إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

" تعرف " تعرف " تعرف" أدخل وانت تعرف "

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • " تعرف " تعرف " تعرف" أدخل وانت تعرف "


    فى البداية اشكر اختنا الفاضله التى اشارت عليَّ بنقل هذه السلسله من الدروس لشيخنا الحبيب

    الشيخ : هانى حلمى

    وهى سلسلة دروس دورة " تعرف "



    الرسالة الافتتاحية
    بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ..

    الأحبة في الله ...
    أهلا ومرحبًا بكم معنا في هذه الدورة المباركة إن شاء الله تعالى ، والتي ستكون في رياض معرفة الله تعالى ، والله أسأل أن يجعلها بركة علينا وعلى أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، إنه بالإجابة جدير ، نعم المولى ونعم النصير .


    هذه الرسالة مقدمة للدورة ، لنتعرف أكثر على الفكرة المنشودة منها ، ولنبدأ سويًا وضع اللبنات لصرح الالتزام الصحيح ، فكما تعرفون أنَّ أهل العلم ذكروا أنَّ أصل الأصول هو معرفة الله تعالى ، والمراد منها ما ذكره العلامة ابن القيم في كتابه " الفوائد " حين قال : "معرفة الله سبحانه نوعان :
    (1) معرفة إقرار : وهي التي اشترك فيها الناس البر والفاجر والمطيع والعاصي .
    (2) والثاني معرفة توجب الحياء منه ، والمحبة له ، وتعلق القلب به ، والشوق إلى لقائه ، وخشيته والإنابة إليه ، والأنس به والفرار من الخلق إليه .



    وهذه هي المعرفة الخالصة الجارية على لسان القوم وتفاوتهم فيها لا يحصيه إلا الذي عرفهم بنفسه وكشف لقلوبهم من معرفته ما أخفاه عن سواهم "
    نعم نريد هذه المعرفة الخالصة ، هذه المعرفة التي هُجرت للأسف من دروس " العقيدة " وهي أساس علم " الاعتقاد " ولب " التوحيد "
    ومن هنا فإننا في " تعرف " نبدأ بداية مختلفة ؛ لأننا نريد أن نفعّل هذه العقيدة في حياتنا ، نريد أن نخرج من هذه الدورة أكثر إقبالا على الله تعالى ، وأكثر بيانًا لحقائق أنفسنا .
    إخوتاه ...




    إننا في " تعرف " نركز على جانب " علامات العارفين " لأنها مرآة لأنفسنا .
    في " تعرف " الاهتمام ليس بالدرس الأكاديمي المعتاد ، بل بالتفعيل والتطبيق لتتبصر الطريق بشكل عملي .
    في " تعرف " نهتم ببناء التصورات والمفاهيم الصحيحة حول كثير من المعاني المختلطة على الناس .
    في " تعرف " نجمع بين الشق العلمي والعملي ، وبين مخاطبة العقل وإرواءالوجدان




    فيا أحبتي في الله ...

    " تعرف " والذي نفسي بيده فرصة قد لا تتكرر ، وهي عطاء يؤتيه الله من يشاء ؛ ولذلك أنتم أمراء أنفسكم ، وقد استودعتكم هذه الأمانة ، لأنها " معرفة الله " المقصود الأسمى للإنسان في هذه الحياة .

    "تعرف " تحتاج منك جهدًا ، و تفرغًا ، وتفاعلاً ، وصدقًا لتنال ثمرتها .

    " تعرف " تريدك صاحب فهم عن الله ، وتصنع منك صاحب رسالة ، لو تبينت مغزاها ومقصدها .



    إخوتاه ...


    انتظروا رسائل " تعرف " التوجيهية لكم ، وبالله استوصوا بها خيرا ، ومن لا يجد في نفسه الشروط اللازمة لا يثقل علينا ، ومن وضع يده في أيدينا فليكن على قدر المسئولية .

    ونسأل الله تعالى العون والصدق والإخلاص في القول والعمل

    والله المستعان



    محبكم

    هاني حلمي

    11 ربيع الآخر 1431 هـ


    { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ }
    سورة الرعد الآية 17


  • #2
    رد: " تعرف " تعرف " تعرف" أدخل وانت تعرف "

    جزاك الله خيرا

    تعليق


    • #3
      رد: " تعرف " تعرف " تعرف" أدخل وانت تعرف "

      جزاك الله خيرا أخي الحبيب
      وبارك الله فيك وفي الشيخ ونفعنا الله وإياكم
      ضل الطريق من ترك الطريق . عودة من جديد

      يامن خذلتنا وخذلت إخوانك .. في وقت احتاجوا فيه نصرتك وعونك لهم .. ولكنك تركتهم ولم تلتفت لهم .!
      ابشر بالخذلان .

      حزب العار

      تعليق


      • #4
        رد: " تعرف " تعرف " تعرف" أدخل وانت تعرف "

        الرسالة الاولى عرفت ربي
        بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسم تسليما كثيرا ..


        أما بعد .... الأحبة في الله تعالى ..
        أسال الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعا بما علمنا وأن يزيدنا علما ينفعنا ، ربنا أتيناك لتفتح لنا أبواب معرفتك ، وتفيض علينا من خزائن جودك ، وتسبغ علينا من نعمائك وفضلك ، فمساكينك ببابك ، فقراؤك ببابك ، راجو فضلك ببابك ، محبوك ببابك ، فيا منان اشملنا برحمتك وحنانك ، وعرفنا بك ، وفهمنا عنك ، وبصرنا بطريقك ، واشغلنا بك ، ولا تجعل في قلوبنا حبا إلا لك ، ولا تعلقًا إلا بك .


        أحبتي في الله ..
        تُرى ماذا تعرف عن ربك ؟؟ هل هو الأحد عندك فلا ينازعه شيء ولا تُشرك به شيئا ؟
        هل قلبك ملك ربك ؟ هل ربك حبيب قلبك ؟

        نحن إلى حاجة إلى التعرف على ربنا تبارك وتعالى .

        وقد سئل رُويم عن أول فرض افترضه الله عزَّ وجلَّ على خلقه ما هو؟ فقال: المعرفة؛ لقوله جلَّ ذكره: " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " . قال ابن عباس: إلا ليعرفون.

        قال الله تعالى: " وما قدروا الله حق قدره " .جاء في التفسير: وما عرفوا الله حق معرفته .


        لكن كيف نتعرف على ربنا ؟
        بداية نحن لن نعرف ربنا إلا إذا شاء ربنا ، واذن لنا بأن نتعرف عليه ، ولذلك فلابد من أن تكون الرغبة صادقة وخالصة في التعرف عليه .

        قيل لذي النون المصري: بم عرفت ربك؟ قال: عرفت ربي بربي، ولولا ربي لما عرفت ربي.


        وإذا أردنا بعض الخطوات العملية في ذلك فعلينا بما يلي :
        أولاً : بالتفكر في نعمه علينا السابغة .
        اسمعوا لهذه الآية المقطعة لقلوب العارفين : " هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا " قيل في معناها أن لو كان الاستفهام على بابه : أنَّ الله كأنه يقول لك : ما مر بك وقت إلا وكنت عندي مذكورا ، فلماذا لا تذكرني وأنا لك ذاكر ، لماذا تنساني وأنا لم أنسك ؟؟ " وما كان ربك نسيًا "
        هل تحرك قلبك له ؟ هل خجلت ؟؟ هل ندمت ؟ هل فاضت عيناك له ؟ هل اسشعرت فضله ؟ هل قارنت بين إحسانه وإساءتك له ؟؟؟ يا أخي " تعرف " ويا أختاه " تعرفي " فهذا ربنا .


        ثانيًا : بالدعاء والثناء .

        فهو القائل :" وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ "
        تريد أن تعرفه وتتعرف عليه ، فعليك أن ترفع شكواك ورجاءك إليه
        قال يحيى بن معاذ: يخرج العارف من الدنيا ولا يقضي وطره من شيئين: بكاؤه على نفسه، وثناؤه على ربه، عز وجل.


        ثالثًا : بالوقوف عن أمره ونهيه والبعد عن حظوظ النفس .

        قال أبو يزيد: إنما نالوا المعرفة بتضييع ما لهم والوقوف مع ما له.

        فاترك شيئا له ، عليك أنتؤثره على شهواتك ، وانظر بماذا يفيض عليك ، فقرر معي الآن لكي " تتعرف " . اليوم ستترك ساعة كانت من نومك لتنصب وجهك أمام وجهه في صاة .
        اليوم ستزيد من الدعاء رجاء القرب منه .
        اليوم ستجاهد نفسك وتسهر ساعة لتتعلم كيف " تتعرف " وستقرأ وردك من القرآن تبحث عن صفة ربي وربك .


        في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ " قل هو الله أحد " فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : سلوه لاي شيء يصنع ذلك ؟؟فسألوه فقال : لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بهافقال النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه أن الله يحبه .
        هيا - أحبتي في الله - نتعرف ، ونزداد له قربًا ، ونتعايش في " رياض المعرفة "

        إلهي ...
        دعوتك بالدعاء الذي علمتنيه فلا تحرمني الرجاء الذي عرفتنيه
        إلهي ....
        ما أنت صانع العشية بعبد مقر لك بذنبه ، خاشع لك بذلته ، مستكين بجرمه ، متضرع إليك من عمله ، تائب إليك من اقترافه ، مستغفر لك من ظلمه ، مبتهل إليك في العفو عنه ، طالب إليك نجاح حوائجه ، راج إليك في موقفه مع كثرة ذنوبه .
        فيا ملجأ كل حي ، وولي كل مؤمن ، من أحسن فبرحمتك يفوز ، ومن أخطأ فبخطيئته يهلك .
        اللهم إنك جعلت لكل ضيف قرى ونحن أضيافك فاجعل قرانا منك الجنة .
        وصل الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .


        وهذا رابط الدرس صوتى ومفرغ وملخص له

        من هنا بسم الله


        محبكم
        هاني حلمي
        12 ربيع الآخر 1431هـ
        { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ }
        سورة الرعد الآية 17

        تعليق


        • #5
          رد: " تعرف " تعرف " تعرف" أدخل وانت تعرف "

          جزاك الله خيرا اخى الفاضل
          من وثق بالله أغناه ومن توكل على الله كفاه
          ومن خافه قلت مخافته ومن عرفه تمت معرفته
          دعوتك بأسمك الأعظم يا رحمان يا رحيم يا قادر يا مقتدر انك ترحمنى برحمتك الواسعة يا الله يا الله.الله.....................

          تعليق


          • #6
            رد: " تعرف " تعرف " تعرف" أدخل وانت تعرف "

            الرساله الثانيه
            إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره
            ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا
            من يهده الله تعالى فلا مضل لهومن يضلل فلا هادي له،
            وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله،
            اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلىآل إبراهيم إنك حميد مجيد،
            اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد،
            أما بعد،،
            فإني اسأل الله تبارك وتعالى أن يعلمنا ما جهلنا
            اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمًا ينفعنا،
            اللهم أجعل ما نقول وما نسمع حُجة لنا لا علينا ..
            سبحانك اللهم ربنا وبحمدك على حلمك بعد علمك .. سبحانك اللهم ربنا وبحمدك على عفوك بعد قدرتك،،
            على مدى هذه الأيام ماذا وجدت في قلبك ؟ .. وهل اتضحت أمامك الحقيقة ؟
            من أنت؟! .. وماذا في قلبك لربِّك؟ .. وماذا وجد الله عزَّ وجلَّ منك؟!
            هل تظن أن الله وجد منك حُسن الإقبال؟! .. وجد منك صدق النية؟! .. وجد منك حُسن العمل؟
            وجد منك مجاهدة واجتهاد؟! .. وجد منك صبر واصطبار ؟
            هل حققت حتى الآن هذا المعنى؟ .. معنى قوله جلَّ وعلا{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً}[مريم : 65[
            نحن دائماً نحتاج إلى إعادة برمجة لأهدافنا وإعادة برمجة لعقولنا وأذهاننا ..
            لتُبرمج برمجة إيمانية صحيحة ..
            وأنا لذلك أخترت لكم هذه الوصايا؛ لتكون هي الأهداف الحقيقة التي نخرج بنتائجها إن شاء الله ..
            توقفت عند بعض كلمات وحكم للصالحين تفتح لنا أبواباً من الطاعات والقُربات الجديدة ..
            # أول معنى: توقفت عند كلمات لأبي سليمان الدارانى، كان يقول:
            "إن الله يفتح للعارف وهو على فراشه، ما لا يفتح لغيره وهو قائم يصلى"
            من هذا؟ هذا هو من سيسبق ... من يعمل بقلبه بطريقة صحيحة .. من يضبط بوصلة قلبه بشكل صحيح ..
            بمعنى أن أحدهم - دعونا نتكلم بمنتهى الواقعية والصراحة- يقف يصلى وجُلّ الأمر أنه يؤدي الطاعة، وهذا جيد ..
            أن نمتثل للأمر، لكن ورود المعاني على القلب ليست بالشكل المطلوب ..
            الاحساس مفقود !!
            يوجد مشكلة هنا .. فهو هنا يقول: أن هناك شخص يعمل بقلبه جيداً، فهو مشغول بالله سبحانه وتعالى ..
            فلربما تراه نائمًا، لكن القلب موصول ..
            هذا لا يعنى أنه لا يعمل .. بل معناه أنه مشغول بالله سبحانه وتعالى ..
            لكن من الممكن تكون عبادات بدنه أقل من عبادات الكثير من الناس حوله .. من الممكن أن يكون قد قام الليل بوّرد قليل من القرآن، لكن هو قلبه قد عَمُرَ بمعاني أعلى بكثير من الذي قام بخمسة أو ستة أجزاء ..
            هذه الكلمات أدت إلى الوصية الأولى::
            تَـعـــــــرَّف
            إذا كان الله عزَّ وجلَّ يقول {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ..} [الأنعام: 91]
            جاء عند بعض أهل التفسير "وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ" .. أي: ما عرفوا الله حق معرفته ..
            لم يُقَدِروه؛ لأنهم لم يعرفوه .. لم يعظموه؛ لأنهم جهلوا كيف يتعاملون معه ..
            قالوا إذا كانت دعامة أي بيت .. الخراسانات الأساسية التي يتم البناء عليها .. هذه الأساسيات يجب أن تتواجد في أي بيت ..
            إذا كان دعامة البيت أساسه، فدعامة هذا الدين::
            المعرفة بالله تعالى ..واليقيـن .. والعقل القـامع ..

            انظروا إلى الأسس التي ستأسس عليها دينك .. إلتزامك .. إيمانك ..
            1) معرفة ينشأ عنها .. 2) يقينينشأ عنهما .. 3) العقل القامع ..
            العقل القامع .. بمعنى العقل الزاجر، الذى يكف عن المعاصي ويحث على الطاعة ..
            هل رأيتم كيف تتم المعادلة ؟
            من أين تبدأ؟ .. معرفة تولد يقين ... يقين ينتج عنه وجود هذه الصفة (عقل) يكفك عن تلك المعاصي ويحثك على الطاعة ..
            اسمعوا معي ودققوا حتى نُحَصِل هذه الثمرة .. سوف أذكر لكم بعض العلامات الشديدة الأهمية لتحصيل ثمرة المعرفة ..
            فقط دعونا نرى ماذا قال العلماء في تحصيل معنى المعرفة ..
            ما هي الأمور التي نحتاج إلى فعلها، حتى نصل إلى الوصية الأولى تَعَرَّف ..
            طرق تحصيل المعرفة ..

            قالوا: المعرفة .. أي: معرفة الله عزَّ وجلَّ ..
            المرتبة الأولى: يبدأها الإنسان بمعرفة أسماء الله وصفاته ..
            تابع معي خطوة بخطوة؛ حتى نتعلم التطبيق سوياً .. أنا أريدك أثناء وقوفك في الصلاة .. أثناء قرائتك لوردك للقرآن ..
            لاحظ بشدة تذييل الآيات ..ستتوقف عند بعض المعاني ..
            مثلاً:{وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا}]الأحزاب :51[
            أي إن الله تعالى يعلم ما في قلبك .. انظر كيف يختم الآية؟ .. لماذا خُتِمَت باسمه الحليــم ؟
            الحلم يقتضي الغضب ..
            أي آية ذُيِلَت باسمه الحليم، يجب أن تبحث عما يغضبه ؟؟ .. لابد أن يكون هذا الحلم ناتجًا عن شيء يغضبه، لكنه يحلُم عنه ..
            في هذا الموضع لماذا يغضب؟ .. يغضب عندما يطًّلِع على ما في قلبك ويجد غيره ..
            يقول { يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا }
            فيطًّلِع على ما في قلبك يجدك مشغول بأشياء سواه .. مشغول بالزوجة .. مشغول بالبيت .. مشغول بالعمل .. مشغول بالمنصب .. مشغول بالمال ..
            قواطــــــــع ...
            فيقتضي ذلك أن قلبك .. الذي هو أثمن شيء عندك .. الذي قد فرطت فيه ... المفترض أنه يكون مستودع الإيمان .. المفترض أن يكون محل نظر الربِّ ..
            فيبدأ الانسان منَّا يجوّد باطنه فيطلِّع على ما في قلبك، فيجد ما يغضبه .. فيحلُم عنك ..
            تظل تجمع تلك المعاني .. ومنها تتعرف من هو الله!!
            هذه طريقة .. تفاعُل .. أثناء وقوفك في الصلاة ..
            لا أريدك سرحان .... لا أريدك شارد .. ركز في خواتيم الآيات جيدًا وتَعَرَّف من هو الله ..
            انظروا الآية الثانية:
            {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}]البقرة:235 [
            هو يعلم ما في نفسك و يعلم ما هي شاكلة نفسك ..
            الغالب عليها أنها أمارة بالسوء أم الغالب عليها أنها لوامة أم أنها ساكنة مطمئنة ؟؟
            ويعلم ما يخطر ببالك وما تحدث به نفسك .. و يعلم الهواجس التي تأتي وتسكُن في نفسك وقلبك ..
            { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ }
            و يأتى التهديد والوعيد الشديد " فَاحْذَرُوهُ "
            { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }
            غفــــــــور .. لمن يستدرك أمره ..
            حليـــــــم .. على من شَرُد و بَعُد وأقتضى فعله العقوبة وأقتضى فعله الغضب، لكن حَلُم َعنه حتى يفيق ..
            كيف تتعرَّف؟؟ .. أنا أريد واجب عملى .. وقد أحضرت لكم نماذج ..
            من أول هذه النقطة، التي هي:: معرفة الحق سبحانه بأسمائه و صفاته..
            ماذا سنفعل؟ ..
            Û سنقوم بعمل بحث في القرآن على:: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ }
            فها هو الأمر .. الله جلَّ وعلا يقول: تعلَّم من هو الله؟ .. أو تعلَّم ما هي صفته ..
            فوجدت في القرآن 16 آية:: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ }
            ها هم الآن وراجعوا مواضعهم:
            {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}[البقرة:194[ .. {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}]البقرة:196[ .. { ..فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}]البقرة:209[
            اجمع معي المعاني:المعيَّة للمتقين .. شدة العقــاب .. العزة، الحكمة ..
            {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}]البقرة:231[ .. {.. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}]البقرة:233[
            و الآية التى سبق أن تدارسنا بها الموضعين .. {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}]البقرة:235 [
            {.. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}]البقرة:244[ .. {.. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} ]البقرة:267[
            {..فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[المائدة: 34]
            وفي موضع .. {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[المائدة:98]
            وآية .. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ }]الأنفال:24[
            وهذه تحتاج إلى وقفة وجلسة .. {.. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}
            من ضمن 16 موضع وردوا في القرآن، فيهم ثلاثة مواضع:: { .. اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }
            وأيضًا .. {وَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ ۚ نِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ}]الأنفال: 40[
            ثلاثة مواضع .. سبحان الله .. {.. اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }
            وثلاثة مواضع أخرى .. {.. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ }
            وآخر المواضع الواردة في القرآن .. {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ..}[الحديد:17]
            هل تفهمون؟ .. كأن بعد هذا كله .. سبحان الله .. في آخر المواضع التي ورد فيها هذا التعريف ..
            {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[الحديد:17]
            فكأن فيها دلالة واضحة جيدًا ..
            أنا أريد منك أن تُركز على هذه الصفات خاصة، لماذا هذه الصفات التي تعرَّف بها وقال لنا: تعلموها .. اعلموها .. افهموا ..
            تَعَرَّفوا على هذه الصفات واعرفوا الله بها ..
            اعلموها حق العلم؛ حتى تصدق لكم المعرفة ..
            أول خطوة: تعلَّم وأعرف من هو الله سبحانه وتعالى بالأسماء والصفات .. هل عرفت كيف تقوم بها؟، وقد أخذنا عليها واجبًا عمليًا ..
            ثانياً: يصدق الله في المعاملة ..
            كيف سيتعرَّف؟ .. بصدق المعاملة
            لا يزيغ قلبه .. لا يخادع ... لا يتلوَّن ..
            كن صـــادق في المعاملة؛ لكى تتعرف بشكل صحيح ..
            لأنك إذا أقبلت عليه بصدق .. هو شكور - سبحانه وتعالى - فسيشكر فعلك وسيشكر عملك، فستجد أثره فتتعلم من هو ..
            ستتعرَّف من هو الجواد والكريم والأكرم .. وتتعرَّف على الشكور والحميد
            وتتعرَّف على هذه المعانى وأنت تعمل .. العمل نفسه .. المعاملة نفسها .. تُعَلِمَك من هو الله ..
            هذه المرتبة الثانية:المعاملة،،
            المرتبة الثالثة: يتنقى عن أخلاقه الرديئة ..
            سيقف بينك وبين المعرفة دائمًا حاجز ومُشكِل داخل القلب ..
            قال: ثم يتنقى عن أخلاقه الرديئة ..
            لأن هي التي ستحول بينه وبين الفهم عن الله حق .. هو بداخله مشاكل وآفات، تظهر فى سلوكيات وأخلاق ..
            مشاكلي الداخلية، تظهر .. وبعد ذلك، عندما تقوم ببعض الأعمال ويُقال لك: انتبه، لابد أن تفهم عن الله ..
            إن الله سبحانه وتعالى يريد أن يُشعِرَك هنا بعزته، وأنت لا تفهم وبداخلك مشاكل وكِبر .. فلن تتعلم درس الذل .. لن تتعلم معنى أن الله عزَّ وجلَّ عزيز ..
            سأظل طوال الوقت أقول لك: الله تعالى يُرَبيك .. الله تعالى جعلك تقع في هذه الوقعة؛ لكي تتعلم معنى الذل والانكسار والافتقار ..
            سترفض وتقول: لا، إن الموضوع ليس كذلك .. لأن الظروف كذا .. ستأخذك العزة بالإثم، ولن تتعلم ..
            فخلقك الرديء لن يُعَلِمَك هذا المعنى .. لن تفهم؛ لأن بداخلك كبر وبداخلك صفة ذميمة تقطع بينك وبين الله.
            المرتبة الرابعة: "ثم طال بالباب وقوفه ودام بالقلب اعتكافه"
            تقف بالباب وأنت متجرد تماماً عن أى حظ من حظوظ النفس .
            واعكف بقلبك عليه .. لا زوجة، ولا عمل، ولا هاتف معك وأنت مُعتكف .. اغلق على نفسك واجلس هكذا مشغول بما داخل قلبك .. وانظر كيف سيُسلل الله سخائم صدرك .. وكيف سيغسلحوبة قلبك .. هذا هو شغلك الشاغل ..
            عكوف على الله عزَّ وجلَّ،،
            ودام بالقلب اعتكاف فحظي من الله بجميل الاقبال، وصدق الله في جميع الأحوال، فانقطعت عنه هواجس النفس، ولم يضع بقلبه ربه، إلا خاطر يدعوه إليه.
            انظر أين ستكون مكانتك؟ .. عندما تعلو، ستُحصِل تلك الثمرات ..
            أول أمر: إذا صدقت الله سبحانه وتعالى، سيصدقك ..
            أصدق الله، يصدقك ..
            فيصدقك في جميع الأحوال .. فتنقطع هواجس النفس ..
            تلك الحظوظ والأشياء التى تؤذك للميّل والزوغان تنقطع عنك ..
            و لا يوضع فى قلبك خطرات تدعوك إلى غير الله .. لذا جمع الشمل عليه ..
            فإذا صار من الخَلِق أجنبيًا و عن آفات نفسه بريًا، و من المساكنات و الملاحظات نقيًا، و دام في السر مع الله نجيًا، حق له حين إذٍ أن يُبَلَّغ المنازل العليا
            فإذا صار من الخَلِق أجنبيًا ..
            أنا أتعامل مع الناس بجسدى ولكن قلبي ليس معهم .. أنا الآن يجب علىّ أن أنزل إلى العمل وأقضي حوائجي وأقضي الطلبات التي أُلزمت بها .. واعمل كذا وكذا ..
            لكن قلبي ليس معهم .. قلبي ليس مستغرقًا معهم ..
            حينما يقول لي أحدهم: هل رأيت ما حدث .. قلبى ليس معه نهائيًا ..
            فصرت أنا عن الخلق أجنبيًا .. كأني لا أعرفهم .. كأني غريبًا عنهم ..
            1) فإذا صار من الخَلِق أجنبيًا .. 2) و عن آفات نفسه بريًا ..
            و تبرأ من تلك الآفات وخَلُصَ من تلك العيوب ..
            و من المساكنات و الملاحظات نقيًا ..
            هذة المساكنات تفتح معك معنى جميل .. أحيانًا قد تُعطي لنفسك مُسكنات ..
            فقد تعلم أن نفسك بها بعض الآفات .. فتأخذ مُسكن لمدة ثلاثين يومًا .. طوال فترة رمضان .. وبعد ذلك، سيزول مفعول المُسكن وستهجم مرة أخرى .. (على الآفات)
            أي إنك خلال ثلاثين يوم طوال رمضان، تضبط نفسك على العمل وجعل تلك الأيام لله سبحانه وتعالى ..
            وبعد رمضان تعود لآفاتك القديمة! .. فكإنه يأخذ مُسكن، وعندما ينتهي مفعوله يعود إليه الداء وألمه ..
            فلا يساكن .. ولا يساكن تلك الهموم ..
            فقد قال إنه من المساكنات نقيا ..
            لا تخدع نفسك .. فلا تنظر ولا تزوغ .. ولا تخادع ولا تتلوَّن ولا تساكن مثل تلك الأمور ..
            إنما واجــــــــه وطهَّـر ..
            ثم يقول: و دام في السر مع الله نجيًا ..
            أتتذكرون درس (وقربناه نجيِّا) .. ماذا كنا نقول فيه؟
            كنا نقول أن الطريق إلى الله سبحانه وتعالى يشبه طريق المائة متر .. آخر عشرة أمتار، لا تصلح للمشي ..
            أول تسعون خطوة، من الممكن أن تسير فيها بأعمال القلوب وغيرها ..
            عند وصلك للعشرة أمتار الأخيرة، يجب أن يُفتح لك في الثناء على الله عزَّ وجلَّ ..
            {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ ..}[مريم: 52]
            تعال .. أقبِل .. يُقبِل وفي اللحظة التي سيدنو فيها .. {.. وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} ..من حال كونه مناجيًا
            استنبطناها من حديث الشفاعة .. فيفتح لى محامد لا أعيها الآن.
            النبى صلى الله عليه وسلم يخبر يقول هكذا .. "..ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن .."[متفق عليه]
            ويسجد النبى صلى الله عليه وسلم تحت عرش الرحمن، إلى أن يُقال له: سَلْ تُعْطَ ..
            لكن بماذا؟ .. لابد من بعض المحامد .. هناك ثناء مُعين .. هذا هو باب المُناجاة ..
            باب المناجاة .. أن تظل سائرًا طوال التسعة أمتار الأولى، تُطهِّر وتقوم ببعض الأعمال ..
            وعندما تصل لآخر عشرة أمتار، تحتاج أن يُفتح لك في باب المناجاة في السر ..
            فتنجــو ..
            وهذا معنى .. " دام في السر مع الله نجيًا، حق له حين إذٍ أن يُبَلَّغ المنازل العليا"
            إذًا، هل تريد أن تعلم إن كنت عرفته أم لا؟؟
            انظر إلى العلامات .. علامة مَنْ عَرَف حتى تصير أمامك مرآة، كلما وجدت أثر لعلامة من تلك العلامات قد بلغ قلبك .. فتعلم أنك تسير في الطريق والحمد لله ..
            لإني أخشى من الذي يظل يجري في مكانه .. فهذا الذي يفعل بعض الطاعات .. من صيام وقيام، وبفضل الله عزَّ وجلَّ قد قرأ بضعة أجزاء من القرآن .. ثم بعد ذلك صلى العشاء وقيام وتهجد بثلاثة أو أربعة أجزاء .. فالأمور تبدو وكأنها على ما يرام .. وهو لا يكاد يلتقط أنفاسه .. لكنه لم يتحرك من مكانه!!
            فبعد كل هذا المجهود الذي بذله، لا يدري أنه لم يتحرك من مكانه خطوة !!
            كيف يخطو؟؟ .. هناك علامات في الطريق ..
            حينما يخطو، إذًا سيتعَرَّف ..
            يخطو، إذاً سيدنو .. سيتقرَّب ..
            هيا بنا لنرى العلامــــات ..
            علامات المعرفــــة بالله

            العلامة الأولى: تعظيم الله سبحانه وتعالى
            من أمارات المعرفة بالله: حصول الهيبة .. قال أبو علي الدقاق: "من إزدادت معرفته، إزدادت هيبته"
            فالعلامة الأولى هي: تعظيم الله سبحانه وتعالى .. تجد في قلبك الله أعلى وأجَّل ..
            تجد فى قلبك الله الكبيــر المتعال العليّ سبحانه وتعالى ..
            تُعَظِمَ الأمر .. تعظيـم في الصلاة .. تعظيــم الصيـــام .. تعظيــم للذكر ..
            تعظيــم لســائر الطـاعــات ..
            تعظيم بمعنى الكلمة .. أي عندما تتحدث عن النوافل كأنك تتحدث عن الفريضة ..
            فتصير السنن الرواتب كإنها فرائض .. مثلاً: إذا تركت سُنَّة العشاء، فكإنك قد تركت صلاة فريضة!
            تتعامل مع نفسك هكذا .. أي تشعر كإنك قد وقعت في كبيرة من الكبائر ..
            لأن الموضوع صار له عندك هيبة وتعظيم، فبالتالى الموضوع أصبح مردوده في نفسك ليس بالأسلوب الذى نتعامل به ..
            كإنه شيء عادي ... فالحمد لله أن ما ضاع منا كان سُنَّة ويكن فرض .. فلا يوجد مشكلة !
            ï تعظيم للأوامر وتعظيم للنواهي ..
            فأثناء جلوسه مع بعض الناس خاضوا في سيرة أحدهم، فخاض معهم شيئاً قليلاً ثم راجع نفسه ..
            ما هذا الذي أنا فاعله ؟!! .. هذه غيبة!!!
            هل أوقع نفسي في هذه الشراك فيحبط عملي بكبائر الذنوب !! .. فيأخد الموضوع على هذا المحمل ..
            فتجده مُعَظِم للأمور التى يستخف بها الناس اليوم .. {..وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}[النور: 15]
            قال الله تعالى {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}[الحج: 32]
            ما هي ثمرة الصيام؟ .. (التقوى) .. وما هي علامتها؟ .. التعظيم
            فقد قال أن تعظيم شعائر الله من التقوى .. إن ثمرة من الثمرات، أن القلب صار تقيًا ..
            الصيام { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }]البقرة :183[
            أريد أن أعرف هل صرت بصيامى تقيًا؟ .. انظر إلى ما تُعَظِمَهُ من الأوامر التي لم تُعَظِمَها من قبل ..
            فإن لم تكن مُعظمًا لشيئًا جديدًا .. إذاً هناك مشكلة ..
            أي إنك في غير رمضان قد يضيع منك القيام لبعض الظروف .. لكن في رمضان أنا مُعَظِم بشدة للقيام، لا ينفع أن تمر ليلة بدونه .. هذا هو ما أعظمه .. المعتاد إني أنا في رمضان فى نهار، أحاول أن أضبط الصيام قليلاً ..
            إذا لم يزد شيء، اذاً أنت تجري في مكانك ..
            العلامة الثانية: السكيــنة في القلب ..
            الثانية: قال أبو علي الدقاق أيضًا "المعرفة توجب السكينة في القلب، كما أن العلم يوجب السكون .. فمن إزدادت معرفته، إزدادت سكينته"
            فالعلامة الأولى: التعظيم .... الثانية: السكيــنة ..
            تجده قد وضحت عليه هذه العلامة وهذه الأمارة، لم تعد تطيق أن تخوض وترفع من صوتك وتعمل أشياء من هذا القبيل وتعاند حتى مع نفسك ..
            اسكن واهدأ وتدبر، ودعك من هذا الروغان والخداع للنفس .. أنا أريدك ألا تكون بهذة الروح التمرُديَّة ..
            أريدك أن تتعلم درس الانكسار والافتقار لله سبحانه وتعالى ..
            أتتذكر عندما كان يجادلك أحدهم في مسألة علمية مثلاً، من المسائل التي تعرفها .. فكنت نفسك تريد أن ترد وتُجادل ..
            الآن لا تريد عمل هذا، صار لديك شعور بالتواضع .. مختلف تماماً .. صرت فاهمًا ..
            انظر لهذا المعنى، وتأمل متى تهجم تفسك .. وانظر هل تعلمت السكون والهدوء والطمأنينة والذل والخضوع والتواضع...
            لو تعلمته، إذاً أنت تتقدَم .. لو مازالت إلى الآن بتلك النفس التمرُديَّة وبنفس الأسلوب .. إذًا، لدينا مشاكل!!
            العلامة الثالثة: محو العلائق ..
            قال الشبلي:
            "ليس لعارفٍ علاقة، ولا مُحبٍ شكوى، ولا لعبدٍ دعوى، ولا لخائفٍ قرار، ولا لأحدٍ من الله فرار"
            ليس لعارفٍ علاقة .. قلبه غير مُتعَلِق بأي شيء، أي شيء .. حتى ولو كان الكعبة .. قلبه غير متعلق بشيء، قلبه متعلق بالله فقط ..
            قلبي غير متعلق بالرصيد الذي بنيته، غير متعلق حتى برصيد الحسنات، ولا برصيد الدنيا طبعًا، غير متعلق بشيء .. ليس لعارف - لمن عَرِف الله- تَعلُقٌ بسواه .. ليس لعارفٍ علاقة.
            ولا مُحبٍ شكوى، هذه هي: إن تعذبني فإني لك محب، إن ترحمني فإني لك محب.
            لماذا لا يشكو؟؛ لأنه يرتدي نظارة الحب .. فهو يبتليه، فيقول: لعلي أدخل تحت قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا عسّله" [صحيح الجامع (307)] .. هذه واحدة .. "ومن يرد الله به خيرًا يصب منه" [رواه البخاري] .. فلا يشتكي، مما سيشكو إذاً؟، إذا كان يذوق الإبتلاء بمذاق آخر.
            ولا لعبدٍ دعوى، لو أنا أشعر بمقام العبودية، الذي يقتضي الحب التـام والذل التـام على جهة الإجلال والتعظيم لله سبحانه وتعالى، سأدَّعي أن لي حال؟، أو أن لي مقام؟، أو أن لي منزلة؟، أو أدّعي أن ربنا سبحانه وتعالى أختصني بشيء دون الناس؟، على ما سأدعي؟ فأنا مسكين .. فالعبد فقيــر، فلا يرى الأمور بهذه العين .. ليس لعبد دعوى، لا يدّعي .. ليست له دعوى، فهذا عبد مسكين فقيـر .. فهو يُقدِم العمل ويشعر (كما في قوله تعالى) .. {يَاأَيُّهَاالْعَزِيزُمَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِلَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} [يوسف:88] .. يراها هكذا، ولا لعبدٍ دعوة،
            ولا لخائفٍ قرار، وهذه تشعروا أنها عكس ما قبلها، السكينة والطمأنينة للمعرفة .. لكن هذا قرار غير القرار، الآخر كان هذا هدوء وسكينة وطمأنينة تحُل بقلب الذاكر الموصول بالله تبارك وتعالى .. هذا شيء يجده في قلبه، لكن هو من تلقاء نفسه غير مُستقر .. هؤلاء من قلوبم .. {.. وَجِلَةٌأَنَّهُمْ إلى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ}[المؤمنون: 60]
            لا، ما الذي يجعلني آمنًا؟! .. فالحمد لله البشارات جميعها واضحة .. الله أكبر، أنت رأيت الرؤية التي قال لك عليها، وقد رأيت تلك الأمارات، ورأيتك تبكي وعينك أغرورقت بالدموع وأنت جالس .. ما شاء الله لا قوة إلا بالله .. حتى ولو كنت كذلك!
            ولا لخائفٍ قرار، ولا لأحدٍ من الله فرار
            {فَفِرُّواإلى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ، وَلاتَجْعَلُوامَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [ الذاريات: 50،51]
            أخذنا:
            العلامة الأولى: هل عظمته وهبته؟
            العلامة الثانية: هل شعُرت بشعور الأمان والطمأنينة والسكينة؟
            العلامة الثالثة: هل تخلصت من العلائق التي تشغلك وتقطعك عن الله؟
            العلامة الرابعة: التبرأ والتفويض ..
            قال الواسطي: "من عَرِف الله تعالى انقطع، بل خَرِس، بل انقمع"
            .. ما معنى هذا؟
            قال لك: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم " لا أُحصي ثناءً عليك"، هذه هي (سبحانك ما عبدناك حق عبادتك).
            وأنا أعمل أريد أن يكون هذا العمل خالص لله سبحانه وتعالى، فبعد ذلك أرى عيوبي فيه .. أرى مدى تقصيري من جهة، ومن جهة ثانية أرى بعين المنة وأرى تعظيمي لربي سبحانه وتعالى في قلبي، فأجد أن ما أفعله هذا لا يوازي ولا يكافيء شيء.
            أتتذكرون؟ قول النبي صلى الله عليه وسلم: " سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلامته" [صحيح الجامع (5139)] .. يقول ابن القيم هذا الكلام في الوابل: أن هذا الكلام جمع كل الأشياء التي يمكن يتضاعف بها الأمر، كم من عدد خلقه؟، رضــا نفسه، على ما يرضيه هو، الذي لا أقدر أن أكيفه بكيفية، رضا نفسه .. زنة عرشه، أعظم وأثقل مخلوقات، عرش الرحمن، زنة العرش ومداد كلماته، {قُلْ لَوْ كَانَالْبَحْرُمِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَالْبَحْرُ}[ الكهف: 109]
            أحصى آخر آخر .. الذي ليس له حد .. فيقول سبحــــان الله، يا رب أُنزهك أقصى ما أتصور، وبرغم ذلك .. أقول لا أعرف!
            فيقول: جمع كل هذه الأشياء؛ لأنه لا يستطيع العبد بحال أن يوافي ربَّه حتى في مقام التنزيه.
            أن يقول: سبحانك يــا رب منزه عن كل العيوب وعن كل شيء وعن كذا كذا، فأنا أسبحك هذا التسبيح .. كم أسبحك؟ مئة مرة؟ لا ينفع، إذًا، أسبحك مليون .. لا يُجدي، يــا رب عدد خلقك، الذي لا أعرفه .. من الممكن أن يكون العدد قاصر، أي إن عدد التريليون التريليون التريليون لا يوافي حق الله تعالى .. أتكلم عن شيء أعلى، إذًا يا رب زنة عرشك، أثقل شيء في الدنيا، أيضًا له كم، أو له حجم معين، لا أقدر أن أصل له أو أقدر أكيفه .. أقصى شيء عندي، إذًا يا رب مداد الكلمات .. إذًا رضا نفسك .. على ما يرضيك أنت.
            أرأيتم المعنى؟ .. هذا هو، من عرف الله انقطع "اخرس" .. إيــاك أن تنظر إلى عملك، إيــاك أن تقول قد صُمتُ رمضان وقمته .. إيـــاك أن تكون تتحاسب مع الله بعدد الختمات وبعدد الركعات وبعدد الأذكار ومن تسبيحات ومن كذا ومن كذا .. إيـــاك أن تكون تتحاسب هكذا!!
            في النهاية تُقيِّم نفسك كمًا بشكل معين، وبعد هذا الكم تعطي لنفسك تقدير !!
            يعني لو صلينا اليوم بفضل الله عزَّ وجلَّ مثلاً ستة أجزاء، يصير اليوم مختلفًا .. فاليوم أعطي نفسي جيد جدًا .. فلو وصلت أني أقرأ عشرة أجزاء أو أختم كل ثلاث، لذا فقد أخذت الامتياز مع مرتبة الشرف الأولى .. كسرت كل الأشياء والكلام الذي تسمعه ويُطبق فقط في الأحلام، سنختم ختمة من العشاء للفجر وأنا قائم في ركعة في الوتر مثل سيدنا عثمان وأيضًا كذا، لا، لقد صرت أعلى من الامتياز ومرتبة الشرف ومثل هذه التقديرات .. لقد صرت مع النبيين والصديقين والشهداء !!
            هو يبرمج نفسه هكذا، فيبرمج نفسه أن هذا العمل يساوي كذا وهذا يساوي كذا، إيــاك أن تكون تفهمها هكذا!! .. لا أحصي ثناءً عليك.
            العلامة الخامسة: شدة الخوف ..
            الذي هو طوال سيره في الطريق، تجده لو عَرِف يتقطع من داخله، خائـــــــــف لأنه - قلنا قد بدأناها بمقام التعظيم وبمقام الإكبار لله سبحانه وتعالى، هذا يستوجب المقام الثاني وهو مقام الخشية والخوف .. العلم يقتضي الخشية، أليس كذلك؟ .. {إِنَّمَايَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِالْعُلَمَاءُ} [ فاطر: 28] .. هكذا هو .. إنما العلم الخشية ..
            فإن كنت تريد أن تعرف علامة معرفتك لله، انظر إلى الذنب الذي كنت تقع فيه في الخلوات، أو تعمله وتخادع به، أو تعمله على غير مرآى من الناس ..
            أي: عندما لا يكون من حولك مُنتبهًا لك، تنظر إلى اليافطات المُعلقة في الطريق !! .. أثناء تحويلك للقنوات على التلفاز، ورأيت تصوير لإحدى الأغنيات تقوم بإلقاء نظرة خاطفة عليه ثمَّ تُحوِّل القناة!! .. أثناء تصفحك للإنترنت، مرت بك صفحة بها صور غير لائقة، فقمت بإلقاء نظرة سريعة عليها من باب العلم بالشيء!! .. تلك الأمور التي تفعلها خُلسة ..
            هذه الأعمال هي التي تُبين مدى معرفتك لاسم الله الرقيب في قلبك .. إذا عرفته، ستهابه .. ستعلم أنه يقول: {فَمَنْ يَعْمَلْمِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَذَرَّةٍ} .. ذرة .. {شَرًّا يَرَهُ}[ الزلزلة: 7،8]، ستعرف وسيصير عندك يقين ..
            قلنا أن الآفة الأكبر في قلوبنا جميعًا، هي ضعف اليقين .. لو صار عندي يقين ..
            والله، أنا أقول هكذا لنفسي .. يااااه لو صار عندي يقين بأنه { ..مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}[ النساء: 123] .. يقين .. مئة في المئة .. أعرف إنني سُأذبح في تلك الفعلة، فلن أُعَرِض نفسي للهلاك .. لكن نقطة مخادعة النفس، أني أظن أني ساستدرك أمري والحسنات يذهبن السيئات وإن شاء الله سيسترنا الله وربك عفو .. جزء الخداع هذا ..
            إنما لو أنني أعرف أني سُأعاقب بلا شك، سأقول أني لن أحتمل هذا!
            العلامة الخامسة قلنا: شدة الخوف والخشية.
            العلامة السادسة: من عرف الله ضاقت عليه الدنيا بسعتها ..
            أتتذكرون هذا المنظر؟! .. أنا أحب أن نعيشه في خيالنا دائمًا، أريد أن أشعر كأني أقف في موقف الحشر .. تخيلوه .. نحن نقف في مكان مزدحم جدًا .. نحن الآن في بيت الله الحرام، وناس من الآفاق في موسم الحج، الآن حولك 5 مليون أو 7 مليون، أنت في كل مرآى بصرك ناس، وفي لحظة أنت واقف وتغمض عينك وكأنك تزيح بيدك الناس من حولك، ويتلاشى هذا الكون كله ولا يتبقى غيرك والله سبحانه وتعالى .. هذا الإحساس، هو الذى تعيشه نفسك .. أنت وهو فقط! ..
            لكن هو الآن، ابنه يجذب في رجله وزوجته تجذب في يده، ومن معه في العمل ينادي عليه .. فقال لهم: صَهْ .. فصار هو مع الله فقط!،
            فضــــاقت عليه الدنيا، أنا لا أريد أي شيء من الدنيا.
            المعنى الذي أشار إليه بعض العلماء في قصة يوسف: ضاقت عليه هو الأرض .. أكثر من موقف .. وهو في الجُب وهو صغير، في هذا الوقت لا يدعو الله عزَّ وجلَّ أن يموت وأن يقبض الله عزَّ وجلَّ روحه .. وبعد ذلك يدخل القصر ويشب وتراوده امرأة العزيز، ويُتهَم وتصير مشكلة، ويُبتلى بذلك، وفي تلك اللحظة يقول:
            {.. رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ ..} [يوسف: 33] .. ولا يقول: رَبِّ الموتُ أحبُّ إليَّ ..
            وبعد ذلك يدخل السجن ويلبث السنين الطوال في السجن، وبرغم هذا لا يقول: ربِّ تعبت، اقضبني إليك غير مفتون .. لا يقول ذلك هنــا ..
            إنما عندما يكون في مقام الوزير أو مقام العزيز في مصر وتدين له الأرض ويأتيه سيدنا يعقوب ويتم له أمره، فيقول:
            {رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}[يوسف: 101]
            انتبهوا لهذا المعنى: لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه،
            لا يتمنيّن ذلك، إنما هو تضيق عليه الدنيا لأنها سجنه؛ لأنها هي التي تجعله لا يتواصل بالله التواصل القريب .. لازال هناك حاجز، اسمه: دنيــا .. لابد أن أعبره، أعبر هذا الجسر وأصل للآخرة وأدخل جنة، لأصل ليوم المزيد وأراه، أفهمتم المعنى؟
            العلامة السابعة: عكسها، من عَرِف الله في النقطة السابقة قلنا: ضاقت عليه الدنيا،
            العلامة السابعة: من عَرِف الله صفا له العيش وطابت له الحياة ..
            الحيـاة غير الدنيا، الدنيا ضيقة عليه وتعب منها ..
            لكن هناك حياة في قلبه، هناك رغد عيش يشعر به في وجدانه، يوجد حلاوة إيمان، يوجد لذة منــاجاة، يوجد لذة قرب، فيصفو له العيش مع الله عزَّ وجلَّ ..
            ويُنكَدَّ عليه في أمر الدنيا، الدنيا في يديّ الحمد لله، معي أموالي، ومعي أولادي وعندي زوجتي وعندي كذا، أموري مُتيسرة .. الحمد لله هذا من خير الله عليّ .. لكن كل هذا لا يلزمني في شيء!، هذا كله ما هو إلا وسائل ..
            أنا ما يشغلني هو الغاية، والغاية هو سبحانه ..
            لكن الله سبحانه وتعالى من جزائه الكريم، أنه يصفي له حاله .. فهذا لن تجده مشتت الحال .. لا تجده فقير النفس، لأنه جعل الهموم همًا واحدًا همَّ المعاد؛ فكفاه الله ما أهمه، فصفت له حياته.
            فقال: "من عرف الله صفا له العيش، وطابت له الحياة، وهابه كل شيء، وذهب عنه خوف المخلوقين ،وأنس بالله".
            من يعرفه يأنس .. في أثر قرأته وأعجبني جدًا، سألوا أحد الصالحين من سادات السلف، فقالوا له: أيهم أعلى مقامًا الحب أم الشوق؟
            جاوب، أيهم أعلى مقامًا الحب أم الشوق؟
            قال النبي صلى الله عليه وسلم : ".. وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك .." [رواه النسائي وصححه الألباني].
            إذاً الشوق أعلى أم الحب؟ .. قال: الحب، قيل: لما؟، قال: لأنه ينشأ عنه الشوق.
            هذا أعلى، بمعنى ألا تتطلع إلى السماء من البداية .. ضع القاعدة أولاً ثم ابن البناء، فلا تقول لي: من الآن سأعمل على الشوق، لا اشتغل في المحبة، وأقل من المحبة - أتتذكرون هذا الكلام قلناه في أحبك ربي - قالوا له: بنا نحب الله عزَّ وجلَّ - نريد أن نتدارس -، قال: مالي والمحبة؟!، أنا أعمل في التوبة ..
            التوبة تُبَلِغ .. {.. اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ..} [البقرة: 222] .. فيحبهم .. فيصل لحب، حب يُوصل لشوق .. وأعلى منهما الرضــــا بالطبع، أعلاها الرضا بلا الشك.
            العلامة الثامنة: الحيـــــــــــــــــاء
            كان ابن عطاء يقول: "المعرفة على ثلاثة أركان .." .. المعرفة لها ثلاثة أُسس، إن لم يتواجدوا إذًا لا توجد معرفة.
            أركان المعرفة ثلاثة: الهيبة والحياء والأنس.
            قلنا الهيبة.
            الحيــــاء .. قالوا : أن المعرفة الحق هي التي تُوجِب الحياء والتعظيم، كما أن التوحيد يُوجِب الرضا والتسليم.
            المعرفة تُوجب الحياء، لو عرفته حق المعرفة ستستحي لا محالة، لذا كان النبي صلى الله عليه وسلمكان يقول: ".. استحي من الله استحياءك رجلا من أهلك .." [السلسلة الصحيحة (3559)] .. لو كنت تحبه وتعرفه، ستستحي أن يراك هكذا ..
            يا أخي استحِ، يا أخي اخجل، يا أخي أين حمرة الخجل أن يراك الله على ما لا يحب وهو الذي أنعَم عليك؟! .. وهو الذي أسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة؟! .. فتدخل من مقام الحياء وتذل وتنكسر وتتواضع ..
            وبعد ذلك يأتي الأنس .. من يعرفه لن يريد أن يترك هذه المقامات أبدًا، لو طهرت قلوبنا ما شبعت من كلام ربنا .. تريد المزيــــــد .. أتعرف تلك الرحمات؟، عندما تمسك بالمصحف وتنوي قراءة جزء، ثم تجد القلب يعمل ومتعطش، أريد المزيد، أريد المزيد، أريد المزيد .. هذا هو، حتى يصير هذا الشغل الشاغل بالنسبة لك، وتأنس ها هنا، وتستوحش بعد ذلك من أي كلام .. عندما يريد أن يكلمك أحد تجد نفسك بتتكلم بمضض، لا تريد أن تتكلم الآن ..
            أنس بالله تبارك وتعالى،،
            العلامة التاسعة: تتبدى عليه أنوار الصفات ..
            أتريد أن تعرف إن كنت قد بلغت خطوة أم لا؟، تَفكر في الصفات التي تحليت بها منه، منه سبحانه وتعالى .. عندما تقرب تصيبك أنوار القرب ..
            فهو حليم، هل تعلمت منه هذا الدرس؟ .. هو سبحانه وتعالى رحيم، هل بدأ يظهر في أخلاقك شيء من أثر المعرفة؟
            هذه هي القاعدة الاجتماعية:: المرء على دين خليله .. فلو أنك عند الله بهذه المنزلة، منزلة الخُلَّة .. {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا}[ النساء: 125] .. إذًا، كيف سيصير حالك؟ ..
            فتأخذ منه سبحانه وتعالى الصفات التي تُعليك وتُبلغك، {كُونُوارَبَّانِيِّينَ}[ آل عمران: 79] .. تصير رباني ..
            أتريد أن تضعها تحت مِجهر المراقبة ؟ ..
            قالوا: انظر في باب احتمال الناس، والحلم على أفعالهم؛ لتدرك هل تبدت عليك أنوار الصفات أم لا ..
            هذا هو القانون، هل من الآن فصاعدا سترد مساويء الناس بالإحسان؟ .. الشرع يقول لك: { ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ ..} [الحج: 60]
            وقفت معي اليوم في الورد، بماذا خُتِمَت الآية؟
            انظر المقام هنا: {وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُاللَّهُ }
            تتوقع أن تكون الخاتمة بالقوي العزيز!، ولكن خاتمتها، {.. إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ}[الحج: 60]
            انظر المقام، كيف تكون الخاتمة العفو الغفور هنا؟
            أريدك أن تصبح هكذا، الشرع يقول لك: {وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُاللَّهُ }رد الإساءة بالاساءة، أتريد أن تكون من المحسنين؟؟ .. اعفُ واغفر ..
            فهمت؟ يا رب نفهم.
            العلامة العاشرة: جَمِع الشمل والهمَّ ..
            من يعرفه لن يرى غيره، أتعرفون هذا المعنى الجميل؟ .. ماذا يقولون؟
            أتريد أن تصير ملتزمًا بحق؟، لا تفقد هذه العين، أن ترى الله عزَّ وجلَّ الفاعل لكل شيءٍ في حياتك ..
            ولكني أعرف هذا، لا لا تراها تراها ..
            بمعنى أن تفك شفرة الرسائل .. لماذا قال لي هذا الكلام؟، في رسالة .. لماذا فعلت معي هذا الموقف؟، في رسالة .. لماذا قابلت هذا الشخص؟، في رسالة.
            فالله الفاعل لكل شيء .. فهو لا يرى سوى الله تعالى، لا يرى في حياته إلاه .. فجامع الشمل عليه.
            اسمعوا هذه أيضًا: قيل لأبي يعقوب السوسي: هل يتأسف العارف على شيء غير الله عزَّ وجلَّ؟
            الرجل يسأل سؤال طيب جدًا، يقول عندما يندم العبد الذي عرف ربه حقًا، على ماذا يندم؟ يندم أنه فاته حظه من الله سبحانه وتعالى .. يندم على أنه لم يكن يعرف ربه قبل هذا،
            هل يتأسف العارف على شيء غير الله عزَّ وجلَّ؟
            فقال: وهل يرى غيره فيتأسف عليه؟!.
            هل يرى غيره أصلاً، من عرفه لا يرى غيره.
            قلتُ: فبأي عين ينظر إلى الأشياء؟
            أنا أرى أمر من المستحسنات من أمور الدنيا، السيارة التي أقودها، والزوجة التي تزوجتها، والبيت الذي أعيش فيه، والمال الذي أتكسبه، والحياة من حولي .. قال: فبأي عين ينظر إلى الأشياء؟ .. كيف يراها؟
            قال: ينظر إليها بعين الفناء والزوال .. أحبب من شئت فإنك مفارقه.
            أحب كيفما تريد، أحب ما تريد من الأشياء .. ستفارفه لا محالة، وسيفراقك لا محالة.
            قال يوسف بن علي: لا يكون العارف عارفًا حقًا، حتى لو أُعطي مثل ملك سليمان عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لم يشغله عن الله طرفة عين.
            هذا معنى أن لا تكون في قلبه، هو في يده ملك سليمان لكن ليست في قلبه،
            تفضلوا عبارة ذهبية أخرى، الشبل يقول:
            العارف لا يكون لغيره لاحظاً، ولا بكلام غيره لافظاً، ولا يرى لنفسه غير الله حافظاً.
            لايكون لغيره لاحظاً، مفهومة؟ لا يرى غيره.
            ولا بكلام غيره لافظاً، يصير قرآني .. يكون تابعًا للنص .. يكون سُنيَّا .. يكون سلفيًا.
            ولا بكلام غيره لافظاً، كل ما شغلك عن الكتاب والسنة فهو مشغلة.
            ولا يرى لنفسه غير الله تعالى حافظاً، بمعنى ما الذي يحفظ بدنك؟ .. أنك إنسان رياضي ومهتم بصحتك؟ .. ما الذي يحفظ مالك؟ .. أنك ذكيًا وتتاجر ببراعة وتضع مالك في التجارة الصائبة والصفقات الرابحة .. فهل مالك محفوظ سبب براعتك ومهارتك؟
            ما الذي يحفظ عليك بيتك؟ .. أنك لست من هواة المشاكل وتسير بجانب الحائط .. فأنت هكذا ليس مثيرًا للمشاكل؟
            ما الذي يحفظك؟
            لا يرى لنفسه غير الله تعالى حافظاً، هذا هو من عرف ربه.
            العلامة الحادية عشر: المبادرة للطاعات ..
            علامة العرفان .. خذوها كلمة بسيطة .. كلمة جميلة أيضًا، أبو يزيد كان يقول: العارف طيَّار والزاهد سيَّار.
            العارف - يا حبيبي - لا يقف بجانبك في الصلاة .. فقد طار، صار عاليـــًا .. وأنت ما زالت بالأسفل بدأت تقول: بسم الله الرحمن الرحيم وتخطو الخطوة .. هو كان عبر، وصل إلى البر الآخر .. من عرف الله سبحانه وتعالى انطلق إلى مكان .. أنت انطلقت إلى البر الذي تعرفه جيدًا .. أتتذكر وأنت تصلي، أين كان يشرد ذهنك؟!
            كل اللقطات التى خطرت بذهنك، هذه هي التي مازلت تسير فيها .. إنما الآخر قد طار ..
            طار بقلبه إلى الله عزَّ وجلَّ.
            فالعارف طيار، يبادر للطاعات ويسرع إلى هذه القربات.
            أما الزاهد .. الزاهد وعلى أنه مقام عال، إلا أنه ليس كمقام المعرفة بالطبع، مقام المعرفة أعلى، فهذا الزاهد يمشي ويسير ويعمل.
            العلامة الثانية عشر: لذة التعبد ..
            علامة المعرفة لذة التعبد، يقول: العارف تبكي عينه ويضحك قلبه،
            هذا مقام عال .. هما منزلتين، أو ثلاث.
            واحد أول حاله بكاء قلبه وهذا الأوفق، الأدنى منه : من بكت عينه فقط،
            الناس تبكي حوله، الجو العام هكذا .. كل الناس تبكي، والآيات تهز، والإمام لم يعد يسيطر على نفسه فوقف وأصابه نشيج، فالناس كلها الجو مأثر فيها، فكل واحد يبكي على ما جاء في خاطره.
            بجد حال، حال من الأحوال جيد، هذا بكت عينه.
            في واحد تاني واقف: أول هاتف دخل من القلب، فالآيات تدغدغ قلبه، فبكى قلبه، لكن لم توافيه عينه .. في واحد أعلى قليلاً، من الاثنين معًا، تعرفوا ذكر القلب وذكر اللسان مثلها بالظبط .. فبكت عينه وبكى قلبه ..
            يوجد أعلى منهم الذي يتكلم عليه هنا، تبكي عينه ولكن يذيقه الله عزَّ وجلَّ لذة في قلبه في حال بكاء عينه،
            حالين متناقضتين .. هو يبكي لكن من داخله سكينة وآمان واحساس وتقرب ومعاني لا توصف.
            فجنة في القلب مع أن الظاهر يبدو حزين.
            العلامة الثلاثة عشر: دوام الثناء ودوام المحاسبة ..
            تذاكرناها من قبل، يحيى بن معاذ قال: يخرج العارف من الدنيا ولا يقضي وطره من شيئين، بكائه على نفسه، وثنائه على ربِّه.
            فدائمًا لديه أمرين .. دوام الثناء على الله عزَّ وجلَّ، وتجده دائمًا لاهجًا بالحمد ... فليس مشغولاً إلا بمقام الحمد،
            فيثني على ربِّه ويبكى على نفسه.
            العلامة الرابعة عشر: التخلص من حظ النفس ..
            قال أبو يزيد: إنما نالوا المعرفة بتضييع ما لهم والوقوف مع ما له.
            له ولك .. هذه هي القضية كلها، أنا أريد أن أنام وهو يريد ماذا؟ هو يريد القيام، فضيَّعت ما لي ووقفت عند ما له، بعبارة أخرى،
            أن تكون على مراده منك، لا على مرادك منه.
            ماذا تريد منه؟ تريد رغد العيش، أنت ما ينقصك؟ ينقصك زوجة، ينقصك بيت، ينقصك عمل جيد، ينقصك استقرار، ينقصك آمان للمستقبل وتأمين أحوال الأولاد في مستقبلهم ..كما تريد، ماذا ينقصك؟ هذا ما تريده فمشغول به.
            وهو يريد منك:: {وَاللَّهُيُرِيدُأَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ ..}[ النساء: 27]
            رأيت المعنى؟، فأنت على مراد من؟ .. على مرادك؟ أم على مراده؟
            ما لك، أم ما له؟
            إذا ضيعت ما لك ووقفت عند ما له، تم لك الأمر.
            آخر هذه العلامات: الأنس والوحشة ..
            قال ذو نون: لكل شيء عقوبة، وعقوبة العارف انقطاعه عن الذكر، فالعارف يأنس بالذكر ويستوحش من الخلق ويفتقر إلى الله فيغنيه عن الخلق، ويذل لله فيعزه في الخلق.
            هذه هي المسألة .. يأنس فيستوحش، ويفتقر فيغنيه، ويذل فيعزه.
            تلك خمسة عشر علامة، وكل واحدة منهم فيها رسالة ..
            ادخل ولو من باب، بمعنى تعرف تدخل من باب التعظيم، من الهيبة، الحيـــاء، الأنس، الثنــاء .. أي باب، لابد أن تخطو الخطوة، واحذر أن تكون لازلت بتجري في المكان.
            إذا تَعَرَّف فقد فاز،،
            سبحانك اللهم ربنا وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك
            وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،،
            فضيلة الشيخ/هاني حلمي



            { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ }
            سورة الرعد الآية 17

            تعليق


            • #7
              رد: " تعرف " تعرف " تعرف" أدخل وانت تعرف "

              بارك الله فيكم يا اخى على هذ الموضوع الطيب

              تعليق


              • #8
                رد: " تعرف " تعرف " تعرف" أدخل وانت تعرف "

                المشاركة الأصلية بواسطة محمدسعيد ابراهيم مشاهدة المشاركة
                بارك الله فيكم يا اخى على هذ الموضوع الطيب
                جزاك الله خيراً اخى الحبيب على مرورك الكريم
                { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ }
                سورة الرعد الآية 17

                تعليق


                • #9
                  رد: " تعرف " تعرف " تعرف" أدخل وانت تعرف "

                  اخونى هذا هو الدرس الصوتى للرساله الثانيه

                  تفضلوا

                  بسم الله

                  ارجوا من الله تعالى ان ينتفع بها الجميع

                  { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ }
                  سورة الرعد الآية 17

                  تعليق


                  • #10
                    رد: " تعرف " تعرف " تعرف" أدخل وانت تعرف "

                    بارك الله فيك حبيب قلبى والله الموضوع مهم للغاية فالأنسان يجب أن يعلم صفات وأسماء ربه ومعانيها لكى يعبده حق عبادته ويحبه ويخشاه ويتقيه
                    جزاك الله كل خير على هذا الموضوع وإن شاء الله لو فيه درس ثالث أنا متابع معاك وإن شاء الله أتعلم وأنفذ بإذن الله

                    تعليق


                    • #11
                      رد: " تعرف " تعرف " تعرف" أدخل وانت تعرف "

                      ماشاء الله لا قوة الا بالله بارك الله فيك وجزاكم الله خيرا

                      ووفقنى الله واياكم جميعا الى ما يحب ويرضى

                      وبارك الله في شيخنا الكريم هانى حلمى

                      تعليق


                      • #12
                        رد: " تعرف " تعرف " تعرف" أدخل وانت تعرف "

                        بارك الله فيك اخى ونفع بك
                        اقسم لك بالله انى احبك فى الله وما ان ارى موضوعاتك الا وازداد حبا لك
                        والله ما ادرى ما السبب ؟؟
                        سبحان الله





                        أخشى على هواة الطعن والتجريح
                        سوء الخاتمة !!


                        تعليق


                        • #13
                          رد: " تعرف " تعرف " تعرف" أدخل وانت تعرف "

                          المشاركة الأصلية بواسطة a7obak raby مشاهدة المشاركة
                          ماشاء الله لا قوة الا بالله بارك الله فيك وجزاكم الله خيرا

                          ووفقنى الله واياكم جميعا الى ما يحب ويرضى

                          وبارك الله في شيخنا الكريم هانى حلمى
                          جزانا الله وإياك اخى الحبيب ونفع الله بك
                          وشرفت صفحتى بمروك
                          احبك فى الله

                          المشاركة الأصلية بواسطة محمود محمد505 مشاهدة المشاركة
                          بارك الله فيك اخى ونفع بك
                          اقسم لك بالله انى احبك فى الله وما ان ارى موضوعاتك الا وازداد حبا لك
                          والله ما ادرى ما السبب ؟؟
                          سبحان الله





                          احبك الذى احببتنى فيه اخى الحبيب

                          وانا كمان احبك فى الله ولا ادرى ايضاً ما السبب

                          لكن السبب معلوم وهو الأخوه

                          تسمح لى اضيفك

                          احبك فى الله
                          { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ }
                          سورة الرعد الآية 17

                          تعليق


                          • #14
                            رد: " تعرف " تعرف " تعرف" أدخل وانت تعرف "

                            الرساله الثالثه
                            أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

                            إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا

                            من يهده الله تعالى فلا مُضِلَّ له ، ومن يُضلل فلا هاديَ له

                            وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله

                            اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد

                            اللهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد

                            أما بعد ،،

                            فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله تعالى وإن خير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم

                            وإن شر الأمور مُحدثاتها وكل مُحدَثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالةٍ في النار

                            قال الإمام ابن القيم في كتاب (الفوائد) :"إذا استغنى الناس بالدنيا فاستغنَ أنت بالله، وإذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بالله، وإذا أنِسوا بأحبابهم فاجعل أُنسك بالله، وإذا تعرَّفوا إلى ملوكهم وكبرائهم وتقربوا إليهم لينالوا بهم العزة والرفعة، فتعرَّف أنت إلى الله وتودد إليه تنَلْ بذلك غاية العز والرفعة "

                            كلام يُكتب بمداد الذهب ..إذا استغنَ الناس بالدنيا وبأهلها، فاستغنَ أنت بالله .. ولا تفتقر إلى أهل الدنيا ولا إلى دنياهم .. وإذا وجدت الناس يفرحون بما يُحصِّلون من متاع الدنيا الزائل والزائف فليكُن فرحُك أنت بفضل الله عليك وبرحمته فافرح أنت بالله .. وإذا كان الناس في هذا الزمان يستوحشون ويأنسون بأحبابٍ وأصدقاءٍ وخِلان، فليكُن أُنسُكَ أنت في الخلوة والتبتُّل مع الله .. وإذا تعرفوا إلى الملوك والكبراء وطمعوا في أن ينالوا من هذا ومن ذاك فيتقربون إليهم لينالوا بذلك العز والرفعة ..فتعرَّف أنت إلى الله وتودد أنت إلى الله لتنال غاية العز والرفعة.

                            دعونا نشرع في هذه السلسلة المباركة بعد أن كنا في المحاضرة السابقة وضعنا شكلاً إجمالياً لهذه السلسلة (سلسلة تعرَّف)، والمقصود منها::

                            تحقيق أصل الأصول، ألا وهو معرفة الله تبارك وتعالى.

                            وذكرنا فيما سبق أن هذه المعرفة هي الأساس، وينبغي للعبد أن يُحصِّل الخمس معارف :

                            1) معرفة الله .. 2) معرفة النفس .. 3) معرفة آفات النفس .. 4) معرفة الطريق .. 5) معرفة العوائق التي على الطريق.

                            أصل الأصول معرفة الله عزَّ وجلَّ ..

                            فهي أعظم إضافة يُضيفها العبد إلى حياته، أن يرتقي فيصير اسمه عند الله عارفًا .. يعرف كيف يتعامل مع ربِّه ويُبصر طريق الوصول إليه، فيشعر بعد حصوله على هذه المنزلة وعلى هذه المكانة الشريفة بأثرها وثمراتها العظيمة.

                            من يعرف الله سبحانه وتعالى حقَّ المعرفة، ذلك الذي يُفارق الآفات والعيوب التي نشتكي منها إذا كنا ندّعي الالتزام كملتزمين.

                            كانوا يقولون : "إن مجالسة العارف .." .. فما بالك به، مجالسة العـــارف تدعوك من ست إلى ست، مجرد أن يكون عندك هذا في محيطِك أو أن تتقرب وتنال صحبة هذا الذي عرف الله عزَّ وجلَّ تُخرجك من ست وتوصلك إلى ست، هذا من يصحبه فما بالك به ؟

                            قالوا وهذا كلام ابن القيم في (المدارج) : "تخرجك من الشك إلى اليقين، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الغفلة إلى الذكر، ومن الرغبة في الدنيا إلى الرغبة في الآخرة، ومن الكِبر إلى التواضع، ومن سوء الطويَّة إلى النصيحة ".

                            من الشك إلى اليقين: وربما عندما نقول الشك واليقين، يظن البعض أنه بمعزل عن هذه الآفة .. آفة الشك والمقصود بها ما دون اليقين، ومنزلة اليقين من الخطورة، ولكي نفهم خطرها لنا أن نتصوَّر المعادلة الثلاثية التي قد قلناها الخاصة بقصة طالوت وجالوت .. قلنا هي ثلاث مراحل ..

                            لكي تتربى تربية إيمانية، لابد أن تمر على ثلاث مراحل:

                            المرحلة الأولى: هي مرحلة الإدعاء ..

                            المرحلة الثانية: هي مرحلة الدنيا .. مواجهة الدنيا وفتن الدنيا.

                            المرحلة الثالثة: مرحلة اليقين ..

                            ففي البداية نحن لم نخرج من الوهم ومن الادعاء أنني ملتزم، أنني بحق على مسئولية القول والعهد والوعد الذي يكون بيني وبين الله عزَّ وجلَّ ... وبعد ذلك عندما تواجهني الفتن فيكون هنا الامتحان (امتحان الإيمان الحقيقي) لاسيما في الدنيا .. فإذا مررت بهذا أيضاً - وقليلٌ ما هم - ( ولم تنتهِ القصة بعد ) يأتي بعد ذلك مرحلة {...قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ...} [البقرة: 249]

                            فإذاً لكي نصل إليها، وأنت مازال لديك مشاكل في قصة اليقين هذه وتحقيقه، فمن جملة الأمور التي توَّصِلَك إليه:

                            أن تعرِف وتعرِف مَنْ يَعرِف.

                            إذاً أول شيء: يُخرجه من الشك إلى اليقين ..

                            ثانيًا: يُخرجه من الريـــاء إلى الإخلاص .. قصة الرياء أين تكون إشكالياتها ؟ .. تعظيم قدر الناس .. فلو عرف الله، لم يعُد الناس عنده بهذه المنزلة التي تجعله يركن إليهم أو ينتظر ثناءهم أو ينتظر نظرتهم لأنه سيكون قد عَرِفَ الله عزَّ وجلَّ، فيخرج إلى واحة الإخلاص والتجرد مع الله تبارك وتعالى.

                            ثالثًا: ومن الغفلة إلى الذكر .. لأنه لو عرف سيزول الحجاب – حجاب الغفلة – ما الذي يصنع حجاب الغفلة؟ يكون أساسه من التعرُّض إلى فتن الدنيا .. الانغماس فيها، فيورث الغفلة ..

                            فإذا عرف الله عزَّ وجلَّ دام وصاله به ودام اتصاله وذكره له، فتنقشع عنه تلك السُّحُب؛ سُحُب الغفلة.

                            رابعًا: ومن الرغبة في الدنيا إلى الرغبة في الآخرة .. فالدنيا ستصير عنده بالمعرفة لا ميزان لها، لأنه سيزن بميزان الربِّ تبارك وتعالى .. فإذا كانت الدنيا لا تساوي شيئاً عند الله عزَّ وجل، ولا تعدل جناح بعوضة فسيكون أمرها كذلك.

                            فلن يكون همي أن تكون شقتي وأن تكون زوجتي وأن يكون أولادي وأن تكون وظيفتي وأن يكون مالي، لن يكون هذا ديدني ..

                            إنما أخرج من الرغبة في الدنيا إلى الرغبة في الآخرة، ماذا حصَّلت وماذا بنيْت لهذه الدار التي سأعمُرُها.

                            خامسًا: ومن الكبر إلى التواضع .. المتكبر إشكاليته أنه يدفع الحق لظنه في نفسه .. مشكلة المتكبر أنه يرى نفسه بعين التعظيم لا بعين الجناية ..

                            فإذا عرف الله عرف نفسه، فإذا عرف نفسه خرج إلى التواضع ..

                            بمعرفته أنه فقير .. سيعرف الله بصفة الغَني .. بصفة الغِنى .. فيعرف نفسه بأنه الفقر له ذاتي.

                            سادسًا: ومن سوء الطوية إلى النصيحة .. هنا الإشكال، هذا الذي خبُثت نفسه وصار مُعرِضاً، وصار لا يتقبل النُصح .. هذا ستجده إذا عرف الله عز وجل، سيغتنم النصيحة ويقبلها ويُحبها، لا أنه يتلقَّاها بصدرٍ ضيق.

                            إذا عرف الله عزَّ وجلَّ تحقق بذلك، وإذا عرف من عرف الله عزَّ وجلَّ تحققت فيه تلك الست.

                            يقول ابن الجوزي في (الصيد): "من ذاق طعم المعرفة، وجد طعم المحبة".

                            لكنه يقول أن لها طعم، من ذاق هذا الطعم يذُق الطعم الأعلى .. طعم المحبة.

                            فالرضا من جملة ثمرات المعرفة ..فإذا عرفته سبحانه رضيت بقضائه، أحبه إليه أحبه إليَّ.

                            "وقد يجري في ضمن القضاء مرارات، يجد بعض طعمها الراضي" ..

                            أي: أن هذا الراضي لن يأخذها ماء زُلال، لا سيكون بها تجرُّع للمرارة، لكن الصابر يتجرعها بشدة والراضي يتجرعها ويستسيغها.

                            أي: أن الثاني مُتمرِّر لكنه قد حبس لسانه عن التشكِّي وقلبه عن التسخّط .. فحبس نفسه عن مثل هذه المُخالفات، إنما الراضي يشعر بالمرار ثم بعد ذلك يستسيغها؛ لأن قلب الراضي هذا كأنه بالضبط قلبه مُحلَّى، تنزل عليه هذه المرارات فتتحوَّل بعد أن كان طعمها مُر أصبح مُستساغ وتمر عليه دون مشكلة، هكذا يكون تشعر أن كل كلام الراضين والكلام الذي يذكرونه من قصص السلف في ذلك تشعر أنه يأخذها من هذا المنطلق " أن قدر الله أحب إليَّ من بصري " (لماذا أنت غاضب ؟؟ ) ينزل على قلبه السكينة والرضا والطمأنينة.

                            فيقول: "أما العارف .." (انظروا ) يقول: الراضي ممكن أن يجد مرار، ابن الجوزي هنا يقول: أن هناك منزلة أعلى من الصبر والرضا،

                            "أمَّا العارف فتقل عنده المرارة لقوة حلاوة المعرفة، فإذا ترَّقى بالمعرفة إلى المحبة، صارت مرارة الأقدار حلاوة" ..

                            انظروا إلى الثلاث منازل.

                            يقول أن منزلة المعرفة ، وهذه المعارف أنواع : هناك معرفة تُثمر حب، وحب قد يُثمر معرفة أعلى.

                            فيقول: أن الأول صابر، سيصبر ولن يكون هناك مشكلة لكن كما قلنا مع الحبس .. سيشعر بالمرار لكنه يحبس نفسه، الثاني يستحلى قليلاً ، والثالث يحوِّلها أصلاً فيجد مرارة الأقدار حلاوة،

                            أرأيتم كم أن ثمار المعرفة عظيمة وجليلة ؟؟

                            يقول القُشيري في (التحبير في التذكير): "ومن أوصاف العارف ألا تأخذه في الله لوْمة لائم، فيكون بالحق ناطقاً وبحق الله قائماً وفي دين الله قوياً .." .. لماذا؟ لثمرة من ثمرات المعرفة .. "لأن المعرفة تقتضي استصغار الأقدار سوى قدرِه".

                            الأقدار المقصود منها هنا أوزان الشيء، قدر الشيء بمعنى ثِقَله.

                            فيقول أن أي شيء ليس له وزن عنده (استصغار الأقدار) سوى قدره سبحانه وتعالى.

                            فيقول : لأن المعرفة تقتضي .. لو عرف الله عزَّ وجلَّ، فبعد ذلك لا شيء .. إذا كانت أمور تخص الدنيا والدنيا لا تُساوي شيء لا قدر لها عنده، وما المشكلة إذا ابتلي البدن أو يُبتلى الإنسان في كذا وكذا أو في ماله أو في ولده، ما المشكلة ؟ المهم أن ما حصَّل من الإيمان، هذا هو الذي عنده بالمنزلة.

                            فالمعرفة تقتضي ذلك؛ أن يستصغر أي شيء دونه ..

                            "ومحو الأذكار سوى ذكره"

                            فكل ما يذكره وكل ما يهتم به، يمحوه إذا حلَّ ذكره سبحانه وتعالى في قلبه،

                            "فإن نطق نطق بالله وإن سكت سكت به، وأفضل الأشياء كلمة حق عند من يُخاف ويُرجى" ..

                            عموماً .. إذاً علامة من علامات من عرف الله عزَّ وجلَّ أن يُحصِّل تلك الثمرات.

                            تعالوا نُفصِّل ما كنا أجملناه في المحاضرة السابقة حينما تكلمنا عن من عرف الله عزَّ وجل وعلامات ذلك، وكنا ذكرنا في أول علامة :

                            قول الدَّقاق: "من أمارات المعرفة بالله حصول الهيبة من الله، فمن ازدادت معرفته ازدادت هيبته".

                            هنا نتحدث عن موضوع ما أهمه وأخطره، موضوع التعظيم لله تبارك وتعالى ..

                            التعظيم من علامات المعرفة ..والله سبحانه وتعالى سمى نفسه باسم العظيم، وهذا الاسم تكرر في القرآن في تسع آيات موجودة في أربع سوَّر ومُدارسة ذلك بين يديّ هذا الموضوع من الأهمية.

                            مواضع ورود اسم الله "العظيم" في القرآن الكريم

                            1) ختام آية الكرسي .. أول آية في القرآن ذُكِرَ فيها اسم الله العظيم هي .. أعظم آيات القرآن؛ آية الكرسي .. فالله سبحانه وتعالى ختمها بقوله : {...وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255]

                            2) مُفتتح سورة الشورى .. ثم الموضع الآخر ورد في سورة الشورى في مُفتتحها، في قوله سبحانه وتعالى : {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [الشورى: 4 ] .. وهنا سنتوقف وقفة عند التحليل لماذا يقترن اسمه العلي باسمه العظيم، لابن القيم فيها كلام.

                            3) سورة الواقعة .. ثم الموضع الثالث ورد في سورة الواقعة، ورد في موضعين الموضع الأول في قوله سبحانه وتعالى : {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ (*) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 73،74 ] .. وفي خاتمة السورة في قوله سبحانه : {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (*) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 95،96 ]

                            4) سورة الحاقة .. وورد أيضاً في سورة الحاقة في موضعين الأول في قوله تعالى : {إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ} [الحاقة: 33 ]وفي خاتمة السورة : {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الحاقة: 52 ]

                            لو تأملنا، وأنا أريد أن أبدأ من آية سورة الحاقة لأن فيها معنى مهم، لو تأملناها يقول الله تبارك وتعالى : {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ (*) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ (*) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (*) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ (*) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ (*) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (*) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (*) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة: 25,32 ] لماذا؟

                            {إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ} [الحاقة: 33 ]

                            وهذا الموضع وحيد في القرآن أنه ذكره هكذا، بالله العظيم، أتعرفون ما هو المعنى ؟

                            المعنى أنه كان لا يُعظِّم أمورنا، لا يُعظِّم أمرنا لا يُعظِّم نهينا، فلا يُعظِّمُنا .. فإنَّ من علامة تعظيم الله العظيم؛ أن يُعظَّم في أمره ويعظَّم في نهيه ويعظَّم حُرُماته.

                            هل ترون العقوبة ؟ .. لو أن ربَّك ليس في قلبك على هذا التقدير والتبجيل، العقوبة أن يكون من أصحاب الشمال .. ومن هنا يتبدى خطر الموضوع {إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ} [الحاقة: 33 ]، لو يؤمن بالله العظيم والله العظيم لا يُمكن بحال أن ينتهك الحُرُمات، لا يُمكن بحال أن يقع في هذه الشِّراك، فيفتنه المال ويفتنه الجاه والسلطان وينشغل عن الله تبارك وتعالى ولا يُعطي لله حقوقه {وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الحاقة: 34].

                            فالمعنى الأول: من لم يُعظِّم الله تبارك وتعالى متوَّعد بأشد العذاب .. متوَّعد بأن يكون والعياذ بالله من أصحاب الشمال.

                            ثم في نفس السورة ليبين نفس المعنى، ختمها بذلك فقال : {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (*) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (*) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (*) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ (*) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ (*) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} [الحاقة: 38,43 ]، ثم انظروا يقول : {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ} [الحاقة: 44] .. يتكلم في حق النبي صلى الله عليه وسلم لو أن النبي صلى الله عليه وسلم زاد حرفاً أو قال ما لم يأذن الله له به، ولو تقوَّل كلمة لم يُؤمر بها {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (*) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (*) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} [الحاقة: 44,46 ]، انظروا المقام كم فيه من قوة وفي نفس الوقت فيه وعيد ليُناسب هذا، مقام إجلال وهذه هي صفة المُعظِّم، المُعظِّم مُمتثل، لماذا قال :{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الحاقة: 52 ]في النهاية؟ .. من أجل هذا المعنى ..

                            المُعظِّم لأمر الله تجده يسير حذو القُذَّة بالقُذَّة، يسير بتركيز .. لا يلتفت .. لا يزيد .. لا يغلو .. لا يُفرِّط.

                            هكذا {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (*) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (*) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (*) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (*) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ (*) } [الحاقة: 44,48] .. لتكون تذكرة لكل من يسلك السبيل إلي الله تبارك وتعالي، التعامل لابد أن يكون بهذا الإمتثال .. بهذا الإزعان .. بهذا الخضوع.

                            {وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ (*) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (*) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (*) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الحاقة: 49,52]

                            هل استشعرتم المعنى الثاني الذي استفدناه من تحليل الآيات؟ .. ألا وهو :

                            المعنى الثاني: المعظِّم لأمر الله تبارك وتعالي منقاد، مستسلم، خاضِع، لا يتزيَّد ولا يتنقَّص.

                            لو تأملنا آية الكرسي .. ابن القيم يتحدث عن ختام هذة الآية باسمه العظيم ويورد ما في ذلك من نكتةٍ علمية .. هذا في (الصواعق المرسلة)، يقول : ففي آية الكرسي ذكر الحياة، التي هي أصل جميع الصفات { اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ } ..

                            أصل جميع الصفات: أن الله سبحانه وتعالي هو الحي، هو الذي يحيي وهو الذي له الحياة الكاملة الدائمة .. كان الله ومازال، وكذلك لن يزول، كان الله سبحانه وتعالى ولم يك شئ وسيظل سبحانه وتعالى له الحياة السرمدية ..

                            "وذكر معها القيومية المقتضية لذاته وبقائه .." .. فهو القائم بكل شئ، و الذي به قيام كل شيء، فكيف يفنى إذا كان هو الذي يقيم كل شئ سبحانه وتعالى؟ والذي به قيام كل الأشياء وهو القائم المدبر لجميع الأمور والأشياء، فيقول: "فتنتفي بذلك الآفات جميعها عنه" .. الحي والقيوم الاثنين سويًا، فيوجِب انتفاء جميع الآفات والعيوب عنه سبحانه وتعالي، لا يكون مُتَصِف بنوم ولا سِنة ولا عجز؛ ولذلك جاء التفصيل بعد ذلك في الآيات.

                            قال: " ثم ذكر كمال ملكه" .. سبحانه وتعالى .. فقال جلَّ وعلا {.. مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء }

                            قال: "ثم ذكر كمال ملكه ثم عقبه بذكر وحدانيته في ملكه وأنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، ثم ذكر سعة علمه وإحاطته، ثم عقبه بأنه لا سبيل للخلق إلى علم شيء من الأشياء إلا بعد مشيئته لهم أن يعلموه، ثم ذكر سعة كرسيه منبها به على سعته سبحانه .." .. الله تعالى الواسع .. "وعظمته وعلوه، وذلك توطئة بين يدي ذكر علوه وعظمته".

                            أي كأنه كل ما ذُكِر في هذه الآيات، ليؤكد ويدلل على اتصافه بهاتين الصفتين سبحانه وتعالى فهو العلي الأعلى وهو سبحانه وتعالي العظيـــم ..

                            "ثم أخبر عن كمال اقتداره وحفظه للعالم العلوي والسفلي من غير اكتراث ولا مشقة ولا تعب ثم ختم الآية بهذين الاسمين الجليلين الدالين على علو ذاته وعظمته في نفسه"

                            فقال {..وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة: 255].

                            قال:صفة العلي صفة كمال من صفات كماله سبحانه وتعالى، وكذا صفة العظيم، ويجتمع من اقترانهما كمالٌ ثالث، فالله حاذ العلو بكل أنواعه ..

                            علو في ذاته، علو في صفاته ..

                            وجمع العظمة بكل صورها، فهو عظيم في علوه، عال في عظمته.

                            قال : ولعل تقديم اسم العلي على العظيم، من تقديم السبب على المُسبب؛ فعَظَم لعلوه على كل شئ ..

                            لماذا هو عظيم ؟ لأنه عليَ .. هو يقول عظم لعلوه، من الأعلي ؟ .. عندما نقول الرأس، فهذا الرأس الذي هو الملك مثلاً الذي في يده سياسة أمور البلاد فهو الرأس .. هو على قمة الهرم .. فعندما يكون عالياً يكون عظيماً لا شك، فكأن هذا من فقه اقتران اسم الله تعالى العلي باسمه العظيم.

                            ابن القيم له كلام آخر في اقتران اسم الله العلي باسمه العظيم يقول : شرع الله سبحانه لعباده، ذكر هذين الاسمين العلي العظيم في الركوع والسجود .. فهو الأعلى والعظيم .

                            قال : {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 96]و{ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}] الأعلى: 1 [.

                            عن عقبة بن عامر قال: لما نزلت {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 96]

                            قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اجعلوها في ركوعكم"، فلما نزلت { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}] الأعلى: 1]

                            قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اجعلوها في سجودكم" [رواه أبو داود وحسنه الألباني، مشكاة المصابيح (879)]

                            وهذا الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داوود، ولكن في إسناده نظر .. فضعفه الشيخ الألباني في ضعيف أبي داوود.

                            لكن الثابت بطبيعة الحال أن في الركوع التسبيح مع التعظيم، وفي السجود التسبيح مع إثبات صفة العلو لله سبحانه وتعالى.

                            يقول: وهو سبحانه كثيراً ما يقرن بين الاسمين { ...وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} ]الشورى: 4[، {... هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [الحج: 62، سبأ: 23].

                            {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} ]الرعد: 9[.. وهذه تحتاج إلي بحث؛ لأن هنا قدَّم الكبر علي العلو في الرعد .. قال {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} ]الرعد: 9[

                            فيثبت بذلك علوه علي المخلوقات وعظمته، فالعلو رفعته والعظمة عظمة قدره ذاتاً ووصفاً.

                            ومن هذه الأسرار الجميلة والحكم الجليلة المتعلقة بهذا الاقتران، قوله سبحانه وتعالى .. إنه سبحانه قرن بين هذين الاسمين الدالين على علوه وعظمته في آخر آية الكرسي وفي سورة الشوري وفي سورة الرعد وفي سورة سبأ { ...قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}]سبأ: 23[.

                            عرفنا هذا في شأن آية الكرسي.

                            في الشورى ..افتتح هذه السورة بقوله جلَّ وعلا : { كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) }]الشورى: 3,5[ .

                            لاحظوا الآيات متوالية، وذُكِر فيها ست أسماء لله تبارك وتعالى ..

                            أثبت له العز والحكمة والعلو والعظمة والغفران والرحمة، هذة الصفات الست.

                            اسمه العزيز الحكيم ..أخذنا القاعدة التدبرية؛ كلما وجدنا اسماً من أسماء الجلال بحثنا عن معني يناسبنا نحن، حظنا نحن من اسم الجلال عكس هذة الصفة .. فنحتاج نحن أن يكون عندنا الذل والحكمة.

                            والله يقول : { كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ ... } .. وكأن الذي سيستفيد من هذا الوحي هو ذلك الذي سيكون أكثر انكساراً وافتقارًا وذلاً، وهو الذي سيتعلم العلم الذي سيورثه الحكمة، فحظنا من اسم الله الحكيم هذا اسم جمال أن نتصف بتلك الصفة.

                            المعادلة تقول : ذل وانكسار يورثك علماً، العلم يورثك حكمة.

                            ثم قال : {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4) } .. هذة صفة جلال أم صفة جمال ؟

                            لو هكذا ففي حق العبد له فيها أيضاً الأمران، يعني عليه أن يعلو على سفاسف الدنيا، وعليه أن يكون متواضعاً وليس متعالياً {.. َأذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ..} [المائدة : 54]، فعلوه هو سبحانه وتعالى يقتضي في حقك أنت أن تكون هكذا .

                            العلى العظيم صفة العظمة التى نتكلم عنها اليوم صفة جمال أم جلال ؟ صفة جمال في حقك أنت إذاً لا تعظم نفسك { ... فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } [النجم : 32]

                            انظروا إلى أول الآية: { ... هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } [النجم : 32]

                            انظر إلى سياق الآيات يعني من أنت ؟ فعلامَ ترى نفسك ؟ وهو عالم بعيبك ونقصانك و ما فيك من عورات .. فأنت أصل كل عيبٍ وعورة وخطيئة وذنب .. { ... هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ..} .. فعلام تُعجب بنفسك؟

                            فهو العظيم سبحانه وتعالى تحتاج منك أنت، فإذا عرفت الله عزَّ وجل بصفة العظمة ألا ترى لنفسك شيئا ولذلك قال : { لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}[الشورى : 4]

                            إذا كان الأرض بما فيها والسماوات بما فيها كل ذلك لله تبارك وتعالى، فإذا كان يعلم كل ذلك سبحانه وتعالى فهو المستحق لهذا الوصف صفة العلو وصفة العظمة.

                            ثم دلل على ذلك فقال : {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ ... }

                            تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ ..إجلالاً وتعظيماً وهيبةً لله تبارك وتعالى .

                            الموضع الآخر الذي هو في سورة الواقعة، سيفيدنا معنى آخر ألا وهو أن الله سبحانه وتعالى لما عدد نعمه على عباده فأخذ يقول سبحانه :

                            {أَفَرَأَيْتُم مَّا تُمْنُونَ} ]الواقعة: 58 [ .. { أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ} ]الواقعة: 63 [

                            { أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ} ]الواقعة: 68 [ .. { أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ} ]الواقعة: 71 [

                            وأخذ يعدد هذه النعم على عباده تبارك وتعالى، ختم هذا فقال: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} ]الواقعة: 47 [،

                            وكأن في هذا إشارة على أن العبد يستطيع أن يصل إلي ذلك بالتفكُّر،

                            وهذا هو كلام أهل العلم فيها ، أنه عندما يتفكر في هذه المعاني، يتفكر أفرأيتم ما تمنون أفرأيتم كذا .. أفرأيتم ...

                            انظر انظر انظر ويحثك على ذلك،

                            فكأن التأمل في خلق الله تبارك وتعالى وفي بديع صنعه سبحانه وتعالى يورث لا محالة تعظيم قدره ..

                            لذلك قال: فإذا رأيت بعين الإنصاف وإذا رأيت وأمعنت النظر فستصل لا محالة إلي التعظيم.

                            فنحن عندما نتحدث في تعظيم الأمر والنهي، ونقول أنك تعظِّم الأمر يعني الصلاة على أول وقتها، تعظِّم قدرها .. وتعظِّم النهي بأنك لا تقع فيه كل ما يؤدي إليه أو فيما جُعل حصناً .. فلا ينبغي أن تتعدي حدود الله.

                            فإن قلنا هذا الكلام، حسناً ... فماذا أفعل لكي يكون بحق عندي هذا الإحساس؟ أكون معظم لأمر الله ؟

                            قال تفكَّر... تفكَّر وعليك أن تُمعِن،

                            وإذا أنعم عليك بنعمة التفكر والتأمل والنظر ستصل إلي سبح باسم ربك العظيم

                            {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 74]

                            في الموضع التالي في نفس السورة .. قال جلَّ وعلا بعد أن بيَّن شأن القرآن { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (*) فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ (*) لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (*) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (*) أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ (*) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} [الواقعة: 77,82[.

                            ثم بعد ذلك بيَّن أحوال كل طائفة ممن ذكر في أول السورة، سواء جزاء المقرَّبين وجزاء أصحاب اليمين وجزاء الضالين المكذِّبين من أصحاب الشمال، بيَّن كل جزاء لهم ثم قال: { إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (*) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}] الواقعة: 95،96 [.

                            هل منكم من التفت لماذا ذيَّل بعد ذِكر الجزاء وبعد ذَِّكر القرآن،


                            يتبع....
                            { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ }
                            سورة الرعد الآية 17

                            تعليق


                            • #15
                              رد: " تعرف " تعرف " تعرف" أدخل وانت تعرف "

                              تابع الرساله الثالثه
                              لماذا ذيَّل خاتمة هذة الآيات باسمه العظيم ؟

                              كأنهم لما لم يكونوا قائمين لله سبحانه وتعالى بحقه وقدره ولم يعظِّموا أمره ولم يعرفوه؛ لذلك قال "سَبِّحْ" نزهه .. لأنك لو تعرفه ما كنت لتقع فيما تقع؛ لأن الذي لا يعرفه هو الذي يقع في مثل ذلك، لا يعرف جلاله ولا يعرف هيبته سبحانه وتعالى، فيكون من جرَّاء ذلك الوقوع في هذه الأمور، أما الذي يعظِّم وعلى قدر تعظيمه يكون جزاءه فيكون من أصحاب اليمين ويكون من المُقرَّبين، وهذا هو ما قلناه الآن أنه ثمرة من ثمرات المعرفة الهيبة والتعظيم وهذا التعظيم يورثه هذة المنازل.

                              هكذا نكون قد أخذنا اسم الله العظيم في القرآن ..

                              الآثار الواردة عن السلف في معنى تعظيم الله تبارك وتعالى

                              هناك بعض ما أُثر عن سلفنا الصالح في معنى تعظيم الله تبارك وتعالى وتحليه جلَّ وعلا بهذا الاسم ..

                              قال ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله جلَّ وعلا: {وَ مَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً } [الإسراء : 72] .. قال: "من كان في الدنيا أعمى عما يرى من قدرتي، من خلق السماء والأرض والجبال والبحار والناس والدواب و أشباه ذلك فهو عما وصفت له في الأخرة ولم يرى أعمى سبيلاً وأبعد حجة" .. { وَ مَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى ... } هذا ليس على معنى التحقيق أنه سيكون أعمى في الآخرة.

                              يقول: إذا كان هو لايرى وهو في عالم المشاهدة، لايرى بديع خلق الله وغير مُعظِّم لأمر الله، والآيات كلها تنطق بذلك، إذاً فهل يرى الجنة والنار ؟ فبالتالي سيكون أبعد، هذا رأي أو هذا قول لابن عباس.

                              قال قتادة في قوله تعالى: { وَ مَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى .. } .. قال "من عميَّ عما يرى من الشمس والقمر والليل والنهار وما يرى من الآيات والرسائل التي يرسلها الله عزَّ وجلَّ للعبد ليل نهار ولم يصدِّق بها، فهو عما غاب عنه من آيات الله أعمى وأضل سبيلاً".

                              وذُكر عنه قريباً من ذلك أيضاً .. عن قتادة نفس هذا المعنى { وَ مَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى .. } أي: في الدنيا فيما أراه الله عزَّ وجل من الآيات، فهو في الآخرة الغائبة التي لم يرها أعمى وأضل سبيلاً.

                              هذا معنى من المعاني الذي يوصلنا إلى تأكيد ما كنا بصدده من:

                              أن التفكُّر يورِث التعظيم، وعكسه يورث الغفلة والعمى .

                              الأمر الثاني ورد في قول الله تبارك وتعالى: {... قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } [الأنعام : 50]

                              قال قتادة: "الأعمى: الكافر الذي عميَّ عن حق الله وأمره ونعمه عليه، والبصير: هو العبد المؤمن الذي أبصر بصراً نافعاً ووحَّده وعمل بطاعته سبحانه وتعالى فانتفع، تفكَّر فعرِف فعظَّم" .

                              وورد أيضاً في قول الله جلَّ وعلا: {وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} [الذاريات: 20]

                              قال محمد بن صالح التميمي: "كان بعض العلماء إذا تلى تلك الآيات، قال: أشهد أن السموات والأرض وما فيها من الآيات تدل عليك وتشهد لك بما وصفت به هيبتك، وكلٌ يؤدي عليك الحجة ويقر لك بالألوهية، موسوماً بآثار قدرتِك ومعالم تدبيرِك الذي تجليت به لخلقك".

                              يقول: والله .. {وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} .. أشهد والله أن هذه السموات وهذه الأرض وما يحدث لي في ذاتي وأن كذا وكذا وكذا، كل ذلك ناطقٌ بأن الله سبحانه وتعالى هو الجليل الكبير العظيم جلَّ جلاله.

                              قال خليفة العبديّ وكان متعبداً: "لو أن الله تبارك وتعالى لم يُعبد إلا عن رؤية ما عبده أحد" .. لوكل الناس قالت: أنا لابد أن أرى الله سبحانه وتعالى لأعبده .. قال "ما عبده أحد، ولكن المؤمنين تفكَّروا في مجئ هذا الليل إذا جاء فملأ كل شئ وغطى كل شئ، وفي مجئ سلطان النهار إذا جاء فمحى سلطان الليل، وفي السحاب المُسخَّر بين السماء والأرض، وفي النجوم وفي الشتاء والصيف، فوالله ما زال المؤمنون يتفكرون فيما خلق ربهم تبارك وتعالى حتى أيقنت قلوبهم بربهم فكأنما عبدوا الله تبارك وتعالى عن رؤية".

                              ثمرة التفكُّر تعظيم يورِث الإحسان، فيعبد الله كأنه يراه.

                              وقال أحمد بن الحواريّ: التقى حكيمان من الحكماء فقال أحدهما لصاحبه – هذا الكلام جميل – فقال أحدهما لصاحبه : بمَ عرفت ربَّك؟، قال "بفسخ العزم"عرفت الله بنقد العزائم –

                              أنا أريدها هكذا وحسبتها هكذا والمعادلة تسير هكذا (1 +1 =2 ) .. أجدها لا تتحقق .. يذاكر 8 ساعات ليصير الأول على الدفعة، يذاكر 12 ساعة يحصل على تقدير مقبول، والأمر ليس كذلك .. يأخذ كل الأسباب ويرسمها خطة محكمة ويفتقد فيها شرط الإستعانة، ويحسب أن الخطة بهذه الطريقة ناجحة، ويقول له علماء الإدارة هذا المشروع ناجح مليون في المئة .. دراسة الجدوى تقول والوضع كذا وما شابه .. وبعد ذلك يخيب ظنه وتخسر الصفقة ولا يحدث شيء، عرفت الله بنقد العزائم ..

                              عرفت الله بفسخ العزم ومنع الهمَّ، قال: لما عزمت أزالني القدر ..

                              عندما قلت أنا أريد وجاء القدر بشيء آخر .. وهممت فحال بيني وبين همي، وعزمت على العمل وهممت أني سأفعل هذا الموضوع وبعد ذلك أجد شيء آخر وجهتني لشيء آخر تمامًا .. هممت أني أفعل كذا وكذا، فإذا بي يُحال بيني وبين ما قد هممت به، قال: فعلمت أن المستولي على قلبي غيري. ( هذا هو أول شيء ) .

                              قال: فبمَ عرفت الشكر؟ (كيف تشكر ربك ؟)

                              قال "بكشف البلوى، لما رأيته مصروفاً عني موجوداً في غيري شكرته على ذلك" .. كشف البلوى (متى شكرت الله؟ ) عندما نظرت إلى شخص مُبتلى ووجد نفسي دخلت المستشفي وهذا الرجل مريض وهو في مثل عمري، واستشعرت أنه أزال عني ما أستحق، فلما نظرت بهذا النظر شكرته على ذلك، لما رأيت البلوى مصروفةٌ عني وموجودة في غيري شكرت على ذلك.

                              قال:فبمَ أحببت لقاءه ؟

                              قال "بأصل التخيير وانتفاء التهمة".

                              قال: ما أصل التخير وانتفاء التهمة؟ .. لم يفهموا مقصده من الجملة.

                              قال "لما اختار لي تبارك وتعالى – انظروا إلى حسن الظن وحسن الرجاء، دعونا نستفيق بعض الشيء – دين الأنبياء والملائكة أحسنت به الظن ونفيت عنه التهمة – أليست التهمة التي لا يصرح بها الإنسان: أنه ظلمني، لماذا جعلني أنشأ في هذه البيئة، لماذا فعل بي هكذا ؟ ..

                              قال: فلما اختار لي أن أكون على دين الأنبياء وعلى دين الملائكة، أحسنت به الظن ونفيت عنه التهمة وعلمت أن الذي اختاره لي هذا لا يسئ إلي فأحببت لقاءه.

                              كان بعضهم ( طالما الكلام قد طاب ... استمعوا لكلام المناجاة في التعظيم ) .. كان بعضهم يناجي فيقول:

                              "سبحانك موجوداً غير محدود، معروفاً غير موصوف، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، جلَّ جلاله سبحانه وتعالى"

                              العظيم الله سبحانه وتعالى يقول: {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } [نوح : 13] .. ليستخرج على خَدِكَ حمُرة الخجل .. يقول لك: لماذا لا تريد أن تعظِّمني؟ هل أنا أستحق منك ذلك؟ لماذا ؟ ماذا بك ؟ لِمَ لمْ تُفِكر في هذا ولم تحسبها بهذه الطريقة ؟ لماذا قدري عندك ضعيف ؟

                              {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً }

                              لو توقفنا عند معنى الأستفهام هذا : ما لكم ؟ لا ترجون لله وقاراً ؟ أم مالكم لا ترجون لله وقاراً ؟

                              قال ابن عباس: {لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} "لا تعلمون عظمته" .. إذا علمت من هو، لما كان هذا حالك معه .. كلمة تفتت القلب وآية محتاجة فعلاً أن تمرر على القلوب الفينة بعد الفينة، صلِّ بها ورددها؛ حتى تشعر بما فيها من وخز من الممكن أن يُحنن قلبك عليه، مالكم ؟ مالكم ؟ { مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } لا تعلمون من هو فتعظمونه.

                              قال ابن عباس في قوله: {ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ }[الرحمن: 27] .. قال: أي ذو العظمة والكبرياء.

                              وقال سعيد بن الجبير "تكلمت اليهود في صفة الربَّ تبارك وتعالى، فقالوا ما قالوا وهم لايعلمون ولم يدروا، فأنزل الله عزَّ وجل { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ... } [الزمر : 67] .. ثم بيَّن عظمته للناس، فقال: {وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } [الزمر : 67] .. فجعل صفتهم له بما لم يتصف به شركاً" .. يعني لو أنا لا أعظم الله وعندما أوصفه لا أعطيه كماله لا أعطيه ما يستحق سبحانه وتعالى .. شرك، إنما حقه سبحانه وتعالى أن تعرف، يعني لو أنا قلت: عظيم سبحانه وتعالى عظمته لا تُحَد، وأنا ما بداخل قلبي من معنى هذا التعظيم من الممكن أن يكون مشابه لتعظيمي لبعض الخلق فشرك .. شرك في التعظيم .. بمعنى أنى أعظم جداً .. يعني أخاف وأصاب بالرعب من أن فلان الفلاني يطلع علىّ في هذا المشهد .. مثل أحدهم يقوم بعمل ذنوب خلوات كذا أو كذا، يصاب بالرعب لو دخل كبيره أو والده أو لو زوجته فعلت كذا، معظم جداً لهذا ومع الله سبحانه وتعالى هذا لا يحدث .. يكون هذا شرك، فهو يعظِّم مخلوق أكثر مما يعظِّم الخالق فقال جلَّ وعلا: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ... } [الزمر : 67].

                              وروى الترمذي وحسنه الألباني من حديث أبيّ: أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انسب لنا ربَّك، فأنزل الله {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2)} [رواه الترمذي وحسنه الألباني، صحيح الترمذي (3364)]

                              قال ابن عباس: "الصمد: هو السيد الذي قد كَمُل في سؤدده، قد كَمُل في مقامه، سبحانه الشريف الذي قد كَمُل في شرفه، العظيم الذي قد كَمُل في عظمته، الحليم الذي قد كَمُل في حلمه، الغني الذي قد كَمُل في غناه، الجبار الذي كَمُل في جبروته، والعالم الذي قد كَمُل في علمه، الحكيم الذي قد كَمُل في حكمه، وهو الذي قد كَمُل في أنواع الشرف والسؤدد، هو الله سبحانه هذه صفته لا ينبغي إلا له، ليس له كفء ليس له مثل سبحانه وتعالى الواحد القهار".

                              عندما تُثبت لله صفة الصمدية يستوجب ذلك تعظيمه،

                              فالله سبحانه الصمد.

                              قال قتادة: "أي: الباقي بعد خلقه الذي قد انتهى في السؤدد" .. أي: في المقام.

                              وقال عبد الله بن بُريدة عن أبيه: "الصمد: الذي لا جوف له".

                              وقال ابن عباس: "الصمد الذي تصمد إليه الأشياء، أي: تستجير" .. إذا نزل بهم كرب .. إذا نزل بهم بلاء فهو سبحانه وتعالى المتصف بذلك.

                              حظ العبد من اسم الله تعالى العظيــــم

                              هذا ربنا جلَّ جلاله العظيم ... ما حظنا من اسمه العظيم .. كيف نعظِّم ؟

                              نعظِّمه إذا عظَّمنا أمره ونهيه وعظمنا الحرمات .. يقول الله جل وعلا { ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ... } [الحج : 30] .. ثم قال { ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } [الحج : 32].

                              فأرشدنا إلى أن من يعظِّم حرماته سيلقى الخير، ويُرزق التقوى .. بل هي من علامات ذلك.

                              ماذا يعني ذلك عملياً ؟

                              التعظيم للحرمات قالوا، كما قال طبري: "أي: اجتناب المرء ما أمره الله عزَّ وجلَّ باجتنابه في حال إحرامه، تعظيماً منه لحدود الله".

                              وقال النيسابوري: "أي: العلم بوجوبها والقيام بحقوقها" .. يعرف ماهى الحرمات ويعرف هذه الأمور، فيراعيها ويعظِّمها كما أمر الله تبارك وتعالى .. فيقوم لله فيها بالحق.

                              العلماء وابن القيم له هذا الكلام في الوابل قالوا: "تعظيم الحرمات على درجات ثلاث .. ( ركزوا هنا لأن هذا هو التطبيق العملي ) .. قال:

                              الدرجة الأولى : تعظيم الأمر والنهي ..

                              كيف يتحقق هذا؟ .. بحيث لا يُعارضا بترخصٍ جافٍ .. عندنا رخص، مثلاً حال المطر يجوز الجمع وحال السفر كذلك، وعندنا رخصة حال شدة الحر أن يُبرِد بصلاة الظهر .. فيؤخرها عن وقتها فترة حتى يزول أثر شدة الحرارة، فابن القيم يضرب بذلك المثال على مسألة: لا يعارضا بترخص جاف .. فيقول "يترخص حتى يجمع الجمع الصوري .." .. أي: أن يصلي قبل صلاة العصر مباشرةً بدقائق يصلي الظهر بذلك، هذا ترخص جاف ثم بعد ذلك يأتي بصلاة العصر فكأنه جَمَع .. يعني يصلي الظهر، فبإمكانه تأخيره ساعة، لكنه يؤخره لمدة ثلاث ساعات .. فيصليه قبل صلاة العصر بوقت قصير .. ويقول لك أنه يُبرِد بالظهر .. اليوم الجو حار .. هذا ترخص جافي ..

                              ألا يعارض بترخص جافي: فيأخذ بالرخصة ويستخدمها في غير ما جُعلت له حتى يُخرجها إلى حد الجفاء ..

                              هى رخصة، وهذا كثير من الأخوة عندما يتعبدون بالرخص ويعرفوا بعض العلم ويعرفوا أن هذه المسألة بها أقوال وما شابه فيستغل ذلك، مثل مسألة الجمع: جمع النبي صلى الله عليه وسلم - حديث ابن عباس – في غير سفر ولا مطر .. فالترمذي حين علق على هذا، قال: أن هذا يكون عند – مؤدى كلامه – عند الاضطرار .. مثلاً أنت لديك ضرورة في هذا الأمر .. بمعنى أنه من الصعب أن تؤدي الصلاة في وقتها لأي حال طرأ عليك، فمن الممكن أن تستخدم هذه الرخصة وقيدوها حتى ببعض الأمور وحتى العلماء لم يتركوا المسألة هكذا.

                              الشاهد:: فيأتي فيقول الحديث مُطلق أو الحديث يجوز أن استخدمه ويلعب بها، فهنا يُقال له: خفة الديانة، أي أنك تستخدمها في غير موضعها ..

                              "ولا يعارضا" .. عكس النقطة السابقة .. "بتشدد غالي فيتعبد بالعزائم جميعها ويأخذ فيها بغلو فلا يترخَّص ولا يأخذ بالرخصة" .. لو صلَّى في السفر، لا يصلِّيها هكذا دائما، لا يقصر .. فهذا يُخرج الأمر عن التعظيم،

                              التعظيم اعتدال، التعظيم لا يعارضا بترخُّصٍ جافي ولا بتشددٍ غالي،

                              قال "ولا يحمل الأمر والنهي علي علة توهن الانقياد لهما".

                              ما العلة في مسألة مثل الربا ؟ .. فيقول لك: حرَّم الله عزَّ وجلَّ الربا خشية استغلال الفقراء، أما وإنه لا استغلال للفقراء لذا فإنه حلال حلال حلال .. هذا حمَل النهي علي علة فتوهن الانقياد، فهذا لا يحقق معني الربا .. وهناك الكثير من الأمثلة في مبحث العلة.

                              لماذا حُرِّمت الزنا ؟ حُرمت لاختلاط الأنساب، لا يوجد الآن اختلاط أنساب مش نعمل أي شيء، فتوهن الانقياد.

                              لمَ حرَّم الله إطلاق البصر ؟ نحن أصبحنا في زمن ... عمَّ تتكلم نحن نتكلم في عُريّ فاحش و... و... وتقول لي أنظر في وجهها يا شيخنا ؟؟؟ توهن الانقياد.

                              أي علة أنت تريدها، فقط احضر أي حكم لا يعجبك وضّع له العلة الخاصة به.

                              لمَ حرَّم الله عزَّ وجلَّ أي شيء، الخمر ؟ بسبب الإسكار وأنا رأسي مصفحة أصلاً، فتوهن الانقياد، أليس مدمنوا المخدرات يقولوا هكذا ؟ يقول لك: أنا الحشيش لا تأثير له على رأسي، فتوهن الانقياد.

                              لمَ حرَّم الله عزوجل ذلك ؟ لمَ أمر الله عزَّ وجلَّ بالحجاب ؟ .. الحجاب حشمة وصيانة وستر، والآن هي لو ترتدي طويل (ماكسي) ومحترمة في كلامها ليس شرطاً، شعر ماذا الذي تتكلم عنه الآن، توهن الانقياد.

                              هكذا فيعظم الأمر، يقول أنه عمل كذا ؟؟؟ الصلاة لم يصلِّها في أول الوقت ؟ عمل كذا ؟ لا، لا، ربنا جعل الصلاة لتكون صلة بينك وبين الله، طالما قلبك عامر يبقي لا توجد مشكلة إطلاقًا!!.

                              فهذا ..

                              1) الترخُّص الجافي .. 2) وهذا التشدد الغالي .. 3) وهذا الذي يحمل الأمر والنهي علي علة توهن الانقياد ..

                              هذا يخرجه عن معنى التعظيم.

                              الترخص الذي يمنع صاحبه من الامتثال أو كمال الامتثال ..

                              الغلو الذي يتجاوز بصاحبه حد الاعتدال .. لذا تفريط وإفراط،

                              أو أن يتأوَّل ويأتي بعلة للأمر أو النهي ليخرج عن ذلك.

                              عرفنا هذه هي الدرجة الأولي.

                              الدرجة الأولي تتحقق بثلاثة أشياء:

                              لا تفرَّط لا تُفرِّط، وفي نفس الوقت لا تتأوَّل وتُبيح المُحرمات لنفسك بأي علة من العلل التي تقدم ذكرها.

                              الدرجة الثانية : تعظيم الحكم ..

                              أن يبغي له عوج أو يدافع بعلم أو يرضي بعوض،

                              المقصود بالحكم، هنا الحكم الكوني القدري .. الحكم الكوني مفهوم .. كُن .. من السنن الكونية النافذة .. الأمر الكوني ليس المقصود به الحكم الشرعي، كما هو معلوم في الفرق ما بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية .

                              فيقول: "أمر الله النافذ .."يقول "تعظيمه، ألا يطلب له عوجاً أو يري فيه عوجاً".

                              أي عندما ينزل الآن، الحكم القدري أنت مرضت .. كيف يكون تعظيم هذا الحكم ؟ .. أنت مرضت فلا يطلب أو يري فيه عِوج .. لا يقول لماذا مرضت ؟؟ .. لقد كنت نويت أن أعمل كذا من الأعمال، فيأتي الآن القدر فيثبطني !! .. فيري كأن الموضوع فيه نقيصة، هو كان يريد أن يعمل كذا .. فهو لم يرزق هذا مع أنه كان قد رتب الأمور بشكل جيد، فلا يري فيه عوجاً .. "بل يراه كله مستقيماً فلا يري في أمر الله النافذ".

                              أراضي المسلمين مسلوبة ونحن لا حول لنا ولا قوة، ماذا نعمل ؟ .. لماذا يــا ربَّ الناس مستضعفين ويُقتَّلوا ويُشرُّدوا فتجد من داخلك أن هذه حكمة الله .. فيرى هذا الحكم القدري كأنه فيه عوج .. فلسان حاله يقول: لا يستحق هؤلاء الفلسطينيون أن يحدث لهم ما يحدث .. كأنه يري ذلك.

                              تجد الناس تقول والله أخلاقه جيدة، كيف يدخل النار هذا، على الرغم من إنه علي غير ملة الإسلام!.

                              لذا أول أمر:

                              ألا يطلب أو يري في هذا الحكم القدري عوجاً.

                              قال "ومن كمال التعظيم: ألا يرضى العبد بعوضٍ يطلبه أو يدفعه بعلم".

                              فالشخص الذي يري الأمر فيه عوج سيدفع الأمر، ويقول:يارب لو كنت رزقتهم ألم يكن هذا أفضل؟ .. كأن هو الذي عنده العلم وكأن الله سبحانه وتعالى غير مطِّلع علي هذه الأمور التي أنت مشفق من أجلها .. والآخر يرضى بالعوض يطلبه بعمله، فإن طلب ثواب الله وجزاء عمله .. أنه يفكر فيها بهذه الطريقة، يعني أنا عملت كذا وعملت كذا فأنا أنتظر الفيوضات والرحمات هكذا، يطلب العوض أنا عملت لك فاعطيني رحمات، هذا هو المعني.

                              فالدرجة الثانية أعلي .. الدرجة الأولى كنا نتكلم في الأمر والنهي الشرعي، قال لك: لا تغلو لا تفرط، لا تأتي بعلة لكي تراوغ.

                              في الأمر الكوني، المقام الأعلي الذي يقتضي مقام الرضا، قال: لا ترى أي شيء فيه خلل، وتراه بأنه هو المستقيم وهذا هو الحكم الأحكم والأسلم والأصوب في حق، وفي نفس الوقت ترضى به تمــــام الرضا.

                              الدرجة الثالثة :تعظيم الحق سبحـــانه ..

                              وهو ألا يجعل دونه سبباً ولا يري عليه حقًا أو ينازع له اختياراً.

                              تأمل معي هذه الدرجة العالية من اليقين، تعظيم الحق سبحانه ألا يجعل دونه سبباً .. قالوا: فهذا الذي تيقَّن بأن الذي سيوصله إلي الله هو الله، فلا يتوصَّل إلي رضاه إلا به.

                              فهذا ألقى بالحِمل تماماً، ولا يرى إلا الربَّ المُدبِّرلكل شأنه، فقائم بأعلي مقام من مقامات الرضا والتوكل ...

                              فلا يتوصل إلي رضاه إلا به ما دلَّ علي الله إلا الله، ولا هدى إليه سواه ولا يرى لأحد من الخلق حقاً علي الله بل الحق لله علي خلقه ..

                              لا يرى أنه يوجد أحد يقدر أن يمُن .. { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا... } [الحجرات: 17].

                              لا يوجد أحد يقدر يقول حقي، حقي أن أنت كنت تُحسن لي في ذلك، ولا لأي خلق، ولا لأي أحد، ولا حتي شخص النبي محمد، حتي النبي محمد صلي الله عليه وسلم .. لا أحد من الخلق له حق علي الله، الموضع الذي وقع فيه المتكلمين عندما قالوا: حقٌ علي الله أن يصنع ذلك، حق ٌ علي الله أن يدخله الجنة.

                              لا يوجد حقٌ علي الله هذه، بل هوالذي يجعل ذلك علي نفسه، هو الذي يقول { ... وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ } [الروم : 47] .. هو يقول .. لكن أنت توجب عليه الحق وتقول له: لمَ لم تعطيني الرزق ؟ وأنا عبدك وأنا ملتزم وأنا لم أترك فرضك ولست عامل كذا، لذا فأنت قد أسأت الأدب.

                              فهو بإلزام الله سبحانه وتعالي، ألم يقُل ربنا سبحانه وتعالي قال: حقٌ علي الله إذا عبدوه ولم يشركوا به شيئا، هو الذي أحقه علي نفسه إنما يجب عليك ألا تتطلب .. فتقول له أنا عبدتك فاعطيني، وألزم هو نفسه سبحانه وتعالي.

                              فالحق في الحقيقة لله علي عبده وحق العبد هو ما اقتضاه جوده وبره وإحسانه إليه بمحض الجود، ويعني هذا ألا ينازع المسلم (الثالثة ) أو ينازع له اختياره ..الله قد اختار لي هذا، مقام الرضا الذي تكلمنا عنه، اختار لي هذا فأنا راضي بما اختاره لي .. بل يرضى بما اختاره له فإن ذلك من تعظيم الله له ومن تعظيم حرمات الله.

                              علمتم الدرجات الثلاث؟

                              درجـــات تعظيم الحُرمــات:

                              الدرجة الأولي: تعظيم الأمر والنهي الشرعي ..

                              الدرجة الثانية: تعظيم الحكم الكوني ..

                              الدرجة الثالثة: تعظيمه هو، الحق سبحانه وتعالي ..بألا يجعل من دونه سبباً أو لا يري عليه حقاً أو ينازع له اختياره.

                              حسنًا، لكي نجسد هذا المعني في بعض الأمور .. ونحن سنضرب مثالين للتعظيم واقعياً أيضاً.

                              إذا أردت أن تعظِّم الله فلابد أن تعظِّم قدر رسول الله صلي الله عليه وسلم .. فمن علامة تعظيم الله، مثلما ذكرنا تعظيم الأمر والنهي .. أيضاً

                              من علامة تعظيم الله: توقير وإجلال النبي صلي الله عليه وسلم ..

                              الذي هو أحد شِعاب الإيمان بالله جلَّ وعلا .. قال في شأن تعظيم النبي صلي الله عليه وسلم { لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ .... } [الفتح : 9] .. أي: تُعظِّموه وتفخِّموه وتنصروه وتمنعوا منه.

                              وقال جلَّ وعلا مبينًا بعض مظاهر تعظيمه، قال: { لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً } [النور: 63]، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: 2].

                              فذكروا في جملة الآداب التي ينبغي أن تكون مع النبي صلي الله عليه وسلم قالوا:

                              1) حرمة المصارعة والمسابقة قولاً أو فعلاً أمامه .. { ... لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ... } [الحجرات: 1]

                              2) حرمة رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم.. مشهور كلام ابن القيم: إذا كُنا لا نرفع الصوت كيف تقدم عقولنا علي سُنة نبينا؟!.

                              3) حُرمة الغلظة له بالخطاب ومناداته باسمه .. فلابد من إجلاله وتوقيره، وذمَّ الله الذين ينادونه من وراء الحجرات إذ هذا منافٍ للأدب، يا محمد يا محمد يا محمد، فهذا من سوء الأدب معه صلي الله عليه وسلم .

                              4) وقال جلَّ وعلا: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ..} [التوبة: 120] .. فعلَّمهم أن نفس الرسول صلى الله عليه وسلم أكرم وأشرف وأزكي وأجمل من أنفسهم، فلا يسعهم من ذلك إلا أن يصرفوا أنفسهم له ولا ينبغي بحال أن يصرفوا أنفسهم عما لا يصرف نفسه عنه فيتخلفوا .. إذا كان النبي صلي الله عليه وسلم يبذل نفسه الذاكية، فما بالك ونفسك أنت هذه الحقيرة كيف يبذلها هو وأنت...

                              5) وقال جلَّ وعلا: { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً } [الأحزاب: 57] .. فبيَّن الله تبارك وتعالي جعل أن حفظ كرامة النبي صلي الله عليه وسلم وصيانته عن أذى كل ذي أذى، أن هذا أمرٌ حتم وأن من آذاه متوعدٌ باللعن والطرد من رحمة الله تبارك وتعالى.

                              ولو تأملنا التطبيق العملي من الصحابة في ذلك وقارناه بما نحن عليه، علمنا هل نحن معظِمين لقدر النبي صلى الله عليه وسلم أم لا ..

                              انظروا... لمَّا يذكر عمرو بن العاص تعامله مع النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: وما كنت أُطيق أن أملأ عينيّ منه إجلالاً له، ولو سؤلت أن أصفه ما أطقت ..فما كان يستطيع أن يُحد النظر في وجه وجه النبي صلى الله عليه وسلم هيبةً له.

                              وكان لا يتوضأ هو صلى الله عليه وسلم إلا ابتدر الصحابة وضوءه، وكادوا يقتتلون عليه، ولا يبصق بصاقاً ولا يتخنَّم بنخامةٍ إلا تلقوها بأكفهم فدلكوا بها وجوههم وأجسادهم، ولا تسقط منه شعرة إلا ابتدروها.

                              وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يمدون إليه النظر تعظيماً له، صلى الله على النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

                              فتعظيمه بالقلب باتباع ما دلنا عليه النبي صلى الله عليه وسلم..فهو ما يتبع اعتقاد كونه عبد الله ورسوله، وتقديم محبته على النفس والولد والوالد والناس أجمعين، هذا حق تعظيــم النبي صلى الله عليه وسلم بالقلب.

                              وتعظيمه باللسان: بكثرة الثناء عليه بما هو أهله ..مما أثنى عليه ربه به وأثنى على نفسه من غير غلوٍ ولا تقصير {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}[الأحزاب : 56].

                              ومن تعظيم اللسان ألا نذكره باسمه أبداً ..وإنما لا بد من زيادة ذكر النبوة والرسالة والصلاة عليه، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.. وما ورد طبعاً توقيفاً أمراً آخر، اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، هذا أمرٌ توقيفيّ ليس داخلاً في هذا، وإنما نتكلم عند ذكره هكذا مجرداً.

                              ومن تعظيم اللسان تعداد فضائله وذكر خصائصه ودلائل نبوته ..وتعريف الناس به، وتعريف الناس بصفاته وأخلاقه ومنزلته، هذا كله داخل تحت تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم باللسان.

                              أما تعظيم الجوارح: فهو بالتأسي بسنته صلى الله عليه وسلم..هذا أمر عملي، إذا أردتم أن تعرفوا، أنتم تعظمون ربكم أم لا، فانظروا كيف حال النبي عندكم .

                              الأمر الثاني: على النقيض تماماً، تعظيم الذنب ...

                              كيف يكون ؟

                              أذكر هنا كلام ابن عباس في (الحلية): "يا صاحب الذنب لا تأمن سوء عاقبته، ولما يتبع الذنب أعظم من الذنب إذا عملته، قلة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال وأنت على الذنب أعظم من الذنب، وضحكك وأنت لا تدري ما الله صانعٌ بك أعظم من الذنب، وفرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم من الذنب، وحزنك على الذنب إذا فاتك أعظم من الذنب، وخوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وأنت على الذنب ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب إذا عملته".

                              فالذي يُعظِّم ربَّه ويُعظِّم شأن النهي ينظر في هذه المعاني: قلة الحياء، وعدم الخجل، وعدم الاكتراث بنظر الله الأسبق وباطلاع الملائكة الأشهاد، وعدم المبالاة .. تضحك ولا تكترث وتتهمنا أننا نريد أن نصيبك بالاكتئاب .. ذنب وعقوبات .. ذنب وسيحدث لك .... وفي نفس الوقت يكيد حتى يصل إلى ما يريد، فإذا وجده فَرِح بأنه حصل على الذنب الذي يريده، وإذا فاته حزِن، ولا يكون عنده هذا الاحساس باستشعار نعمة الستر، واستشعار مراقبة الله ونظر الله، بل خوفه ورجاؤه متعلقٌ بالأسباب ومتعلقٌ بالسوا.

                              وخوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وأنت على الذنب، ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب .

                              وكما قال ابن مسعود: "فالمؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعدٌ تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وأما الفاجر فيرى ذنوبه كذبابٍ مرَّ على أنفه، ثم قال به هكذا".

                              دعونا نعظِّم شأن ربنا ونختم بهذه التسابيح وتلك المناجاة من كلام سلفنا، فكان عَوْن بن عبد الله بن عتبة يقول في مناجاته:

                              ربي ... ما أحكمك وأمجدك وأجودك وأرأفك وأرحمك وأعلاك وأقربك وأقدرك وأقهرك وأوسعك وأفضلك وأنورك وأبهاك وألطفك وأخيرك وأعلمك وأشكرك وأحلمك وأحكمك وأعظمك وأكرمك.

                              ربي ... ما أكرم شأنك ... وأحسن ثوابك.

                              ربي ... ما أجزل عطاءك ... وأجلَّ ثناءك.

                              ربي ... ما أحسن بلاءك ... وأسبغ نعماءك.

                              ربي ... ما أعلى مكانك ... وأعظم سلطانك.

                              ربي ... ما أعزَّ ملكك ... وأتمَّ أمرك.

                              ربي ... ما أمتن كيدك ... وأغلب مكرك.

                              ربي ... ما أعظم عرشك ... وأشد بطشك .

                              ربي ... ما أوسع كرسيَّك ... وأهدى مهديَّك .

                              ربي ... ما أعزَّ نصرك ... وأقرب فتحك .

                              ربي ...ما أعزَّ بلادك ... وأكثر عبادك .

                              ربي ...ما أوسع رحمتِك ... وأعرض جنتِك.

                              ربي ...ما أوسع رزقك ... وأزيد شكرك.

                              ربي ...ما أسرع فرجك ... وأحكم صنعك.

                              ربي ...ما ألطف خيرك ... وأقوى أمرك.

                              ربي ...ما أبرد عفوك ... وأحلى ذكرك.

                              ربي ...ما أعدل حكمك ... وأصدق قولك.

                              ربي ...ما أوفي عهدك ... وأنجز وعدك.

                              ربي ...ما أحضر نفعك ... وأتقن صنعك.

                              اللهم لك الثنـــاء الحسن، ربِّ العرش العظيم ما أعظم شآنك، وأعلى مكانك، وأرفعك، وألطفك، وأمنعك، أنت أعظم وأجلَّ وأسمع وأبصر وأعلا وأكبر و أظهر، وأشكر، وأعفي، وأقدر، وأعلم، وأخبر، وأعز، وأكرم، وأبر، وأرحم، وأحمد، وأمجد، وأجود، وأقدر.

                              أنت أكمل من أن يدركك عبادك ومن أن يدرك عبادك عظمتك يـــــــــــا ربَّ العالمين.

                              قال أبو سعيد الأزرق: دخلت مكة ليلاً فبدأت بالمسجد ودخلت الطواف، فبينما أنا أطوف إذا أنا بامرأةٍ في الحِجر رافعةً يديها ملتزمة البيت قد علا تسبيحها فدونت منها وهي تقول:

                              يـــــــــا من لا تراه العيوووون و لا تخالطه الأوهام والظنوووون ولا تغيره الحوادث ولا يصفه الواصفون، ولا يخاف الغوابر، ولا مُغيِّبات العواقِب، عـــالم بمثاقيل الجبال، ومكاييل البحار، وعدد قطر الأمطار والأشجار، وعدد ما أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار، لا يواري منه سماءٌ سماء، ولا أرضٌ أرضاً، ولا جبل ما في وعره ولا بحر ما في قعره، استكانت لعظمته جوامع الأمم، وتزللت لهيبته السماوات والأراضون ..

                              أسألك .... أسألك .... أن تجعل خير عمري آخره وخير عملي خواتمه وخير أيامي يوم ألقـــــــــــاك .. منَّاً منك وطَولاً.. يـــــا ذا الجلال والإكرام،،

                              ثم صرخت وغُشي عليها .

                              فنسأل الله تبارك وتعالى أن نكون له معظِّمين، وأن يستودع في قلوبنا هيبته.

                              يـــا رب ... يــا رب اجعلها في قلوبنا الآن الآن، اجعلها في قلوبنا إلى يوم نلقـــــاك، اجعل هذه الهيبة وهذا التعظيم لقدرك، يـــــا عظيــــم، يــــا كريــــم، يــــا ذا الجلال والإكرام، يـــــا رحمن يا رحيــــم، يــــا حي يـــا قيوم نسألك ألا تردنا، نسألك ألا تردنا، وأن تفرج كربنا، وأن تُحسِّن خاتمتنا، وأن تجعلنا من أخلص عبادك لك، ومن أصدق عبادك لك، ومن أكثر عبادك لك طاعة، ومن أكثر عبادك لك عبادةً وتوبة.

                              لا تنسونى من صالح دعائكم
                              { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ }
                              سورة الرعد الآية 17

                              تعليق

                              يعمل...
                              X