السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل تُعف زوجتك؟
أم عبد الرحمن محمد يوسف
(بينما عمر بن الخطاب يحرس المدينة، فمر بامرأة في بيتها وهي تقول:
تطاول هذا الليل واسود جانبه وأرقني ألَّا خليل ألاعبه
فوالله لولا الله تُخشى عواقبه لحرك من هذا السرير جوانبه
فسأل عنها عمر؛ فقيل له: هذه فلانة، زوجها غائب في سبيل الله.
فأرسل إليها تكون معه، وبعث إلى زوجها فأقفه ـ أي أرجعه ـ ثم دخل على حفصة، فقال: يا بنية، كم تصبر المرأة عن زوجها؟
فقالت: سبحان الله، مثلك يسأل مثلي عن هذا؟
فقال: لولا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك، قالت: خمسة أشهر، ستة أشهر.
فوقَّت للناس في مغازيهم ستة أشهر، يسيرون شهرًا، ويقيمون أربعة أشهر، ويسيرون راجعين شهرًا) [طبقات الشافعية الكبرى، عبد الوهاب السبكي، (1/203)].
ملف شائك
تحدثنا كثيرًا عن أهمية إعفاف الزوجة لزوجها، وغيرنا أيضا تحدث وقد آن الأوان أن نفتح ملفا يخشاه الكثير من الرجال وهو إعفاف الرجل لزوجته، ونحن هنا نؤكد أنها عملية مشتركة بين الزوجين؛ فالزوج أيضًا عليه إعفاف زوجته، ولا يتعمد هجرها فهو مأمور بأداء حقها بقدر حاجتها وقدرته؛ قال تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: 21]، (أي كيف تأخذون الصداق من المرأة وقد أفضيت إليها وأفضت إليك، قال ابن عباس: (الإفضاء الجماع) [تفسير الطبري، (8/126)]) [أسرار الزواج السعيد، بثينة السيد العراقي].
وفي تفسير ابن عباس للآية يتضح مدى عناية القرآن بإعفاف المرأة، حيث لم يذكر إفضاء الرجل إلى زوجته فحسب، وإنما قرنه بإعفاف المرأة في إشارة رائعة لهذا الحق المشترك.
وقال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]، جاء في تفسير القرطبي قوله: (ثم عليه أن يتوخى أوقات حاجتها إلى الرجل فيعفها ويغنيها عن التطلع إلى غيره، وإن رأى الرجل من نفسه عجزًا عن إقامة حقها في مضجعها؛ أخذ من الأدوية التي تزيد في باهه وتقوي شهوته حتى يعفها) [تفسير القرطبي، (3/124)]، ولكن على الزوج أن يرجع إلى الطبيب قبل تناول أي دواء.
فينبغي لكل زوج أن يعلم أن المعاشرة بالمعروف تقتضي (أن يعف الزوج زوجته بالاتصال الجنسي، فإن من المقاصد الأساسية للزواج إلى جانب الإنجاب والتعاون على استقرار النفس ومباشرة النشاط العام، تحصين الفرج وتسكين الشهوة وإعفاف النفس عن التطلع إلى المتعة المحرمة ... والمرأة مثل الرجل في الحاجة إلى الإعفاف وتلبية نداء الغريزة ...) [حقوق الزوجية، عطية صقر].
ويستشهد ابن حزم لحق المرأة في ذلك بقوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222]، فيقول: (وفرض على الرجل أن يجامع امرأته ـ التي هي زوجته ـ وأدنى ذلك مرة في كل طهر، إن قدر على ذلك، وإلا فهو عاصٍ لله ـ تعالى ـ ويُعاقب على ذلك من القاضي بالأدب لأنه أتى منكرًا) [المحلى، ابن حزم، (10/40)].
(وذهب جمهور العلماء إلى ما ذهب إليه ابن حزم من الوجوب على الرجل إذا لم يكن له عذر، ... وإذا سافر عن امرأته، فإن لم يكن له عذر مانع من الرجوع يكتب إليه بعد ستة أشهر؛ فإن أبى أن يرجع فرَّق الحاكم بينهما) [فقه السنة، سيد سابق، ص(452)].
ولقد استوقفني هذا الشعور من عمر رضي الله عنه في قصة المرأة التي غاب عنها زوجها والتي ذكرناها منذ قليل، والمعروف عن عمر شدة بأسه وقوته ولكنه هنا يرق ويشفق على امرأة غاب عنها زوجها، ويهتم لهذا الأمر، ويسأل ابنته، ثم يقضي بتوقيت لبعثات الغزو في الذهاب والإياب، وتبديل الجيش استجابة لهذه المشاعر الإنسانية.
من تعمد الإضرار خَسِر
فإذا تعمد الزوج الغياب عن زوجته وتركها دون عذر مشروع؛ فإن هذا يدل على قصده الإضرار بها، والإضرار لا يجوز شرعًا، وفي هذه الحالة قد سمَّاها الشرع (الإيلاء)؛ قال تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226-227].
(فمن يمتنع عن معاشرة زوجته متعمدًا؛ أمامه أربعة أشهر، إن استمر على ذلك بعدها فلابد من موقف معه، فإما أن يفيء عن هذا الامتناع بالعودة إلى دفء فراشه وروعة التعبير عن الحب ـ وقد جعل الله موقفه هذا ذنبًا، والعودة توبة: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 227] ـ أو يعتبر الشرع أن استمراره عزم على الطلاق، ويكون التعبير القرآني من القوة هنا ليبين أن الأمر ليس بهزل، وأن الموقف كله تحت سمع الله وعلمه، وهو القادر على إنصاف المظلوم، فليس كل من وضع الله في يده القوامة يتحكم بها، ولكن ليعلم الجميع أن الله سميع عليم) [بالمعروف، حتى يعود الدفء العاطفي إلى بيوتنا، د.أكرم رضا، ص(80-81)].
إن الحاجة إلى العلاقة الجسدية هي حاجة عاطفية للمرأة أيضًا؛ لأن المشاكل في هذا الباب تُسبِّب التوترات والاكتئاب والحزن، وإذا لم يتفهم كل طرف احتياجات الطرف الآخر؛ فإن الرصيد يشرع في التناقص التدريجي، ويزول دفء العلاقة الزوجية، وتتحول مشاعر الزوجة لزوجها إلى كراهية وبغض؛ وبالتالي قد يُقوض الزواج ويُهدد استقرار الأسرة إلى أن يصل الأمر إلى الطلاق.
ولأن طبيعة المرأة مثل طبيعة الرجل؛ فكلٌّ منهما يحتاج إلى هذا الحق، ومنع أحدهما إياه إضرار به، فعن عبادة بن الصامت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن: (لا ضرر ولا ضرار) [صححه الألباني].
والزواج شُرِع لمصلحة الزوجين ودفع الضرر عنهما، (وهو ـ أي الوطء ـ مفضي إلى دفع الشهوة عن المرأة كإفضائه إلى دفعها عن الرجل؛ فيكون الوطء حقًّا لهما جميعًا) [المبدع، ابن مفلح، (7/198)].
سلمان الحكيم الفقيه:
إنه سلمان الفارسي رضي الله عنه، ذلك الفقيه الحكيم الذي عرف أن للزوجة حقًّا ينبغي على الرجل أن يراعيه ويقوم به، ولو على حساب كثرة القيام والصيام.
فقد أخرج البخاري عن وهب بن عبد الله قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء؛ فرأى أم الدرداء متبذلة[أي التاركة للزينة والهيئة الحسنة]، فقال لها: ما شأنك؟
قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا [تقصد النساء].
فجاء أبو الدرداء فصنع له طعامًا، فقال: كُل فإني صائم.
قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل.
فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم؛ فنام.
ثم ذهب يقوم، فقال: نم.
فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قم الآن، فصليا.
فقال له سلمان: إن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعطِ كل ذي حق حقه.
فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صدق سلمان).
همس الحياء:
(أتت امرأة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت: يا أمير المؤمنين: إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل، وأنا أكره أن أشكوه وهو يعمل بطاعة الله عز وجل.
فقال لها: نِعم الزوج زوجك.
فجعلت تكرر عليه القول، وهو يكرر عليها الجواب، فقال له كعب الأزدي: يا أمير المؤمنين، هذه المرأة تشكو زوجها في مباعدته إياها عن فراشه.
فقال عمر: كما فهمتَ كلامها فاقضِ بينهما؛ فقضى بأن يعتبر صاحب أربع زوجات، فيكون لها ليلة كل أربع) [المنتظم، ابن الجوزي، (2/108)، وفقه السنة، السيد سابق، ص(453)، بتصرف].
قربة وصدقة:
إن جماع الرجل زوجته من الصدقات التي يثيبه الله عليها، شأنه في ذلك شأن العبادات من ذِكر وتصدق وغيرها؛ ففي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (... وفي بُضع أحدكم صدقة)، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: (أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) [رواه مسلم].
احذر أيها الفاضل!!!
إن تقصير الزوج في إعفاف زوجته له أضراره وآثاره؛ فقد يؤدي إلى كراهية وعدم إخلاصها في أداء واجبها نحوه، واستشرافها للذة التي قد تطلبها من غيره، والتفكير في الخلاص منه.
وفيه ضرر عليه أيضًا؛ بعدم أمنه عليها عند غيابه، ولذلك نجد من حكمة الشرع الاختيار قبل الزواج، وأن يكون هناك تكافؤ بين الزوجين في السن؛ حتى يوجد بينهما انسجام.
وماذا بعد الكلام؟
1- لا تنسَ الملاعبة والمداعبة، والملاطفة والتقبيل، والانتظار حتى تقضي الزوجة حاجتها.
2- عليك أيها الزوج أن تراعي التمهيد الذي يسبق اللقاء، حتى تنتهي شهوة المرأة وتنال من اللذة مثل ما تناله، ففي الآية أمر بالتقديم قبل اللقاء الزوجي، وهي التهيئة المعنوية والإعداد النفسي، ليحدث الانسجام الجسدي والروحي.
3- (هلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك؟!) [متفق عليه]، حثٌ من الرسول صلى الله عليه وسلم لك أخي الزوج على الاهتمام بالملاعبة للزوجة؛ (فإن هذا يغرس الحب في قلبها والسكينة، وتتم به المتعة، وتحدث به الألفة) [فقة المعاشرة الزوجية، عمرو عبد المنعم سليم، ص(103)، بتصرف].
4- لا تنسَ المساحة المجهولة بعد الجماع ففيها مشاعر أيضًا واستمتاع وتبادل اللمسات والكلمات، وبث لمشاعر الحب والألفة، وقد يكون فيها استكمال لإشباع المرأة، فهذه المساحة كثيرًا ما تنال الإهمال، فيبتعد الزوج عن زوجته بعد الجماع مباشرة ويدير لها ظهره، فعلى الزوج (الاستمرار في إمتاع زوجته وملاعبتها بعد إشباع رغباته وما أسهل ذلك، يكفي منحها كلمة حب أو قُبلة أو لمسة رقيقة أو عناقًا) [الزواج المثالي، فان دفلد، ص(269)، بتصرف].
5- تعجل الزوج يؤذي الزوجة، فلا يعجل بالقيام عنها، بل يبقى حتى يعلم أن حاجتها قد انقضت، والمقصود الإحسان إليها.
قال الإمام أبو حامد الغزالي: (إذا قضى وطره [أي الرجل] فليتمهل على أهله حتى تقضي هي أيضًا نهمتها، فإن إنزالها ربما يتأخر فيهيج شهوتها، ثم القعود عنها إيذاء لها، والاختلاف في طبع الإنزال يوجب التنافر مهما كان الزوج سابقًا إلى الإنزال، والتوافق في وقت الإنزال ألذ عندها، ليشتغل الرجل بنفسه عنها، فإنها ربما تستحي) [إحياء علوم الدين، الغزالي، (1/401)].
6- عليكَ تحري أوقات حاجة الزوجة لتعفها، وتحري أوقات راحتها وقبولها، ومراعاة حالتها النفسية والجسمية، وهذا شيء لا يحتاج إلى نص يدل عليه.
7- لا تنسَ النظافة الشخصية، والتزين للزوجة قبل اللقاء الزوجي وفي غيره أيضًا، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (إني أحب أن أتزين لامرأتي كما تتزين لي) [تفسير القرطبي، (5/97)]
أهم المراجع:
أسرار الزواج السعيد، بثينة السيد العراقي
حقوق الزوجية، عطية صقر
بالمعروف، حتى يعود الدفء العاطفي إلى بيوتنا، د.أكرم رضا
فقة المعاشرة الزوجية، عمرو عبد المنعم سليم
الزواج المثالي، فان دفلد
هل تُعف زوجتك؟
أم عبد الرحمن محمد يوسف
(بينما عمر بن الخطاب يحرس المدينة، فمر بامرأة في بيتها وهي تقول:
تطاول هذا الليل واسود جانبه وأرقني ألَّا خليل ألاعبه
فوالله لولا الله تُخشى عواقبه لحرك من هذا السرير جوانبه
فسأل عنها عمر؛ فقيل له: هذه فلانة، زوجها غائب في سبيل الله.
فأرسل إليها تكون معه، وبعث إلى زوجها فأقفه ـ أي أرجعه ـ ثم دخل على حفصة، فقال: يا بنية، كم تصبر المرأة عن زوجها؟
فقالت: سبحان الله، مثلك يسأل مثلي عن هذا؟
فقال: لولا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك، قالت: خمسة أشهر، ستة أشهر.
فوقَّت للناس في مغازيهم ستة أشهر، يسيرون شهرًا، ويقيمون أربعة أشهر، ويسيرون راجعين شهرًا) [طبقات الشافعية الكبرى، عبد الوهاب السبكي، (1/203)].
ملف شائك
تحدثنا كثيرًا عن أهمية إعفاف الزوجة لزوجها، وغيرنا أيضا تحدث وقد آن الأوان أن نفتح ملفا يخشاه الكثير من الرجال وهو إعفاف الرجل لزوجته، ونحن هنا نؤكد أنها عملية مشتركة بين الزوجين؛ فالزوج أيضًا عليه إعفاف زوجته، ولا يتعمد هجرها فهو مأمور بأداء حقها بقدر حاجتها وقدرته؛ قال تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: 21]، (أي كيف تأخذون الصداق من المرأة وقد أفضيت إليها وأفضت إليك، قال ابن عباس: (الإفضاء الجماع) [تفسير الطبري، (8/126)]) [أسرار الزواج السعيد، بثينة السيد العراقي].
وفي تفسير ابن عباس للآية يتضح مدى عناية القرآن بإعفاف المرأة، حيث لم يذكر إفضاء الرجل إلى زوجته فحسب، وإنما قرنه بإعفاف المرأة في إشارة رائعة لهذا الحق المشترك.
وقال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]، جاء في تفسير القرطبي قوله: (ثم عليه أن يتوخى أوقات حاجتها إلى الرجل فيعفها ويغنيها عن التطلع إلى غيره، وإن رأى الرجل من نفسه عجزًا عن إقامة حقها في مضجعها؛ أخذ من الأدوية التي تزيد في باهه وتقوي شهوته حتى يعفها) [تفسير القرطبي، (3/124)]، ولكن على الزوج أن يرجع إلى الطبيب قبل تناول أي دواء.
فينبغي لكل زوج أن يعلم أن المعاشرة بالمعروف تقتضي (أن يعف الزوج زوجته بالاتصال الجنسي، فإن من المقاصد الأساسية للزواج إلى جانب الإنجاب والتعاون على استقرار النفس ومباشرة النشاط العام، تحصين الفرج وتسكين الشهوة وإعفاف النفس عن التطلع إلى المتعة المحرمة ... والمرأة مثل الرجل في الحاجة إلى الإعفاف وتلبية نداء الغريزة ...) [حقوق الزوجية، عطية صقر].
ويستشهد ابن حزم لحق المرأة في ذلك بقوله تعالى: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222]، فيقول: (وفرض على الرجل أن يجامع امرأته ـ التي هي زوجته ـ وأدنى ذلك مرة في كل طهر، إن قدر على ذلك، وإلا فهو عاصٍ لله ـ تعالى ـ ويُعاقب على ذلك من القاضي بالأدب لأنه أتى منكرًا) [المحلى، ابن حزم، (10/40)].
(وذهب جمهور العلماء إلى ما ذهب إليه ابن حزم من الوجوب على الرجل إذا لم يكن له عذر، ... وإذا سافر عن امرأته، فإن لم يكن له عذر مانع من الرجوع يكتب إليه بعد ستة أشهر؛ فإن أبى أن يرجع فرَّق الحاكم بينهما) [فقه السنة، سيد سابق، ص(452)].
ولقد استوقفني هذا الشعور من عمر رضي الله عنه في قصة المرأة التي غاب عنها زوجها والتي ذكرناها منذ قليل، والمعروف عن عمر شدة بأسه وقوته ولكنه هنا يرق ويشفق على امرأة غاب عنها زوجها، ويهتم لهذا الأمر، ويسأل ابنته، ثم يقضي بتوقيت لبعثات الغزو في الذهاب والإياب، وتبديل الجيش استجابة لهذه المشاعر الإنسانية.
من تعمد الإضرار خَسِر
فإذا تعمد الزوج الغياب عن زوجته وتركها دون عذر مشروع؛ فإن هذا يدل على قصده الإضرار بها، والإضرار لا يجوز شرعًا، وفي هذه الحالة قد سمَّاها الشرع (الإيلاء)؛ قال تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 226-227].
(فمن يمتنع عن معاشرة زوجته متعمدًا؛ أمامه أربعة أشهر، إن استمر على ذلك بعدها فلابد من موقف معه، فإما أن يفيء عن هذا الامتناع بالعودة إلى دفء فراشه وروعة التعبير عن الحب ـ وقد جعل الله موقفه هذا ذنبًا، والعودة توبة: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 227] ـ أو يعتبر الشرع أن استمراره عزم على الطلاق، ويكون التعبير القرآني من القوة هنا ليبين أن الأمر ليس بهزل، وأن الموقف كله تحت سمع الله وعلمه، وهو القادر على إنصاف المظلوم، فليس كل من وضع الله في يده القوامة يتحكم بها، ولكن ليعلم الجميع أن الله سميع عليم) [بالمعروف، حتى يعود الدفء العاطفي إلى بيوتنا، د.أكرم رضا، ص(80-81)].
إن الحاجة إلى العلاقة الجسدية هي حاجة عاطفية للمرأة أيضًا؛ لأن المشاكل في هذا الباب تُسبِّب التوترات والاكتئاب والحزن، وإذا لم يتفهم كل طرف احتياجات الطرف الآخر؛ فإن الرصيد يشرع في التناقص التدريجي، ويزول دفء العلاقة الزوجية، وتتحول مشاعر الزوجة لزوجها إلى كراهية وبغض؛ وبالتالي قد يُقوض الزواج ويُهدد استقرار الأسرة إلى أن يصل الأمر إلى الطلاق.
ولأن طبيعة المرأة مثل طبيعة الرجل؛ فكلٌّ منهما يحتاج إلى هذا الحق، ومنع أحدهما إياه إضرار به، فعن عبادة بن الصامت: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن: (لا ضرر ولا ضرار) [صححه الألباني].
والزواج شُرِع لمصلحة الزوجين ودفع الضرر عنهما، (وهو ـ أي الوطء ـ مفضي إلى دفع الشهوة عن المرأة كإفضائه إلى دفعها عن الرجل؛ فيكون الوطء حقًّا لهما جميعًا) [المبدع، ابن مفلح، (7/198)].
سلمان الحكيم الفقيه:
إنه سلمان الفارسي رضي الله عنه، ذلك الفقيه الحكيم الذي عرف أن للزوجة حقًّا ينبغي على الرجل أن يراعيه ويقوم به، ولو على حساب كثرة القيام والصيام.
فقد أخرج البخاري عن وهب بن عبد الله قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء؛ فرأى أم الدرداء متبذلة[أي التاركة للزينة والهيئة الحسنة]، فقال لها: ما شأنك؟
قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا [تقصد النساء].
فجاء أبو الدرداء فصنع له طعامًا، فقال: كُل فإني صائم.
قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل.
فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم؛ فنام.
ثم ذهب يقوم، فقال: نم.
فلما كان من آخر الليل قال سلمان: قم الآن، فصليا.
فقال له سلمان: إن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعطِ كل ذي حق حقه.
فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (صدق سلمان).
همس الحياء:
(أتت امرأة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت: يا أمير المؤمنين: إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل، وأنا أكره أن أشكوه وهو يعمل بطاعة الله عز وجل.
فقال لها: نِعم الزوج زوجك.
فجعلت تكرر عليه القول، وهو يكرر عليها الجواب، فقال له كعب الأزدي: يا أمير المؤمنين، هذه المرأة تشكو زوجها في مباعدته إياها عن فراشه.
فقال عمر: كما فهمتَ كلامها فاقضِ بينهما؛ فقضى بأن يعتبر صاحب أربع زوجات، فيكون لها ليلة كل أربع) [المنتظم، ابن الجوزي، (2/108)، وفقه السنة، السيد سابق، ص(453)، بتصرف].
قربة وصدقة:
إن جماع الرجل زوجته من الصدقات التي يثيبه الله عليها، شأنه في ذلك شأن العبادات من ذِكر وتصدق وغيرها؛ ففي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (... وفي بُضع أحدكم صدقة)، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: (أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) [رواه مسلم].
احذر أيها الفاضل!!!
إن تقصير الزوج في إعفاف زوجته له أضراره وآثاره؛ فقد يؤدي إلى كراهية وعدم إخلاصها في أداء واجبها نحوه، واستشرافها للذة التي قد تطلبها من غيره، والتفكير في الخلاص منه.
وفيه ضرر عليه أيضًا؛ بعدم أمنه عليها عند غيابه، ولذلك نجد من حكمة الشرع الاختيار قبل الزواج، وأن يكون هناك تكافؤ بين الزوجين في السن؛ حتى يوجد بينهما انسجام.
وماذا بعد الكلام؟
1- لا تنسَ الملاعبة والمداعبة، والملاطفة والتقبيل، والانتظار حتى تقضي الزوجة حاجتها.
2- عليك أيها الزوج أن تراعي التمهيد الذي يسبق اللقاء، حتى تنتهي شهوة المرأة وتنال من اللذة مثل ما تناله، ففي الآية أمر بالتقديم قبل اللقاء الزوجي، وهي التهيئة المعنوية والإعداد النفسي، ليحدث الانسجام الجسدي والروحي.
3- (هلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك؟!) [متفق عليه]، حثٌ من الرسول صلى الله عليه وسلم لك أخي الزوج على الاهتمام بالملاعبة للزوجة؛ (فإن هذا يغرس الحب في قلبها والسكينة، وتتم به المتعة، وتحدث به الألفة) [فقة المعاشرة الزوجية، عمرو عبد المنعم سليم، ص(103)، بتصرف].
4- لا تنسَ المساحة المجهولة بعد الجماع ففيها مشاعر أيضًا واستمتاع وتبادل اللمسات والكلمات، وبث لمشاعر الحب والألفة، وقد يكون فيها استكمال لإشباع المرأة، فهذه المساحة كثيرًا ما تنال الإهمال، فيبتعد الزوج عن زوجته بعد الجماع مباشرة ويدير لها ظهره، فعلى الزوج (الاستمرار في إمتاع زوجته وملاعبتها بعد إشباع رغباته وما أسهل ذلك، يكفي منحها كلمة حب أو قُبلة أو لمسة رقيقة أو عناقًا) [الزواج المثالي، فان دفلد، ص(269)، بتصرف].
5- تعجل الزوج يؤذي الزوجة، فلا يعجل بالقيام عنها، بل يبقى حتى يعلم أن حاجتها قد انقضت، والمقصود الإحسان إليها.
قال الإمام أبو حامد الغزالي: (إذا قضى وطره [أي الرجل] فليتمهل على أهله حتى تقضي هي أيضًا نهمتها، فإن إنزالها ربما يتأخر فيهيج شهوتها، ثم القعود عنها إيذاء لها، والاختلاف في طبع الإنزال يوجب التنافر مهما كان الزوج سابقًا إلى الإنزال، والتوافق في وقت الإنزال ألذ عندها، ليشتغل الرجل بنفسه عنها، فإنها ربما تستحي) [إحياء علوم الدين، الغزالي، (1/401)].
6- عليكَ تحري أوقات حاجة الزوجة لتعفها، وتحري أوقات راحتها وقبولها، ومراعاة حالتها النفسية والجسمية، وهذا شيء لا يحتاج إلى نص يدل عليه.
7- لا تنسَ النظافة الشخصية، والتزين للزوجة قبل اللقاء الزوجي وفي غيره أيضًا، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (إني أحب أن أتزين لامرأتي كما تتزين لي) [تفسير القرطبي، (5/97)]
أهم المراجع:
أسرار الزواج السعيد، بثينة السيد العراقي
حقوق الزوجية، عطية صقر
بالمعروف، حتى يعود الدفء العاطفي إلى بيوتنا، د.أكرم رضا
فقة المعاشرة الزوجية، عمرو عبد المنعم سليم
الزواج المثالي، فان دفلد
تعليق