و مات الساحر !!
حرص الطغاة عبر العصور على توطيد أواصر ملكهم و دعم قواعد حكمهم و لعل أبرز دعائم ممالك الطواغيت هي شخص الساحر هذه النفس الشريرة المتلونة المطاطية في قصة أصحاب الأخدود الشهيرة بداية الأحداث كانت ساحر الملك الذي أراد أن يُورث مهنته البغيضة لغلام صغير حتى لا تنقطع سلسلة الشر فلا ملك جائر دون ساحر فاجر ، و عندما أراد فرعون أن يقضي على موسى عليه السلام انتدب سحرة مصر لمواجهة موسى و كذا في كل العصور فإن الساحر شخصية تقبع في ظلام الكواليس الخلفية للمالك الجور و الظلم حيث تقوم بإدارة الحياة السياسية بدهاء و مكر شديد .
و نظرا لأن شخص الساحر مطاطي أقرب للحرباء فإنه قادر على التلون و التكيف مع تقلبات الزمن و تغير الأحوال فتارة يكون كاهن في معبد و أخرى قسيس في كنيسة كما حدث في العصور الوسطى في أوربا و هو شيخ معمم طيب المظهر خبيث الطوية ممن يصطلح عليهم بعلماء السلاطين ثم إنه آلة إعلامية ضخمة و مؤسسسات لنشر الرزيلة و الفجور فالأشكال تختلف لأن الساحر يتقن فن التخفي ثم إن الوظيفة واحدة و هي توطيد حكم الملك و نشر العبثية الفكرية بين البشر .
و الساحر في كل مكان و زمان له أسلوب واحد في فرض السيطرة الفكرية على الجموع قال تعالى ( قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ) فهم بداية يخطفون الأبصار و يصرفوا انتباه الناس عن الواقع المحيط فلا يرى الناس إلا ما يريده الساحر ثم إنهم يثيرون مخاوف الناس و يزرعون في قلوبهم الرعب و الرهبة فتكون النتيجة قوم ضعاف قد استعبدتهم المخوف و الظنون و الأوهام فلا يمكلون حيلة و لا يجدون مخرجا إلا اتباع الملك و الخضوع له .
لكن قدر الله سابق و سنته جارية فما جعل الله لبشر الخلد و الأيام دول فالساحر مات و يموت و سيموت فتنتهي بهذا سطوته و تنكشف الغمة عن عموم الأمة ، مات قديما في زمن أصحاب الأخدود و كان موته على يد طفل مبارك أراد أن يصنع منه ساحر أخر فخرج لدنيا الناس من أكبر دعاة التوحيد فسبحان الذي أخرج الضياء من الظلمات و الحي من الميت صحيح أن الرواية التي وصلتنا لم تذكر هلاك الساحر لكن وجود هذا الفتى المبارك كان كفيل بإنهاء سطوة الساحر و تبديد سطوته الوهمية حتى أن البشر المستعبدون أفاقوا من سباتهم و ضحوا بأرواحهم و هانت عليهم الحياة بمجرد سقوط زمن الساحر ، ثم ها هي الدورة تدور و سنن الله ماضية لا تحابي أحد فنرى سطوة سحرة فرعون تتحطم في ثوان معدودة بأمر الله فلم قضي الأمر و بطل سحر السحرة انهار ملك فرعون و ذهب أدراج الرياح .
و لو تتبعت هلاك الممالك و نهاية الطغاة لوجدت أن الساحر يسقط أولا فإذا مات الساحر أوشك الملك أن يموت و لقد رأت الأمة في زمننا هذا أمثلة كثيرة لطواغيت و جببارة كانوا يقبضون على شعوبهم بأيد من حديد ونار فما لبثوا أن سقطوا بسقوط سحرتهم فسبحان مذل القياصرة محطم الجببارة ... و لقد مات الساحر فابشروا !! .
تعليق