شقيقتان مصريتان في مقتبل العمر.. تحمل كلتاهما من الصفات ما يجعلها قبلة الكثير من الخطاب، ارتبطت الأولى بزميل لها في الدراسة الجامعية.. متدين ومتفوق ومن عائلة طيبة، والأخرى تقدم لها زميلها في العمل فرأت فيه فارس أحلام طالما حلمت بالاقتران به قبل أن تراه، خاصة وقد أصبح جاهزا بعد سنوات من الكفاح لمواجهة كل متطلبات الزواج، ولكن كانت المفاجأة ورفضت الأسرة تزويجهما، ليس فقط من هذين الزميلين، ولكن من كل من تقدم لهما حتى بلغتا الأربعين، والسبب .. أنهما من الأشراف!
رجل آخر من إحدى مدن صعيد مصر.. لديه أربعة أخوات وثلاث بنات كبار بلغن سن الزواج، وبعضهن تجاوزنه بسنين، يقول إنه من المنتسبين إلى آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، وكلما جاءه خاطب يرده قائلا "نحن الأشراف لا نزوج نساءنا إلا شريفا من آل الرسول"، ولا يشفع عنده كبر بناته وشقيقاته وبقاؤهن دون زواج، ولا منزلة المتقدمين وأخلاقهم التي يغبطهم عليها الكثيرون.
فما حكم الشرع في هذه التقاليد التي توارثتها الأجيال؟ وهل صحيح أن "زواج الشريفات من غير الأشراف غير جائز شرعا"؟. وكيف تتصرف" الشريفة " في هذه الحالة لتنقذ نفسها من العنوسة خاصة إذا علمنا أن غالبية الأشراف في مصر من الصعيد الذي لا يرى أهله مانعا من قتل الفتاة إذا خرجت على الأعراف السائدة هناك!
جذور اجتماعية لا دينية
نظرا لأهمية القضية وتأصلها في نفوس بعض أسر الأشراف أجرت الناقدة والأديبة الدكتورة عبير سلامة المدرس بكلية التربية جامعة المنوفية دراسة بعنوان ( قراءة في وثيقة الكفاءة في زواج الأشراف ) أكدت فيها أن القضية جذورها اجتماعية وارتَدَتْ عباءة الدين ظلما، وأن هذا التقليد يخدم أغراضا عديدة، مثل الحفاظ على ثروات القبيلة عن طريق منع النساء من الزواج من قبائل أخرى؛ حتى لا يرحلن بإرثهن، وللحفاظ على هوية الجماعة بدعوى أن ابن الشريفة من غير الأشراف ليس بشريف، وإن كان له شرف نسبي من ناحية والدته بالرغم من أن الجماعة كلها تنتسب لشريفة هي السيدة فاطمة الزهراء، ولا محل للاعتراض بزواجها من علي بن أبي طالب؛ لأن مفهوم شرف الجماعة مستمد من الانتماء للرسول وحده لا إلى عصبته، وإلا لما اختلف السلف في تحديد الأشراف هل هم ذرية الرسول فقط، أم ذريته وذرية بني عمومته كآل جعفر وآل العباس؟
وتضيف أن عوامل تاريخية مختلفة ساهمت في ترسيخ هذا التقليد، أهمها تأثير الخلاف في تفسير مسألة الكفاءة في الفقه الإسلامي؛ مما أدى إلى اضطراب فهم العامة لها، وبالتالي قهر النساء وسلبهن حرية الاختيار على أساس أن في تفسيرات بعض الفقهاء سند شرعي يبرر هذا القهر، ويحبط أية محاولة لوضع المسألة على محك قيم المساواة والعدالة التي جاء بها الدين، ليخرج حكم شرعي قديم بأن المرأة الشريفة غير مؤتمنة لمجرد أنها تزوجت من غير شريف، وأن خاطب البنت غير كفؤ؛ لأنه لا ينتمي عرقيا لسلالة الرسول الذي اعتبر الكفاءة في الدين وحده.
مسئولية مضاعفة
ويرفض السيد محمود الشريف نقيب أشراف مصر التعصب الأعمى الذي يؤدي لاحتقار غير الأشراف فيقول: أبناء وبنات الأشراف هم جزء لا يتجزأ من الوطن وشريحة من شرائح المجتمع، والشريف الحق هو الذي يتخذ من جده صلي الله عليه وسلم القدوة والمثل الأعلى في السلوك والأخلاق وليس العبادات فقط؛ لأن هذا الانتساب يلقي عليه مسئولية مضاعفة من الالتزام بحسن الخلق.
ويضيف: نحن نعتز بالنسب الشريف الذي يفترض أن يجعلنا أكثر تواضعا وفهما للدين؛ لأنه ليس معيار التفاضل عند الله القائل "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، وليتذكر كل شريف قول جده صلي الله عليه سلم "أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون".
وعن مشكلة زواج الشريفات يقول: المشكلة كبيرة والرسائل التي تأتيني من فتيات فاتهن قطار الزواج مؤلمة، ولا يجوز تجاهل هذه الأصوات؛ لأن منع الشريفات من الزواج من غير الأشراف ليس من الدين؛ حيث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "إذا جاءكم مَن تَرضَوْنَ دينه وخُلقه فزوجوه إلا تفعلوا تَكُن فتنة في الأرض وفساد كبير".. ونحن نرفض تلك الدعوات التي لا تحقق الخير للأمة، ونرفض من يدعو إلى عصبية عمياء أو احتقار غير الشريف الذي قد يكون أفضل عند الله بعمله وتقواه لله من الشريف الذي فرط في أمر دينه، وظن أنه ناج بنسبه حتى لو ارتكب الكبائر.
ويدعو النقيب إلي القضاء على هذه التقاليد التي تظلم الشريفة وتمنعها من الزواج بغير الشريف، مبينا أنهم يعملون جاهدين لإقناع أسر الأشراف بذلك من خلال اللقاءات المتعددة معهم، وبيان حكم الإسلام الذي ربط الخيرية بالتقوى؛ حيث قال تعالى "إن أكرمكم عند الله أتقاكم".
وينهى نقيب أشراف مصر كلامه قائلا: على المسلم الدعوة إلى ما يحقق التواصل بين المسلمين لا التنافر عملا بالحديث الشريف: "من سَنّ في الإسلام سُنة حسنة فله أجرها وأجر مَن عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سَنّ في الإسلام سُنة سيئة فعليه وزرها ووزر مَن عمل بها إلى يوم القيامة".
وعن إمكانية تزويجه لبناته من غير الأشراف يقول: بناتي ما زلن صغيرات ولم يبلغن سن الزواج، وأعوذ بالله أن أدعو الناس إلى عدم التعصب وأكون أنا من المتعصبين، ولهذا لا مانع عندي إذا تقدم لواحدة من بناتي مستقبلا شاب مسلم متدين تقبله ابنتي ليكون لها زوجا ومن أسرة ملتزمة وأصله طيب، سواء كان شريفا أو لا.
زوجت ابنتي من غير الأشراف
ويصف الدكتور أحمد الطيب رئيس جامعة الأزهر -من كبار الأشراف- هذه التقاليد بالعصبية التي يمقتها الشرع، ويطالب النقابة القيام بهذه المهمة الاجتماعية الكبيرة، خاصة بين عائلات الصعيد؛ حيث ترفض تزويج بناتها لأحد من غير الأشراف، في حين تسمح بتزويج الشباب من عائلات أخرى، فيقع على البنت ظلمان؛ حيث تمنع من حقها في اختيار شريك حياتها من غير الأشراف حتى لو كان ملتزما بدينه، وفي نفس الوقت قد تصل لسن العنوسة، ويفوتها قطار الزواج في ظل تعنت الأهل.
ويفجر الدكتور الطيب مفاجأة بقوله: بالفعل زوجت ابنتي لشاب وجدت فيه الصفات الأخلاقية التي أمرنا الله ورسوله بها عند الاختيار، ولم يكن من الأشراف، فالمسلم لا يجوز له التعامل مع الآخرين بأي شكل من أشكال العنصرية أو التعصب الجاهلي حتى لو كان غير مسلم، فما بالنا بمن تربطه بنا رابطة وأخوة الإسلام من غير الأشراف.
المهم الرضا والقبول
ويرى الدكتور أحمد عمر هاشم، رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب المصري وعضو المجلس الأعلى لنقابة الأشراف، أنه لا بأس بتزويج البنت الشريفة من غير الأشراف إذا كانت راضية بذلك، مستشهدا بتزويج النبي صلي الله عليه وسلم بناته من بعض الصحابة الذين ليسوا من بني هاشم، وقيام علي بن أبي طالب رضي الله عنه بتزويج ابنته لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيرهن من بنات أهل البيت من ذرية الحسن والحسين وأحفادهما.
ويضيف: لم يزل عمل السلف على هذا من غير إنكار، إلا أنه في بعض البلدان قد يدفع التكبر البعض إلى حصر بناتهم في فئة معينة مما يترتب عليه فساد وضرر كبير.
ولا يرى مانعا شرعيا من زواج بنت الأشراف من غير الأشراف إذا لم يتقدم لها الشريف الذي ترتضيه زوجا لها، ويعتبر الأب أو ولي الأمر الذي يصر على تزويج ابنته من الأشراف، حتى لو أدى ذلك إلى منعها حقها في الزواج وتركها تعاني العنوسة -آثما شرعا؛ لأنه أعضلها وألحق بها الضرر، وينبه إلى أنه من حقها في هذا الحالة رفع أمرها إلى القضاء لرفع الظلم عنها.
أخوة الدين أقوى
وتستنكر د.عبلة الكحلاوي الداعية والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر -وهي من الأشراف- بقاء كثير من بنات الأشراف بدون زواج استنادا إلى عدم التكافؤ في النسب، وتعتبر ذلك مخالفة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، سواء كانت سنة قولية أو فعلية؛ لأن تزويج المسلمة في رأيها من أي مسلم حتى لو كان غير عربي ليس محرما لقوله تعالى "إنما المؤمنون إخوة"، وأخوة الدين تفوق أخوة النسب التي قد تؤدي إساءة فهمها إلى تضييع البنت والتسبب في عنوستها وتعاستها.
وترفض د. عبلة قصر التكافؤ على النسب فقط كما يشترط آباء الشريفات، وتشير إلى جوانب أخرى يجب التركيز عليها عند الزواج مثل الجوانب المعنوية والثقافية والاجتماعية وغيرها من العوامل المساعدة على تكوين حياة أسرية مستقرة، تتحقق فيها الغاية الرئيسية من الزواج، والتي أوضحها القرآن في قوله تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجهل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون".
تعصب مرفوض
وتدعو د. ملكة يوسف زرار أستاذة الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة من أضروا بناتهم الشريفات إلى تأمل سيرة وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث يجدون زوجاته من مختلف شرائح المجتمع، فيهن من قريباته، ومن العرب، ومن غير العرب، ولكن الجامع المشترك بينهن هو الدين والخلق والعفة والأمانة، كما أن عليا رضي الله عنه تزوج بعد السيدة فاطمة عربيات وموالٍٍ، فأم ولده محمد كانت من سبي اليمامة فصارت إلى سيدنا علي فأعتقها وتزوج بها.
وتؤكد أن القرآن ينهى بشكل واضح عن أي تدخل من الأهل في اختيار المرأة زوجها مستندة إلى قوله تعالى: "ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن"، موضحة العضل بأنه منع المرأة من الزواج قهرا، أو تعطيله بدعوى انتظار الكفء، سواء في النسب أو المال، وتشير إلى أنه لم يثبت في اعتبار الكفاءة بالنسب وحده حديث صحيح، وتتعجب من حديث ضعيف متداول رغم تناقضه مع صريح القرآن، ويردده من يظلم بناته بمنع تزويجها من غير الأشراف، ويقول: "العرب بعضهم أكفاء بعض والموالي بعضهم أكفاء بعض".
يذكر أن عدد الأشراف المسجلين في مصر بلغ 75 ألف شخص فقط، بينما يرى الدكتور مجاهد الجندي، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن العدد الحقيقي لهم قد يتجاوز خمسة ملايين، 70٪ منهم في الصعيد، ولا يسجل معظمهم نتيجة التكاسل أو فقدان الأوراق التي تثبت نسبه، ويوضح أن مسألة الاعتزاز بالنسب والكفاءة في الزواج نشطت ابتداء من القرن الثاني الهجري، نتيجة آثار انفتاح العرب على الثقافات الأخرى في ظل كثرة المسلمين الجدد مع الفتوحات الإسلامية، وخشيتهم من ذوبان هويتهم، وزاد هذا الوضع مع الخلاف السياسي حول مسألة الخلافة، وحرص آل البيت على تماسك جماعتهم في مواجهة خصومهم.
رجل آخر من إحدى مدن صعيد مصر.. لديه أربعة أخوات وثلاث بنات كبار بلغن سن الزواج، وبعضهن تجاوزنه بسنين، يقول إنه من المنتسبين إلى آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، وكلما جاءه خاطب يرده قائلا "نحن الأشراف لا نزوج نساءنا إلا شريفا من آل الرسول"، ولا يشفع عنده كبر بناته وشقيقاته وبقاؤهن دون زواج، ولا منزلة المتقدمين وأخلاقهم التي يغبطهم عليها الكثيرون.
فما حكم الشرع في هذه التقاليد التي توارثتها الأجيال؟ وهل صحيح أن "زواج الشريفات من غير الأشراف غير جائز شرعا"؟. وكيف تتصرف" الشريفة " في هذه الحالة لتنقذ نفسها من العنوسة خاصة إذا علمنا أن غالبية الأشراف في مصر من الصعيد الذي لا يرى أهله مانعا من قتل الفتاة إذا خرجت على الأعراف السائدة هناك!
جذور اجتماعية لا دينية
نظرا لأهمية القضية وتأصلها في نفوس بعض أسر الأشراف أجرت الناقدة والأديبة الدكتورة عبير سلامة المدرس بكلية التربية جامعة المنوفية دراسة بعنوان ( قراءة في وثيقة الكفاءة في زواج الأشراف ) أكدت فيها أن القضية جذورها اجتماعية وارتَدَتْ عباءة الدين ظلما، وأن هذا التقليد يخدم أغراضا عديدة، مثل الحفاظ على ثروات القبيلة عن طريق منع النساء من الزواج من قبائل أخرى؛ حتى لا يرحلن بإرثهن، وللحفاظ على هوية الجماعة بدعوى أن ابن الشريفة من غير الأشراف ليس بشريف، وإن كان له شرف نسبي من ناحية والدته بالرغم من أن الجماعة كلها تنتسب لشريفة هي السيدة فاطمة الزهراء، ولا محل للاعتراض بزواجها من علي بن أبي طالب؛ لأن مفهوم شرف الجماعة مستمد من الانتماء للرسول وحده لا إلى عصبته، وإلا لما اختلف السلف في تحديد الأشراف هل هم ذرية الرسول فقط، أم ذريته وذرية بني عمومته كآل جعفر وآل العباس؟
وتضيف أن عوامل تاريخية مختلفة ساهمت في ترسيخ هذا التقليد، أهمها تأثير الخلاف في تفسير مسألة الكفاءة في الفقه الإسلامي؛ مما أدى إلى اضطراب فهم العامة لها، وبالتالي قهر النساء وسلبهن حرية الاختيار على أساس أن في تفسيرات بعض الفقهاء سند شرعي يبرر هذا القهر، ويحبط أية محاولة لوضع المسألة على محك قيم المساواة والعدالة التي جاء بها الدين، ليخرج حكم شرعي قديم بأن المرأة الشريفة غير مؤتمنة لمجرد أنها تزوجت من غير شريف، وأن خاطب البنت غير كفؤ؛ لأنه لا ينتمي عرقيا لسلالة الرسول الذي اعتبر الكفاءة في الدين وحده.
مسئولية مضاعفة
ويرفض السيد محمود الشريف نقيب أشراف مصر التعصب الأعمى الذي يؤدي لاحتقار غير الأشراف فيقول: أبناء وبنات الأشراف هم جزء لا يتجزأ من الوطن وشريحة من شرائح المجتمع، والشريف الحق هو الذي يتخذ من جده صلي الله عليه وسلم القدوة والمثل الأعلى في السلوك والأخلاق وليس العبادات فقط؛ لأن هذا الانتساب يلقي عليه مسئولية مضاعفة من الالتزام بحسن الخلق.
ويضيف: نحن نعتز بالنسب الشريف الذي يفترض أن يجعلنا أكثر تواضعا وفهما للدين؛ لأنه ليس معيار التفاضل عند الله القائل "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، وليتذكر كل شريف قول جده صلي الله عليه سلم "أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون".
وعن مشكلة زواج الشريفات يقول: المشكلة كبيرة والرسائل التي تأتيني من فتيات فاتهن قطار الزواج مؤلمة، ولا يجوز تجاهل هذه الأصوات؛ لأن منع الشريفات من الزواج من غير الأشراف ليس من الدين؛ حيث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "إذا جاءكم مَن تَرضَوْنَ دينه وخُلقه فزوجوه إلا تفعلوا تَكُن فتنة في الأرض وفساد كبير".. ونحن نرفض تلك الدعوات التي لا تحقق الخير للأمة، ونرفض من يدعو إلى عصبية عمياء أو احتقار غير الشريف الذي قد يكون أفضل عند الله بعمله وتقواه لله من الشريف الذي فرط في أمر دينه، وظن أنه ناج بنسبه حتى لو ارتكب الكبائر.
ويدعو النقيب إلي القضاء على هذه التقاليد التي تظلم الشريفة وتمنعها من الزواج بغير الشريف، مبينا أنهم يعملون جاهدين لإقناع أسر الأشراف بذلك من خلال اللقاءات المتعددة معهم، وبيان حكم الإسلام الذي ربط الخيرية بالتقوى؛ حيث قال تعالى "إن أكرمكم عند الله أتقاكم".
وينهى نقيب أشراف مصر كلامه قائلا: على المسلم الدعوة إلى ما يحقق التواصل بين المسلمين لا التنافر عملا بالحديث الشريف: "من سَنّ في الإسلام سُنة حسنة فله أجرها وأجر مَن عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سَنّ في الإسلام سُنة سيئة فعليه وزرها ووزر مَن عمل بها إلى يوم القيامة".
وعن إمكانية تزويجه لبناته من غير الأشراف يقول: بناتي ما زلن صغيرات ولم يبلغن سن الزواج، وأعوذ بالله أن أدعو الناس إلى عدم التعصب وأكون أنا من المتعصبين، ولهذا لا مانع عندي إذا تقدم لواحدة من بناتي مستقبلا شاب مسلم متدين تقبله ابنتي ليكون لها زوجا ومن أسرة ملتزمة وأصله طيب، سواء كان شريفا أو لا.
زوجت ابنتي من غير الأشراف
ويصف الدكتور أحمد الطيب رئيس جامعة الأزهر -من كبار الأشراف- هذه التقاليد بالعصبية التي يمقتها الشرع، ويطالب النقابة القيام بهذه المهمة الاجتماعية الكبيرة، خاصة بين عائلات الصعيد؛ حيث ترفض تزويج بناتها لأحد من غير الأشراف، في حين تسمح بتزويج الشباب من عائلات أخرى، فيقع على البنت ظلمان؛ حيث تمنع من حقها في اختيار شريك حياتها من غير الأشراف حتى لو كان ملتزما بدينه، وفي نفس الوقت قد تصل لسن العنوسة، ويفوتها قطار الزواج في ظل تعنت الأهل.
ويفجر الدكتور الطيب مفاجأة بقوله: بالفعل زوجت ابنتي لشاب وجدت فيه الصفات الأخلاقية التي أمرنا الله ورسوله بها عند الاختيار، ولم يكن من الأشراف، فالمسلم لا يجوز له التعامل مع الآخرين بأي شكل من أشكال العنصرية أو التعصب الجاهلي حتى لو كان غير مسلم، فما بالنا بمن تربطه بنا رابطة وأخوة الإسلام من غير الأشراف.
المهم الرضا والقبول
ويرى الدكتور أحمد عمر هاشم، رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب المصري وعضو المجلس الأعلى لنقابة الأشراف، أنه لا بأس بتزويج البنت الشريفة من غير الأشراف إذا كانت راضية بذلك، مستشهدا بتزويج النبي صلي الله عليه وسلم بناته من بعض الصحابة الذين ليسوا من بني هاشم، وقيام علي بن أبي طالب رضي الله عنه بتزويج ابنته لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيرهن من بنات أهل البيت من ذرية الحسن والحسين وأحفادهما.
ويضيف: لم يزل عمل السلف على هذا من غير إنكار، إلا أنه في بعض البلدان قد يدفع التكبر البعض إلى حصر بناتهم في فئة معينة مما يترتب عليه فساد وضرر كبير.
ولا يرى مانعا شرعيا من زواج بنت الأشراف من غير الأشراف إذا لم يتقدم لها الشريف الذي ترتضيه زوجا لها، ويعتبر الأب أو ولي الأمر الذي يصر على تزويج ابنته من الأشراف، حتى لو أدى ذلك إلى منعها حقها في الزواج وتركها تعاني العنوسة -آثما شرعا؛ لأنه أعضلها وألحق بها الضرر، وينبه إلى أنه من حقها في هذا الحالة رفع أمرها إلى القضاء لرفع الظلم عنها.
أخوة الدين أقوى
وتستنكر د.عبلة الكحلاوي الداعية والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر -وهي من الأشراف- بقاء كثير من بنات الأشراف بدون زواج استنادا إلى عدم التكافؤ في النسب، وتعتبر ذلك مخالفة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، سواء كانت سنة قولية أو فعلية؛ لأن تزويج المسلمة في رأيها من أي مسلم حتى لو كان غير عربي ليس محرما لقوله تعالى "إنما المؤمنون إخوة"، وأخوة الدين تفوق أخوة النسب التي قد تؤدي إساءة فهمها إلى تضييع البنت والتسبب في عنوستها وتعاستها.
وترفض د. عبلة قصر التكافؤ على النسب فقط كما يشترط آباء الشريفات، وتشير إلى جوانب أخرى يجب التركيز عليها عند الزواج مثل الجوانب المعنوية والثقافية والاجتماعية وغيرها من العوامل المساعدة على تكوين حياة أسرية مستقرة، تتحقق فيها الغاية الرئيسية من الزواج، والتي أوضحها القرآن في قوله تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجهل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون".
تعصب مرفوض
وتدعو د. ملكة يوسف زرار أستاذة الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة من أضروا بناتهم الشريفات إلى تأمل سيرة وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث يجدون زوجاته من مختلف شرائح المجتمع، فيهن من قريباته، ومن العرب، ومن غير العرب، ولكن الجامع المشترك بينهن هو الدين والخلق والعفة والأمانة، كما أن عليا رضي الله عنه تزوج بعد السيدة فاطمة عربيات وموالٍٍ، فأم ولده محمد كانت من سبي اليمامة فصارت إلى سيدنا علي فأعتقها وتزوج بها.
وتؤكد أن القرآن ينهى بشكل واضح عن أي تدخل من الأهل في اختيار المرأة زوجها مستندة إلى قوله تعالى: "ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن"، موضحة العضل بأنه منع المرأة من الزواج قهرا، أو تعطيله بدعوى انتظار الكفء، سواء في النسب أو المال، وتشير إلى أنه لم يثبت في اعتبار الكفاءة بالنسب وحده حديث صحيح، وتتعجب من حديث ضعيف متداول رغم تناقضه مع صريح القرآن، ويردده من يظلم بناته بمنع تزويجها من غير الأشراف، ويقول: "العرب بعضهم أكفاء بعض والموالي بعضهم أكفاء بعض".
يذكر أن عدد الأشراف المسجلين في مصر بلغ 75 ألف شخص فقط، بينما يرى الدكتور مجاهد الجندي، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن العدد الحقيقي لهم قد يتجاوز خمسة ملايين، 70٪ منهم في الصعيد، ولا يسجل معظمهم نتيجة التكاسل أو فقدان الأوراق التي تثبت نسبه، ويوضح أن مسألة الاعتزاز بالنسب والكفاءة في الزواج نشطت ابتداء من القرن الثاني الهجري، نتيجة آثار انفتاح العرب على الثقافات الأخرى في ظل كثرة المسلمين الجدد مع الفتوحات الإسلامية، وخشيتهم من ذوبان هويتهم، وزاد هذا الوضع مع الخلاف السياسي حول مسألة الخلافة، وحرص آل البيت على تماسك جماعتهم في مواجهة خصومهم.
تعليق