استجيبوا لله وللرسول ...
نعيش سويًا حول قول الله تبارك وتعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال : 24] .
فهذا نداء من نداءات الحق تبارك وتعالى على عباده المؤمنين ، ونداءات الله لأهل الإيمان الذين آمنوا به وبرسله وملائكته وكتبه واليوم الآخر والقدر خيره وشره ...كثيرة في القرآن الكريم ، وقد قال عبد الله بن مسعود : إذا سمعت الله يقول في القرآن يا أيها الذين آمنوا ... فأرعه سمعك فإنما يأمرك بخير أو ينهاك عن شر ...
وقد أمر الله أهل الإيمان في هذه الآية بأمر كريم ، فيه خير لهم متى استجابوا وانقادوا له ، ألا وهو أمرهم لهم بالاستجابة له ولرسوله r .
·فضل الاستجابة لله ولرسوله r .
أولًا : الاستجابة سبيل إلى الرشاد وإجابة الدعاء .
كما قال تبارك وتعالى وهو يعد أهل الاستجابة بهذه البشارة العظيمة : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}[البقرة :186].
فالاستجابة لله سبحانه وبحمده بفعل الأوامر التي أمر بها واجتناب النواهي التي نهى عنها ، وآمن به وأحسن الظن بالله جل وعلا فإنه سبحانه وتعالى قريب مجيب دعوته .
قال r : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا) قَالُوا : إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: ( اللَّهُ أَكْثَرُ ) رواه الإمام أحمد من حديث
أبي سعيد وقال الأرناؤوط : إسناده جيد .
ثانيًا : الاستجابة سبيل لصلاح الحال .
إذ أنه في إتباع أوامر الله ونبيه r صلاح الأمر ، واستقامة الحال ، وانصلاح الشأن ، لأن الله سبحانه وتعالى لا يأمر إلا بالمعروف والخير ، ولا ينهي إلا عن المنكر والشر ، وهو سبحانه وتعالى العالم بالطرق والسبل التي تؤدي إليها ، لذا فإن الصلاح كل الصلاح في الاستجابة لله ورسوله r .
قال تعالى : { اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ }
قال البخاري رحمه الله وطيب ثراه : لما يحييكم : يصلحكم.
ثالثًا : المستجيب حي ...
فعلى قدر الاستجابة تكون الحياة ، فهي مراتب كلما زاد العبد في الاستجابة لله وطاعة أوامره كلما زاده الله هداية وتوفيقاً . وقد شبه الله المستجيب لنداء الله ورسوله بالحي ، والذي لا يستجيب بالميت { إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} والحياة هنا حياة إنسانية كاملة، وليست حياة بهيمية لا تدرك من حقيقة وجودها في هذا الكون شهواتها وملذاتها ، فلا تعيش إلا لجسدها ، وإن سمعوا قول الحق فهم لا يستفيدون من سماعه ذلك فهم صم بكم عن كل ما يعارض شهواتهم وملذاتهم
{ إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ } فهم في سكرة الشهوة والهوى تحول بينهم عن إدراك قول الله وقول رسوله{ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ، لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ } فحياتهم ناقصة غير كاملة قد غابت عن سمائهم حياة القلوب وحياة الأرواح ، فلا تسمى حياتهم ـ وإن دبوا على الأرض ـ حياة لأنها فقدت إنسانيتها وصارت أقرب إلى الحياة الحيوانية { لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }....منقول
رابعًا : المستجيب وهداية الله ....
قال تعالى :{ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ
هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[القصص :50] .
قال ابن قيم الجوزية طيب الله ثراه : فقسم الأمر إلى أمرين لا ثالث لهما ، إما الاستجابة لله والرسول وما جاء به ، وإما إتباع الهوى ، فكل ما لم يأت به الرسول فهو من الهوى
وقال تعالى : { يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب }
فقسم سبحانه طريق الحكم بين الناس إلى الحق وهو الوحي الذي أنزله الله على رسوله ، وإلى الهوى وهو ما خالفه ، وقال تعالى لنبيه r : { ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين } ، فقسم الأمر بين الشريعة التي جعله هو سبحانه عليها ، وأوحى إليه العمل بها ، وأمر الأمة بها ، وبين إتباع أهواء الذين لا يعلمون ، فأمر بالأول ونهى عن الثاني .. إعلام الموقعين (1/47) ط دار الجيل _بيروت
فالمستجيب لأمر الله ورسوله سلم من إتباع هواه ، والمتبع هواه إلى ضلالٍ يسير والعياذ بالله .... فنسأل الله السلامة .
خامسًا : الاستجابة علامة للإيمان .
فأهل الاستجابة هم المؤمنون حقًا ، قال تعالى : {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[النور: 51].
فقول أهل الإيمان إذا ما دعوا إلى الله ورسوله هو سمعنا وأطعنا ، وقت النشاط والكسل ، ووقت العسر واليسر ، فحياتهم مبنية عن الاستجابة لأمر الله ورسوله ، أما المنافقون فشعارهم وديدنهم الصد عن سبيل الله ومخالفة أوامر النبي r ، كما قال الله عنهم :{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا } [النساء :61] .
سادسًا :أخر طريق الاستجابة ....الجنة .
قال الحق تبارك وتعالى : {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}[الرعد :18] .
قال البغوي :قوله تعالى:{ لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لربهم } أجابوا لِرَبِّهِمُ فأطاعوه، {الْحُسْنَى} الجنة ، { وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ } أي : لبذلوا ذلك يوم القيامة افتداءً من النار، { أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ } قال إبراهيم النخعي : سُوء الحساب: أن يحاسبَ الرجلُ بذنبه كلّه لا يغفر له من شيء { وَمَأْوَاهُمْ } في الآخرة { جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ } الفِراش ، أي: بئس ما مُهِِد لهم....التفسير (4/309).
كتبه
عمرو محمد صالح
عمرو محمد صالح