إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

صفة الجنة والنار

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صفة الجنة والنار

    صفة الجنة والنار

    لقد أمر الله الناس بالإيمان، ووعدهم على ذلك بالجنة، وحذرهم من الكفر والعصيان، وتوعدهم إن خالفوا شرعه بالنار، وقد جاءت في الكتاب والسنة نصوص كثيرة تصف النار وما أُعد لأهلها من عذاب وأهوال؛ حتى يفزع الناس منها إلى الطاعة، كما جاءت نصوص كثيرة في وصف الجنة وما أعد الله لأهلها؛ حتى يدفع بالناس إلى المسارعة في الخيرات.

    الإيمان بالجنة والنار وما يتعلق بهما

    الحمد لله، نحمده ونستغفره ونستهديه، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. إن الله سبحانه وتعالى لم يخلقنا عبثاً، ولم يتركنا سدى، وإنما خلق كلاً منا لإحدى الدارين، ويستقر في أحد المستقرين، إما في جنة عرضها السماوات والأرض، وإما في نار أعدت للكافرين. التفكر في المستقبل دائماً يشغل بني آدم في فترة تواجدهم المحدودة في هذه الحياة الدنيا، لكن المؤمن كما قال صلى الله عليه وسلم: (كيس فطن)، ومن كياسة المؤمن وفطانته أنه دائماً ينظر إلى المستقبل الحقيقي والنهاية الأبدية في جنة الرضوان، فهذا هو هدف المؤمن وهذا هو مستقبله، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان باليوم الآخر أحد أركان الإيمان الستة حينما سأله جبريل عليه السلام: (ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره من الله سبحانه وتعالى). فأحد أركان الإيمان: الإيمان باليوم الآخر، واليوم الآخر يشمل الإيمان به عدة أمور لابد أن تجتمع في قلب كل مؤمن حتى يصح أن يوصف بأنه مؤمن بالله واليوم الآخر، فإن اليوم الآخر من الغيب الذي مدح المؤمنون بالإيمان به، ولا يمكن الإيمان بهذه الغيبيات إلا أن تكون صحيحة، ولا تكون صحيحة إلا بنسبتها إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. فيدخل في الإيمان باليوم الآخر الإيمان بالقيامة الصغرى في حق كل إنسان وهي الموت، فمن مات قامت قيامته، وكذلك التصديق بأشراط الساعة، وبعلامات القيامة الكبرى والصغرى، فمن العلامات الكبرى خروج المسيح الدجال ونزول عيسى بن مريم عليه السلام وخروج المهدي ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من المغرب .. إلى آخر العلامات المعروفة. ثم تأتي نفخة الصعق ونفخة الفزع حيث تنتهي بها الحياة على وجه هذه الأرض، ثم يكون بعد ذلك ما شاء الله أن يكون، ثم تنفخ نفخة البعث والنشور، وتبدأ مرحلة أخرى من الإيمان باليوم الآخر، هذه المرحلة هي الإيمان بالقيامة الكبرى، وتفاصيل ما يحدث من حشر الأجساد والميزان والمرور على الصراط والشفاعة العظمى لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم والورود على الحوض لأتباعه ومحبي سنته إلى آخر التفاصيل التي تقع في يوم القيامة الكبرى. ثم ينتهي يوم القيامة الكبرى بانتقال الناس إلى أحد الدارين، فأما الذين سبقت لهم من الله سبحانه وتعالى الحسنى فأولئك يبعدون عن النار فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185]، وأما الآخرون فيساقون إلى الجحيم والعياذ بالله. وحتى يصح أن نكون مؤمنين بالجنة والنار لابد أن نعرف تفاصيل الحياة في الجنة والنار كما أخبر بها الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم. ......

    أوصاف النار

    النار هي الدار التي أعدها الله سبحانه وتعالى للكافرين، وهي عذاب الله وسجنه الذي يسجن فيه المجرمين، وهي الخزي الأكبر والخسران العظيم، يقول الله سبحانه وتعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ [التوبة:63]، والنار فيها ما يعجز اللسان عن وصفه من الآلام مع الخلود الدائم بلا نهاية والعياذ بالله، يقول سبحانه وتعالى حاكياً عن حال عباد الرحمن: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان:65-66]. ويقول سبحانه وتعالى: هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ [ص:55-56]. ......

    الجنة والنار مخلوقتان

    الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، وليس كما يعتقد بعض الضالين المبتدعين أنهما تخلقان وتوجدان يوم القيامة، فمن أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: الاعتقاد بأنهما موجودتان فعلاً الآن، لظواهر كثير من الآيات والأحاديث، مثل قوله سبحانه وتعالى: وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [آل عمران:131] يعني: فرغ من إعدادها وفرغ من خلقها، وحديث المعراج فيه ما يكشف هذا المعنى. وقال سبحانه وتعالى في الجنة: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133]، فكلمة (أُعِدَّتْ) ظاهرها أنها مخلوقة وموجودة الآن.

    خزنة جهنم

    خزنة جهنم هم الملائكة الذين يحرسونها، أي: يقفون على أبوابها، ويتولون تعذيب أهلها، يقول الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] فهؤلاء الملائكة الغلاظ الشداد هم خزنة جهنم. ويقول سبحانه وتعالى: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا [المدثر:26-31]. فخزنة النار هم الملائكة الذين يتولون تعذيب أهلها، وقد اغتر المشركون وظنوا أنه يمكنهم مدافعة هؤلاء الملائكة، فكان هذا الخبر في القرآن فتنة وامتحاناً لهؤلاء الكافرين، فإنه حينما أخبرهم الله سبحانه وتعالى أن النار عليها تسعة عشر ملكاً قالوا: كل واحد منا يتولى قهر ملك من هؤلاء الملائكة، ولا يعلمون أن ملكاً واحداً من ملائكة الله سبحانه وتعالى لا يمكن البشر كلهم مقاومته ومدافعته. ويقول الله سبحانه وتعالى: وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ [غافر:49] وفي هذه الآية إثبات أن هناك خزنة لجهنم وهم هؤلاء الملائكة. وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ [الزخرف:77] ومالك عليه السلام هو كبير الملائكة الذين يتولون أمر جهنم والعياذ بالله.

    سعة جهنم

    النار واسعة بعيد قعرها، مترامية أطرافها، والدليل على ذلك أن عدد داخليها لا يحصيه إلا الله سبحانه وتعالى، ومع أنهم بهذا العدد الهائل فإن خلق الواحد منهم يتعاظم ويكبر كبراً شديداً حتى يكون ضرسه مثل الجبل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ضرس الكافر في النار مثل جبل أحد)، وجبل أحد طوله حوالى ستة آلاف متر! والمسافة بين منكبيه مسيرة ثلاثة أيام بسرعة الجواد، ومع هذا فإن جهنم تتسع لكل هذا العدد من البشر ومن الجن الذين سوف يعذبون فيها وهم بهذه الضخامة في الجثث وفي الحجم، بل يبقى فيها مكان لغيرهم، والدليل على ذلك قول الله سبحانه وتعالى: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [ق:30]. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تزال جهنم يلقى فيها وهي تقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض فتقول: قط قط بعزتك وكرمك) متفق عليه. ومما يبين سعة جهنم وعظم خلقها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً يوماً مع أصحابه رضوان الله تعالى عليهم فسمعوا وجبة، أي: سمعوا صدى صوت اصطدام جسم شديد فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفاً فهو يهوي في النار إلى الآن) رواه مسلم . وقال عليه الصلاة والسلام: (لو أن حجراً مثل سبع خلفات ألقي من شفير جهنم هوى فيها سبعين خريفاً لا يبلغ قعرها) يعني: يمكث أكثر من سبعين سنة حتى ينتهي إلى قعرها. ومن الأدلة على عظم خلق جهنم وكبرها -والعياذ بالله تعالى منها- كثرة الملائكة الموكلون بها، يقول الله سبحانه وتعالى: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ [الفجر:23]، كيف يجاء بجهنم؟ بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك) رواه مسلم في صحيحه. ومن الأدلة على عظم خلق جهنم: أن الشمس والقمر -وهما مخلوقان عظيمان- يكونان كطبقين في جهنم، كما قال صلى الله عليه وسلم: (الشمس والقمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة)، هذا وحجم الشمس مثل حجم الأرض مليون مرة، فمع ذلك تكون الشمس والقمر ثورين مكورين في النار يوم القيامة.

    دركات جهنم

    دركات جهنم كثيرة، وقد عدد الله سبحانه وتعالى كثيراً من أسمائها حتى ينبهنا إلى تعداد صفاتها، فمن أسمائها: جهنم ولظى والحطمة والسعير وسقر والجحيم والهاوية، فالنار ليست درجة واحدة، بل هي دركات تذهب سفلاً، كلما نزل في النار سفلاً اشتد عذابها وازداد حرها والعياذ بالله سبحانه وتعالى، يقول الله سبحانه وتعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145]، ويقول سبحانه وتعالى: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا [الأنعام:132] يعني: أهل الجنة درجات وأهل النار دركات، ويقول سبحانه وتعالى: أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ [آل عمران:162-163]، فدرجات الجنة تذهب علواً، ودرجات النار تذهب سفلاً.

    أبواب جهنم

    النار لها سبعة أبواب، قال سبحانه وتعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ [الزمر:71]، ويقول سبحانه وتعالى: ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ [الزمر:72]، ويقول عز وجل: عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ [البلد:20] يعني: مغلقة. والشاهد من هذه الآيات: أن جهنم لها أبواب تغلق وتؤصد وتقفل على أصحابها حتى يحبسوا فيها. ويقول سبحانه وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُوصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ [الهمزة:1-9]. وهذه الأبواب تغلق في شهر رمضان، يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا دخل رمضان صفدت الشياطين، وفتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار).

    وقود جهنم

    وقود النار الناس والحجارة، يقول عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6]، ويقول عز وجل: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:24]، والناس المقصود بهم هنا المشركون الكافرون. أيضاً: توقد النار بالآلهة التي كانوا يعبدونها من دون الله سبحانه وتعالى في الدنيا، يقول الله عز وجل: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ [الأنبياء:98-99].

    شدة حر جهنم وعظم دخانها وشررها

    من صفات النار شدة حرها وعظم دخانها وشررها، يقول سبحانه وتعالى: وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ [الواقعة:41-44]. فالناس في الدنيا إذا أرادوا أن يتمتعوا بالجو الطيب فغالب عناصر هذه المتعة هي الماء والهواء والظل، فحال أهل النار على الضد من هذا تماماً، فالماء عندهم هو الحميم، وهو الماء الذي اشتد حره، ووصل إلى أقصى الغليان. أما هواؤهم فهو السموم، وهي الريح الحارة الشديدة. أما ظلهم فمن يحموم، أي: قطع من الدخان لها ظل، ودخان النار وصفه الله سبحانه وتعالى بقوله عز وجل: انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ * لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ * إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ [المرسلات:30-33]. أي أن الدخان الذي يتصاعد من جهنم دخان ضخم جداً يعلو حتى ينقسم إلى ثلاثة أقسام. وهذه النار شررها عظيمة، يقول تعالى: إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ [المرسلات:32] يعني كالحصون الضخمة، أو كالإبل السود: كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ [المرسلات:33]. ويقول سبحانه وتعالى: وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ [القارعة:8-11]. ويقول عز وجل: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ* لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ* عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ [المدثر:26-30].

    شدة لهيب جهنم وازدياد عذابها مع الوقت

    بين النبي صلى الله عليه وسلم شدة لهيب جهنم أعاذنا الله وإياكم منها بمنه وكرمه. يقول صلى الله عليه وسلم: (ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم)، أي أن نار جهنم ضعف نار الأرض التي نراها الآن سبعين مرة، (فضج الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وقالوا: يا رسول الله! والله إن كانت لكافية، فقال صلى الله عليه وسلم: فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها) متفق عليه. ومن صفات نار جنهم أنها لا تخبو مع طول الزمان، فأي نار تشتعل فإنها بعد وقت تنطفئ أو تخف إلا نار جهنم، فإنها بمرور الزمان يزداد لهيبها وشرها، يقول سبحانه وتعالى: فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا [النبأ:30]، فالعذاب في حالة ازدياد مستمر بمرور الزمن، وتأملوا كلمة (ذوقوا) أي أنه عذاب له طعم! ويقول عز وجل: كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا [الإسراء:97]. ويقول سبحانه وتعالى: فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ [البقرة:86]. وقال عليه الصلاة والسلام في بيان مواقيت الصلاة: (ثم صلوا فإن الصلاة مشهودة حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصروا عن الصلاة فإنه حينئذ تسعر جهنم، فإذا أقبل الفيء فصلوا). والشاهد: أن النار كل يوم يزاد في سعيرها ولهيبها. وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم) فهذا الحر الذي نلقاه في الدنيا هو نفس من أنفاس جهنم فقط! ويقول سبحانه وتعالى: وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ [التكوير:12] يعني: أوقدت وأحميت.

    النار تسمع وتبصر وتتكلم

    النار خلق من مخلوقات الله سبحانه وتعالى يعلم تفاصيله الله سبحانه وتعالى أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، وقد أخبرنا الله عز وجل أن النار مخلوقة تبصر وتتكلم وتشتكي: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا [النساء:122]، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87]. فالنار حينما ترى أهلها قد أقبلوا عليها من مكان بعيد تطلق الأصوات المرعبة التي تدل على شدة حنقها وغيظها على هؤلاء المجرمين الذين أشركوا بالله سبحانه وتعالى، يقول عز وجل: إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا * لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا [الفرقان:12-14]. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يخرج يوم القيامة عنق من النار له عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق، يقول: إني وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد، وبكل من دعا مع الله إلهاً آخر، وبالمصورين) رواه الإمام أحمد و الترمذي ، فيخرج هذا العنق من النار حتى يعذب هؤلاء الثلاثة. وقال صلى الله عليه و سلم: (رأيت النار فلم أر كاليوم منظراً قط أفظع! ورأيت أكثر أهلها النساء) رواه البخاري و مسلم . وقال صلى الله عليه وسلم: (رأيت النار فإذا امرأة تخمشها هرة)، وفي الحديث الآخر: (عذبت امرأة في هرة حسبتها، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) فلذلك تعذب هذه المرأة بسبب هذه القطة. ويقول صلى الله عليه وسلم: (اشتكت النار إلى ربها) وهذا يدل على أن النار تشتكي وتتكلم: (اشتكت النار إلى ربها فقالت: رب أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير)؛ لأن النار فيها كل ما يتخيله الإنسان من الضيق والظلام والحر الشديد والزحام وغير ذلك، فالحر الشديد يحرق، والبرد الشديد يحرق، فالزمهرير تعذيب بالبرد الشديد، فأشد ما تجدون من الحر في وقت الحر هو مجرد نفس فقط يخرج من جهنم حتى تتنفس قليلاً؛ لأنه أكل بعضها بعضاً من شدة الحر، وأشد ما تجدون من البرد القارس هو نفس من أنفاس جهنم والعياذ بالله!

    النار خالدة لا تفنى أبداً

    النار خالدة لا تبيد أبداً بإجماع أهل السنة، بل هي باقية وأهلها خالدون فيها، ولا يخرج منها إلا عصاة الموحدين الذين ماتوا بدون توبة من ذنوبهم وكبائرهم، فهؤلاء يبقون في النار مدة يعذبون، لكن لا يخلدون فيها، إنما يخلد فيها الكفرة والمشركون. يقول الله سبحانه وتعالى: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ [الأنبياء:98-99]. وقال عز وجل: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ * وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ [الزخرف:74-77]. ويقول عز وجل: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ [فاطر:36]. ويقول صلى الله عليه وسلم: (يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، ثم يقوم مؤذن بينهم يصيح: يا أهل النار خلود ولا موت، ويا أهل الجنة! خلود ولا موت). وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: (إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادي مناد يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنهم، ثم تلا صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [مريم:39]). وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا كان يوم القيامة أتي بالموت كالكبش الأملح، فيوقف بين الجنة والنار فيذبح وهم ينظرون، فلو أن أحداً مات فرحاً لمات أهل الجنة، ولو أن أحداً مات حزناً لمات أهل النار). والنار دار إقامة لهؤلاء الذين يعذبون فيها، فهي مثوى ومأوى ومقيل، يقول سبحانه وتعالى: وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ [آل عمران:151]. ويقول عز وجل: أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ [العنكبوت:68]، ويقول سبحانه: فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ [البقرة:206].

    أوصاف تتعلق بالنار وما يوجب دخولها

    دعاة جهنم

    هناك دعاة يدعون إلى النار كما قال سبحانه وتعالى: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّار [القصص:41]، وقال الله سبحانه وتعالى أيضاً: أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ [البقرة:221]، وقال عز وجل: أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ [لقمان:21]، وقال سبحانه وتعالى عن الشيطان: إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6]، وقال في فرعون: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ [هود:98]، وقال مؤمن آل فرعون: يَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ [غافر:41]. فكل من دعا إلى الشرك أو صد عن سبيل الله أو زين معاصي الله سبحانه وتعالى للمؤمنين فهو من الدعاة إلى جهنم، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة لما سأله عن الشر الذي يكون في آخر الزمان، قال: (دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها)، فهؤلاء كأنهم واقفون على أبواب جهنم ينادون الناس إليها، قال حذيفة : (يا رسول الله! صفهم لنا جلهم لنا، فقال صلى الله عليه وسلم: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا)، فتجد الرجل يحمل اسم الإسلام ويكون ألد الأعداء للإسلام، وأشد المحاربين لدين الله ولسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم! فكل أصحاب المبادئ الضالة والمذاهب المنحرفة والأحزاب الشيطانية من دعاة جهنم والعياذ بالله!

    الجرائم الموجبة لدخول جهنم

    جرائم الداخلين في جهنم كثيرة منها: فمنها الكفر والشرك، يقول سبحانه وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ [غافر:10]، ويقول الله سبحانه وتعالى: الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ [غافر:70-72]. ومن أسباب العذاب في جهنم: عدم القيام بالتكاليف الشرعية، يقول سبحانه وتعالى: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ [المدثر:42-47]. ومما يئول بالناس إلى هذا العذاب الأليم: طاعة الزعماء والكبراء في معصية الله سبحانه وتعالى، يقول عز وجل: وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ [فصلت:25]. ومن أسباب الخلود في جهنم: النفاق، يقول الله عز وجل: وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [التوبة:68]، ويقول سبحانه وتعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145]. والكبر من الأسباب التي تئول بصاحبها إلى النار، يقول الله عز وجل: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الأعراف:36]، وفي الحديث: (اشتكت النار إلى الله سبحانه وتعالى فقالت: يدخلني الجبارون والمتكبرون، فرد الله سبحانه وتعالى عليها وقال: أنت عذابي أعذب بك من أشاء)، وقال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر). ومما يدخل النار: الكفر والحسد والكذب والخيانة والظلم والفواحش والغدر، وقطيعة الرحم وعقوق الوالدين، والجبن عن الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى، والبخل والرياء، واليأس من رحمة الله والأمن من مكر الله عز وجل، والجزع عند المصائب، والاستهزاء بآيات الله وأحكامه، وكتمان العلم، والقتل والربا والزنا، وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات .. إلى آخر الكبائر والذنوب المعروفة.

    تعيين الداخلين جهنم

    هناك أشخاص معينون نحكم عليهم بأسمائهم بأنهم في النار، وهم الذين دل الوحي في القرآن أو في السنة على أنهم سيدخلون النار خالدين فيها، أما من عدا هؤلاء من الكافرين فنحكم عليهم في الظاهر بالكفر، أما أنهم الآن في النار أم ليسوا في النار؟ فلا يجوز أن ندعي ما ليس لنا به علم، لأن الأعمال بالخواتيم والخواتيم مغيبة، يقول الله سبحانه وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ [البروج:10] فاشترط عدم التوبة، وقال سبحانه وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ [محمد:34]، فالشرط أن يموت الإنسان على الكفر حتى يستحق النيران، ولا يجوز أن نحكم على فلان باسمه أنه الآن في جهنم حتى لو مات في الظاهر على الكفر؛ لأننا لا ندري كيف كانت الخاتمة، والخواتيم مغيبة. كذلك في حق المؤمنين نحن نرجو لهم الجنة ونخاف على العاصين منهم، لكننا لا نقطع لأحد منهم بجنة ولا نار إلا من نص الوحي على أنه من أهل الجنة كالعشرة المبشرين بالجنة، ومهما بلغ المؤمن من الأعمال الصالحة والتقوى والاستقامة فلا يجوز أن نقطع له بالجنة، لأن خاتمته إلى الله، وإنما الأعمال بالخواتيم. فمن هؤلاء الذين أخبرنا لله سبحانه وتعالى أنهم في النار فرعون، يقول سبحانه وتعالى: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ [هود:98]. ومنهم امرأة نوح وامرأة لوط، يقول عز وجل: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ [التحريم:10]. و أبو لهب نص الوحي على أنه من أهل النار: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [المسد:1-5]. و عمرو بن لحي الخزاعي الذي كان أول من سيب السوائب في الجاهلية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رأيته يجر أمعاءه في النار) والعياذ بالله. كذلك قاتل عمار بن ياسر وسالبه في النار كما أخبر صلى الله عليه وآله وسلم. كذلك أيضاً كفرة الجن يدخلون النار، يقول عز وجل: فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا * ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا [مريم:68-69]. وقال سبحانه وتعالى: وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ [فصلت:25]، وقال عز وجل: فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ [الشعراء:94-95].


    رءوس الذنوب التي تدخل النار

    أما رءوس الذنوب التي تدخل أصحابها النار من غير المشركين، بل من الموحدين كثيرة، فأولها من انحرف عن عقيدة أهل السنة والجماعة، فمن حاد عن عقيدة ومفاهيم أهل السنة والجماعة والفرقة الناجية، وانحرف عن منهج السلف الصالح لاسيما بالذات في مسائل العقيدة والاتباع؛ فإنه يكون في النار كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة) وهي من كان على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأئمة الدين المهديين. ومن ذلك أيضاً: عدم الهجرة من ديار الكفر إلى ديار الإسلام، يقول سبحانه وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا [النساء:97] إلى آخر الآيات. ومن ذلك أيضاً الكبر، يقول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: (الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما أدخلته النار). ومن ذلك قتل النفس: يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار). ومن ذلك آكل الربا قال الله تعالى: وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275]. وأيضاً المصورون: يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (أشد الناس عذاباً عند الله المصورون)، وقال صلى الله عليه وسلم: (كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفساً، فيعذبه الله بها في جهنم). والميل إلى الظالمين وموالاة الظالمين والكافرين: يقول سبحانه وتعالى: وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ [هود:113]، وقال صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة -المتبرجات-، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)، وقال عليه الصلاة والسلام: (العنوهن فإنهن ملعونات). ومن الذنوب التي توجب النار: طلب العلم رياء وسمعة، وكذلك الصدقة رياء وسمعة، وكذلك الجهاد رياء وسمعة. ومنها أيضاً: الشرب في أواني الذهب والفضة: يقول عليه والصلاة والسلام: (إن الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم) والعياذ بالله. أيضاً مما يوجب النار: الانتحار: وهو إن الإنسان يقتل نفسه، يقول صلى الله عليه وسلم: (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً).

    كثرة أهل النار

    النار واسعة جداً، ومما يدل على ذلك كثرة عدد أهلها، يقول الله سبحانه وتعالى: لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ [ص:85]، ويقول الله عز وجل: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يوسف:103]، ويقول عليه الصلاة والسلام: (عرضت علي الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط) استجاب له عدد قليل من الناس (ورأيت النبي ومعه الرجل، ورأيت النبي ومعه الرجلان، ورأيت النبي وليس معه أحد). إذاً: الإنسان مسئول أن يبلغ دعوة الحق، لكنه غير مسئول أن يستجيب له الناس، فبعض الأنبياء أتوا إلى قومهم ولم يؤمن بهم إلا واحد أو اثنان، وهناك أنبياء لم يستجب لدعوتهم أحد! وقال النبي عليه الصلاة والسلام مبيناً كثرة أهل النار حينما كان جالساً مع أصحابه: (إن الله سبحانه وتعالى ينادي آدم يوم القيامة فيقول: يا آدم! أخرج بعث النار من ذريتك، فيقول آدم: وما بعث النار يا رب؟ فيقول الله سبحانه وتعالى: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين! يقول عليه الصلاة والسلام: فذاك حين يشيب الصغير وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:2] فضج الصحابة رضوان الله عليهم وشق ذلك عليهم، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة، فقالوا: الحمد لله والله أكبر، قال: والذي نفسي بيده! إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة، فقالوا: الحمد لله والله أكبر، فقال صلى الله عليه وسلم: ما مثلكم في الأمم إلا كمثل الشعرة البيضاء في مسك -جلد- الثور الأسود أو كالرقمة -الحلقة- في ذراع الحمار). ما سبب كثرة أهل النار يوم القيامة؟ أهل النار أنواع، فمنهم قوم كفروا بالرسل وكذبوا المرسلين. وقوم أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر وهم المنافقون. وهناك قوم أظهروا الإيمان وأبطنوا الإيمان، ولكنهم تلبسوا ببعض البدع الضالة التي أخرجتهم من الفرقة الناجية. وهناك أقوام ممن سلموا من الكفر وسلموا من النفاق وسلموا من البدع، لكنهم وقعوا في الشهوات والكبائر، فهؤلاء أيضاً يستحقون النار، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (حفت النار بالشهوات) يعني: أحاطت بها الشهوات، فتتزين الشهوات للإنسان فيتبعها فتلقيه في جهنم والعياذ بالله! وأكثر أهل النار النساء، قال صلى الله عليه وسلم: (اطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء، فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: لأنكن تكثرن اللعن، وتكفرن العشير) يعني: تكفر المرأة إحسان الزوج إليها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تحسن إلى إحداهن الدهر، فإذا ما رأت منك شراً قالت: ما رأيت منك خيراً قط!)، إذا رأت منك شيئاً تكرهه تنسى كل الإحسان السابق وتذكر هذه السيئة الواحدة.

    عظم خلق أهل النار

    خلْق أهل النار يعظم حتى إن ضرس الكافر يكون مثل جبل أحد، وقال عليه الصلاة والسلام: (ما بين منكبي الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع). ويقول عليه الصلاة والسلام: (وغلظ جلده مسيرة ثلاث). ويقول عليه الصلاة والسلام: (إن مجلسه من جهنم ما بين مكة والمدينة) أي: المكان الذي يجلس عليه في جهنم والعياذ بالله سبحانه وتعالى. وفي بعض الروايات: (عرض جلده سبعون ذراعاً)، والحكمة من هذا التضخيم أن يزداد عذابه، ويزداد إحساسه بالآلام، يقول سبحانه وتعالى: لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [النساء:56]. أما طعامهم فقد قال تعالى: لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ [الغاشية:6] وهو شوك لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ [الغاشية:7]. ويقول عز وجل: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ [الدخان:43-46]، ويقول سبحانه وتعالى: وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد:15]، ويقول عز وجل: إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا [المزمل:12-13]. ويقول صلى الله عليه وسلم: (لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشهم؛ فكيف بمن يكون طعامه). وثيابهم تكون أيضاً من النار، فنعوذ بالله من النار.

    الأعمال التي تتقى بها النار

    ما هي الأعمال التي تتقي بها النار؟ أعظم ما يتقى به عذاب النار هو الإيمان والعمل الصالح، وهذا هو الذي توسل به المؤمنون: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ [آل عمران:193]. ومن ذلك الصيام: يقول صلى الله عليه وسلم: (الصيام جنة) يعني: وقاية تقي العبد من النيران. ومنه الذكر: فالباقيات الصالحات هي: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، يقول عليه الصلاة والسلام: (خذوا جنتكم من النار؛ قولوا: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فإنهن يأتين يوم القيامة مقدمات -يعني: إلى الأمام- ومعقبات -من الخلف- ومجنبات - تحميك من الجانبين - وهن الباقيات الصالحات). أيضاً مما ينجي من النار محبة الله سبحانه وتعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ [المائدة:18] فالمحب لا يعذب حبيبه. ومما ينجي من عذاب الله البكاء من خشية الله سبحانه وتعالى: يقول صلى الله عليه وسلم: (لا يلج النار من بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع على عبد غبار في سبيل الله ودخان جهنم)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً). ومما ينجي من النار الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى والاستجارة من عذاب النار: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا [الفرقان:65]، ويقول صلى الله عليه وسلم: (ولا استجار مسلم من النار ثلاثاً إلا قالت النار: اللهم أجره مني). فنسأل الله العظيم الكريم أن يجيرنا وإياكم من عذاب النار.......

    أوصاف الجنة

    الجنة هي دار نعيم كامل لا يشوبه نقص، ولا يعكر صفوه كدر، يقول سبحانه وتعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17]. ويقول صلى الله عليه وسلم: (موضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها). ويقول سبحانه وتعالى: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185] هذا هو الفوز العظيم والفوز المبين. ويقول عز وجل: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [الزمر:73]، ويقول عليه الصلاة والسلام: (يخلص المؤمنون من النار -بعدما يمرون على الصراط- فيحبسون على قنطرة بين الجنة وبين النار، فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة، فوالذي نفس محمد بيده! لأحدهم أهدى لمنزله في الجنة منه لمنزله كان في الدنيا) رواه البخاري . يعني إذا دخل أهل الجنة الجنة يسرع كل منهم إلى مكانه في الجنة ويعرفه أعظم مما كان يعرف بلده بعد أن يرجع من السفر في الدنيا، وهذا يدخل في قوله تعالى: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف:43]، ويدخل في قوله: وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ [محمد:6] على أحد التفسيرين لقوله: ((عَرَّفَهَا))، قيل: هي هذه الهداية، وقيل: هي من العرف، وهو الرائحة الطيبة. ويقول صلى الله عليه وسلم: (أستفتح باب الجنة فيقال لي: من؟ فأقول: محمد، فيقال: بك أمرت ألا أفتح لأحد قبلك) صلى الله عليه وآله وسلم. ويقول عليه الصلاة والسلام: (أنا أول من يقرع باب الجنة). ويقول صلى الله عليه وسلم: (نحن الآخرون الأولون يوم القيامة) يعني: نحن آخر الأمم ونحن أول الأمم دخولاً الجنة. وقال عليه الصلاة والسلام لـأبي بكر رضي الله عنه: (يا أبا بكر ! إنك أول من يدخل الجنة من أمتي) أي: بعد الأنبياء. ويقول صلى الله عليه وسلم: (أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا يتغوطون، آنيتهم فيها الذهب، وأمشاطهم من الذهب والفضة، ومجامرهم الألوة، ورشحهم المسك -أي: عرقهم-، ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن) الإنسان لو تصور أنه يرى النخاع الذي داخل العظام من وراء البشرة ربما استقبح هذا الأمر، فيريد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يوجه نظرنا إلى أن هذا يكون من غاية الحسن فقال: (يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن) يعني: من الجمال البارع الذي عليه الحور العين. يقول عليه الصلاة والسلام: (لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب رجل واحد، يسبحون الله بكرة وعشياً) فاللهم اجعلنا منها! ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء إلى الجنة بأربعين خريفاً)، حتى الأغنياء الذين سيدخلون الجنة لا يدخلون مع الفقراء؛ لأنهم يحبسون حتى يحاسبوا، فالمدة الزمنية بين دخول الفقراء والأغنياء الجنة أربعون خريفاً، فما أعظم السلامة التي لا يعدلها شيء. ويقول صلى الله عليه وسلم: (أول ثلاثة يدخلون الجنة: شهيد، وعتيق متعفف، وعبد أحسن عبادة ربه ونصح مواليه). ويقول عليه الصلاة والسلام: (يخرج قوم من النار بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم فيدخلون الجنة يسمون الجهنميين). وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (يخرج من النار من كان يقول: لا إله إلا الله، فتعرفهم الملائكة)، كيف تعرف الملائكة الذين كانوا يقولون: لا إله إلا الله ؟ تعرفهم الملائكة بأثر السجود؛ لأنه لا يتصور أن يقول المرء: لا إله إلا الله ويكون تاركاً للصلاة، وفي الأثر: (لا خير في دين لا ركوع فيه). وفي الحديث: (يخرج من النار من كان يقول: لا إله إلا الله، تعرفهم الملائكة) أي: تبحث في داخل النار عن أثر السجود في الوجه، وليس أثر السجود هو هذه العلامة التي قد تظهر بين عيني من هو أقسى قلباً من فرعون كما قال بعض السلف؛ لكن المقصود سمت الخشوع والتواضع الذي يكون في وجوه أهل الصلاة وأهل التوحيد. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يخرج من النار من يقول: لا إله إلا الله فتعرفهم الملائكة بأثر السجود، تأتيهم الملائكة وقد امتحشوا -تفحموا من النار-، ثم يصب عليهم ماء الحياة؛ فينبتون كما تنبت الحبة حميل السيل، ويدخلون الجنة). وهل يوجد ناس دخلوا الجنة قبل يوم القيامة؟ نعم، دخل الجنة آدم كما أخبرنا الله سبحانه وتعالى في القرآن، ودخل الجنة الفقراء كما في الحديث: (اطلعت في الجنة فرأيت أهلها الفقراء)، ودخل الجنة الشهداء: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169]، ومن مات عرض عليه مقعده من الجنة ومقعده من النار بالغداة والعشي. ......



    خلود الجنة وخلود أهلها وجزاؤهم

    الجنة خالدة، وأهلها خالدون، لا يرحلون عنها أبداً، ولا يملون منها، وفي الدنيا لو أن الإنسان سكن أعظم قصر على وجه الأرض فلابد أن يصيبه الملل! أما الجنة فأهلها خالدون فيها لا يبغون عنها حولاً، فلا يملون أبداً كما يأتي الملل في هذه الحياة الدنيا، يقول عليه الصلاة والسلام: (من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه)، فالجنة نور يتلألأ، وريحانه تهتز، وقصر مشيد، ونهر مطرد، وفاكهة نضيجة، وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة في مقام أبد في حبرة ونضرة، في دور عالية كريمة بهية، يقول الله سبحانه وتعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا [الإنسان:20]. ويقول عز وجل في الحديث القدسي: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر). فمن حبس نفسه في الدنيا عن الشهوات وعن المعاصي عوضه الله سبحانه وتعالى في الجنة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر)، الكافر مطلق في الدنيا، يرتع في الشهوات والأهواء مثل البهائم، ولا يبالي بيوم القيامة، بينما يعيش المؤمن في الدنيا مثل السجين؛ قبل أن يشرب يبحث عن المشروب أحلال هو أم حرام؟ فيعوضه الله في الجنة، والجزاء من جنس العمل. فمن شرب الخمر في الدنيا حرم منها في الآخرة، والحرير والذهب لا يلبسهما الرجل المؤمن في الدنيا؛ فيعوضه الله سبحانه وتعالى في الجنة، فيلبس المؤمن في الجنة الحلل والحرير والذهب والفضة وما هو أعظم من ذلك. كذلك من يصبر عن النظر إلى الأجنبيات وإلى ما يحرم النظر إليه، يعقبه الله سبحانه وتعالى في الجنة بالزواج من الحور العين. والذي يصون أذنه عن سماع الموسيقى والأغاني ومعازف الشيطان، يرزقه الله سبحانه وتعالى بالحور العين اللاتي يغنين له أحسن ما يكون من الغناء، وكما قال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: (ولا أذن سمعت)، فيعوضه الله بذلك لأنه حبس نفسه عما حرم الله في الدنيا، والجزاء من جنس العمل. هؤلاء الذين يعبدون الله ويخفون عبادتهم في الليل كما يقول سبحانه وتعالى: (( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ))، كأن بينه وبين الفراش خصام، فتتجافى جنبه عنه ويهجره ابتغاء مرضات الله تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [السجدة:16]، فما ثوابهم؟ الجزاء من جنس العمل، كما أخفوا عبادتهم في جوف الليل أخفى الله لهم الثواب فقال: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17].


    أبواب الجنة ودرجاتها

    الجنة لها ثمانية أبواب، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (في الجنة ثمانية أبواب، منها باب اسمه الريان لا يدخل منه إلا الصائمون). وقال عليه الصلاة والسلام: (إن ما بين المصراعين في الجنة مسيرة أربعين سنة، وليأتين عليه يوم وإنه لكظيظ) يعني: من شدة الزحام عليه. والجنة درجات كما أن النار دركات، يقول سبحانه وتعالى: فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلى [طه:75]. ويقول عز وجل: وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا [الإسراء:21]. ويقول عليه الصلاة والسلام: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير)، لكن القوي درجاته عند الله أعلى. ويقول سبحانه وتعالى: أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً [الحديد:10]. ويقول: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11]. ويقول: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46]، ومع ذلك قال: وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ [الرحمن:62]، وكل هذه الآيات تدل على تفاوت أهل الجنة في الدرجات. أعلى منزلة في الجنة هي الوسيلة، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد واحد، وأرجو أن أكون أنا هو). ومن الذين ينزلون الدرجات العلى: الشهداء الذين يقاتلون في الصفوف الأولى، والساعي على الأرملة والمسكين، وكافل اليتيم، بل دعاء الأبناء لآبائهم بعد الموت يرفع آباءهم ويرفع درجاتهم، فإن المؤمن يرفع في درجته، فيقول: بم رفعت درجتي؟ فيقال له: بدعاء ابنك لك في الدنيا.

    أنهار الجنة وترابها وأشجارها وظلالها

    تراب الجنة هو الزعفران وأنهارها كثيرها، ومنها: نهر الكوثر، وقال الله: فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى [محمد:15]. أيضاً فيها الظلال، وفيها العيون، ومنها عين الكافور وعين التسنيم وعين السلسبيل. وفيها القصور وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ [الصف:12]، حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ [الرحمن:72]. ويقول صلى الله عليه وسلم: (من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (من صلى في اليوم والليلة اثنتي عشرة ركعة تطوعاً بنى الله له بيتاً في الجنة)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (من قرأ (( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ))[الإخلاص:1] عشر مرات بنى الله له بيتاً في الجنة). أيضاً في الجنة أشجار مثل العنب والنخيل والرمان والسدر والطلح، ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة شجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام ما يقطعها!) يمشي في ظلها مائة عام ولا تكفي المائة العام ليقطع مسافتها، وذلك قوله تعالى: وَظِلٍّ مَمْدُودٍ [الواقعة:30]. ويقول صلى الله عليه وسلم: (ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب). ويقول عليه الصلاة والسلام: (لقيت إبراهيم عليه السلام ليلة أسري بي، فقال لي: يا محمد! أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها غراس، وأن غراسها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر).

    أعمال أهل الجنة

    أعمال أهل الجنة هي الصبر على مشقة التكاليف؛ لأن أصل التكاليف الشرعية هي أن تؤمر بشيء فيه مشقة على نفسك، لكن هذه المشقة تدخل في طاقتك، فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها. فأن تستقيم على دين الله سبحانه وتعالى من التوحيد والعبادات هذا هو أعظم طريق يوصلك إلى الجنة، لكن بعض الناس يريدون ديناً يوافق أهواءهم، ويقولون: الدين يسر، ويقولون: (الرسول عليه الصلاة والسلام ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما) ، وهذا صحيح؛ لكن تكملة الحديث: (ما لم يكن إثماً) أي: ما لم يكن هذا الشيء حراماً، فالتخيير إنما يكون في مجالات التطوع وفي الأشياء الاختيارية، أما الواجبات فلا تختار: هل تصلي أم لا، هل تحجب بناتك أم لا، هل تحج أم لا، هل تزكي أم لا! فلابد من مشقة حتى تمتحن، لكنها مشقة تدخل في طاقتك البشرية، فطريق الجنة شاق كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة). أيضاً أهل الجنة يرثون نصيب أهل النار من الجنة، فلكل إنسان منا مقعد في الجنة ومقعد في النار، فبعدما يدخل في القبر ويسأل ويمتحن يفتح له باب إلى النار ويقال له: هذا مقعدك من النار لو مت على غير الإسلام، ثم يفتح له باب إلى الجنة ويقال: هذا مقعدك من الجنة، ويأتيه من روح الجنة وطيبها ونعيمها إلى يوم القيامة. والكافر كان له مقعد في الجنة، لكنه لم يؤمن فأخذ مقعده في النار، ومقعده في الجنة يرثه المؤمنون، وهذا تصديق قوله سبحانه وتعالى: أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون:10-11]. فالمؤمنون يرثون مقاعد الكافرين الذين ماتوا على غير التوحيد. ......

    من أوصاف الجنة وأهلها


    أكثر أهل الجنة الضعفاء والفقراء والمساكين، ولابد أن نؤمن أن الجنة ليست ثمناً للعمل الصالح، فالعمل الصالح سبب فقط في دخول الجنة، قال عليه الصلاة والسلام: (لن يدخل أحداً منكم الجنة عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل)، فالمؤمن يدخل الجنة بفضل الله ورحمته لا بعمله، لكن العمل سبب في دخول الجنة ولابد منه. أيضاً نساء الجنة وصفهن الله سبحانه وتعالى بأنهن حور مقصورات الخيام، وفي آيات أخرى: وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ [ص:52]، فيمدح الله سبحانه وتعالى الحور العين بصفتين: صفة العفة وصفة الجمال؛ لأن هذا أعظم ما يكون، فصفة العفة في قوله: مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ [الرحمن:72] تقصر طرفها وعينيها على زوجها فقط، ولا تنظر إلى غيره. وأفضل النعيم الذي يؤتاه أهل الجنة هو رؤية الرب سبحانه وتعالى حين يتجلى لهم في الآخرة، فهذا هو الهدف الأعظم والأسمى من دخول الجنة، وذلك حين يكشف الحجاب ويتجلى لهم الرحمن سبحانه وتعالى، فلا يلتفتون حينئذ لأي شيء من نعيم الجنة ما داموا يتمتعون بالنظر إلى وجه الرب سبحانه وتعالى، يقول سبحانه وتعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23]. وآخر ما يختتم به دعاء المؤمنين في الجنة: الحمد لله رب العالمين، فهذه الأمة أمة الحمد، ونبيها محمد صلى الله عليه وسلم هو أحمد، وهو حامل لواء الحمد يوم القيامة، وافتتح الله كتابه بالحمد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، ويختتم دعاء المؤمنين بالحمد: وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [يونس:10]، وأمته الحمادون صلى الله عليه وآله وسلم. ......

    الجمع بين الخوف والرجاء

    الإنسان لابد أن يجمع بين الترغيب وبين الترهيب، يجمع بين الآيات التي تخوفه من عذاب الله سبحانه وتعالى مثل قوله عز وجل: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلانِ [الرحمن:31]، وكذلك يتذكر الإنسان آيات الرجاء والطمع في رحمة الله سبحانه وتعالى، يقول عليه الصلاة والسلام: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل). فالخوف من النار والخوف من الله سبحانه وتعالى المقصود منه حث النفس على العمل، كالدابة حينما تضربها وتخوفها فإنها تسعى وتكد، كذلك الإنسان إذا تذكر عذاب الله وبطش الله سبحانه وتعالى وانتقامه كان ذلك حافزاً له على العمل، لكن لا ينبغي أن يزداد هذا الخوف حتى ينقلب إلى يأس وقنوط من رحمة الله. فمن رحمة الله بنا أنه يسد علينا جميع الأبواب إلا باب التوبة، يقول العلماء: تأخير التوبة ذنب يجب التوبة منه، فالمبادرة إلى التوبة وإلى الأعمال الصالحة واجبة، فما دام في الإنسان قدرة على أن يعمل ويسعى، وما دامت روحه تتردد فلا يأمن مكر الله ولا ييأس من روح الله: إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ [يوسف:87]. كذلك يحتاج الإنسان إلى نصوص الرجاء إذا زاد عليه الخوف وخشي أن يقع في القنوط، فعليه أن يروح قلبه بنصوص الرجاء في القرآن والسنة. وإذا حضر الإنسان مسلماً يحتضر فهل يخوفه ويقول: أنت كنت تفعل كذا، أنت كنت مقصراً في كذا، إنك سترى ربنا وسيفعل بك كذا وكذا؟ لا يجوز هذا، ولا ينبغي تخويفه وهو في هذه الحال؛ لأن هذا التخويف قد ينقلب إلى اليأس والقنوط، بل السنة إذا حضرت مسلماً يحتضر أن تلقنه لا إله إلا الله حتى يكون آخر كلامه، وأن تذكره بأعماله الصالحة، فتقول: أنت كنت تحافظ على صلاة الجماعة، أنت كنت تذكر الله، أنت كنت تجتنب محارم الله سبحانه وتعالى، وتذكره بأعماله الصالحة من أجل أن تعينه على حسن الظن؛ لأن العبد إذا ظن بالله خيراً يعطيه الله خيراً، وإلا فلا. ......

    اختلاف العلماء في أرجى آية في القرآن

    ما هي أعظم آية رجاء ينبغي أن نستحضرها من الآيات التي تطمعنا في رحمة الله، وتفتح قلوبنا لأبواب الرجاء في الله سبحانه وتعالى؟ اختلف العلماء في هذه المسألة: فبعضهم قال: أرجى آية في القرآن هي آية الدين. قد تستغربون كيف تكون آية الدين هي أعظم آية رجاء في القرآن! قال بعض العلماء: إنها أرجى آية في القرآن للعصاة؛ لأن هذه الآية تبين كيف احتاط الله سبحانه وتعالى لحفظ مال المسلم حتى لو كان دريهمات قليلة، فمع أن الدنيا بكل ما فيها من كنوز وأموال لا تزن عند الله جناح بعوضة، لكن الله سبحانه وتعالى شرع ما يحفظ حق المؤمن، فحفظ مصلحة المؤمن ورحم حاجاته في الدنيا بهذه الآية التي هي أطول آية في القرآن. فالله سبحانه وتعالى أرحم بعبده المؤمن في الآخرة منه به في الدنيا، وإذا كان لمصلحته في الدنيا أنزل أطول آية في القرآن، فكيف يكون أملنا في رحمة الله سبحانه وتعالى في مصالح الآخرة؟ وقال بعض العلماء: أرجى آية هي قوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزمر:53-56] إلى آخر الآيات. وقال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: أرجى آية في القرآن قوله سبحانه وتعالى في سورة الشورى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]، فيخبر الله سبحانه وتعالى أن ذنوب المؤمن بين حالتين: إما ذنوب يعاقب بها في الدنيا: ((وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ))، فما عاقب الله عليه العبد في الدنيا فهو أحلم من أن يثني عليه العقوبة في الآخرة، فالذنب الذي عوقبت عليه في الدنيا فلن تعاقب عليه مرة ثانية في الآخرة، والذنب الآخر يعفو الله عن كثير منه، فما عفا الله عنه فهو أكرم من أن يعذب عليه في الآخرة. وقال بعض العلماء: أرجى آية في القرآن قوله سبحانه وتعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [الضحى:5] قالوا: لن يرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وواحد من أمته في النار، ونظمها بعضهم في بيتين فقال: ولقد قرأنا في الضحى ولسوف يعطي فسر قلوبنا ذاك العطاء وحاشا يا رسول الله ترضى وفينا من يعذب أو يساء وقال بعضهم: إن أرجى آية في القرآن قوله سبحانه وتعالى في سورة النور: وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:22]هذه الآية نزلت في مسطح لما وقع في حديث الإفك في حق عائشة رضي الله تعالى عنها، فعاقبه أبو بكر بأن منع عنه العطاء الذي كان يعطيه إياه، وهو قريب له؛ فنزلت هذه الآية تعاتب أبا بكر : وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النور:22]، فرغم وقوع مسطح في كبيرة القذف إلا أن ذلك لم يحبط جهاده السابق، فقال الله: (( وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ))، فأثبت له صفة الهجرة في سبيل الله، وهذا دليل على أن المؤمن لا يكفر بالذنب كما يظن الخوارج. وقال بعض العلماء: إن أرجى آية في القرآن هي قول الله سبحانه وتعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر:32]. فهنا أخبر الله سبحانه وتعالى أن هؤلاء الذين أورثهم الكتاب مصطفون، أي: مختارون أراد الله بهم خيراً، وفسمهم إلى ثلاثة أقسام: (( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ))، ثم ذكر ذكر بعد ذلك ثواب هؤلاء الثلاثة فقال: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا [فاطر:33] فلذلك قال بعض العلماء: حق هذه الواو أن تكتب بماء العين، لأن هذه الواو تعود على الثلاث الطوائف: (( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ )). والرجاء في رحمة الله سبحانه وتعالى من الأمور التي أمرنا بها، لكن الرجاء لابد أن يستتبع العمل، أما الرجاء الذي لا يستتبع عملاً فهذا غرور كما قال الله: وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [الحديد:14]، فالرجاء يطلق عليه رجاء إذا اقترن به عمل وإلا فهو أماني وأحلام. يقول الحسن البصري : ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، وإن قوماً خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، قالوا: نحن نحسن الظن بالله، وكذبوا! لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل. يقول سبحانه وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ [فاطر:29]، لم يصفهم برجاء إلا بعد العمل الصالح، فأنت تعمل ثم تطمع في رحمة الله، أما أن تفرط في طاعة الله ثم ترجو رحمة الله فهذا من تلبيس إبليس ومن تزيين الشيطان. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، وأن يعيذنا جميعاً من النار وما قرب إليها من قول وعمل. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. ......

    الأسئلة

    التوفيق بين مغفرة الذنوب جميعاً وعدم مغفرة الشرك في الآيات
    السؤال: يقول الله: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر:53] والشرك أعظم الذنوب، فكيف نوفق بين هذه الآية وبين قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:48]؟ الجواب: لابد أن نفهم هذه الآية في ضوء تلك الآية، فنجمع القرآن ولا نضرب آيات الله بعضها ببعض، فالمقصود أن الله يغفر كل الذنوب إلا ذنب الشرك إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، فقوله سبحانه وتعالى: (( إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا )) يعني: ما سوى الشرك، أو يغفر الشرك إن تاب المشرك، والدليل قوله سبحانه وتعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38]، ويقول صلى الله عليه وسلم: (الإسلام يجب ما كان قبله)، فالآية تعم كل الذنوب (( إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا )) لمن تاب منها، فباب التوبة مفتوح حتى للمشركين والمنافقين واليهود والنصارى، فإنهم إن تابوا تقبل الله سبحانه وتعالى توبتهم، فلا تعارض بين الآيات حتى نتكلف التوفيق.

    معنى حديث: (ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار)
    السؤال: ما معنى حديث: (ما أسفل الكعبين من الإزار ففي النار)؟ الجواب: من الكبائر أن تتجاوز ثياب المؤمن الكعبين، وهما العظمان الناتئان في جانبي القدم، فلا يجوز ذلك، وهذا الحديث يدل أن كل مسبل يكون في النار أو ما جاوز الكعبين من إزاره فهو في النار فقط، وعلى كل حال فهذا الوعيد يفيد أن هذا الفعل من الكبائر، وصاحبه مستحق للعقوبة.


    حكم الجهاد في أفغانستان
    السؤال: ما حكم الجهاد في أفغانستان؟ الجواب: هناك اختلاف منتشر بين العلماء في هذه القضية: فمنهم من يقول: هو فرض عين، ومنهم من يقول: هو فرض كفاية. والذي أعلمه عن فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز أنه قال: إنه كان أولاً يفتي بأنه فرض عين، وكان يضع لذلك شروطاً، لكنه يقول: لما رأيت هذه الشروط لا تنضبط، ولا يحسن الناس تطبيقها، فأنا أقول الآن: إنه فرض كفاية، وتصلنا الأخبار عن الإخوة في أفغانستان أنهم ليسوا في حاجة إلى رجال بقدر ما هم في حاجة إلى المال، لكن لا نجهل أن المسلم حتى لو لم يكن الجهاد في حاجة إليه فهو الذي يحتاج إلى الجهاد في سبيل الله، فمن أراد أن يخطب الحور العين وأن يفوز بالجنة فهذا باب مفتوح على مصراعيه لمن رغب في ذلك وكان مستطيعاً، بشرط أن يستأذن والديه ويسترضيهما.

    عدم تخليد آكل الربا في النار
    السؤال: قوله سبحانه وتعالى: وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:275]، هل آكل الربا يخلد في النار؟ الجواب: نحن إذا رجعنا إلى الآيات التي قبلها نفهم ما المقصود من قوله: ( وَمَنْ عَادَ )، أي: من عاد إلى استحلال الربا؛ لأن استحلال الحرام والحكم على الحرام بأنه حلال كفر. أي أن الشخص الذي يشرب الخمر ولا يستحلها أخف من الشخص الذي لا يشربها، ولكن يقول: هي حلال، فاعتقاد أن الخمر حلال كفر؛ لأنه معارضة لحكم الله سبحانه وتعالى، لكن الشخص الذي يعتقد أنها حرام ويخالف الأمر نتيجة الهوى والشهوة فهذا ارتكب ذنباً وكبيرة، لكن دون كبيرة الكفر. فأكل الربا من السبع الموبقات، ومن أشد الذنوب المهلكة، يقول الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:278-280]، والآية الأخرى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275]، فقوله سبحانه وتعالى: ((وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ)) يعود إلى قوله: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275] فمن قال: إن الربا حلال مثل البيع، وزعم أنه حلال، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.


    حكم حلق اللحية
    السؤال: عدم حلق اللحية سنة مؤكدة! ولكن صدرت فتوى بأن حلقها ليس فيه إثم؟ الجواب: هذا زمن العجائب! من قال: إن عدم حلق اللحية سنة مؤكدة؟! إعفاء اللحية سنة واجبة، لأن كلمة السنة تأتي لعدة معان، نذكر منها معنيين: فالسنة تأتي بمعنى الطريقة، سواء كانت مرضية أو غير مرضية، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أن تكون سنة بمعنى الشيء الذي أنت مخير بين فعله وتركه، فإذا فعلته أثبت، وإذا تركته لم تعاقب مثل ركعتي الفجر وسنة الظهر القبلية وسنة المغرب وصيام الخميس والإثنين؛ فهذه كلها سنن بمعنى أنها مستحبة أو مندوبة. والمندوب هو الشيء الذي يطلب منك، لكن تؤمر به أمراً غير جازم، وتثاب إذا فعلته ولا تعاقب إذا لم تفعله؛ هذا معنى السنة المندوبة. وهناك سنة واجبة بأن تقول مثلاً: الحج سنة المسلمين، وتقول في الزكاة: هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، أي: طريقته، لكن ليس معناه أن الحج أو الصلاة على سبيل الندب والاستحباب. فإذا قلنا: صلاة الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمقصود أنها طريقة رسول الله، أما من حيث الأحكام التكليفية الخمسة فهي واجبة وفريضة. فكذلك إذا قلت: اللحية سنة، أي: هي طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم إما أن تكون واجبة، وأما أن تكون مستحبة، وإما أن تكون أفعالاً جبلية طبيعية فطرية؛ فاللحية لا شك أنها واجبة، ولم يقل بأنها عادة إلا بعض المحدثين في هذا الزمان، والمفروض أننا نتكلم على الخلاف الذي يعتد به، وذلك عندما كان الأئمة متوافرين يملئون الأقطار، فهؤلاء إذا اختلفوا فهناك قيمة لاختلافهم، أما نحن الآن في المسجد مائة شخص أو أكثر، فإذا اختلفنا ما قيمة اختلافنا؟! يقولون هذا غير جائز عندنا فمن أنتم حتى يكون لكم عند من نحن حتى نختلف؟! من هم شيوخ هذا الزمان حتى يخالفوا الأئمة الأربعة أو الصحابة والتابعين وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام؟ إذا كان الأئمة الأربعة قد حذرونا من أن نتبع أقوالهم إذا خالفت أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكيف بمن يأتي بعدهم؟ المقصود أن حلق اللحية حرام، وأن إعفاء اللحية واجب وفريضة، فيأثم من يحلقها بدون عذر كالتداوي مثلاً، فالأدلة على هذا الحكم واضحة، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (خالفوا المشركين، أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى)، وقد ورد الأمر بإعفاء اللحية في خمس صور: (أعفوا اللحى..) (وفروا اللحى..) (أرخوا اللحى..) (أرجوا اللحى..) (أوفوا اللحى..). فهذه الروايات معناها كلها أن تترك على حالتها، فمن من الصحابة حلق لحيته؟ نريد واحداً فقط من الصحابة أو من الأئمة حلق لحيته! الأنبياء أنفسهم كانوا يعفون لحاهم، والدليل من القرآن قول الله سبحانه وتعالى في حق هارون عليه السلام: قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي [طه:94]. إذاً: كانت له لحية بحيث يمسكها موسى عليه السلام، فكان من سنة الأنبياء أنهم يعفون اللحى، ورسولنا عليه الصلاة والسلام أمرنا بأن نتبع هؤلاء الأنبياء، ومنهم موسى وهارون، فبعد أن ذكر الله سبحانه وتعالى طائفة عظيمة من الأنبياء ومنهم موسى وهارون في سورة الأنعام قال في آخر الآية: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ [الأنعام:90] فأمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يقتدي بالأنبياء، وهؤلاء الأنبياء -كما جاء في قصة موسى وهارون- كان لهم لحى، ثم أمرنا نحن بالاقتداء بنبينا: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21]. أيضاً: حلق اللحية تشبه بالنساء؛ لأن الله ميز الرجل عن المرأة بعدة خصال: منها أن الرجل ينبت في لحيته شعر فلا ينبغي أن يزيله؛ لأن الشرع لم يأذن له في ذلك، لكن أذن له في إزالة غيره، فكأن الإنسان يتهم الله سبحانه وتعالى في حكمته حيث ميز الرجل عن المرأة باللحية، كأنه يصيح من اللحية ويقول: الله خلق هذه اللحية في وجهي عبثاً وبدون فائدة؛ فلذلك فهو يحلقها. الله عز وجل خلقها لأنها من كمال الرجولة وكمال الفحولة وبها يتميز الرجال عن النساء. أيضاً فيها مخالفة للمشركين: (خالفوا المجوس) (خالفوا المشركين). كذلك حلقها فيه تغيير لخلق الله، وقد بين الله سبحانه وتعالى أن الذي يأمر بتغيير خلق الله هو إبليس، حكى الله عن إبليس أنه قال: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [النساء:119]، ولا يجوز تغيير خلق الله إلا بإذن من الشرع، مثل قص الأظافر، فقصها من خصال الفطرة التي أمرنا بها، فلذلك نغير خلق الله بتصريح من الله سبحانه وتعالى، وكذلك في الاستحداد أو نتف الإبط، لكن أين التصريح بحلق اللحى؟ قال النبي عليه الصلاة والسلام: (عشر من الفطرة: -وذكر منها- إعفاء اللحى)، وقال الله سبحانه وتعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ [البقرة:124] ومن هذه الكلمات إعفاء اللحى. أيضاً: اللحية نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى على الإنسان، فهي تعطي الإنسان الوقار والهيبة، وتعينه على حفظ دينه في هذا المجتمع الفاسد. وكان الصحابة يقولون: (كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الظهر ، قيل: كيف كنتم تعرفون قراءته؟ قالوا: باضطراب لحيته) يرونه من خلفه وهو يقرأ؛ لأن لحيته تتحرك وهو يقرأ القرآن في نفسه صلى الله عليه وآله وسلم، كذلك أبو بكر و عمر و عثمان و علي وسائر الصحابة ما عرفوا حلق اللحى، والمسلمون ما عرفوا حلق اللحى إلا بعدما احتكوا بالأوروبيين، وأرادوا أن يتشبهوا بالإنجليز. ما عرفنا حلق اللحى إلا لما أردنا تقليد الكفار تقليداً أعمى، فهي ليست من سنن المسلمين، فيحرم حلق اللحى باتفاق المذاهب الأربعة، ومن ادعى خلاف ذلك فليأت بالدليل


    تعريف الجلالة

    السؤال: ما هي الجلالة؟ الجواب: الجلالة هي الدابة التي يغلب على طعامها النجاسة، فإن كان أغلب أكلها النجاسة فعليك أن تعزلها فترة حتى يطيب لحمها ثم تذبحها، فإن كانت نسبة النجاسة قليلة فليست بجلالة، والله أعلم.

    السلفيون هم أهل السنة والجماعة
    السؤال: هل السلفيون هم أهل السنة والجماعة، وما حكم من يطلق هذا الاسم تعصباً على غيرهم؟ الجواب: السلفيون هم أهل السنة والجماعة ولا يستطيع أحد أن ينازعنا في هذا الاسم، لأن أهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية الذين جاء وصفهم في هذا الحديث: (وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة هي الجماعة)، وهم جماعة المسلمين إذا اجتمعوا على إمام، وكذلك إجماع المؤمنين، وأي معنى من معاني الجماعة لابد أن نلتزمه. فأهل السنة والجماعة اسم لا يختلف عليه، وإذا ادعيناه لأنفسنا فنحن نملك السند الذي يثبت استحقاقنا لهذا الوصف، وهو أن عقيدتنا عقيدة أهل السنة والجماعة التي تميزت عن أهل البدع والافتراق، فأهل السنة والجماعة هم من كان منهجهم منهج الصحابة، وسلوكهم في فهم الإسلام سلوك الصحابة. والألقاب إذا لم يخش منها تلبيس الحقائق على الناس فلا بأس بها، بدليل أن الإسلام يعرف الألقاب ويعرف الصفات، هناك لقب المهاجرين ولقب الأنصار، وهناك سيف الله المسلول خالد بن الوليد لقبه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك أمين الأمة أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، وهناك الصديق أبو بكر ، وهناك الفاروق عمر ، وهناك ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه. المقصود أن الألقاب عرفت في الإسلام، وأشرف هذه الألقاب كما نعلم المهاجرون والأنصار، فمدح الصحابة رضوان الله عليهم بهذا الوصف في القرآن قال عز وجل: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [التوبة:100]، والسابق هو: الذي سلف وتقدم، فهؤلاء هم السلف، والذي ينتسب إليهم ويمشي على طريقتهم هو السلفي، فهذا معنى كلمة (السابقون). وقال تعالى: فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلآخِرِينَ [الزخرف:56]، سَلَفًا: أي: متقدمين عليهم هذا معنى السالف. فالسلفية ليس معناها الرجوع إلى الوراء كما يزعم أعداء الإسلام بأنها رجعية ورجوع إلى الوراء، بل السلفية هي ارتفاع ورقي إلى مستوى السلف حيث شكلوا النموذج الأعلى لفهم الإسلام وتصديقه والجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى. وإذا استعملت كلمة المهاجرين والأنصار استعمالاً جاهلياً عصبياً فحينئذ تسمى جاهلية، رغم أن اللقب شريف، لكن إن استعمل في غير موضعه فقد نبذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: (كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار -ضربه على مؤخرته- فصاح فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فغضب، فقال: ما بال دعوى الجاهلية! دعوها فإنها منتنة) فسمى التنادي باللقب الشريف في غير موضعه دعوى الجاهلية؟ والرسول عليه الصلاة والسلام قال في حديث آخر في خطبة الوداع: (كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين). وقال عليه الصلاة والسلام أيضاً: (ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية) وهذه دعوة جاهلية تفرق المسلمين. أيضاً: أمر بترك التنادي بهذه الألقاب فقال: (دعوها )، وعلل الحكم بقوله: (فإنها منتنة ) يعني: خبيثة، وجاء في صفة النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل أنه يحرم عليهم الخبائث، ومن الخبائث التنادي بالعصبية، كأن يقال: هذا مصري، وهذا يمني، أو هذا سوداني، وهذا ليبي، وهذا عراقي. كل هذه العصبيات جاهلية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا إنما هم فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخراء بأنفه، إنما الناس رجلان: رجل تقي وفاجر شقي؛ كلكم لآدم وآدم خلق من التراب). فالإسلام يحارب هذه العصبيات التي تفرق المسلمين، فإن كانت العبارة موهمة أو استعملها بعض الناس استعمالاً سيئاً فهو مخطئ.

    سبب نشأة تسميات الفرق الإسلامية
    السؤال: ما السبب في نشأة هذه التسميات للفرق الإسلامية مع أنه كان يكفي اسم الإسلام؟ الجواب: بسبب انتشار البدع والضلالات والفرق التي عادت من جديد تحت أسماء مستعارة، فهناك خوارج في هذا الزمان، لكن تحت اسم جديد وهو التكفير والهجرة، هناك مرجئة تحت أسماء أخرى، هناك معتزلة قدرية، هناك جهمية، وهناك كثير من الضلالات موجودة، لكن تحت أسماء حديثة، والحقيقة واحدة. فإذا قلنا: إن الإسلام يكفي فبأي اسم نميز أنفسنا عن هذه الضلالات لنقوم بالإسلام كما فهمه الصحابة الذين تربوا على يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وكما تلقته الأمة وفهمته وطبقته وجاهدت في سبيله حتى اجتمعت على إمامة أئمتها العدول؛ كالإمام أحمد والإمام أبي حنيفة والإمام مالك والإمام الشافعي ، وكـالبخاري و سفيان الثوري و سفيان بن عيينة و الليث بن سعد ، وكأئمة السنن والمسانيد والصحاح؛ كل هؤلاء اتفقت الأمة على أنهم أئمة وعدول، والأمة حينما تتفق على شيء وتجتمع فإنها معصومة من الضلالة. فالأمة اجتمعت على إمامة هؤلاء القوم، فنتلقى عنهم ديننا، وهو دين له سند وله نسب، فهو دين أتى لنا بعقيدة مسندة وليست مخترعة. بعض الناس ينسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية أنه مؤسس المذهب السلفي، فنقول: السلفية ليست مذهباً؛ لأنها هي الإسلام الصحيح، هي الفهم القويم للإسلام كما تلقاه السلف وكما فهموه وكما طبقوه. شيخ الإسلام كان له دور أساسي وهو أنه أزال الغبار عن هذه الدعوة، فـشيخ الإسلام جدد شباب الدعوة السلفية، ولكن الذي أسس الدعوة السلفية هو الله سبحانه وتعالى، بدأ تأسيسها في شهر رمضان في غار حراء في الليلة التي نزل فيها الوحي، وبدأ تأسيسها بكلمة اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق:1]، وانتهت بـالْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ [المائدة:3]، فإذا فهمنا حقيقة هذه الكلمة علمنا أنه لا ينجو إلا من كان سلفياً. ولذلك تجد كل جماعة تريد أن تنسب إلى هذا الاسم، كل شخص يقول: نحن نتبع السلف، نحن نقتدي بالسلف، ولكن ينطبق عليهم قول بعض الشعراء: والدعاوى إن لم تقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء لذلك كانت السلفية هي الترسانة التي حفظت تراث الأمة من التحريف، وتصدت لكل صور الانحراف وبالذات الانحراف في العقيدة. علماء السلفيين في كل عصر من العصور يذبون عن هذه العقيدة، ويبذلون حياتهم من أجلها، فالإمام أحمد بن حنبل عذب حوالى سبع عشرة سنة من أجل مسألة واحدة فقط في العقيدة، ولم يفت بما يوافق أهواء الناس ليذب عن هذه العقيدة. فالسلفيون أعظم الناس اهتماماً بأعظم ركن في الإسلام وهو العقيدة والتوحيد، ثم اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهم أبرأ الناس من البدع، وأشدهم تمسكاً وعلماً ومعرفة بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهم منتشرون الآن في أقطار الأرض شرقها وغربها، معروفون بهذه العلامات البارزة: 1- محبتهم للسلف. 2- احترامهم للصحابة. 3- تقديم قول النبي عليه الصلاة والسلام على قول غيره من البشر كائناً من كان: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ [الإسراء:71] وإمامهم محمد صلى الله عليه وسلم لا غير. 4- احترامهم للآداب الشرعية. 5- عدم استهزائهم بسنن النبي صلى الله عليه وسلم أو التهوين من شأنها. 6- الإلمام بما يجد من مشكلات العصر وصدور فتاوى اجتهادية من كثير من العلماء السلفيين لحل هذه المشكلات والإفتاء فيها. 7- الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى في كل عصر ومصر، ويكفي أن الدعوة الوحيدة التي استطاعت أن تقيم دولة منذ انحطاط قوة الخلافة الإسلامية هي الدعوة الوهابية التي قامت على المفاهيم السلفية وعقيدة التوحيد واتباع سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وإن كانت كلمة (وهابية) مصطلحاً محدثاً ولكننا نقول: أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير بن عطية الخطفي المجامع فالسلف هم أفضل الأمة على الإطلاق بنص القرآن، ومن ادعى اتباعه لهم أو الانتساب إليهم، فعليه أن يأتي بالدليل من الاهتمام بالتوحيد الذي هو مفتاح دعوة الرسل، وهو ركن الدين الأصيل؛ والاهتمام بالسنة والبراءة من البدع والبراءة من الشركيات بشتى صورها، والاهتمام بتزكية النفس طبقاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم لا طبقاً لخزعبلات المبتدعين من الصوفية أو المترهبنين أو غيرهم من أهل البدع. فهذا هو الطريق الواضح، وهو طريق ثابت، وكل من تحرى الوصول إلى الحق في هذا الطريق فإنه يستطيع أن يصل بلا أدنى مشقة.


    ("لا يكن أحدكم إمعة").
    إن الناس في طبائعهم أشبه بعالم الأشجار : حلو وحامض ، وطويل وقصير ، وهكذا فليكونوا. فإن كنت كالموز فلا تتحول إلى سفرجل ، لأن جمالك وقيمتك أن تكون موزأ ، إن اختلاف ألواننا وألسنتنا ومواهبنا وقدراتنا اية من ايات الباري فلا تجحد اياته.
يعمل...
X