سباب النصر والتمكين
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه والسائرين على نهجه
أما بعد
فإن الأمة الإسلامية اليوم تتطلع إلى نصر عاجل يرفع عنها هذا الذل والهوان الذي تسربلت به ، وينقلها من دركات المهانة والإذلال إلى درجات العزة والرفعة والسمو
نصراً يعيد لها مجدها السابق ، وحماها المستباح ....
ولاشك أن الناصر هو الله تعالى وحده .... فهذه عقيدة الموحدين التي لا يساومون عليها ... ولا يشكون فيها ... عقيدة ثابتة مغروسة في النفوس ....
ولكن الله تبارك وتعالى قد جعل لذلك النصر أسباباً وأمر بتحصيلها والاعتناء بها حتى تؤتي الشجرة ثمرتها ....
وهنا سأحاول أن أذكر جملة من أسباب النصر مادية ومعنوية فاسأل الله تعالى التوفيق والسداد والقبول .
1-الاخلاص
يقول الله تبارك وتعالى في كتابه " الا لله الدين الخالص "
و الإخلاص لله تعالى . [ أن يكون القصد نصر دين الله وإقامة شرعه ]
قال جل في علاه " وما امرو الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة " وقال تعالى : ( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ))
وقال الله تعالى:’’ يأيّها الّذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم’’ سورة محمد :7 .أي إذا كان قصدكم في جهاد الأعداء نصر الله وأن تكون كلمته هي العليا ،نصركم الله على أعدائكم وثبّت أقدامكم في مواطن اللّقاء،فالنصر سبب خارجي،وتثبيت الأقدام سبب داخلي ، وبهذين الأمرين يتم الأمر.
وقال ( صلى الله عليه وسلم ) : " انما ينصر الله هذه الامة بضعفائها بدعوتهم وصلاتهم واخلاصهم " صحيح الجامع ( 2388) 0 فالاخلاص احبتي في الله سبب من اهم اسباب النصر والتمكين والمتأمل في القصص التي اوردتها في هذا الكتاب سيجد ان هناك قاسم مشترك في كل القصص وهو خضوع القادة واخلاصهم لله وخشوعهم وتضرعهم وبكاؤهم من خشية الله هذه العبادات القلبية والقولية كانت من اهم اسباب النصر قال تعالى : " ولقد نصركم الله ببدر وانتم اذلة " وكما قال قاضي الاندلس : اذاخشع جبار الارض يرحم جبار السماء " فبالاخلاص تستجلب رحمة الله وينزل النصر وتنتصر الدعوة ويكتب لنا القبول في الارض والفردوس في الآخرة فلا تغفل عن الاخلاص فكم غيرا الاخلاص قلوبٌ قاسية وكم من كلمة خرجت من لسان مخلص كانت سببا لهداية طاغية
ذكر الذهبي في كتابه العبر انه ( في سنة 548 هـ توفي ابن الطلاية ابو العباس احمد بن ابي غالب بن احمد البغدادي الزاهد العابد وقد زاره السلطان مسعود في مسجده بالحربية فتشاغل الشيخ عنه بالصلاة وما زاده على ان قال يا مسعود اعدل وادع لي 0 ثم كبر ودخل في الصلاة ، فبكى السلطان مسعود وابطل المكوس والضرائب تاب الى الله تعالى 0 قال بن الاثير عن السلطان مسعود بقى عشرة ايام لايتكلم الا بالشهادة وبالتلاوة ورزق حسن الخاتمة 0
1-كتاب العبر في تاريخ من غبر للذهبي 2-الكامل لابن الاثير
قال احد السلف :
مواعظ الواعظ لا تقبل حتى يعيها قلبه اولا
يا قوم من اظلم من واعظ خالف ما قد كان في الملا
اظهر بين الناس احسانه وخالف الرحمن لما خلا
اخي في الله ان الدعوة لن تنتصر بمن احسن ظاهره وباطنه خراب او بمن كان وليا لله في الظاهر عدوا لله في الباطن ولكن تنتصر بمن التزم ظاهرا وباطنا فـ " لن ينال الله لحومها ولادمائها ولكن يناله التقوى منكم "
اعلم اخي في الله أن العمل الصالح ان كان خالصا لله نفع الله به الخلق كما قال الامام مالك " ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل "
قال الامام الشاطبي رحمه الله تعالى – ناظم الشاطبية –(لايقرأ احد قصيدتي هذه الا وينفعه الله بها لاني نظمتها لله) والاخلاص احبتي في الله اشد شيئ على النفس لانه ليس لها فيه نصيب 0 قال الزاهد ابو محمد النيسابوري وقد قيل له – فلان يمشي على الماء – قال : عندي من مكنه الله من مخالفة هواه اعظم من المشي على الماء 0
ا0هـ سير اعلام النبلاء
فراقب نفسك دائما فالنفس تميل الى حب الظهور والرياء وحب المدح واياك ان تطمئن الى نفسك فهي امارة بالسوء وقد تظن انك تركت الرياء لله وانت ما تركته الا ليقال عنك انك مخلص ، لهذا يقول ابو علي محمد بن عبد الوهاب النيسابوري " ترك الرياء للرياء اقبح من الرياء "
فالحذر الحذر اخي من الرياء فانه اخفى من دبيب النمل لذلك كان السلف يرقبون نياتهم حتى وهم يجودون بانفسهم وقد ذكر الذهبي في سير اعلام النبلاء ان ابو الوليد عبد الله بن محمد قاضي بلنسبة كان قد سأل الله الشهادة عند استار الكعبة ، فقتل شهيدا على يد البربر فسُمع وهو جريح طريح يقرأ على نفسه الحديث الصحيح " ما يكلم أحد فى سبيل الله والله اعلم بمن يكلم فى سبيله الا جاء يوم القيامه وكلمه يدنى اللون لون الدم والريح ريح مسك ". فهو رحمه الله يذكر نفسه بالاخلاص وهو يموت ......والاخلاص امر قلبي لايعلمه الا الله لكن له علامات منها اتهام النفس أولاً و إشغال النفس بعيوبها عن عيوب المسلمين والسلف رحمهم الله كانوا يجاهدون انفسهم فى سبيل تحقيق الاخلاص وقد ضربوا اروع الامثلة فى ذلك فمنهم نور الدين محمود فقد قال رحمه الله " قد تعرضت للشهادة غير مرة فلم يتفق لى ذلك ولو كان فىّ خير ولى عند الله قيمة لرزقنى الشهادة " وقال له قطب الدين " بالله عليك يا مولانا السلطان لا تخاطر بنفسك فانك لو قتلت قتل جميع من معك وأخذت بلاد المسلمين " فقال له نور الدين اسكت يا قطب الدين فان قولك إساءة أدب على الله من محمود من كان يحفظ البلاد قبلى غير الذى لا اله الا هو ..؟ فبكى الجميع .. وكان يقول فى احدى المعارك وهو يبكى اللهم انصرالاسلام ولا تنصر محمود من محمود الكلب حتى ينصر)
وذكر الذهبى ايضاً فى سير اعلام النبلاء ان السلطان ملك شاه بن ألب ارسلان خرج مودعاً الحجاج فرقّ ونزل وسجد وعفّر وجهه وبكى وقال بالعجميه بلغوا سلامى الى رسول الله صلى عليه وسلم وقولوا له : العبد العاصى الابعد أبو الفتح يخدم ويقول : يا نبى الله لو كنت ممن يصلح لتلك الحضرة المقدسة لكنت فى الصحبة فضج الناس وبكوا ودعوا له .
ومن العلامات الدالة علي الاخلاص ان المخلِص يتهم نفسه دائماً بالتفريط في جنب الله و في أداء الواجبات ذكر الذهبى فى سير اغلام النبلاء انه احضر طبق تمر للشيخ الرفاعى احمد بن ابى الحسن فبقى ينقى لنفسه الحشف فياكله ويقول : انا احق بالدون فانا مثله دون .
ومن علامات الاخلاص كتمان الاعمال الصالحة والسلف رضى الله عنهم كانوا يكتمون الاعمال الصالحة خوفاً عليها من الرياء فقد ذكر الذهبى فى سير اعلام النبلاء ان ابا عثمان الحيرى الزاهد طلب فى مجلسه مالا لبعض الثغور فتأخر فتألم وبكى على رؤوس الناس فجاءه ابن لجيد بألفى درهم فدعى له ثم انه نوه به وقال قد رجوت لأبى عمر بما فعل فانه قد ناب عن الجماعه وحمل كذا وكذا فقام ابن لجيد وقال لكنى انما حملت من مال امى وهى كارهه فينبغى ان ترده لترضى فأمر ابو عثمان بالكيس فرد اليه فلما جن الليل جاء بالكيس والتمس من الشيخ ستر ذلك فبكى وكان بعد ذلك يقول انا اخشى من همة ابى عمر .
وذكر الذهبى فى سير اعلام النبلاء قال ابن محمد بن القاسم صحبت محمد بن اسلم اكثر من عشرين سنه لم اره يصلى حيث اراه ركعتين من التطوع الا يوم الجمعه وسمعته يقول كذا وكذا مرة يحلف : لو قدرت ان اتطوع حيث لا يرانى ملكاى لفعلت خوفاً من الرياء وكان يدخل بيتاً له ويغلق بابه ولم ادر ما سيصنع حتى سمعت ابناً له صغيراً يحكى بكاءه فنهته امه, فقلت لها ما هذا ؟ قالت ان ابا الحسن يدخل هذا البيت فيقرأ ويبكى فسمعه الصبى فيحكيه وكان الشيخ اذا اراد الخروج غسل وجهه واكتحل فلا يرى عليه اثر البكاء.
ومن علامات الاخلاص اخى فى الله ان تقدم دائماً امر الاخرة على امر الدنيا والسلف رضوان الله عليهم كانوا يقدمون امر الاخرة على امر الدنيا ولذلك ملكوا الدنيا وفازوا بالاخرة قال الذهبى فى سير اغلام النبلاء قال الطرطوشى ابو بكر محمد بن الوليد رحمه الله (اذا عرض لك امر دنيا وامر اخرة فبادر بامر الاخرة يحصل لك امر الدنيا والاخرة)
اخى فى الله لا تلهيك عيوب الاخرين عن عيوبك ولا تغتر بنفسك ولا تستكثر عملك ولا خير فى علم بلا عمل ولا خير فى عمل بلا اخلاص
يتوب على يدى قوم عصاه اخافتهم من البــارى ذنـوب
وقلبى مظلم من طول ما قد جنى فانا علـى يد من اتـوب
المصدر كتاب صفحات من العزة واخري من الذل
ترقبو الفصل الثاني في اسباب النصر
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه والسائرين على نهجه
أما بعد
فإن الأمة الإسلامية اليوم تتطلع إلى نصر عاجل يرفع عنها هذا الذل والهوان الذي تسربلت به ، وينقلها من دركات المهانة والإذلال إلى درجات العزة والرفعة والسمو
نصراً يعيد لها مجدها السابق ، وحماها المستباح ....
ولاشك أن الناصر هو الله تعالى وحده .... فهذه عقيدة الموحدين التي لا يساومون عليها ... ولا يشكون فيها ... عقيدة ثابتة مغروسة في النفوس ....
ولكن الله تبارك وتعالى قد جعل لذلك النصر أسباباً وأمر بتحصيلها والاعتناء بها حتى تؤتي الشجرة ثمرتها ....
وهنا سأحاول أن أذكر جملة من أسباب النصر مادية ومعنوية فاسأل الله تعالى التوفيق والسداد والقبول .
1-الاخلاص
يقول الله تبارك وتعالى في كتابه " الا لله الدين الخالص "
و الإخلاص لله تعالى . [ أن يكون القصد نصر دين الله وإقامة شرعه ]
قال جل في علاه " وما امرو الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة " وقال تعالى : ( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ))
وقال الله تعالى:’’ يأيّها الّذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم’’ سورة محمد :7 .أي إذا كان قصدكم في جهاد الأعداء نصر الله وأن تكون كلمته هي العليا ،نصركم الله على أعدائكم وثبّت أقدامكم في مواطن اللّقاء،فالنصر سبب خارجي،وتثبيت الأقدام سبب داخلي ، وبهذين الأمرين يتم الأمر.
وقال ( صلى الله عليه وسلم ) : " انما ينصر الله هذه الامة بضعفائها بدعوتهم وصلاتهم واخلاصهم " صحيح الجامع ( 2388) 0 فالاخلاص احبتي في الله سبب من اهم اسباب النصر والتمكين والمتأمل في القصص التي اوردتها في هذا الكتاب سيجد ان هناك قاسم مشترك في كل القصص وهو خضوع القادة واخلاصهم لله وخشوعهم وتضرعهم وبكاؤهم من خشية الله هذه العبادات القلبية والقولية كانت من اهم اسباب النصر قال تعالى : " ولقد نصركم الله ببدر وانتم اذلة " وكما قال قاضي الاندلس : اذاخشع جبار الارض يرحم جبار السماء " فبالاخلاص تستجلب رحمة الله وينزل النصر وتنتصر الدعوة ويكتب لنا القبول في الارض والفردوس في الآخرة فلا تغفل عن الاخلاص فكم غيرا الاخلاص قلوبٌ قاسية وكم من كلمة خرجت من لسان مخلص كانت سببا لهداية طاغية
ذكر الذهبي في كتابه العبر انه ( في سنة 548 هـ توفي ابن الطلاية ابو العباس احمد بن ابي غالب بن احمد البغدادي الزاهد العابد وقد زاره السلطان مسعود في مسجده بالحربية فتشاغل الشيخ عنه بالصلاة وما زاده على ان قال يا مسعود اعدل وادع لي 0 ثم كبر ودخل في الصلاة ، فبكى السلطان مسعود وابطل المكوس والضرائب تاب الى الله تعالى 0 قال بن الاثير عن السلطان مسعود بقى عشرة ايام لايتكلم الا بالشهادة وبالتلاوة ورزق حسن الخاتمة 0
1-كتاب العبر في تاريخ من غبر للذهبي 2-الكامل لابن الاثير
قال احد السلف :
مواعظ الواعظ لا تقبل حتى يعيها قلبه اولا
يا قوم من اظلم من واعظ خالف ما قد كان في الملا
اظهر بين الناس احسانه وخالف الرحمن لما خلا
اخي في الله ان الدعوة لن تنتصر بمن احسن ظاهره وباطنه خراب او بمن كان وليا لله في الظاهر عدوا لله في الباطن ولكن تنتصر بمن التزم ظاهرا وباطنا فـ " لن ينال الله لحومها ولادمائها ولكن يناله التقوى منكم "
اعلم اخي في الله أن العمل الصالح ان كان خالصا لله نفع الله به الخلق كما قال الامام مالك " ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل "
قال الامام الشاطبي رحمه الله تعالى – ناظم الشاطبية –(لايقرأ احد قصيدتي هذه الا وينفعه الله بها لاني نظمتها لله) والاخلاص احبتي في الله اشد شيئ على النفس لانه ليس لها فيه نصيب 0 قال الزاهد ابو محمد النيسابوري وقد قيل له – فلان يمشي على الماء – قال : عندي من مكنه الله من مخالفة هواه اعظم من المشي على الماء 0
ا0هـ سير اعلام النبلاء
فراقب نفسك دائما فالنفس تميل الى حب الظهور والرياء وحب المدح واياك ان تطمئن الى نفسك فهي امارة بالسوء وقد تظن انك تركت الرياء لله وانت ما تركته الا ليقال عنك انك مخلص ، لهذا يقول ابو علي محمد بن عبد الوهاب النيسابوري " ترك الرياء للرياء اقبح من الرياء "
فالحذر الحذر اخي من الرياء فانه اخفى من دبيب النمل لذلك كان السلف يرقبون نياتهم حتى وهم يجودون بانفسهم وقد ذكر الذهبي في سير اعلام النبلاء ان ابو الوليد عبد الله بن محمد قاضي بلنسبة كان قد سأل الله الشهادة عند استار الكعبة ، فقتل شهيدا على يد البربر فسُمع وهو جريح طريح يقرأ على نفسه الحديث الصحيح " ما يكلم أحد فى سبيل الله والله اعلم بمن يكلم فى سبيله الا جاء يوم القيامه وكلمه يدنى اللون لون الدم والريح ريح مسك ". فهو رحمه الله يذكر نفسه بالاخلاص وهو يموت ......والاخلاص امر قلبي لايعلمه الا الله لكن له علامات منها اتهام النفس أولاً و إشغال النفس بعيوبها عن عيوب المسلمين والسلف رحمهم الله كانوا يجاهدون انفسهم فى سبيل تحقيق الاخلاص وقد ضربوا اروع الامثلة فى ذلك فمنهم نور الدين محمود فقد قال رحمه الله " قد تعرضت للشهادة غير مرة فلم يتفق لى ذلك ولو كان فىّ خير ولى عند الله قيمة لرزقنى الشهادة " وقال له قطب الدين " بالله عليك يا مولانا السلطان لا تخاطر بنفسك فانك لو قتلت قتل جميع من معك وأخذت بلاد المسلمين " فقال له نور الدين اسكت يا قطب الدين فان قولك إساءة أدب على الله من محمود من كان يحفظ البلاد قبلى غير الذى لا اله الا هو ..؟ فبكى الجميع .. وكان يقول فى احدى المعارك وهو يبكى اللهم انصرالاسلام ولا تنصر محمود من محمود الكلب حتى ينصر)
وذكر الذهبى ايضاً فى سير اعلام النبلاء ان السلطان ملك شاه بن ألب ارسلان خرج مودعاً الحجاج فرقّ ونزل وسجد وعفّر وجهه وبكى وقال بالعجميه بلغوا سلامى الى رسول الله صلى عليه وسلم وقولوا له : العبد العاصى الابعد أبو الفتح يخدم ويقول : يا نبى الله لو كنت ممن يصلح لتلك الحضرة المقدسة لكنت فى الصحبة فضج الناس وبكوا ودعوا له .
ومن العلامات الدالة علي الاخلاص ان المخلِص يتهم نفسه دائماً بالتفريط في جنب الله و في أداء الواجبات ذكر الذهبى فى سير اغلام النبلاء انه احضر طبق تمر للشيخ الرفاعى احمد بن ابى الحسن فبقى ينقى لنفسه الحشف فياكله ويقول : انا احق بالدون فانا مثله دون .
ومن علامات الاخلاص كتمان الاعمال الصالحة والسلف رضى الله عنهم كانوا يكتمون الاعمال الصالحة خوفاً عليها من الرياء فقد ذكر الذهبى فى سير اعلام النبلاء ان ابا عثمان الحيرى الزاهد طلب فى مجلسه مالا لبعض الثغور فتأخر فتألم وبكى على رؤوس الناس فجاءه ابن لجيد بألفى درهم فدعى له ثم انه نوه به وقال قد رجوت لأبى عمر بما فعل فانه قد ناب عن الجماعه وحمل كذا وكذا فقام ابن لجيد وقال لكنى انما حملت من مال امى وهى كارهه فينبغى ان ترده لترضى فأمر ابو عثمان بالكيس فرد اليه فلما جن الليل جاء بالكيس والتمس من الشيخ ستر ذلك فبكى وكان بعد ذلك يقول انا اخشى من همة ابى عمر .
وذكر الذهبى فى سير اعلام النبلاء قال ابن محمد بن القاسم صحبت محمد بن اسلم اكثر من عشرين سنه لم اره يصلى حيث اراه ركعتين من التطوع الا يوم الجمعه وسمعته يقول كذا وكذا مرة يحلف : لو قدرت ان اتطوع حيث لا يرانى ملكاى لفعلت خوفاً من الرياء وكان يدخل بيتاً له ويغلق بابه ولم ادر ما سيصنع حتى سمعت ابناً له صغيراً يحكى بكاءه فنهته امه, فقلت لها ما هذا ؟ قالت ان ابا الحسن يدخل هذا البيت فيقرأ ويبكى فسمعه الصبى فيحكيه وكان الشيخ اذا اراد الخروج غسل وجهه واكتحل فلا يرى عليه اثر البكاء.
ومن علامات الاخلاص اخى فى الله ان تقدم دائماً امر الاخرة على امر الدنيا والسلف رضوان الله عليهم كانوا يقدمون امر الاخرة على امر الدنيا ولذلك ملكوا الدنيا وفازوا بالاخرة قال الذهبى فى سير اغلام النبلاء قال الطرطوشى ابو بكر محمد بن الوليد رحمه الله (اذا عرض لك امر دنيا وامر اخرة فبادر بامر الاخرة يحصل لك امر الدنيا والاخرة)
اخى فى الله لا تلهيك عيوب الاخرين عن عيوبك ولا تغتر بنفسك ولا تستكثر عملك ولا خير فى علم بلا عمل ولا خير فى عمل بلا اخلاص
يتوب على يدى قوم عصاه اخافتهم من البــارى ذنـوب
وقلبى مظلم من طول ما قد جنى فانا علـى يد من اتـوب
المصدر كتاب صفحات من العزة واخري من الذل
ترقبو الفصل الثاني في اسباب النصر