه ودواعيِه ، فضلاً عن مباشرتِه هو ، للمبالغةِ في النهي عنه ،
إذاً فكلُّ وسائلِ الإغراءِ التي من شأنهِا إثارةُ الغرائزِ وإشاعةُ الفواحشِ محرمةٌ لأن ما يؤدي إلى الحرامِ فهو حرامٌ ، ولذلك
حرمَ الإسلامُ السفرَ للبلادِ الكفارِ بدون ضرورةٍ ، وحرمَ الخمرَ لأنها أمَّ الخبائثِ ، وحرمَ الإسلامُ الأغنيةَ الماجنةَ ؛ لأن الغناءَ
بريدُ الزنى وسماعُها يوقظُ الفتنةَ النائمةَ ويهيجُ الشهوةَ الساكنةَ ، وحرمَ الإسلامُ مشاهدةَ الأفلامِ الساقطةِ والمجلاتِ
الهابطةِ وقراءةَ ما يدعو إلى الفاحشةِ ، ويُهيجُ إلى فعلها ،من الأشعارِ ونحوِها ، وحرمَ الاختلاطَ ومصافحةَ النساءِ والخلوةَ
بالمرأةِ الأجنبيةِ ؛ كلُّ ذلك صيانةً للأخلاقِ من التهتُكِ ، وللقيمِ من التفككِ ، وللكرامةِ والشرفِ من الابتذالِ والامتهانِ . وحذرَّ
من مجالسةِ الأشرارِ ، فكمْ من إنسانٍ ضلَ وانحرفَ بسببِ جليسِ السوءِ ،وفي دراسةٍ أُجريتِ في إحدى دورِ الرعايةِ
الاجتماعيةِ أجابَ اثنان وخمسونَ بالمائةِ منهم أن سببَ دخولهِم في الدارِ هم رفقاءُ السوءِ .!!
واحذر مؤاخاةَ الدنئ فإنَهُ يُعدي كما يُعدي السليمَ الأجـربُ
وإن ننسى فلا ننسى قصةَ ذلك الشابِ الذي ما زالَ أصحابُه به حتى وافقَ وسافرَ معهَم إلى بلادِ الكفرِ ومع ذلك لم يكن
يذهبُ معهم لأماكنِ الباراتٍ ولا إلى حاناتِ الخمور ، فلم يُطيقوا أن يروا صاحبَهم معافى من هذه البلايا حتى أدخلوا عليه
امرأةً ، وأغلقوا عليهما البابَ ؛ فمازالتْ به حتى وقعَ عليها ؛ ولكنَّ المفاجأةَ التي تفجعُ القلبَ ، وتُبكي العينَ أن تلك الليلةَ
كانت هي الليلةَ الأخيرةَ له فأُحضرَ محمولاً في تابوتٍ نسألُ الله تعالى حسنَ الخاتمةِ ،
فانظر - يا رعاك الله - أثرَ الصحبةِ على هذا المسكينِ الذي أفضى إلى ربه ، فهل تُحبُ أن تكون ضحيةً أخرى لمثل هؤلاءِ
القرناء ؟
إذا ما صحبتَ القومَ فاصحبْ خيارَهم
ولا تصحبِ الأردى فتردى مع الردي
وإياكَ وكثرةَ الفراغِ والتفكيرِ في أمورِ الشهوةِ فإنها مُهلكةٌ للشابِ وضياعُ لخيرٍ كثيرٍ بل لعلَهُ بابٌ من أبوابِ الشرِ
إن الفراغَ والشبابَ والجدةْ مفسدةٌ للمرءِ أي مفسدةْ
إنك ـ أخي الشاب ـ إذا اختليتَ بنفسَك وقتَ فراغكِ ، فإنه والحالةُ هذه سَتَردُ عليكَ الأفكارُ الحالمةُ ، والهواجسُ السارحةُ ،
والتخيلاتُ الجنسيةُ المثيرة ، فلا تجدُ نفسكَ إلا وقدْ تحركتْ شهوتُك ، وهاجتْ غريزتُك ، أمامَ هذه الموجةِ من التأملاتِ
والخواطرِ ؛ فعندئذٍ لا تجدُ بداً من أن تلجأَ إلى هذه العادةِ الخبيثةِ ؛ لتُخففَ من طغيانِ الشهوةِ وتُحدَ من سلطانِها ؛ ولكن لو
كنتَ مشغولَ الذهنِ والجسدِ في أمرٍ نافعٍ لما خَطَرتْ ببالِكَ تلك الأفكارُ والهواجسُ ولكنه وحشُ الفراغِ الذي هجمَ عليك
وصدق الشافعيُّ بقوله : نفسُك إن لم تشغلْها بالحقِ شغلتْك بالباطلِ . فأكثرْ من ذكرِ الله تعالى وقراءةِ القرآنِ والكتبِ
النافعةِ من قصصِ السلفِ الصالح وسماعِ الأشرطةِ المفيدةِ ، فخيرُ ما قُضِيتْ به الأوقاتُ بمثلِ فعلِ الطاعاتِ .
قال تعالى :
(( وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً))
(الأحزاب: من الآية35)
. قال ابنُ القيمِ رحمه الله: إذا
غَفَلَ القلبُ ساعةً عن ذكرِ الله جثمَ عليه الشيطانُ وأخذَ يَعدُه ويمنيه.
سابعاً : أن تتذكرَ ما أعدَّ اللهُ تعالى لأهلِ الشهواتِ المحرمةِ من زنىً ولواطٍ أو غيرِها من العذابِ والنكالِ الأليم
يقول الله تعالى :
(( وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً ))
(الفرقان:69) .
لا يُكتفى بالعذابِ فقط بل يُصاحبُ هذا العذابَ ذلٌ ومهانة ، وخزيٌ وندامة ،وروى البخاري في صحيحه أن رسولَ الله صلى
الله عليه وسلم قال : (( إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي وَإِنَّهُمَا قَالَا لِي انْطَلِقْ وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا )) وذكر الحديثَ
حتى قال : (فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ ، فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ ، فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ
أَسْفَلَ مِنْهُمْ ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا فلما سأل عنهم الملائكةَ ، قالوا : وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ
بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي)) فهل تودُ أيها الشابُ أن تكونَ منهم ؟ !!
ثامناً : أن تتذكر ما أعد اللهُ تعالى للحافظين فروجهم والحافظات من النعيم المقيم
ومن ذلك النعيمْ التلذذُ بالحورِ العين ، اللاتي هُنَ الكواعبُ الأترابُ ، يُضيءُ البرقُ من بين ثنايَاها إذا ابتسمتْ ، وتَجري
الشمسُ من محاسنِ وجههِا إذا برزَتْ ، يرى وجهَه في صحن خدِّها كما يرى في المرآةِ التي جلاَّها صَيْقَلُها ، ويرى مخَّ
ساقها من وراءِ اللحم ، ولا يسترُه جلدُها ولا عظمُها ولا حُلَلُها ، لو اطلعتْ على الدُنيا لملأتْ ما بين الأرضِ والسماءِ ريحاً ،
ونَصيفُها على رأسِها خيرٌ من الدنِيا وما فيها ، ووصالهُا أشهى إليه من جميعِ أمانِيها ، لا تزدادُ على طول الأحقابِ إلا
حسنُا وجمالاً ، ولا يزدادُ لها طولُ المدى إلا محبةً ووصالاً ، مبرأةً من الحيضِ والنفاسِ ، مطهرةً من المخاطِ والبصاقِ والبولِ
والغائطِ وسائرِ الأدناس ، لا يفنى شبابُها ، ولا تبلى ثيابُها ، ولا يَخُلَقُ جمالهُا ، كلما نَظرَ إليها ملأتْ قلْبَهُ سروراً ، وكلما
حدثُته ملأتْ أُذنَهُ لؤلؤاً منظوماً ومنثورا ، وما ظنُك بامرأةٍ إذا ضَحِكتْ في وجهِ زوجهاِ أضاءتْ الجنةُ من ضَحِكها ،
يقول ابنُ مسعودِ رضي الله عنه : ( إن في الجنةِ حوراءَ يقالُ لها اللعبةُ ، كلُّ حورِ الجنانِ يُعجبن بها ، يَضربَن بأيديهِن على
كتفِها ، ويُقلنَ : طوبى لك يا لعبة ، لو يعلمُ الطالبونَ لك لجدوا ، بين عينيها مكتوبٌ من كان يبتغي أن يكونَ له مثلي
فليعملْ برضى ربي ).
تاسعاً : لا تتهاونْ أخي الشاب بصغائرِ الذنوبِ كالنظرِ إلى الحرامِ ، واستخدامِ العادة السيئة أو الاسترسالِ في التفكيرِ في
الشهواتِ أثناءَ خلوتكِ ، فهي البوابةُ لما بعدَها
، والطريقُ الموصلُ إليها ، وهي من خطواتِ الشيطانِ التي حذرَ الرحمنُ من السيرِ على منوالهِا يقول الله تعالى :
(( يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ))
(النور: من الآية21) .
ويقول : ((إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ ، كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ
فَلَاةٍ فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا فَأَجَّجُوا نَارًا وَأَنْضَجُوا مَا
قَذَفُوا فِيهَا )) رواه أحمد
،يقولُ ابنُ القيمِ : دافعِ الخطرةَ فإنْ لم تفعلْ صارتْ فكرةً، فدافعِ الفكرةَ فإنْ لم تفعل صارت شهوةً
فحاربها، فإن لم تفعل صارتْ عزيمةً وهمةً، فإن لم تدافعْها صارتْ فعلاً، فإن لم تتدارَكه بضدِه صارتْ عادةً، فيصعبُ عليكَ
الانتقالُ عنها.
عاشراً : أن تتذكرَ أن الله تعالى قد يبتلي أصحابَ الشهواتِ بالأمراضِ الفتاكةِ ، والأوبئةِ المهلكةِ ، والأمراضِ النفسيةِ والعقليةِ .
والقلقِ والاضطرابِ والغمِ والهمِ ، ولا أدلَ على ذلك من انتشارِ هذه الأمراضِ في البلادِ الغربيةِ وما شابههَا من الدولِ
الإباحيةِ فنسبُ الأمراضُ الجنسيةِ في تصاعدٍ كمرضِ الإيدزِ والسيلانِ والزهريِ ونحوها .. يقول : " يَا
مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا
فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا " رواه ابن ماجه . فتصورْ نفسِك قد ابتلاكَ اللهُ تعالى
بهذا المرضِ فما موقفُك أمامَ والديك ؟ وما موقفُك أمامَ أقربائِك ؟ وما موقفُكَ أمامَ زملائك وأصدقائك ؟ هذا في الدنيا فكيف
بفضيحةِ الآخرة !! نسألُ الله أن يسترَ علينا في الدنيا والآخرة .
الحادي عشر : أن تتذكرَ أيها الشابُ الموفقُ أنكَ مُستهدفٌ بالمخططاتِ اليهوديةِ والصليبيةِ لإفسادِك والقضاءِ على دينِك .
بنشرِ الخلاعةِ والإباحيةِ والتبرجِ والسفورِ والفجورِ، وساعدَهم على ذلك الأقلامُ الفاجرةُ التي تنفذُ مخططاتِ أعداءِ الإسلامِ،
بإفسادِ عقائدِ الناس، وإشاعةِ الفواحشِ والمنكراتِ، يقولُ أحدُ أقطابِ المستعمرين: كأسٌ وغانيةٌ تفعلانِ في تحطيمِ الأمةِ
المحمديةِ أكثرَ مما يفعلهُ ألفُ مِدْفعٍ، فأغرقوَها في حبُّ المادةِ والشهوات..ولما أفسدَ (كارل ماركس) عقيدةَ الألوهيةِ في
نفوسِ الناس ، قيل له : ما هو البديلَ عن عقيدةِ الألوهية ؟ قال: البديلُ هو المسرح، اشغلوهُم عن عقيدةِ الألوهيةِ
بالمسرحِ..وما أدراكَ ما المسرحُ في دعوتِه الساخرةِ إلى محاربةِ الأخلاقِ والأديانِ.
فكيفَ تُسلمُ نفسَك لهؤلاءِ الأعداءِ ؟ كيف ترضى لنفسِك العزيزةِ أن تكونَ أداةً تعبثُ بها أيدِي اليهودِ والنصارى ؟ كيف ترضخُ
لمن يسعى في حتفِك والقضاءِ على دينِك ؟ أهكذا تكون عزةُ المسلم ؟ أهكذا تكون شهامةُ الأبطال ؟ أهكذا يُذلُ الرجالُ
بمثلِ هذه الأداةِ الحقيرة ؟! استعن بالله أيها الشابُ ولا تنسقِ خلفَ الشهواتِ فأنتَ أكرمُ من ذلك وأرفع.
الثاني عشر : أن تدعو الله تعالى أن يكفيَكَ شرَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطنَ ، وتتضرعَ بين يدي مولاك .
فإن الله تعالى إذا رأى من عبدهِ التضرعَ وإظهار الاضطرارِ فإن اللهَ يُجيبُ دعاءه يقولُ اللهُ تعالى :
(( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ))
(النمل: من الآية62) .
وحينما طلبَ يوسفُ عليه السلام العونَ من ربهِ والتأييدَ والثباتَ استجابَ الله لهُ دعوتَه وأعانَه ونصرَه قال تعالى : (( قَالَ
رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ
فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)) (يوسف:-33-34) .
الثالث عشر : أن تتوبَ الله تعالى توبةً صادقةً خالصةً .
فإن الله تعالى يُكفرُ عنك السيئات ، بل أعظمُ من ذلك أن يبدلَ الله تعالى سيئاتِك حسناتٍ يقولُ الله تعالى :
(( وَلا يَزْنُونَ
وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ
اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً. وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً))
[الفرقان : 68-71] .
وقد يكونُ الانتقالُ من مكانٍ إلى مكانٍ وتغييرُ القرناءِ والأصدقاءِ أكبرَ عونٍ على التوبةِ، والعملِ الصالحِ، كما في قصةِ الرجلِ
الذي قتلَ مائةَ نفسٍ، وعندما سألَ عالماً قال له: (من يحولُ بينكَ وبين التوبةِ انطلق إلى أرضِ كذا وكذا فإن بها أناساً
يعبدون الله تعالى فاعبدِ الله معَهمُ ولا ترجعِ إلى أرضك، فإنها أرضُ سوءٍ). وكما قيلَ في الحكمةِ في تغريبِ الزاني غيرِ
المحصنِ عاماً: وذلك لمفارقةِ أرضِ المعصيةِ التي تُذكرُه بالذنبِ، وحتى يُفارقَ قرناءَ السوءِ، رجاءَ أن تصحَ توبتُه، ويَستقبلَ
حياةَ التوبةِ استقبالاً جديدا.
الرابع عشر : أن تعلم يا رعاكَ الله ما الذي يُحاكُ للأمةِ اليوم .
من قتلٍ للإبرياءِ ، وسفكٍ للدماءِ ، وانتهاكٍ للإعراضِ ، وتشردٍ
عن الديارِ ، وسلبٍ للأموالِ ، وتدميرٍ للممتلكاتِ ، انظرْ إلى إخوانِك في فلسطين ..ماذا يُحاكُ بهم ، وماذا يخططُ للقضاءِ
عليهم ..في كلِّ يومٍ قتلى ..في كلِّ يومِ جرحى ..في كلَّ يومِ ثكلى ..الأقصى يئنُ تحتَ وطأةِ يهود ..أكثرَ من خمسينَ
عاماً ..انظرْ إلى إخوانِك في الشيشانِ ..وفي كشميرَ والفلبينَ وإندونيسيا وفي كلَّ مكان
أنّى اتجهتَ إلى الإسلامِ في بلـدٍ تجدُه كالطيرِ مقصوصاً جناحاه
أخي الشاب : إخوانُك في كلِّ مكان يقتلونَ ويشردونَ وتُنتهكُ أعراضُهم ،وأنتَ لا تزالُ تبحثُ عن شهوةِ الحرام ..ولذةِ
الحرام ..ومشاهدةِ الحرام ..كيف يهنأُ لكَ طعامٌ وإخوانُك هناك تُسفكُ دماؤُهم ..كيف يهنأُ لكَ شرابٌ وإخوانُك هناك يُشردونَ
؟! كيف تهنأُ بنومِ وإخوانُك هناكَ يُعذبون ؟!
إلى متى تَظُل حبيساً لشهواتِك ؟ إلى متى تظلُ عبداًَ لملذاتك ؟إلى متى تظل أسيراً لرغباتِك ؟ إلى متى تظل تلهثُ وراءَ
شهوةٍ محرمةٍ !! آه ثم آه ..صرخةُ فتاةٍ مسلمةِ ..حركتْ في المعتصمِ نخوتَه الإيمانية ..فَتَتَحركُ جيوشٌ ..أولهُا من مقرِ
الخلافةِ ..وآخرُها إلى عموريةَ ..وصرخاتُ المسلماتِ هنا وهناك ..ولا مجيبَ ..ولا مغيثَ .
فيا شبابَ الإسلام ..( إن أمتَكم اليومَ ليستْ بحاجةٍ إلى مزيدٍ من عشقِ الشهواتِ ..وليستْ بحاجةٍِ إلى من يُذكي أَوَارَ
نيرانِ الملذات ..فلدى الأمةِ من الأمراضِ ما يكفيها ،؛ فكيف نزيدُها وهناً على وهن ؟
إن أمتَنا اليومَ بأمسِ الحاجةِ إلى الأقلامِ الجادة ، والهممِ العالية ، والعزائمِ القوية ، والعقولِ المستنيرةِ ، فنحنُ في عصرِ
شعارهُ
( إن لم تكنْ آكلاً كنتَ مأكولاً ، وكنْ قوياً تُحترمْ )
وبذلك يرجعً للأمةِ سالفُ مجدِها ، وتتبوأُ مكانَها اللائقِ بها
(( وَاللَّهُ
غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُون))
(يوسف: من الآية21)
وأخيرا أسألُ الله تعالى بأسمائه الحسنى ، وصفاتِه
العلى أن يجنبَنا طُرقَ الردى ، وأن يأخذَ بأيدينا إلى ما فيه صلاحُ ديننَا ودنيانا ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِ العالمين ،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
تعليق