Tweet
(((وَ تلاشَـتْ جِبـالُ تُهامــة )))...
يا لَعظمتهــا ما أعظمهـا مِن جبـال... مَن يراها منا فقلبُـه يتعلقُ بهذا الجَمـال...
سلاسـلٌ يتلوهـا السلاسـل... و لباسُهـا أشجارٌ و طبيعـةٌ خَـلابة...
انظروا كيف تقفُ شامخة و كأنها السـدُّ العالي :
سُبحان الخالـق... و تمعنـوا في إخوانه هؤلاء :
سُبحـان الذي أتقـنَ كل شيء خلقـه...
هذه الجبــال الشاهقة ذات السلاسل الطويلة المُمتـدة من جنوب الجزيرة العربية حتى شمالِ الشـام يا تُــرى كم وزنهـــا؟
مليون طُــن؟ مائة مليون طُـن؟ أم مليـار؟ أم تريليـون طـن؟ أم كـم؟
أوزانهـــا ليست بالمعقـولة لضخامتهـا...
تخيـل أن يكون هذا الـوزنُ هو وزنُ حسناتـك بعد انقضاء عمرك و بعد الصدقات الجارية التي كانت تجري لك في قبـرك...
ما هي الأعمـال التي فعلتها طوال تلك السنين حتى حصلتَ على هذه الحسنـات البيضـاءَ الصافيـة كصفـاء اللبـن و بياضـه؟
نعم... كنتَ دائمَ الصلاةِ و القيامِ و ترتقب مواسم الخيرات كرمضانَ و الحج و ليلةَ القدرِ و عرفة وغيرها الكثير كل سنـة... كانَ عـدَّادُ الحسنات لديك لا يتوقف... كأنه مطـرٌ يتساقطُ على أرضٍ طيبة فَجَرتْ منهُ الأنهـار... و تفجَّـرتْ الينابيعُ به من الأحجـار... و أنبتَـتْ الأرضُ منه الكـلأَ و الأشجـار...
بل و كانتْ لك الصدقاتُ الجاريـة تجري بالليـلِ و بالنهـار... فبعـدَ موتـكَ ظلتْ تتوالـى الحسناتُ كالغيـثِ المِـدرار...
و فجـاة... قامـتْ القيامة... و انقلـبَ الكـونُ رُعبـاً يُقطعُ قلوبَ العالميـن... و زيحـتْ عنكَ التُّربة فخرجتَ من رحمِ الأرض كيوم خروجك من رحـمِ أُمـك... و هالـكَ المنـظر و الناسُ بينَ بـاكٍ نائحٍ و سعيـدٍ فـرحٍ...
ثم جاءتك جبـالُ تهامـة بيضـاءُ ناصعـة... فرأيتهـا فكـدتَّ تطيـرُ فرحـا... و استبشرتَ بهـا خيـرا... و تقولُ اليـومُ يـومُ تهامـة... اليـومُ سأدخلُ الجنـة...
فجـأة... حصلتِ الكارثــة... و ما آلمهـا مِن فاجعـة يومئـذ... لأنه لا سبيـلَ للعـودة لاصـلاحَ الأعطـاب... تلك الجبـالُ البيضـاء تلاشـتْ و كأنهـا سـرابٌ تلاشـى بنورِ الشمس...
تلكَ الجبـالُ تلاشـتْ بعد ظهـور نورِ الحقيقـة التي كابـدتَّ عن الآخرين كتمهـا... فكانَ لكَ وجهـان... وجـهُ المؤمن التقي النقـي أمامَ وجوههـم... و وجـهُ الفاجـر العاصـي خلفَ ظهورهـم...
قالـوا فيكَ المديـحَ و المليـحَ و الثنـاء... فـلانٌ لمْ تَرَ عينايَ مثله... فلانٌ يعيشُ بعصرٍ دونَ عصـره... فـلانٌ " ماكينةَ " دعوة لا يفتُر ولا ينصب... فلانٌ و فلانٌ و فُلان...
كلما مدحـوكَ عظمُتْ نفسُك بنفسك... حتـى إنْ غابـوا اقتحمـتَ المَحـارمَ فانتهكتهـا... و إذْ بالمعاصـي هي سلوتُـكَ في خلوتـك... غابـوا و عيـنُ اللـهِ عنـكَ لم تغــبِ...
فكانَت الحسناتُ تجري و تبنـي بُنيانـاً يعلـو بُنيانَ " بُرج التجارة العالمـي" و إذ به يهـوي كما هـوى... فتخيـلْ لما جبالُـك تهـوي لهـذا الـردى :
بُنيـانٌ شُيِّـدَ على الميسـرِ و الربـا... و جبـالٌ شُيِّـدتْ على ذنـوب الخَلـوات... فانْهـارَ هذا و ذا...
حينهـا نستذكرُ قولَ مُحمـدٍ - صلى اللـهُ عليه وسلم - حينما قال :" لأعلمن أقواما يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا فيجعلها الله هباء منثورا . قال ثوبان : يا رسول الله ! صفهم لنا جلهم لنا ؛ أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم . قال : أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلو بمحارم الله انتهكوها "
ما زالـتْ الفُرصـة أمامنـا لهجـر ذنـوبِ الخلـوات... و إلا فإنهـا سبَـبُ مصـارعُ السـوء للمسلـم... فكَـمْ سمعنا أن فُلانـاً مات على معصيـةِ كـذا و كـذا... فضحـهُ اللـهُ بالدنيـا قبل الآخـرة بعـدَ أنْ جعـلَ اللـهَ أهـونَ الناظريـنَ إليـه... فخشـيَ غضـبَ الناس دونَ خشيةِ اللـه... و هُنـا زالـتْ العظمـةُ المُتفردةُ للـه مِن قلبـه... فاستصغـرَ اللـهَ و مُراقبَتَـه... فاستصغرَ اللـهُ أعمالَـه فجعلها هبـاءاً منثـورا... اللـهم سلِّم يا ذا الجلال و الإكرام...
تعليق