عفوا ... أنتم حثالة !!
( ستغرق السفينة أيها البلهاء )
( ستغرق السفينة أيها البلهاء )
السفينة أوشكت الغرق و الأمواج تتخطفها من كل جانب فكأنها ريشة حائرة لا حول لها و لا قوة في مهب ريح عاتية ، إنها لحظات حرجة و لابد لأهل السفينة أن يتعاونوا جميعا للخروج من هذا الخطر المدلهم تلك النكبة السوداء القاتمة التي تخلف الحليم حيران ، غير أن صوت العقل قد غاب فحل محله فكر الهمج و غضب الرعاع .
إن هذا المشهد الكئيب القاتم لم يكن البداية أبدا بل هو تحول تام في الاتجاه المعاكس فقد بدأت الرحلة و السماء صافية و الأمواج هادئة تعزف أنشودة حلوة يتداخل فيها صوت النورس العذب في لحن قد طربت له أذان أهل السفينة جميعا ، تختلف مشاربهم و ألوانهم من كل حدب و صوب من كل جنس و لون لكن هدفهم واحد حلمهم واحد أن يصلوا جميعا إلى بر الأمان ... لذا ركبوا جميعا على متن هذه السفينة العملاقة ليخترقوا عباب الماء في مشهد مهئيب قد ملأ قلوب الأعداء حسدا و غلا ، و هكذا هي الأهداف السامية تجمع المختلف و تألف قلوبا لم تكن لتأتلف ...
أن نختلف أمر لا غبار فيه لكن شتان .. شتان بين الاختلاف في زمن الصفاء عندما تكون السماء مشرقة و الأمواج هادئة عندها يكون الخلاف سائغا و الاختلاف فائدة غير أن هذا لا يعني أن يتحول الخلاف لمعارك حربية و مساجلات جدلية يضيع فيها الهدف و تذهب قوة أهل السفينة أدراج الرياح بل هو خلاف تنوع يبني فلا يهدم و يرفع فلا يخفض ، أما في زمن الأنواء و الأهواء حين يوشك الجميع على الغرق و تكون نجاة السفينة و أهلها هي الهدف الذي يسعى له الجميع فإن من الخبل و ضيق الأفق أن يتعارك أهل السفينة إذ كيف يتعاركون و يتناطحون و قد بلغت القلوب الحناجر و وصلت المياه لأنصاف السيقان ؟!
إن هذا لا يصدر إلا عن مجانين رعاع ذوي أخلاق همجية و عقول فوضوية ... أيها السادة ( الحثالة ) انتبهوا فالسفينة تغرق و الماء لن يفرق بيننا و الغرق لا يفصل بين مصيب و مخطأ و لا بين مهتد وضال قال تعالى ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ) ثم لتعلموا إن كنتم غير حريصين على أمر السفينة فإن سنن الاستبدال ستصيبنا كما أصابت الذين من قبلنا و ذلك جزاء الفجور في الخصومة في زمن الأنواء فتضيع طاقتكم التي بذلتموها أثناء رحلتكم الطويلة العريقة هباء ( وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً ) فتسبدلوا بقوم خير منكم يعوا الدرس جيدا فيكونوا خير منا (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) .
و ليعلم الجميع إننا مطالبون بالأخذ بأيد أهل السفينة و نصحهم لكن بما يتوافق مع مقتضى الحال فأمتنا وسط و دفع الضرر مقدم و لا ضرر أكبر من الغرق فاعلموا أن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من أسباب الحفاظ على السفينة و أن التناحر من أسباب غرقها و الشقي من وُعظ بنفسه عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروراً على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا ، فإذا تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً» [رواه البخاري] وفي لفظ «مثل المدهن»: أي المحابي والمداهن، والمراد به من يضيع الحقوق ولا يغير المنكر.
وفي لفظ للبخاري « فكان الذي في أسفلها يمر بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به فأخذوا فأساً فجعل ينقر أسفل السفينة فأتوه فقالوا: مالك؟ قال: تأذيتم بي ولا بد لي من الماء، فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم » .
تعليق