بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد
فالحديث عن الله عز وجل وأسمائه وصفاته ؛
يزداد به الإيمان .. وترق به القلوب .. وتلين له الجلود.. وتدمع منه العيون .. وتسمو به النفوس والأرواح ..
ومعرفة الله عز وجل وطاعته هي الغاية التي من أجلها خلق الله العباد.. وأرسل الرسل .. وأنزل الكتب .. ولأجلها انقسم الناس إلى فريقين :
« فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ»
[ الشورى : 7].
فما أحوج الخلق إلى معرفة خالقهم ، فإنه من عرف الله أحبه .. ومن أحبه أطاعه .. ومن أطاعه فاز في الدنيا والآخرة ..
فهيا أحبتي لنقف عدة وقفات تزداد بها معرفتنا لله عز وجل.
إلهي
له الأسماء الحسنى .. التي تجاب بها الدعوات .. وتقال بها العثرات :
« وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا»
[ الأعراف : 180].
وأعظم الأسماء اسم (الله) فهو الإسم المفرد العلم المتضمن لجميع معاني سائر الأسماء الحسنى .. وكل الأسماء تضاف إليه فيقال :
الرحمن والرحيم من أسماء الله ، ولا يقال :
الله من أسماء الرحمن أو الرحيم .. وهذا الإسم له من الجلال والمهابة والسطوة على القلوب ما لَهُ .. فهو اسم ما ذُكر في عسر إلا يسَّره ..
ولا ذُكر في قليل إلا كثَّره .. ولا ذُكر في ضيق إلا فرَّجه ..
اسم تستمطر به الرحمات .. وتتنزل به البركات ..
إلهي
له صفات الكمال .. ونعوت الجلال .. فهو يسمع ويبصر .. ويأمر وينهى .. ويتكلم سبحانه .. ويفرح سبحانه .. يُحيي ويُميت ..
ويعين المحتاج .. ويجبر الكسير .. ويغني الفقير .. يمنع ويعطي .. ويرضى ويغضب .. ويحب ويسخط .. يؤتي الملك من يشاء .. وينزع الملك ممن يشاء .. ويعز من يشاء .. ويذل من يشاء .. بيده الخير وهو على كل شيء قدير :
« لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ»
[ الشورى : 11].
أي : ليس يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته ، لا في ذاته ، ولا في أسمائه ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله .. لأن أسماءه كلها حسنى ..
وصفاته صفات كمال وعظمة .. فليس كمثله شيء لانفراده وتوحده بالكمال من كل وجه «وَهُوَ السَّمِيعُ» لجميع الأصوات ..
باختلاف اللغات .. على تفنن الحاجات «الْبَصِيرُ» يرى دبيب النملة السوداء .. في الليلة الظلماء .. على الصخرة الصماء .. ويرى سريان القوت في الأعضاء .. سبحانه لطيف لما يشاء ..
إلهي
خالق الكائنات .. وله تخضع المخلوقات .. كم في أرضه وسمائه من آيات باهرات .. ودلائل واضحات ..
فيا عجبًا كيف يُعصى الإلهُ
أم كيف يجحده الجاحدُ
وفي كل شيء له آية
تدل على أنه الواحدُ
قال تعالى :
« أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ»
[ النمل : 60 _ 64 ].
إلهي
الشمس والبدر من آثار قدرته
والبر والبحر فيضٌ من عطاياهُ
الطير سبَّحه ، والوحش مجَّدهُ
والموج كبَّره ، والحوت ناجاهُ
والنمل تحت الصخور الصُّم قدَّسه
والنحل يهتف حمدًا في خلاياهُ
والناس يعصونه جهرًا فيسترهم
والعبد ينسى وربي ليس ينساهُ
إلهي
حي لا يموت .. قيوم لا ينام : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
« إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَنَامُ ، وَلاَ يَنْبَغِى لَهُ أَنْ يَنَامَ ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ ، حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ »
[مسلم (179)].
سبحانه له القدرة التامة .. والمشيئة المطلقة .. والعظمة الباهرة :
جَاءَ حَبْرٌ إِلَى النَّبِىِّ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ أَوْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى إِصْبَعٍ ، وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ ، وَالْجِبَالَ وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ ، وَسَائِرَ الْخَلْقِ عَلَى إِصْبَعٍ ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ فَيَقُولُ : أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْمَلِكُ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ تَعَجُّبًا مِمَّا قَالَ الْحَبْرُ تَصْدِيقًا لَهُ ثُمَّ قَرَأَ : «وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ »
[البخاري (4811) ، ومسلم (2786)].
إلهي
وسع علمه كل شيء .. وأحاط علمه بكل شيء .. فهو عالم الغيب والشهادة .. وهو الذي يعلم السروأخفى .. وعنده علم الساعة لا يعلمها إلا هو: قال تعالى :
«وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ»
[ الأنعام : 59].
إلهي
أفاض على خلقه النعمة .. وكتب على نفسه الرحمة .. وضمن الكتاب الذي كتبه : إن رحمته تغلب غضبه .. وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها .. قال النبي :
« إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ ، أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ ، وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا، وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »
[مسلم (2752)].
قال أيوب السختياني رحمه الله : إن رحمة قسمها في الدنيا وأصابني منها الإسلام .. إني لأرجو من تسع وتسعين رحمة ما هو أكثر من ذلك .
وقال سفيان الثوري رحمه الله :
والله لو قالوا لي أن الذي يحاسبك يوم القيامة أبوك وأمك ، سأقول لهم : لا ، بل أرجو أن يحاسبني ربي .. فربي أرحم بي من أبي وأمي .
إلهي
حياة القلوب في معرفته ومحبته .. وكمال الجوارح في التقرب إليه بطاعته .. والقيام بخدمته .. والألسنة في ذكره والثناء عليه بأوصاف مدحته .. فأهل ذكره أهل مجالسته .. وأهل طاعته أهل كرامته .. وأهل معصيته لا يقنطهم من رحمته .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
«إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِىءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِىءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا»
[مسلم (2759)].
سبحانه يغفر الذنب .. ويستر العيب .. ويولي الجميل ..
مازلت أغرقُ في الإساءَةِ دائبًا
وتنالني بالعفو والغفران
لم تنتقصني إذْ أسأتُ وزدتني
حتى كأن إساءتي إحسان
تُولي الجميل عن القبيحِ كأنما
يرضيك مني الزور والبهتان
إلهي
ما أشد فقرنا إليه .. وما أغناه عنا .. ومع هذا يضاعف الحسنات ويغفر الأوزار .. وسماء عطاياه لا تقلع عن الغيث بل هي مدرار .. ويمينه ملأى لا تغيضها نفقة سحَّاء الليل والنهار .. قال تعالى :
«وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ»
[البقرة:186].
وقال سبحانه في الحديث القدسي :
« .. يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِى فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِى إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ»
[مسلم (2577)].
إلهي
إن كان صغُر في جنب عطائك عملي .. فقد كبُر في حُسن رجائك أملي .. إلهي .. إن كنتُ غير مستأهلٍ لما أرجو من رحمتك .. فأنت أهلٌ أن تجود على المذنبين بفضل سعتك .. إلهي .. إن كنتَ لا تعفو إلا لأهل طاعتك .. فإلى من يفزع المذنبون ؟ وإن كنتَ لا ترحم إلا أهل تقواك .. فبمن يستغيث المسيئون؟
إلهي .. ليس لي إلاك عونٌ
فكن عوني على هذا الزمانِ
إلهي .. ليس لي إلاك حصنٌ
فكن حصني إذا هاج هجاني
إلهي .. أنت تعلم ما بنفسي
وما يجيش به جناني
فهب لي يا رحيم رضًا وحلمًا
إذا ما زلَّ قلبي أو لساني
سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك.
تعليق