التوبة اللى الله
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53] والله سبحانه وتعالى يقول: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [آل عمران:135-136].
قصة الرجل الذي أوصى أن يُحرق بعد موته
يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيحين : {كان فيمن كان قبلكم رجل أسرف على نفسه في الخطايا، فلما حضرته الوفاة قال لأبنائه: إذا مت فأحرقوني بالنار، ثم اسحقوني ثم ذروني فوالله لو قدر الله عليَّ لعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين -سبحان الله! ظن أنه يفوت على الله- فلما مات أحرقوه بالنار وسحقوه وذروه، وأخذته الريح في كل مكان، فجمعه الذي أنشأه أول مرة، وأحياه سبحانه وتعالى الذي يقول للشيء: كن فيكون، فلما أصبح أمامه رجلاً قال: يا عبدي ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب! خفتك وخشيت ذنوبي قال الله: يا ملائكتي! أشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة }.
هذا تائب أقبل على الله عز وجل وتاب فغفر الله له ذنوبه، فأوصيكم ونفسي بالتوبة والاستغفار، ومراجعة الحساب معه سبحانه وتعالى والرجوع إليه.
في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم: {أن رجلاً قتل تسعة وتسعين نفساً فأتى إلى رجل عابد قال: هل لي من توبة؟ قال: لا. ليس لك توبة } سبحان الله! من يغلق باب التوبة عليك! باب فتحه الله عز وجل كيف يغلقه هذا العبد؟!
إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار
وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقني من النارقال: {ليس لك توبة، فقتله فوفى به المائة، وذهب إلى عالم قال: هل لي من توبة؟ قال: نعم. ومن يغلق عليك باب التوبة، وباب التوبة فتحه الله حتى تطلع الشمس من مغربها، فتاب إلى الله، قال: إني أرشدك أن تخرج من قريتك التي أنت فيها؛ لأنها قرية سوء -بعض القرى سيئة، أهلها ظلمة لا يعينونك على طاعة الله- فخرج من القرية، ولما أصبح في منتصف الطريق مات فنـزلت ملائكة العذاب وملائكة الرحمة واختصموا فيه، ملائكة الرحمة يقولون: خرج منيباً إلى الله فجزاؤه أن يدخل الجنة، وملائكة العذاب يقولون: مات وما عمل لله عملاً صالحاً، فجزاؤه النار، فأوحى الله إليهم أن قيسوا ما بين المسافتين، فإن كان أقرب إلى القرية التي خرج إليها فهو من أهل الجنة، وإن كان أقرب من القرية التي خرج منها فهو من أهل النار، فأتوا يقيسون بالأشبار فأوحى الله إلى تلك القرية أن تقربي وإلى تلك القرية أن تباعدي، فكان أقرب إلى تلك القرية الصالحة فكان من أهل الجنة } فيا الله! من لهذا العبد الضعيف المذنب يوم لا يجد راحماً إلا الله، عطاء الله ممنوح، وبابه مفتوح، ونواله يغدو ويروح.
أتت امرأة إليه صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيح- فأخبرته أنها زنت، وأنها أسرفت على نفسها، فأشاح صلى الله عليه وسلم بوجهه لا يريد أن تعترف، لأنه يقول: {ادرءوا الحدود بالشبهات } يريد أن يستر على هذه المرأة، فأتته من الجهة الأخرى فاعترفت، فأشاح حتى اعترفت أربع مرات، وهي تطلب أن يطهرها عليه الصلاة والسلام، وهي ثيب، وحد الثيب أن ترجم بالحجارة حتى تموت، لكن قدمت نفسها رخيصة في سبيل الله. فقال لها صلى الله عليه وسلم: {عودي حتى تضعيه } فعادت حتى وضعت ولدها وأتت به في لفائف، فرآه صلى الله عليه وسلم فقال: {عودي حتى ترضعيه } فأرضعته سنتين، ثم جاءت به وفي يده كسرة خبز، جاءت صابرة محتسبة تريد الله والدار الآخرة؛ فأُخذ ولدها ثم أخذوها وذهبوا يرجمونها بالحجارة وهي صابرة محتسبة، فلما رجموها طاش شيء من دمها على أحد الصحابة فسبها فقال عليه الصلاة والسلام وقد سمعه: {والذي نفسي بيده، لقد تابت توبة لو تابها سبعون رجلاً من أهل المدينة لوسعتهم } وفي لفظ: {والذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها أهل المدينة لوسعتهم، والذي نفسي بيده إني لأراها تنغمس في أنهار الجنة</SPAN> } هذا هو ربنا التواب الرحيم سبحانه وتعالى.</SPAN>