الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فكثيرًا ما تقرأ في تراجم السلف أن فلانًا كان رجل عامة، وأن فلانًا كان رجل خاصة؛ وذلك لأن المُشتغِل بخطاب العامة غالبًا ما يتشرب حب البسط والإيضاح والإسهاب ممَّا قد لا يُرضي نهم طلبة العلم، وبالعكس فإن المشتغل بضبط العلوم وتحقيق المسائل غالبًا ما يورثه هذا ميلاً إلى تغليب جانب الرصانة على جانب الإيضاح، وربما احتاج إلى شيء من الشدة على طلبة العلم متى استصحبها في خطاب العامة لم يتقبلوا ذلك منه.
وقَلَّ من يستطيع أن يجمع بين الشخصيتين، ومِن هؤلاء القلة في زماننا "الشيخ الحويني" -حفظه الله-؛ فعلى الرغم من تخصصه في علم الحديث -وهو علم اشتهر المشتغلون به أكثر من غيرهم بشيء من الحدة على طلابهم- إلا أنه مع ذلك رجل عامة من الطراز الأول، لا يكاد يمل العامة من حديثه.
وهو مع ذلك صادع بالحق، لا يمالئُ أحدًا، ولا يخشى أن يصدم جمهوره بما يخالف الإلف والعادة طالما كان موافقًا للحق والدليل، وحتى عندما ظهرت الفضائيات الإسلامية -حفظها الله-، وأصبحت الحسابات أكثر تعقيدًا؛ لاتساع دائرة المشاهدين، وتنوع ثقافاتهم، ولغير ذلك من الأمور؛ حافظ الشيخ على خطاب سلفي متزن -بحمد الله تعالى-.
وهو ما ندعو سائر المشايخ الكرام الذين يظهرون على الفضائيات -والذين نحبهم ونجلهم، ونغار على الحق وعليهم- أن يتعاونوا عليه، و أن يقتدي بعضهم ببعض فيه.
وكما هو متوقع؛ فعلى مقدار القبول الذي يلقاه العبد عند الصالحين والمحبين للخير؛ على مقدار العداوة التي يلقاها من دعاة التغريب والعلمنة، والخضوع والخنوع والاستسلام، والذوبان في الآخر الذي يسمونه: "قبول الآخر"! بالضبط كما يُسمي "الآخرُ" الخمرَ: "مشروبات روحية"؛ فيتابعونه على ذلك!
ومن المعلوم أن "الشيخ الحويني" -حفظه الله- قد سافر إلى ألمانيا؛ لتلقي العلاج من مضاعفات مرض السكر، نسأل الله أن يشفيه ويعافيه ويرده إلى طلابه ومنبره سالمًا، اللهم آمين.
استثمر أحدهم(1) ذلك الحدث ليطعن في ثوابت الدين التي يدعو إليها "الشيخ الحويني" وعامة الدعاة إلى منهج السلف -بحمد الله-، ألا وهي: قضية "الولاء والبراء"، والتي تعتبر في حسِّ ذلك الرجل داءً أشد فتكًا من داء السكر الذي تمنى شفاء الشيخ منه، ولكنه تمنى شفاءه مما هو أعظم، وهو: "داء الكراهية"، كما لم يفته أن يوظف هذا الموقف في التأكيد على اتسام الإنسان الغربي بالأمانة ويقظة الضمير والمهارة الطبية والعلمية.
ولم يفُته أيضًا أن يلمز السنة عن طريق لمز العلاج بالحجامة، بل لَمَزَ العلاج بعسل النحل أيضًا رغم أنه مذكور في القرآن!
كما أنه حاول أن يقلل من شأن أخبار إسلام عدد من الألمان على يد الشيخ في هذه الرحلة العلاجية؛ مدعيًا أن بلاد الغرب هي بلاد الحرية، ومن ثمَّ يوجد في كل يوم عدد كبير من المتحولين إلى البوذية، وعبادة الهرم، وعبادة القمر!
ولعل هذه الجزئية كانت السبب الرئيسي في تهافت المواقع التنصيرية على نقل هذا المقال مع أنه مِن المفترض أنه يمثل نداءً من صحفي مسلم إلى داعية مسلم!
وبادئ ذي بدء نود أن نقول أنه إذا كان ذلك الصحفي قد رمى الشيخ الحويني ومِن ورائِه كل من يدين لله -تعالى- بهذه المبادئ بأنهم مرضى بداء "التعصب والكراهية"؛ فإننا بدورنا نرميه ومِن ورائه كل متغرب بداء "الوهن والتبعية، والخضوع والخنوع" إلى غير ذلك من الألفاظ التي يستحقها ذلك المرض.
والشأن في أمراض القلب والفكر عجيب؛ حيث يتصور كل واحد أن ما يراه من آراء تمثل "حال الصحة"، وما ينحرف عنها يمثل "حال المرض"، وبالتالي يعتبر كلُّ طرفٍ الطرفَ الآخر مريضًا بالمرض المضاد لاتجاهه؛ فيرانا هو "متعصبين"، ونراه نحن "متميعًا ذائبًا في غيره"، ومن هنا تكمن الحاجة الماسة إلى وجود مرجعية تُستمد منها "المناهج الصحيحة"، ويُعتبر كلُّ ما خالفها مرضًا يستوجب علاجًا شافيًا.
وطالما أن الكاتب الذي نحن بصدد مناقشته مسلمًا؛ فإن مقتضى ذلك أن تكون مرجعيته العليا هي: "كتاب الله" و"سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-"، وأما إذا كان للكاتب رأي آخر فهذا أيضًا له مجال آخر، ولنجمل النقاط التي أثارها هذا الكاتب وأدلتها من الكتاب والسنة.
أولاً: الموقف من الكفار -ومنهم: اليهود والنصارى- يمكن تلخيص عناصره فيما يلي:
1- لا يجوز حبهم ولا توليهم: قال الله -تعالى-: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) (المجادلة:22)، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) (المائدة:51).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ: الْحُبُّ فِي اللَّهِ، وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ) (رواه الطبراني وابن أبي شيبة، وصححه الألباني).
2- يجب معاملة المسالمين منهم بالعدل والإحسان: قال الله -تعالى-: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8)، ويدخل في ذلك جواز البيع والشراء، وجواز الإجارة معهم، ومنها: التطبب عند أطبائهم.
3- هل جاء في الإسلام ما يدل على أن كل تعاملات الكافر مبناها على الخيانة؟
الأصل في الكافر أنه يخون المسلم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً؛ كما قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) (آل عمران:118)، بيد أنه قد يوجد مِنَ الكفار مَنْ عنده أمانة لسبب أو لآخر، فلا بأس بمعاملته في شئون الدنيا؛ فقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اسـتأجر دليلاً كافرًا في الهجرة؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلاً مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِيًا خِرِّيتًا وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاثٍ" (رواه البخاري).
وقال -تعالى-: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا) (آل عمران:75).
4- عند التعامل مع مثل هذا الكافر الأمين يكافأ على أمانته ويُشكر عليها، وتخصيص الشيخ الإخوة الأطباء المسلمين بالشكر أظن -والله أعلم- لأنهم يتابعونه متطوِّعين؛ فلزم شكرهم مصداقـًا لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ) (رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه الألباني).
وأما الأطباء الكفار فالشيخ كافأهم بأجرهم المادي(2)، أو شكرهم شكرًا بينه وبينهم على قَدر معروفهم دون أن يشكرهم على الملإ، وهو أمر لعل الشيخ قد خشي من أن يستخدمه أحد في "نقض قضية الولاء والبراء"، ولك أن تتخيل لو كان الشيخ قد شكر أطباءه من الكفار ماذا كان سيكتب لنا صاحبنا هذا؟ غالب الظن أنه سوف يقول: "الآن وبعد أن أسدوا إليك المعروف تمدحهم وتثني عليهم"، إلى غير ذلك...!
ثانيًا: العلاج بالحجامة وبعسل النحل:
قد يتذرع بعض العالمانيين بالتشكيك في صحة الأحاديث التي لا تروق لهم كأحاديث التداوي بالحجامة، ولكن الغريب أن يطعن الكاتب على الاستشفاء بالعسل، وقد قال الله -تعالى- عنه في القرآن الكريم: (فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ) (النحل:69).
والكاتب وإخوانه غالبًا ما يَنسبون إلى الدعاة إلى الله أقوالاً لم يقولوا بها قط، مما يعني سوء فهمهم لكلام الدعاة، أو سوء قصدهم، أو الاثنين معًا!
فلا نعلم أن أحدًا من الدعاة إلى الله أفتى بقَصر التداوي على "عسل النحل"، أو "الحجامة"، أو "الحبة السوداء"؛ بل ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه تداوى بأنواع مختلفة من الدواء الذي كان معروفـًا في زمنه.
ومن المعلوم أن أمور الدنيا قد تركها الله للبشر يبحثون فيها؛ قال الله -تعالى-: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك:15)، بيد أن الطب كان له وضعية خاصة في الشرع؛ لكون سلامة الأبدان عونًا على طاعة الله، فأوحى الله -تعالى- إلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- بوسائل علاج نافعة تنفع من عدد كبير من الأمراض، منها: "العسل"، و"الحبة السوداء"، و"الحجامة"، وهذه كلها وسائل لرفع كفاءة جهاز المناعة بآليات مختلفة يعرفها أهل الطب القديم والحديث على حد سواء، ونظرًا لطبيعة عملها على جهاز المناعة فإنها قد لا تكون فعَّالة في الحالات المتأخرة.
وانتفعت البشرية وما زالت تنتفع بهذه الأدوية النافعة الجامعة السهلة االتى تعتبر وقاية من جميع الأمراض، كما تعتبر علاجًا نافعًا لمعظم الأمراض لا سيما في إطارها الأوليّ، فوق هذا فهي متوفرة، وسهلة التناول، ويمكن للمريض أن يتناولها بنفسه، ومع هذا لم يأت النهي عن السعي في الأرض لاكتشاف دواء لا سيما للأمراض المتأخرة أو المستعصية.
بيد أن الغرب الذى يتغنى الكاتب بأمانته قد تعمد إماتة ما يسمونه بالطب القديم: "الإسلامي، وغير الإسلامي"؛ طلبًا لزيادة مبيعاته من الأدوية؛ حيث يعتبر الغرب صناعة الدواء أحد أهم مصادر الثروة الغربية، وأحد أهم مصادر سيطرته على العالم، ومن ثمَّ حارب الطب القديم، وكذب ودلَّس كثيرًا في الطب الحديث، والسجل اللاأخلاقي للغرب في المجال الطبي مليء بالمخازي؛ منها:
- ضرب مصنع الدواء السوداني بدعوى أنه يستعمل في إنتاج أسلحة كيماوية، وذلك لإنتاجه مضادات حيوية تعالج مرض "الملاريا" المنتشر في أفريقيا، الأمر الذي أثر سلبيًّا على مبيعات الشركات الأمريكية منه.
- ومنها فضيحة "أنفلونزا الخنازير" التي كشفتها مصادر غربية أيضًا؛ أن الفيروس محضر معمليًّا في معامل أمريكية، وأن الدعاية المبالَغ فيها عن آثاره المدمرة ومدى انتشاره كانت من أجل بيع مزيد من الأمصال، ثم فجأة توقف كل شيء.
- وقبله مرض "أنفلونزا الطيور" الذي دُمرت من أجله صناعة الدواجن في المزارع رغم ما فيها من احتياطات صحية، في الوقت الذي استمر فيه الفلاحون في تربية طيورهم وبدون الحد الأدنى من الاحتياطات، ومع ذلك لم تأكلهم أنفلونزا الطيور التي ما زال الطب المحايد يرى أن خطرها على الإنسان أشبه بالمنعدم.
- ولن نسأل الكاتب عن "الفياجرا" -وهو بها خبير؛ حيث إن الكاتب هو أحد رموز أدب الفراش في العالم العربي، "ولا فخر"!- وعن إخفاء الأعراض الجانبية الكاملة، حتى حققت مبيعاتها مليارات الدولارات، ثم تسرَّبت الدراسات عن أعراضها الجانبية!
- وعندما طالب كثير من الباحثين الغربيين بالعودة إلى الطبيعة وبما أسموه بالطب البديل؛ حاربت شركات الدواء الغربية المدعومة سياسيًّا العودة إليه، ثم اضطروا في النهاية إلى القبول به شريطة أن يكون مِن خلالهم، حتى إن شركات الدواء الغربية تبيعنا بعض الأعشاب الطبية النافعة بأضعاف أضعاف تكلفتها وإن لم يكن لهم فيها إلا التغليف!
- كما أن شركات الدواء الغربية تُخرج لنا كل يوم أنواعًا مختلفة من الفيتامينات والمنشطات ومضادات الأكسدة، وتنظم الحملات الإعلانية التي ربما يراها أذنابهم أمينة ويراها كثير ممَّن لم تبهر أضواءُ الغرب أعينَهم غير أمينة، كما حدث في الحملات الإعلانية عن "الملاتينون" الذى غلوا فيه حتى وصفوه بـ"إكسير الحياة"!
وهذه الأدوية الموصوفة فى السُّنَّة من أقوى مضادات الأكسدة ومكسبات المناعة، كما ثبت هذا مِن دراسات نالت بها كثير من الشركات ترخيص إنتاج هذه المنتجات تحت هذه المسميات: "مكمل غذائي - مقوٍّ لجهاز المناعة - مضاد للأكسدة".
ومن عجيب أمر العالمانين أنهم دائمًا ما يرمون الإسلاميين بعدم مواكبة العصر، بينما هم أنفسهم يردِّدون شبهات تجاوزها العلم "الغربي" الحديث، وتراجع عن موقفه القديم معترفـًا بخطئه، كما هو الحال في مظاهر الطب النبوي التي اضطر العالم الغربي -أو بعض جامعاته على الأقل- إلى الاعتراف الكامل به، ومنه التداوي بالحجامة، وعسل النحل، وحبة البركة، وبول الإبل.
ولن نطالب الكاتب بأن يبحر في عالم الطب، رغم أنه طبيب، ولكن إبحاره في الطب دائمًا ما يكون في الخليج الجنسي الآسن الذي لا يمثل علمًا طبيًّا بقدر ما يمثل مهنة صحافية تخاطب المراهقين.
كما لن نطالبه بطبيعة الحال أن يبحر في علوم الشرع، ولا أن يتابع جهود الأطباء المسلمين في مجال الإعجاز الطبي في القرآن والسنة النبوية؛ ولكن فقط سوف نحيله على جريدة "المصرى اليوم" التي كتب فيها ما كتب، والتي نشرت في عددها الصادر الاثنين ١١ ديسمبر ٢٠٠٦م حوارًا مع الدكتور عبد الرحمن الزيادي جاء في ديباجته:
"عبد الرحمن الزيادي ليس فقط طبيبًا محترفـًا واستشاريًّا لأمراض الكبد والجهاز الهضمي في جامعة عين شمس، ولا مجرد عالم حقيقي؛ بل هو مِن أهم الباحثين في مجال الفيروسات الكبدية، ونُشرت أبحاثه في الخارج، ولا تقتصر شهرته على كونه عضوًا في أهم الجمعيات الأمريكية والأوروبية المعنية بأمراض الكبد".
وممَّا جاء في هذا الحوار:
"الجريدة: ولكن هناك كثيرًا من المراكز العلمية تستخدم الطب البديل وطب الأعشاب في علاج فيروسات الكبد، كاستخدام اليابانيين للجلسريزين الذي يستخرج من نبات العرقسوس، وفي ألمانيا يستخدمون جذور العرقسوس ومسحوق عيش الغراب، ثم بماذا تفسر إنشاء منظمة الصحة العالمية قسمًا خاصًّا للطب البديل لمكافحة أمراض هذا القرن؟
الدكتور عبد الرحمن: كلها أعشاب لم يثبت فاعليتها الأكيدة في القضاء على المرض؛ فهي ما زالت في طور البحث، وتبقى فاعليتها كمواد طبيعية مضادة للأكسدة، وهو ما يساعد على تأخير نمو المرض، وأنا عن نفسي لا أرفض الطب البديل؛ بل أدعو الباحثين والدول لدعمه للقضاء على ما نشهده مِن أمراض كثيرة لم يتوصل العلم لعلاج لها بعد، ولكنني ضد الخرافات مثل العلاج ببول الجمل أو بالحمام أو ما شابه ذلك.
الجريدة: ولكن مؤيدي العلاج بالحجامة وبول ولبن الإبل يؤيدون فكرهم بأنه من الطب النبوي، ولم يكن النبي مروجًا للخرافات.
الدكتور عبد الرحمن: الأمر ببساطة أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يوظف المتاح والمتوارث والمتعارف عليه مِن العلاجات السائدة في عالمه، والسؤال الآن: ماذا لو أن الله منَّ على عباده بعلاجات أكثر فاعلية وأكثر قبولاً عند الناس من بول الجمل؟ هل نترك هذه العلاجات ونعود لبول الجمل تحت زعم أنه طب نبوي؟ إننا نرى أن أدعياء الطب النبوي والمتاجرين به أخذوا من هذا الطب اسمه وأفرغوه مِن محتواه بما يتفق مع أهوائهم ومصالحهم (3).
أما الحجامة فهي عملية مختلفة، ولها أصول تراثية ونبوية بالفعل، فهي تعتمد على عملية خدش الجلد مما يحدث استنفارًا لجهاز المناعة، ويساعد على مقاومة الجسم للأمراض، ولكن قيام عدد من الحلاقين والعشابين -في أماكن غير مخصصة للعمل الطبي- بها يجعل منها عملية في منتهى الخطورة على المريض وعلى مَن حوله إذا لم يتم التخلص من دم المريض المصاب بالفيروس بشكل جيد، وأنا أعتقد أن تزايد عدد المصابين بفيروس "سي" وتواضع نتائج العلاج بالإنترفيرون وما صاحبه من آثار جانبية وارتفاع سعره دفع المريض إلى تصديق الشائعات والخرافات والبحث عن وسائل أخرى بديلة".
إذن فكلام الكاتب فيه خلط متعمَّد بين كثير من الأمور!
فالسلفيون يرشدون الناس إلى أصول الطب الثابتة في الكتاب والسنة، والتي مَن أخذ بها حصَّل كثيرًا من أسباب السلامة -بحمد الله-، وإلا فباب التداوي مفتوح كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
ثالثـًا:
إذا كنا نُسَلِّم بوجود بعض الأخلاق عند الغرب؛ فلابد أن نستدرك بأن أخلاق الغرب أخلاق نفعية قائمة على المنفعة المتبادلة، وليست أخلاقـًا أصلية، وإن كان الكاتب وأمثاله لم يرثوا مِن العرب إلا الكرم الحاتمي مع "الآخر"؛ فيصرون على نسبة القوم إلى الأخلاق، مع أن فلاسفة الغرب يصرحون بنسبية الأخلاق، مما يعني أن الخلق الحسن عندهم هو الخلق النافع في الدنيا، وهذا ما يفسر لنا هذا التناقض الرهيب بين التزامهم وأمانتهم في العمل، وهمجيتهم في عطلة نهاية الأسبوع وحوادث القتل الجماعي التي يرتكبها العاطلون عندهم انتقامًا من المجتمع ككل، فضلاً عن السلوك الهمجي للدول الكافرة في أرجاء الأرض!
هذا عن أخلاقهم فيما بين بعضهم البعض، فما بالك بأخلاقهم مع المسلمين؟!
لا أظن أن موقف الحكومات الغربية يخفى على أحد مهما كان منشغلاً بأدب الفراش أو بغيره؛ فأمريكا تعلن الحرب على العراق بدعوى وجود أسلحة دمار شامل، ثم لا تجد له أيَّ أثر، ولا تجد في ذات الوقت أيَّ حرج من ذلك، وتقول: "يكفي أننا أتينا العراقيين بالحرية"!، فيسرِّب جنودهم صور التعذيب الوحشي في "أبو غريب"، وأيضًا لا تشعر أمريكا بأي حرج من ذلك، ومن قبله تعلن الدوائر الرسمية عندهم عن سجن "جوانتانامو"!
وأما على المستوى الشعبي؛ ففي ألمانيا حيث يُعالَج الشيخ قُتلت الأخت "مروة الشربيني" في ساحة المحكمة؛ لأنها رفعت قضية على أحدهم منعها من ملاعبة طفلها على الأرجوحة لكونها محجَّبة، وحَرَس المحكمة لا يحرِّكون ساكنًا، حتى إذا هب زوجها للدفاع عنها انطلقت رصاصاتهم تشله عن الدفاع عن زوجته.
ومع هذا فالشيخ الحويني وغيره من الشيوخ السلفيين -ومع تأذيهم من حالة السُّيَّاح الذين يأتون إلى بلادنا- ينهون الشباب المتحمس عن أن ينقُضُوا الأمان الذي دخل به هؤلاء إلى بلاد المسلمين، وهذا هو الفرق:
الغرب يعلن قبوله للآخر، بينما يُعمل فيه القتل على المستوى الرسمي والشعبي إلا فيما ندر.
ودعاة السلفية يعلنون رفضهم للآخر، ومع ذلك يحترمون العقود والمواثيق معه، وفي ذات الوقت يدعون ذلك الغير إلى الدخول في دين الله شفقة عليه؛ عسى الله أن يخرجه من الظلمات إلى النور، وأن يمن عليه بالإسلام، وهذا يقودنا إلى النقطة التالية..
رابعًا: يفرح المسلمون -دعاتهم وعوامهم- عندما ينضم إليهم أيُّ أخ جديد:
وهذا نابع من حب المسلمين لانتشار الخير، وقد ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المثل الأعلى في ذلك حتى كاد يقتله الحزن بسبب إعراض المشركين، حتى واساه ربه قائلاً: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) (الكهف:6).
وقال -صلى الله عليه وسلم- لعليٍّ -رضي الله عنه-: (فَوَاللَّهِ لأَنْ يُهْدَي بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ) (متفق عليه).
بل إن انتماء الإنسان إلى أيِّ كيان وشعوره بتميزه يجعله حريصًا على زيادة أنصاره، فلو أنك أخبرت مشجعًا لنادٍ كروي أن أنصار ناديه في ازدياد، ثم وجدت منه لا مبالاة فضلاً أن يعارضك بقوله -على خلاف الحقيقة-: "إن مشجعي كل الفرق في ازدياد!"؛ فهل يمكن أن تصدق انتماءه لهذا النادي؟!
هذا ما يحصل في عالم اللهو واللعب عالم الكرة، ونأسف على التشبيه الذي لم أجد غيره للتعبير عن حالة كاتبنا تجاه خبر دخول عدد من الألمان في الإسلام على يد "الشيخ الحويني"؛ فأخذ يَذكر أن معدل البوذية وعباد القمر في أوروبا أيضًا في ازدياد!
ونحن نعلم أن هناك مَن يستجير من الأديان المحرفة بالأديان الشاذة، ونستمر في دعوة هؤلاء وأولئك إلى دين الفطرة والعقل؛ إلى دين الإسلام.
ولكن هل لنا أن نسأل الكاتب: تُرى هل شغل نفسه بنوعية وعدد مَن يهديهم الله إلى الاسلام، ونوعية وعدد المستجيرين من رمضاء الدين المحرف بنيران الأديان الوضعية؟!
لن نحيل الكاتب على الإحصائيات التي ترصد زيادة معدل الدخول في الإسلام في أوروبا إلى الحد الذي توقع فيه الساسة هناك أن تصبح أوروبا قارة إسلامية في عام 2050م إذا استمر الحال على ما هو عليه، ومِن ثمَّ استعرت حرب الحجاب، وحرب النقاب، وحرب المآذن، ولكننا نذكِّره بالأسقف الذي أحرق نفسه لينبه الغرب إلى خطر دخول الأوروبيين في دين الإسلام، وكان هذا في ألمانيا أيضًا!
يا صاحبنا... عليك أن تعترف أن "الشيخ الحويني" ذهب إليهم ليعالجوا بدنه، بينما عالج هو قلوب مَن أذن الله له بالهداية منهم؛ لأن دعاة الإسلام يحملون النور والهدى، ودين الحق الموافق للفطرة والعقل، والذي يجد فيه كل عاقل طمأنينة القلب، (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) (الأنعام:125).
نسأل الله -تعالى- أن يرد "الشيخ الحويني" إلينا سالمًا؛ ليواصل جهوده في علاج مرض آخر من أمراض القلب، ذكره الله في قوله: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) (المائدة:52).
وقَلَّ من يستطيع أن يجمع بين الشخصيتين، ومِن هؤلاء القلة في زماننا "الشيخ الحويني" -حفظه الله-؛ فعلى الرغم من تخصصه في علم الحديث -وهو علم اشتهر المشتغلون به أكثر من غيرهم بشيء من الحدة على طلابهم- إلا أنه مع ذلك رجل عامة من الطراز الأول، لا يكاد يمل العامة من حديثه.
وهو مع ذلك صادع بالحق، لا يمالئُ أحدًا، ولا يخشى أن يصدم جمهوره بما يخالف الإلف والعادة طالما كان موافقًا للحق والدليل، وحتى عندما ظهرت الفضائيات الإسلامية -حفظها الله-، وأصبحت الحسابات أكثر تعقيدًا؛ لاتساع دائرة المشاهدين، وتنوع ثقافاتهم، ولغير ذلك من الأمور؛ حافظ الشيخ على خطاب سلفي متزن -بحمد الله تعالى-.
وهو ما ندعو سائر المشايخ الكرام الذين يظهرون على الفضائيات -والذين نحبهم ونجلهم، ونغار على الحق وعليهم- أن يتعاونوا عليه، و أن يقتدي بعضهم ببعض فيه.
وكما هو متوقع؛ فعلى مقدار القبول الذي يلقاه العبد عند الصالحين والمحبين للخير؛ على مقدار العداوة التي يلقاها من دعاة التغريب والعلمنة، والخضوع والخنوع والاستسلام، والذوبان في الآخر الذي يسمونه: "قبول الآخر"! بالضبط كما يُسمي "الآخرُ" الخمرَ: "مشروبات روحية"؛ فيتابعونه على ذلك!
ومن المعلوم أن "الشيخ الحويني" -حفظه الله- قد سافر إلى ألمانيا؛ لتلقي العلاج من مضاعفات مرض السكر، نسأل الله أن يشفيه ويعافيه ويرده إلى طلابه ومنبره سالمًا، اللهم آمين.
استثمر أحدهم(1) ذلك الحدث ليطعن في ثوابت الدين التي يدعو إليها "الشيخ الحويني" وعامة الدعاة إلى منهج السلف -بحمد الله-، ألا وهي: قضية "الولاء والبراء"، والتي تعتبر في حسِّ ذلك الرجل داءً أشد فتكًا من داء السكر الذي تمنى شفاء الشيخ منه، ولكنه تمنى شفاءه مما هو أعظم، وهو: "داء الكراهية"، كما لم يفته أن يوظف هذا الموقف في التأكيد على اتسام الإنسان الغربي بالأمانة ويقظة الضمير والمهارة الطبية والعلمية.
ولم يفُته أيضًا أن يلمز السنة عن طريق لمز العلاج بالحجامة، بل لَمَزَ العلاج بعسل النحل أيضًا رغم أنه مذكور في القرآن!
كما أنه حاول أن يقلل من شأن أخبار إسلام عدد من الألمان على يد الشيخ في هذه الرحلة العلاجية؛ مدعيًا أن بلاد الغرب هي بلاد الحرية، ومن ثمَّ يوجد في كل يوم عدد كبير من المتحولين إلى البوذية، وعبادة الهرم، وعبادة القمر!
ولعل هذه الجزئية كانت السبب الرئيسي في تهافت المواقع التنصيرية على نقل هذا المقال مع أنه مِن المفترض أنه يمثل نداءً من صحفي مسلم إلى داعية مسلم!
وبادئ ذي بدء نود أن نقول أنه إذا كان ذلك الصحفي قد رمى الشيخ الحويني ومِن ورائِه كل من يدين لله -تعالى- بهذه المبادئ بأنهم مرضى بداء "التعصب والكراهية"؛ فإننا بدورنا نرميه ومِن ورائه كل متغرب بداء "الوهن والتبعية، والخضوع والخنوع" إلى غير ذلك من الألفاظ التي يستحقها ذلك المرض.
والشأن في أمراض القلب والفكر عجيب؛ حيث يتصور كل واحد أن ما يراه من آراء تمثل "حال الصحة"، وما ينحرف عنها يمثل "حال المرض"، وبالتالي يعتبر كلُّ طرفٍ الطرفَ الآخر مريضًا بالمرض المضاد لاتجاهه؛ فيرانا هو "متعصبين"، ونراه نحن "متميعًا ذائبًا في غيره"، ومن هنا تكمن الحاجة الماسة إلى وجود مرجعية تُستمد منها "المناهج الصحيحة"، ويُعتبر كلُّ ما خالفها مرضًا يستوجب علاجًا شافيًا.
وطالما أن الكاتب الذي نحن بصدد مناقشته مسلمًا؛ فإن مقتضى ذلك أن تكون مرجعيته العليا هي: "كتاب الله" و"سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-"، وأما إذا كان للكاتب رأي آخر فهذا أيضًا له مجال آخر، ولنجمل النقاط التي أثارها هذا الكاتب وأدلتها من الكتاب والسنة.
أولاً: الموقف من الكفار -ومنهم: اليهود والنصارى- يمكن تلخيص عناصره فيما يلي:
1- لا يجوز حبهم ولا توليهم: قال الله -تعالى-: (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) (المجادلة:22)، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) (المائدة:51).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ: الْحُبُّ فِي اللَّهِ، وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ) (رواه الطبراني وابن أبي شيبة، وصححه الألباني).
2- يجب معاملة المسالمين منهم بالعدل والإحسان: قال الله -تعالى-: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8)، ويدخل في ذلك جواز البيع والشراء، وجواز الإجارة معهم، ومنها: التطبب عند أطبائهم.
3- هل جاء في الإسلام ما يدل على أن كل تعاملات الكافر مبناها على الخيانة؟
الأصل في الكافر أنه يخون المسلم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً؛ كما قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) (آل عمران:118)، بيد أنه قد يوجد مِنَ الكفار مَنْ عنده أمانة لسبب أو لآخر، فلا بأس بمعاملته في شئون الدنيا؛ فقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اسـتأجر دليلاً كافرًا في الهجرة؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلاً مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِيًا خِرِّيتًا وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاثِ لَيَالٍ بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاثٍ" (رواه البخاري).
وقال -تعالى-: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا) (آل عمران:75).
4- عند التعامل مع مثل هذا الكافر الأمين يكافأ على أمانته ويُشكر عليها، وتخصيص الشيخ الإخوة الأطباء المسلمين بالشكر أظن -والله أعلم- لأنهم يتابعونه متطوِّعين؛ فلزم شكرهم مصداقـًا لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ) (رواه أحمد وأبو داود والنسائي، وصححه الألباني).
وأما الأطباء الكفار فالشيخ كافأهم بأجرهم المادي(2)، أو شكرهم شكرًا بينه وبينهم على قَدر معروفهم دون أن يشكرهم على الملإ، وهو أمر لعل الشيخ قد خشي من أن يستخدمه أحد في "نقض قضية الولاء والبراء"، ولك أن تتخيل لو كان الشيخ قد شكر أطباءه من الكفار ماذا كان سيكتب لنا صاحبنا هذا؟ غالب الظن أنه سوف يقول: "الآن وبعد أن أسدوا إليك المعروف تمدحهم وتثني عليهم"، إلى غير ذلك...!
ثانيًا: العلاج بالحجامة وبعسل النحل:
قد يتذرع بعض العالمانيين بالتشكيك في صحة الأحاديث التي لا تروق لهم كأحاديث التداوي بالحجامة، ولكن الغريب أن يطعن الكاتب على الاستشفاء بالعسل، وقد قال الله -تعالى- عنه في القرآن الكريم: (فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ) (النحل:69).
والكاتب وإخوانه غالبًا ما يَنسبون إلى الدعاة إلى الله أقوالاً لم يقولوا بها قط، مما يعني سوء فهمهم لكلام الدعاة، أو سوء قصدهم، أو الاثنين معًا!
فلا نعلم أن أحدًا من الدعاة إلى الله أفتى بقَصر التداوي على "عسل النحل"، أو "الحجامة"، أو "الحبة السوداء"؛ بل ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه تداوى بأنواع مختلفة من الدواء الذي كان معروفـًا في زمنه.
ومن المعلوم أن أمور الدنيا قد تركها الله للبشر يبحثون فيها؛ قال الله -تعالى-: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك:15)، بيد أن الطب كان له وضعية خاصة في الشرع؛ لكون سلامة الأبدان عونًا على طاعة الله، فأوحى الله -تعالى- إلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- بوسائل علاج نافعة تنفع من عدد كبير من الأمراض، منها: "العسل"، و"الحبة السوداء"، و"الحجامة"، وهذه كلها وسائل لرفع كفاءة جهاز المناعة بآليات مختلفة يعرفها أهل الطب القديم والحديث على حد سواء، ونظرًا لطبيعة عملها على جهاز المناعة فإنها قد لا تكون فعَّالة في الحالات المتأخرة.
وانتفعت البشرية وما زالت تنتفع بهذه الأدوية النافعة الجامعة السهلة االتى تعتبر وقاية من جميع الأمراض، كما تعتبر علاجًا نافعًا لمعظم الأمراض لا سيما في إطارها الأوليّ، فوق هذا فهي متوفرة، وسهلة التناول، ويمكن للمريض أن يتناولها بنفسه، ومع هذا لم يأت النهي عن السعي في الأرض لاكتشاف دواء لا سيما للأمراض المتأخرة أو المستعصية.
بيد أن الغرب الذى يتغنى الكاتب بأمانته قد تعمد إماتة ما يسمونه بالطب القديم: "الإسلامي، وغير الإسلامي"؛ طلبًا لزيادة مبيعاته من الأدوية؛ حيث يعتبر الغرب صناعة الدواء أحد أهم مصادر الثروة الغربية، وأحد أهم مصادر سيطرته على العالم، ومن ثمَّ حارب الطب القديم، وكذب ودلَّس كثيرًا في الطب الحديث، والسجل اللاأخلاقي للغرب في المجال الطبي مليء بالمخازي؛ منها:
- ضرب مصنع الدواء السوداني بدعوى أنه يستعمل في إنتاج أسلحة كيماوية، وذلك لإنتاجه مضادات حيوية تعالج مرض "الملاريا" المنتشر في أفريقيا، الأمر الذي أثر سلبيًّا على مبيعات الشركات الأمريكية منه.
- ومنها فضيحة "أنفلونزا الخنازير" التي كشفتها مصادر غربية أيضًا؛ أن الفيروس محضر معمليًّا في معامل أمريكية، وأن الدعاية المبالَغ فيها عن آثاره المدمرة ومدى انتشاره كانت من أجل بيع مزيد من الأمصال، ثم فجأة توقف كل شيء.
- وقبله مرض "أنفلونزا الطيور" الذي دُمرت من أجله صناعة الدواجن في المزارع رغم ما فيها من احتياطات صحية، في الوقت الذي استمر فيه الفلاحون في تربية طيورهم وبدون الحد الأدنى من الاحتياطات، ومع ذلك لم تأكلهم أنفلونزا الطيور التي ما زال الطب المحايد يرى أن خطرها على الإنسان أشبه بالمنعدم.
- ولن نسأل الكاتب عن "الفياجرا" -وهو بها خبير؛ حيث إن الكاتب هو أحد رموز أدب الفراش في العالم العربي، "ولا فخر"!- وعن إخفاء الأعراض الجانبية الكاملة، حتى حققت مبيعاتها مليارات الدولارات، ثم تسرَّبت الدراسات عن أعراضها الجانبية!
- وعندما طالب كثير من الباحثين الغربيين بالعودة إلى الطبيعة وبما أسموه بالطب البديل؛ حاربت شركات الدواء الغربية المدعومة سياسيًّا العودة إليه، ثم اضطروا في النهاية إلى القبول به شريطة أن يكون مِن خلالهم، حتى إن شركات الدواء الغربية تبيعنا بعض الأعشاب الطبية النافعة بأضعاف أضعاف تكلفتها وإن لم يكن لهم فيها إلا التغليف!
- كما أن شركات الدواء الغربية تُخرج لنا كل يوم أنواعًا مختلفة من الفيتامينات والمنشطات ومضادات الأكسدة، وتنظم الحملات الإعلانية التي ربما يراها أذنابهم أمينة ويراها كثير ممَّن لم تبهر أضواءُ الغرب أعينَهم غير أمينة، كما حدث في الحملات الإعلانية عن "الملاتينون" الذى غلوا فيه حتى وصفوه بـ"إكسير الحياة"!
وهذه الأدوية الموصوفة فى السُّنَّة من أقوى مضادات الأكسدة ومكسبات المناعة، كما ثبت هذا مِن دراسات نالت بها كثير من الشركات ترخيص إنتاج هذه المنتجات تحت هذه المسميات: "مكمل غذائي - مقوٍّ لجهاز المناعة - مضاد للأكسدة".
ومن عجيب أمر العالمانين أنهم دائمًا ما يرمون الإسلاميين بعدم مواكبة العصر، بينما هم أنفسهم يردِّدون شبهات تجاوزها العلم "الغربي" الحديث، وتراجع عن موقفه القديم معترفـًا بخطئه، كما هو الحال في مظاهر الطب النبوي التي اضطر العالم الغربي -أو بعض جامعاته على الأقل- إلى الاعتراف الكامل به، ومنه التداوي بالحجامة، وعسل النحل، وحبة البركة، وبول الإبل.
ولن نطالب الكاتب بأن يبحر في عالم الطب، رغم أنه طبيب، ولكن إبحاره في الطب دائمًا ما يكون في الخليج الجنسي الآسن الذي لا يمثل علمًا طبيًّا بقدر ما يمثل مهنة صحافية تخاطب المراهقين.
كما لن نطالبه بطبيعة الحال أن يبحر في علوم الشرع، ولا أن يتابع جهود الأطباء المسلمين في مجال الإعجاز الطبي في القرآن والسنة النبوية؛ ولكن فقط سوف نحيله على جريدة "المصرى اليوم" التي كتب فيها ما كتب، والتي نشرت في عددها الصادر الاثنين ١١ ديسمبر ٢٠٠٦م حوارًا مع الدكتور عبد الرحمن الزيادي جاء في ديباجته:
"عبد الرحمن الزيادي ليس فقط طبيبًا محترفـًا واستشاريًّا لأمراض الكبد والجهاز الهضمي في جامعة عين شمس، ولا مجرد عالم حقيقي؛ بل هو مِن أهم الباحثين في مجال الفيروسات الكبدية، ونُشرت أبحاثه في الخارج، ولا تقتصر شهرته على كونه عضوًا في أهم الجمعيات الأمريكية والأوروبية المعنية بأمراض الكبد".
وممَّا جاء في هذا الحوار:
"الجريدة: ولكن هناك كثيرًا من المراكز العلمية تستخدم الطب البديل وطب الأعشاب في علاج فيروسات الكبد، كاستخدام اليابانيين للجلسريزين الذي يستخرج من نبات العرقسوس، وفي ألمانيا يستخدمون جذور العرقسوس ومسحوق عيش الغراب، ثم بماذا تفسر إنشاء منظمة الصحة العالمية قسمًا خاصًّا للطب البديل لمكافحة أمراض هذا القرن؟
الدكتور عبد الرحمن: كلها أعشاب لم يثبت فاعليتها الأكيدة في القضاء على المرض؛ فهي ما زالت في طور البحث، وتبقى فاعليتها كمواد طبيعية مضادة للأكسدة، وهو ما يساعد على تأخير نمو المرض، وأنا عن نفسي لا أرفض الطب البديل؛ بل أدعو الباحثين والدول لدعمه للقضاء على ما نشهده مِن أمراض كثيرة لم يتوصل العلم لعلاج لها بعد، ولكنني ضد الخرافات مثل العلاج ببول الجمل أو بالحمام أو ما شابه ذلك.
الجريدة: ولكن مؤيدي العلاج بالحجامة وبول ولبن الإبل يؤيدون فكرهم بأنه من الطب النبوي، ولم يكن النبي مروجًا للخرافات.
الدكتور عبد الرحمن: الأمر ببساطة أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يوظف المتاح والمتوارث والمتعارف عليه مِن العلاجات السائدة في عالمه، والسؤال الآن: ماذا لو أن الله منَّ على عباده بعلاجات أكثر فاعلية وأكثر قبولاً عند الناس من بول الجمل؟ هل نترك هذه العلاجات ونعود لبول الجمل تحت زعم أنه طب نبوي؟ إننا نرى أن أدعياء الطب النبوي والمتاجرين به أخذوا من هذا الطب اسمه وأفرغوه مِن محتواه بما يتفق مع أهوائهم ومصالحهم (3).
أما الحجامة فهي عملية مختلفة، ولها أصول تراثية ونبوية بالفعل، فهي تعتمد على عملية خدش الجلد مما يحدث استنفارًا لجهاز المناعة، ويساعد على مقاومة الجسم للأمراض، ولكن قيام عدد من الحلاقين والعشابين -في أماكن غير مخصصة للعمل الطبي- بها يجعل منها عملية في منتهى الخطورة على المريض وعلى مَن حوله إذا لم يتم التخلص من دم المريض المصاب بالفيروس بشكل جيد، وأنا أعتقد أن تزايد عدد المصابين بفيروس "سي" وتواضع نتائج العلاج بالإنترفيرون وما صاحبه من آثار جانبية وارتفاع سعره دفع المريض إلى تصديق الشائعات والخرافات والبحث عن وسائل أخرى بديلة".
إذن فكلام الكاتب فيه خلط متعمَّد بين كثير من الأمور!
فالسلفيون يرشدون الناس إلى أصول الطب الثابتة في الكتاب والسنة، والتي مَن أخذ بها حصَّل كثيرًا من أسباب السلامة -بحمد الله-، وإلا فباب التداوي مفتوح كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
ثالثـًا:
إذا كنا نُسَلِّم بوجود بعض الأخلاق عند الغرب؛ فلابد أن نستدرك بأن أخلاق الغرب أخلاق نفعية قائمة على المنفعة المتبادلة، وليست أخلاقـًا أصلية، وإن كان الكاتب وأمثاله لم يرثوا مِن العرب إلا الكرم الحاتمي مع "الآخر"؛ فيصرون على نسبة القوم إلى الأخلاق، مع أن فلاسفة الغرب يصرحون بنسبية الأخلاق، مما يعني أن الخلق الحسن عندهم هو الخلق النافع في الدنيا، وهذا ما يفسر لنا هذا التناقض الرهيب بين التزامهم وأمانتهم في العمل، وهمجيتهم في عطلة نهاية الأسبوع وحوادث القتل الجماعي التي يرتكبها العاطلون عندهم انتقامًا من المجتمع ككل، فضلاً عن السلوك الهمجي للدول الكافرة في أرجاء الأرض!
هذا عن أخلاقهم فيما بين بعضهم البعض، فما بالك بأخلاقهم مع المسلمين؟!
لا أظن أن موقف الحكومات الغربية يخفى على أحد مهما كان منشغلاً بأدب الفراش أو بغيره؛ فأمريكا تعلن الحرب على العراق بدعوى وجود أسلحة دمار شامل، ثم لا تجد له أيَّ أثر، ولا تجد في ذات الوقت أيَّ حرج من ذلك، وتقول: "يكفي أننا أتينا العراقيين بالحرية"!، فيسرِّب جنودهم صور التعذيب الوحشي في "أبو غريب"، وأيضًا لا تشعر أمريكا بأي حرج من ذلك، ومن قبله تعلن الدوائر الرسمية عندهم عن سجن "جوانتانامو"!
وأما على المستوى الشعبي؛ ففي ألمانيا حيث يُعالَج الشيخ قُتلت الأخت "مروة الشربيني" في ساحة المحكمة؛ لأنها رفعت قضية على أحدهم منعها من ملاعبة طفلها على الأرجوحة لكونها محجَّبة، وحَرَس المحكمة لا يحرِّكون ساكنًا، حتى إذا هب زوجها للدفاع عنها انطلقت رصاصاتهم تشله عن الدفاع عن زوجته.
ومع هذا فالشيخ الحويني وغيره من الشيوخ السلفيين -ومع تأذيهم من حالة السُّيَّاح الذين يأتون إلى بلادنا- ينهون الشباب المتحمس عن أن ينقُضُوا الأمان الذي دخل به هؤلاء إلى بلاد المسلمين، وهذا هو الفرق:
الغرب يعلن قبوله للآخر، بينما يُعمل فيه القتل على المستوى الرسمي والشعبي إلا فيما ندر.
ودعاة السلفية يعلنون رفضهم للآخر، ومع ذلك يحترمون العقود والمواثيق معه، وفي ذات الوقت يدعون ذلك الغير إلى الدخول في دين الله شفقة عليه؛ عسى الله أن يخرجه من الظلمات إلى النور، وأن يمن عليه بالإسلام، وهذا يقودنا إلى النقطة التالية..
رابعًا: يفرح المسلمون -دعاتهم وعوامهم- عندما ينضم إليهم أيُّ أخ جديد:
وهذا نابع من حب المسلمين لانتشار الخير، وقد ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المثل الأعلى في ذلك حتى كاد يقتله الحزن بسبب إعراض المشركين، حتى واساه ربه قائلاً: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) (الكهف:6).
وقال -صلى الله عليه وسلم- لعليٍّ -رضي الله عنه-: (فَوَاللَّهِ لأَنْ يُهْدَي بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ) (متفق عليه).
بل إن انتماء الإنسان إلى أيِّ كيان وشعوره بتميزه يجعله حريصًا على زيادة أنصاره، فلو أنك أخبرت مشجعًا لنادٍ كروي أن أنصار ناديه في ازدياد، ثم وجدت منه لا مبالاة فضلاً أن يعارضك بقوله -على خلاف الحقيقة-: "إن مشجعي كل الفرق في ازدياد!"؛ فهل يمكن أن تصدق انتماءه لهذا النادي؟!
هذا ما يحصل في عالم اللهو واللعب عالم الكرة، ونأسف على التشبيه الذي لم أجد غيره للتعبير عن حالة كاتبنا تجاه خبر دخول عدد من الألمان في الإسلام على يد "الشيخ الحويني"؛ فأخذ يَذكر أن معدل البوذية وعباد القمر في أوروبا أيضًا في ازدياد!
ونحن نعلم أن هناك مَن يستجير من الأديان المحرفة بالأديان الشاذة، ونستمر في دعوة هؤلاء وأولئك إلى دين الفطرة والعقل؛ إلى دين الإسلام.
ولكن هل لنا أن نسأل الكاتب: تُرى هل شغل نفسه بنوعية وعدد مَن يهديهم الله إلى الاسلام، ونوعية وعدد المستجيرين من رمضاء الدين المحرف بنيران الأديان الوضعية؟!
لن نحيل الكاتب على الإحصائيات التي ترصد زيادة معدل الدخول في الإسلام في أوروبا إلى الحد الذي توقع فيه الساسة هناك أن تصبح أوروبا قارة إسلامية في عام 2050م إذا استمر الحال على ما هو عليه، ومِن ثمَّ استعرت حرب الحجاب، وحرب النقاب، وحرب المآذن، ولكننا نذكِّره بالأسقف الذي أحرق نفسه لينبه الغرب إلى خطر دخول الأوروبيين في دين الإسلام، وكان هذا في ألمانيا أيضًا!
يا صاحبنا... عليك أن تعترف أن "الشيخ الحويني" ذهب إليهم ليعالجوا بدنه، بينما عالج هو قلوب مَن أذن الله له بالهداية منهم؛ لأن دعاة الإسلام يحملون النور والهدى، ودين الحق الموافق للفطرة والعقل، والذي يجد فيه كل عاقل طمأنينة القلب، (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) (الأنعام:125).
نسأل الله -تعالى- أن يرد "الشيخ الحويني" إلينا سالمًا؛ ليواصل جهوده في علاج مرض آخر من أمراض القلب، ذكره الله في قوله: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ) (المائدة:52).
تعليق