الحمد لله ربِّ العالمين , و الصلاة و السلام على نبينا محمد , و على أله و صحبه أجمعين .
اخوانى فى الله
موضوع اليوم جد خطير
مِن الآفات المانعة مِنْ قَبول الحق , أنْ يكون المتكلم مِن حدثاء الأسنان , مَنْ لايعرف للعلم قدراً , و لا يرفع له ذكراً , و لا يقيم له وزناً , و مع ذلك يِدّّعي العلم و قوة الفهم , و سرعة الإدراك , فيحمله ذلك على العجلة في إصدار الفتاوى و الأحكام في مسائل النوازل , مِنْ سفك الدماء , و هتك الحرمات , و تمزيق الأعراض , و تفريق الإخوان و الأحباب و الأصحاب , واستحلال ما حرّم الله و رسوله , بجامع الخلطة و العشرة لآحاد العلماء , ولو كان في سفرة أو سفرتين , ليوم أو يومين , و لا يعلم أنّه مِن سَقْط المتاع .
و العجب مِمَّن يدّعي الإنصاف و العدل و محبة العلماء , و يجري على لسانه الطعن فيهم , وإصدار الفتاوى في هجرهم , و إسقاطهم بلا حجة , فمثل هذا أحق الناس بالسكوت والاعتراف بالجهل و القصور , فإنْ كان و لابدَّ متكلماً و مادحاً أوقادحاً , فلا يكون متكلماً بالجهل, و عائباً لما لا يفهمه , بل يقدِّم بين يدي ذلك تقوى الله و الاشتغال بالعلم , حتى يعرفه حق المعرفة , فهذا وغيره مِن الجهلة , لا يعرفون ما يقولون , فغاية ما يجري بينهم مِن خصام وسباب و مشاتمة , و كثرة الفتاوى بغير علم , فصاروا بذلك عاراً على طلبةالعلم , و أهانوا شرفه , و هذا مِن أعظم المصائب التي أصابتهم , فشُغْلهم الشاغل , الثلب في أعراض الأحياء و الأموات مِن المشهورين بالعلم والتصنيف و الدعوة , فهؤلاء أحق الناس بمنعهم مِن مجالس العلم , و الأخذعلى أيديهم مِن الدخول في مداخل أهله و التشبه بهم , و ذلك لما جلبوه مِن الشر على العلم و أهله , و هذا مِن مهام العلماء و ولاة الأمور .
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - :" الإفتاء منصب عظيم , به يتصدى صاحبه لبيان مايُشكل على العامة من أمور دينهم , و يرشدهم إلى الصراط المستقيم , و لذلك كان هذا المنصب العظيم لا يتصدر له إلا مَنْ كان أهلاً له , لذلك يجب علىالعباد أنْ يتقوا الله تعالى , و لا يتكلموا إلا عن علم و بصيرة "
( كتاب العلم ص 49 )
( كتاب العلم ص 49 )
و لهذا جاء الوعيد الشديد مِن الله تعالى لمن يتكلم في دين الله بلا علم , بتحليل أو تحريم ,فقال تعالى :
" و لا تقولوالما تصفُ ألسنتكم الكذبَ هذا حلالٌ و هذا حرامٌ لتفتروا على الله الكذب , إنَّ الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون , متاعٌ قليل و لهم عذابٌ أليم "
" و لا تقولوالما تصفُ ألسنتكم الكذبَ هذا حلالٌ و هذا حرامٌ لتفتروا على الله الكذب , إنَّ الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون , متاعٌ قليل و لهم عذابٌ أليم "
و قال – صل الله عليه و سلم - :" مَنْ أُفتيَ بغير علم , كان إثمه على مِنْ أفتاه , ومَن أشار على أخيه بأمر يعلم أنَّ الرشد في غيره فقد خانه "
( رواه أبو داود و الحديث حسن )
( رواه أبو داود و الحديث حسن )
و قال – صل الله عليه و سلم - :" مَنْ أفتى بفُتيا غير ثَبْت , فإنّما إثمه على مَن أفتاه "
( رواه ابن ماجه و الحديث حسن )
( رواه ابن ماجه و الحديث حسن )
وقال ابن أبي ليلى – رحمه الله – :"أدركتُ مائة و عشرين مِن الأنصار مِن أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذاحتى ترجع إلى الأول , و ما منهم مِن أحد يحدِّث بحديث أو يسأل عن شيء , إلا ودَّ أنَّ أخاه كفاه "
و سُئل القاسم بن محمد عن شيء , فقال إنِّي لا أحسنه , فقال له السائل : إنِّي جئتك لاأعرف غيرك , فقال له القاسم : لا تنظر إلى طول لحيتي و كثرة الناس حولي , و الله ما أحسنه ! فقال شيخ مِن قريش جالس إلى جنبه : يا ابن أخي الزمها , فوالله ما رأيناك في مجلس أنبل منك اليوم , فقال القاسم : و الله لأنْيُقطع لساني أحبُّ إليَّ مِن أنْ أتكلم بما لا علم لي به "
( إعلام الموقعين 4 / 178 – 179 )
( إعلام الموقعين 4 / 178 – 179 )
أين علمك مِن علم القاسم بن محمد أحد فقهاء المدينة السبعة , يا مَن وقعتَ فيما وقع فيه أنصاف المتعلمين , مِن الجرأة على الله في الفتوى , و أنت مِن أجهل الناس في أحكام الله .
قال ابن القيم – رحمه الله - :" فمَن أقدم بالجرأة على ما ليس بأهل مِن فتيا أو قضاء أوتدريس , استحق اسم الذم , و لم يحلّ قبول فتياه و لا قضائه , و هذا حكم دين الإسلام .
و قال كذلك :" كان بعض أهل العلم يضرب على فتوى مَن كتب و ليس بأهل , و قال : فقد نص الإمام الشافعي و أحمد و غيرهما مِن الأئمة أنّه لا يحل للرجل أنْ يفتي بغير علم , حكى في ذلك الإجماع "
( المصدر نفسه 4 / 170 – 171 )
( المصدر نفسه 4 / 170 – 171 )
والفتوى بغير علم خيانة للمسلمين يستحق صاحبها العقوبة , لأنّ هذا العمل نابع مِن حب العظمة و الشهرة , الذي يترتب عليه إضلال الناس , فكان عليهم الإثم و الوزر.
قال عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه- :" إنّ كل مَن يفتي الناس في كل ما يستفتونه لمجنون "
قال الأعمش : فذكرتُ ذلك للحاكم فقال : لو حدثتَني به قبل اليوم ما أفتيت في كثير مما كنت أفتي "
قال الأعمش : فذكرتُ ذلك للحاكم فقال : لو حدثتَني به قبل اليوم ما أفتيت في كثير مما كنت أفتي "
و قد رأى رجل ربيعة بن أبي عبد الرحمن يبكي , فقال : ما يبكيك ؟ فقال : أُستُفتيَ مَن لا علم له ,و ظهر في الإسلام أمر عظيم , قال : و لَبَعض مَن يفتي ههنا أحق بالسجن مِن السُرّاق .
فقال بعض العلماء : فكيف لو رأى ربيعة زماننا , و إقدام مَن لا علم عنده على الفتيا , و توثبه عليها , و مدَّ باع التكلف إليها , و تسلقه بالجهل و الجرأةعليها مع قلة الخبرة و سوء السيرة و شؤم السريرة , و هو مِن بين أهل العلم منكر أو غريب , فليس له في معرفة الكتاب و السنة وآثار السلف نصيب , و لايُبدي جواباً بإحسان , و إنْ ساعد القدر فتواه " ( المصدر نفسه 4 / 168 – 169 )
هذا الجهل بالفتوى , و التسرّع في إصدارها مِن غير أهلها , و عدم التثبّت منها , أوقع أهلها في ظلم العباد مِن التحابي , و التشهي و هوى النفس .
قال ابن القيم – رحمه الله - :" و بالجملة فلا يجوز العمل و الإفتاء في دين الله بالتشهي و التخيّر و موافقة الغرض , فيطلب القول الذي يوافق غرضه , وغرض مَن يحابيه , فيعمل به , و يفتي به و يحكم به , و يحكم على عدوه و يفتيه بضده , و هذا مِن أفسق الفسوق , و أكبر الكبائر , و الله المستعان.
و قال : و لايجوز له إذا كان في المسألة قولان : قول بالجواز , و قول بالمنع , أنْ يختار لنفسه قول الجواز و لغيره قول المنع "
( المصدر نفسه 4 / 172 )
و قال : و لايجوز له إذا كان في المسألة قولان : قول بالجواز , و قول بالمنع , أنْ يختار لنفسه قول الجواز و لغيره قول المنع "
( المصدر نفسه 4 / 172 )
و هذا ما وقع فيه أهل الجهل و الهوى فيجيزون لأنفسهم الكلام في أعراض العلماء ثلباً وطعناً , و يتخذون مِن هذا قربة إلى الله – زعموا – و في المقابل إذا تكلم فيهم أو في أحدهم بالدليل و البينة , سرعان ما أفتوا بالتحريم , فكيف يجيزون لأنفسهم , و يحرمون على غيرهم , و هذا مِن علامات أهل البدع .
قال وكيع – رحمه الله - :" أهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم "
( ذم الكلام و أهله ص 338 )
( ذم الكلام و أهله ص 338 )
وأوقعهم الجهل في التقليد و التناقض , و تضارب الأقوال ,مِن الجرأة علىالتقوّل على الله بغير علم , و تحقير ما عظمه الله من الفتوى .
قال ابن حزم – رحمه الله - :" كان عندنا مفتٍ قليل البضاعة , فكان لا يفتي حتى يتقدم مَن يكتب الجواب , فيكتب تحته : جوابي مثل جواب الشيخ , فقُدِّرَ أنْه اختلف مفتيان في جواب , فكتب تحتهما : جوابي مثل جواب الشيخين , فقيل له : إنهما قد تناقضا , فقال : و أنا أيضاً تناقضتُّ كما تناقضا "
( المصدر نفسه 4 / 169 )
( المصدر نفسه 4 / 169 )
وهذا شأن بعض المنتسبين للفتوى , فإذا أفتى أحدهم أو مَن يقلدونه , قالوابفتواه , و إذا تراجع عنها , تراجعوا , و هكذا, القول ما قال شيخهم , و لادليل على الفتوى الأولى , ولا دليل على الفتوى الأخرى.
قال ابن القيم –رحمه الله - :" و سمعت شيخنا يقول : سمعت بعض الأمراء يقول عن بعض المفتين مِن أهل زمانه, يكون عندهم في المسألة ثلاثة أقوال : أحدها الجواز , و الثاني المنع , و الثالث التفصيل , فالجواز لهم , و المنع لغيرهم , والثالث عليه العمل " ( المصدر نفسه 4 / 172 )
و على ولاة الأمور أن يأخذوا على أيدي هؤلاء الجهلة و يمنعونهم من الفتوى .
قال ابن القيم – رحمه الله - :" و كان شيخنا – رضي الله عنه – شديد الإنكار على هؤلاء , فسمعتُه يقول : قال لي بعض هؤلاء : أجعلتَ محتسباً على الفتوى ؟ فقلتُ له : يكون على الخبازين و الطبّاخين محتسب , و لا يكون على الفتوى محتسب " ( المصدر نفسه 4 / 177 )
يا مَن تنتسب إلى الفتوى , و أنت مِن غير أهلها
, إنْ أردتَّ الوصول إلى شيء مِن هذه الأمور , فعليك بحلقات العلم و العلماء , حتى تتأهل للفتوى ,
و لا يمكن تحقيق هذه الثمرة إلا بإخلاص النية لله في الطلب , و التواضع للعلم والعلماء و الصبر , و عدم العجلة في قطف الثمرة , و ترك العُجْب والخُيَلاء , و عدم التصدّر قبل التأهّل , و ترك التشفي و الانتقام , والتطاول على العلماء ,
فإنَّ منزلة العلم و أهله , هي المنزلة التي لاتساميها منزلة , و إنْ علت , و لا تساميها رتبة , وإنْ ارتفعت ,
و اترك الفتوى لأهل الفتوى ,
مِن العلماء الكبار مِمَّن شابتْ لحاهم في العلم , وهذا مجالهم و تخصصهم , فجزاهم الله خيراً , و نفع بهم .
, إنْ أردتَّ الوصول إلى شيء مِن هذه الأمور , فعليك بحلقات العلم و العلماء , حتى تتأهل للفتوى ,
و لا يمكن تحقيق هذه الثمرة إلا بإخلاص النية لله في الطلب , و التواضع للعلم والعلماء و الصبر , و عدم العجلة في قطف الثمرة , و ترك العُجْب والخُيَلاء , و عدم التصدّر قبل التأهّل , و ترك التشفي و الانتقام , والتطاول على العلماء ,
فإنَّ منزلة العلم و أهله , هي المنزلة التي لاتساميها منزلة , و إنْ علت , و لا تساميها رتبة , وإنْ ارتفعت ,
و اترك الفتوى لأهل الفتوى ,
مِن العلماء الكبار مِمَّن شابتْ لحاهم في العلم , وهذا مجالهم و تخصصهم , فجزاهم الله خيراً , و نفع بهم .
و آخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين
تعليق