أفحكم الجاهلية يبغون
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنا سيدنا محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة، فكشف الله به الغمة، وجاهد فى الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزء عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته ورسولا عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فحياكم الله جميعاً الأخوة الفضلاء، وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً، وأسأل الله الحليم الكريم- جلا وعلا – الذى جمعنى مع حضراتكم فى هذا البيت الطيب المبارك على طاعته، أن يجمعنا فى الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى فى جنته ودار مقامته، إنه ولى ذلك والقادر عليه.
أحبتى فى الله نحن الليلة على موعد مع الدرس الثامن والأربعين من دروس شرح الإمام البخارى رحمة الله تعالى، وما زلنا مع الباب الثامن والعشرين من أبواب: " كتاب الإيمان الذى ترجم له البخارى بهذه الترجمة فقال: باب المعاصى من أمر الجاهلية ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك، لقول النبى " إنك امرؤ فيك جاهلية" ، وقول الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } (48) سورة النساء وروى الإمام البخارى فى هذا الباب حديثا قال: حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا شعبة عن واصل الأحدب بن المعرور قال: لقيت أبا ذر بالربذة- أسم مكان – عليه حلة- ثوب- وعلى غلامة ثوب أى وعلى خادمه حلة فسألته عن ذلك والسائل هو الأحدب بن المعرور، فسألته عن ذلك أى كيف تلبس حلة ويلبس خادمك أو صبيك نفس الحلة التى تلبسها؟ كيف تلبس حلة يلبسها غلامك؟ فقال أبو ذر : إنى سببت رجلاً- والسب هو فحش القول- أنى سببت رجلا فعيرته بأمه- وصرحت بعض الروايات أن هذا الرجل هو بلال مؤذن النبى – إنى سببت رجلاً فعيرته بأمه، فقال لى النبى :" يا أبا ذر عيرته بأمه؟ إنك أمرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم ومن كان أخوه تحت يديه فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم مما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم". ([1])
هذا هو الباب الثانى والعشرين من أبواب كتاب الإيمان وفى نفس الباب أيضاً ترجم الإمام البخارى هذه الترجمة، فقال باب: "{وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } (9) سورة الحجرات فسماهم الله المؤمنين أى سمى المقتتلين المؤمنين وقال: حدثنا عبد الرحمن بن المبارك ، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا أيوب ويونس عن الحسن عن الأحنف بن قيس قالا: ذهبت لأنصر هذا الرجل- أى علياً- - فلقينى أبو بكرة- صحابى جليل- فقال: أين تريد فقلت: أنصر هذا الرجل – أى علياً- - قال: ارجع فإنى سمعت رسول الله يقول: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار". فقلت: يا رسول، هذا القاتل فما بال المقتول، قال: "إنه كان حريصاً على قتل صاحبه". ([2])
باب المعاصى من أمر الجاهلية : هى مرحلة ما قبل افسلام إذا أطلق لفظ الجاهلية فالمراد به المرحلة التى سبقت افسلام وقد ذكر القرآن الجاهلية بأوصافها فى أربعة صفات: حكم الجاهلية، وظن الجاهلية، وحمية الجاهلية، وتبرج الجاهلية، فكل من حاد عن حكم الإسلام، وذهب إلى حكم الجاهلية فهو جاهلى، وكل من ظن ظن السوء بالله تعالى فقد ظن الجاهليى فهو جاهلى، ومن تبرجت التبرج الجاهلى فهى جاهلية إلى آخره
أى بتصرفها هذا.
فالجاهلية أيها الأحبة وإن كانت مرحلة زمنية سبقت الإسلام فلها صفات ولها صور باقية لكل من فعل فعلاً من أمور الجاهلية يقال له: إنك امرؤ فيك جاهلية ولكن لا ينبغى أن نحكم عليه بالكفر الأكبر، وأن نخرجه من الإسلام المخرج من الملة، لفعله فعلاً من أمور الجاهلية إلا إذا أقيمت عليه الحجة الرسالية الخاصة، ورفع عنه الجهل والتأويل والشبهة ، فإن أصر بعد ذلك على أمر من أمور الجاهلية معتقداً له، محولاً لهذا الأمر إلى عمل وإلى واقع فحينذ يحكم عليه بالتكفير، لكن لا ينبغى أن يفعل ذلك إلا أهل العلم ممن يفرقون بين الحجة العامة والحجة الخاصة، والمناط العام والمناط الخاص، والدليل العام والدليل الخاص إلى آخره. لا ينبغى أن يتسرع طالب علم صغير لا يحسن مثل هذه المسائل الكبيرة/ ليسقط الحكم بالتكفير على معين من الناس.
إذن الجاهلية- أيها الأحبة- هى ما قبل الإسلام وقد يطلق فى شخص معين أى فى حال جاهليته يعنى يقال لامرأة متبرجة: إنك امرأة فيك جاهلية لتبرجها تبرج الجاهلية رجل يحيد عن منهج الله جل وعلا فى مسألة أو غيرها يقال له: "إنك امرؤ فيك جاهلية"، رجل يعير رجلاً آخر بنسبة أو بأبيه أو بامه يقال له كما قال النبى لأبى ذر: " إنك امرؤ فيك جاهلية.."([3]) رجل يظن ظن السوء بالمنهج أو بالشريعة بجهل لا
باعتقاد فلو اعتقد فهذه مسألة كبيرة قد تخرجه من الملة من أوسع الأبواب، لكن بجهل أو بتأويل أو بشبهة يقال له حينئذ: إنك امرؤ فيك جاهلية. فباب المعاصى من الجاهلية ، فالجاهلية هى ما قبل الإسلام قال البخارى: ولا يكفر صاحبها إلا بارتكاب الشرك، فالشرك ذنب لا يغفره الله عز وجل، لصاحبه لكن لو أتى الإنسان فعلا من أفعال الجاهلية، سواء كانت من الكبائر أو من الصغائر، فالله عز وجل يغفر له إن تاب العبد إليه عز وجل لكن الشرك ذنب لا يغفر لقوله سبحانه: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا } (116) سورة النساء .
الإمام الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى يقول فى كلام نفيس: ومحصل الترجمة أنه- أى البخارى- لما أطلق أن المعاصى يطلق عليها الكفر كما ذكرت فى المحاضرة الماضية حينما قال: كفر دون كفر العشير ألا وهو كفران المرأة إحسان الزوج، وذكر هذا تحت الكفر لكنه الكفر الذى لا يخرج من الملة، فالحافظ ابن حجر يقول: إن البخارى لما أطلق أن المعاصى يطلق عليها الكفر مجازا على إزادة كفر النعمة لا كفر الجحود أراد أن يبين أنه كفر لا يخرج عن الملة خلافاً للخوارج أى الذين يكفرون بالذنوب، ونص القرآن يرد عليهم وهو قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا } وَيَغْفِرُ مَا دُونَ يعنى من الكبائر والصغائر التى تلى الشرك، يبقى محصل الترجمة أنه لما قدم أن المعاصى يطلق عليها الكفر مجازاً على إرادة كفر النعمة لا كفر الجحد أراد أن يبين أنه كفر لا يخرج عن الملة خلافاً للخوارج ، فأنتم تعلمون كما فصلت قبل ذلك أن الخوارج يكفرون بالكبائر كبائر الذنوب يعنى من أتى بكبيرة من كبائر الذنوب فهو كافر عند الخوارج والمعتزلة قالوا: هو فى منزلة بين المنزلتين لكن أهل السنة- رحمهم الله تعالى- لا يكفرون أحداً من أهل الملة أو أهل القبلة بذنب إلا إذا استحله، لكن إن فعل الذنب وإن كان كبيراً، ويتاب إلى الله عز وجل، يتوب الله سبحانه وتعالى عليه فإن أهل السنة لا يكفرون بكبائر الذنوب لقول الله عز وجل: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} .
قال الكرمانى فى استدلاله بقول النبى لأبى ذر يقول لأبى ذر: "إنك امرؤ فيك جاهلية".. حينما عبر رجلاً بأمة ، ووجه الاستدلال يقول: وجه استدلال البخارى لحديث أبى ذر فيه نظر، لأن التعبير بالأم ليس كبيرة وهم لا يكفرون بالصغائر قلت- والقائل ابن حجر- استدلاله عليه من الآية ظاهر، ولذلك اقتصر عليه ابن بطال، وأما قصة أبى ذر فغنما ذكرت، ليستدل بها على أن من بقيت فيه خصلة من خصال الجاهلية سوى الشرك لا يخرج عن الإيمان بها سواء كانت الخصلة من الصغائر أم من الكبائر وهذا واضح.
فالإمام البخارى استدل بحديث أبى ذر على أن الرجل إن كانت فيه خصلة من خصال الجاهلية سواء كانت هذه الخصلة من الكبائر أو من الصغائر فلا تخرج من الملة وإنما يقال له: إنك امرؤ فيك جاهلية ودعونى أفسر وجه الاستدلال به فى هذا الباب.
وأكرر واقول أن ما استدل به البخارى ، ليبين مذهبة ومذهب أهل السنة والجماعة فى أن الرجل لو ارتكب كبيرة أو صغيرة من أعمال الجاهلية ما دامت هذه الكبيرة أو الصغيرة تأتى بعد الشرك بالله فإنها لا تخرج من الملة ، وإنما هو كفر دون كفر.
أبو ذر- - كما ذكرت بعض الروايات عير بلالا. وبلال كانت أمة أعجمية كانت سوداء اللون ، وأبو ذر من الأشراف من قبيلة مشهورة عظيمة هى قبيلة غفار قبيلة لها مكانة فى أرض الجزيرة بين العرب فحصل خلاف أو شجار بينه وبين بلال- رضى الله عنهما- فسب أبو ذر بلال، وأود أن أبين هنا أن العبد عبد والرب رب، ولو كان هذا العبد من أصحاب المصطفى بشرية بشرية يحدث خلاف وشجار يصل إلى حد السب بل إلى حد القتال، وأنتم تعلمون أن أصحاب النبى قد حدث بينهم قتلاً ضارياً فى الفتنة العاصفة بعد مقتل عثمان.
سأتكلم بإيجار فى هذه المسألة، لأنى قد فصلت الحديث فيها تفصيلاً فى دروس العقيدة فى درس الأربعاء والأشرطة ولله الحمد ومن أهم وأخطر الأشرطة فى موضوع الفتنة التى وقعت بين أصحاب النبى ، فأبو ذر- - سب بلالا، سبه، لماذا؟ قال له: يا بن السوداء؟ مع أن أبا ذر كان فى هذا السن كما صرحت بعض الروايات كان فى سن متقدم ولذلك يتافح الحافظ ابن حجر- رحمة الله تعالى- ويقول: إنه قال ذلك قبل أن يعلم حرمة التعبير، ولذلك صرح أبو ذر وقال مع هذا السن أى بعد هذه السن المتقدمة، ورغم أنى لا أعرف أن التعبير هذا حرام لكن دعنا حتى ولو
أخذنا بالرأى الأول أن أبا ذر أخطأ وسب أخاه لبشريته ولضعف وقع فيه فى لحظة
من اللحظات.
لكن انظروا يا إخوة إلى الأكابر حينما يذكرون بكتاب الله وشرع الله يقف أحدهم أمام الحد، أمام الشرع كعصفور مبلل بماء المطر يرتعد ويرتجف من شدة الخوف والوجل إن ذكر أحدهم بالله تذكر. ما كان عليك إذا أردت أن ترى أحد الصحابة إن كان عملاقا كبيراً أن تراه مرتعداً مرتجفاً وجلاً أصفر اللون ما عليك فقط إلا أن تدنو منه وتقول له: اتق الله والله لو سمعها لارتجف قلبه وارتعد فؤاده!!!.
عمر – - فاروق الأمة كان إن ذكر بالله عز وجل يرتجف ويرتعد ويصفر لونه عند كل ثوب يلبسه وعند كل طعام يأكله وعند كل كلمة يذكر فيها بالله، ماذا أنت قائل لربك غداً يا عمر ؟ كانوا يقفون فى قولتهم الخالدة : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.
النبى يريد أن يزوج زينب بنت جحش- رضى الله عنها- لمولاه زيد بن حارثة فأبت زينب وكرهته فنزل القرآن {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} (36) سورة الأحزاب أنظر إلى القرآن كيف ينزل ليعالج المشاكل فى التو واللحظة، وانطلق النبى إلى زينب- رضى الله عنها- فقرأ عليها الآيات فقالت: رضيت بما رضى الله به ورسوله.
وقوف عجيب عند الحدود لا فزلكة ولا حزلفة إذا سمع هذا الحد امرأة أو رجل وقف وأذعن واستسلم.
معقل بن يسار صحابى جليل زوج أخته لرجل من المسلمين، وأكرم معقل ابن يسار هذا الرجل وأحسن إليه، ولكن هذا الرجل طلق أخت معقل بن يسار بعد فترة قليلة وذهب زوج أخت معقل بن يسارا، ليردها ، فقال له معقل بن يسار: زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت لتطلبها؟! لا والله لا تعود إليك أبداً أمر فطرى بشرى- زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها حتى إذا انقضت عدتها جئت لتطلبها؟! لا والله لا تعود إليك أبداً.
رجع الرجل، وكان رجلاً لا بأس به وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه تدبر يا أخى الإنصاف عند هؤلاء العدول يعنى مع إنه رده يعترف بأن الرجل كان رجلاً لا بأس به لا فى دين ولا خلق ، وأخت معقل كانت تريد أن ترجع لزوجها فتنزل القرآن يربى، فنزل قول الله عز وجل: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (232) سورة البقرة أى إذا انقضت العدة فلا تعضلوهن ولا تمنعوهن فالعطل فى اللغة هو المنع والتضيبق، فالله يقول: فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أى لا تمنعوهن أن يرجعن إلى أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف، ما دامت الزوجة من الجائز أن ترجع إلى زوجها إذا كانت طلقت طلاقاً رجعياً، فمن حق الزوج أن يردها أو أن يرجعها إليه مرة أخرى ونزلت الآيات على النبى وذهب النبى إلى معقل بن يسار، وقرأ النبى الآيات الكريمة على معقل بن يسار {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ} قال: الآن أفعل يا رسول الله، الآن أفعل يا رسول الله.
وفى رواية قال معقل بن يسار: سمعاً وطاعة يا رسول الله، الآن أفعل يا رسول الله.
وأيضاً من الجفاء أن أتكلم عن سرعة استجابة هؤلاء الأطهار للأمر الربانى والحد الربانى والأمر النبوى، ولا أذكر هذا الحديث الرقراق الذى رواه البخارى ومسلم وغيرهما لما نزل قول الله تعالى: {لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (284) سورة البقرة
لما نزلت هذه الآية- أيها الأخيار الكرام- ذهب الصحابة إلى رسوله الله لما نزلت هذه الآية- ايها الأخيار الكرام- ذهب الصحابة إلى رسول الله لما نزلت الآية وجثوا على ركبهم بين يديه وقالوا: يا رسول الله كلفنا من الأمر ما لا نطيق، لقد كلفنا بالصلاة والصيام والجهاد والصدقة ، وقد نزلت عليك آية لا نطيقها، فغضب النبى واحمر وجهه وقال:" أتريدون أن تقولوا ما قال أهل الكتابين من اليهود والنصارى سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا وأطعنا.." فقال الصحابة فى التو واللحظة : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير فنسخها قوله: {لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (284ـ286) سورة البقرة.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنا سيدنا محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة، فكشف الله به الغمة، وجاهد فى الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزء عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته ورسولا عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فحياكم الله جميعاً الأخوة الفضلاء، وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً، وأسأل الله الحليم الكريم- جلا وعلا – الذى جمعنى مع حضراتكم فى هذا البيت الطيب المبارك على طاعته، أن يجمعنا فى الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى فى جنته ودار مقامته، إنه ولى ذلك والقادر عليه.
أحبتى فى الله نحن الليلة على موعد مع الدرس الثامن والأربعين من دروس شرح الإمام البخارى رحمة الله تعالى، وما زلنا مع الباب الثامن والعشرين من أبواب: " كتاب الإيمان الذى ترجم له البخارى بهذه الترجمة فقال: باب المعاصى من أمر الجاهلية ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك، لقول النبى " إنك امرؤ فيك جاهلية" ، وقول الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } (48) سورة النساء وروى الإمام البخارى فى هذا الباب حديثا قال: حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا شعبة عن واصل الأحدب بن المعرور قال: لقيت أبا ذر بالربذة- أسم مكان – عليه حلة- ثوب- وعلى غلامة ثوب أى وعلى خادمه حلة فسألته عن ذلك والسائل هو الأحدب بن المعرور، فسألته عن ذلك أى كيف تلبس حلة ويلبس خادمك أو صبيك نفس الحلة التى تلبسها؟ كيف تلبس حلة يلبسها غلامك؟ فقال أبو ذر : إنى سببت رجلاً- والسب هو فحش القول- أنى سببت رجلا فعيرته بأمه- وصرحت بعض الروايات أن هذا الرجل هو بلال مؤذن النبى – إنى سببت رجلاً فعيرته بأمه، فقال لى النبى :" يا أبا ذر عيرته بأمه؟ إنك أمرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم ومن كان أخوه تحت يديه فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم مما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم". ([1])
هذا هو الباب الثانى والعشرين من أبواب كتاب الإيمان وفى نفس الباب أيضاً ترجم الإمام البخارى هذه الترجمة، فقال باب: "{وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } (9) سورة الحجرات فسماهم الله المؤمنين أى سمى المقتتلين المؤمنين وقال: حدثنا عبد الرحمن بن المبارك ، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا أيوب ويونس عن الحسن عن الأحنف بن قيس قالا: ذهبت لأنصر هذا الرجل- أى علياً- - فلقينى أبو بكرة- صحابى جليل- فقال: أين تريد فقلت: أنصر هذا الرجل – أى علياً- - قال: ارجع فإنى سمعت رسول الله يقول: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار". فقلت: يا رسول، هذا القاتل فما بال المقتول، قال: "إنه كان حريصاً على قتل صاحبه". ([2])
باب المعاصى من أمر الجاهلية : هى مرحلة ما قبل افسلام إذا أطلق لفظ الجاهلية فالمراد به المرحلة التى سبقت افسلام وقد ذكر القرآن الجاهلية بأوصافها فى أربعة صفات: حكم الجاهلية، وظن الجاهلية، وحمية الجاهلية، وتبرج الجاهلية، فكل من حاد عن حكم الإسلام، وذهب إلى حكم الجاهلية فهو جاهلى، وكل من ظن ظن السوء بالله تعالى فقد ظن الجاهليى فهو جاهلى، ومن تبرجت التبرج الجاهلى فهى جاهلية إلى آخره
أى بتصرفها هذا.
فالجاهلية أيها الأحبة وإن كانت مرحلة زمنية سبقت الإسلام فلها صفات ولها صور باقية لكل من فعل فعلاً من أمور الجاهلية يقال له: إنك امرؤ فيك جاهلية ولكن لا ينبغى أن نحكم عليه بالكفر الأكبر، وأن نخرجه من الإسلام المخرج من الملة، لفعله فعلاً من أمور الجاهلية إلا إذا أقيمت عليه الحجة الرسالية الخاصة، ورفع عنه الجهل والتأويل والشبهة ، فإن أصر بعد ذلك على أمر من أمور الجاهلية معتقداً له، محولاً لهذا الأمر إلى عمل وإلى واقع فحينذ يحكم عليه بالتكفير، لكن لا ينبغى أن يفعل ذلك إلا أهل العلم ممن يفرقون بين الحجة العامة والحجة الخاصة، والمناط العام والمناط الخاص، والدليل العام والدليل الخاص إلى آخره. لا ينبغى أن يتسرع طالب علم صغير لا يحسن مثل هذه المسائل الكبيرة/ ليسقط الحكم بالتكفير على معين من الناس.
إذن الجاهلية- أيها الأحبة- هى ما قبل الإسلام وقد يطلق فى شخص معين أى فى حال جاهليته يعنى يقال لامرأة متبرجة: إنك امرأة فيك جاهلية لتبرجها تبرج الجاهلية رجل يحيد عن منهج الله جل وعلا فى مسألة أو غيرها يقال له: "إنك امرؤ فيك جاهلية"، رجل يعير رجلاً آخر بنسبة أو بأبيه أو بامه يقال له كما قال النبى لأبى ذر: " إنك امرؤ فيك جاهلية.."([3]) رجل يظن ظن السوء بالمنهج أو بالشريعة بجهل لا
باعتقاد فلو اعتقد فهذه مسألة كبيرة قد تخرجه من الملة من أوسع الأبواب، لكن بجهل أو بتأويل أو بشبهة يقال له حينئذ: إنك امرؤ فيك جاهلية. فباب المعاصى من الجاهلية ، فالجاهلية هى ما قبل الإسلام قال البخارى: ولا يكفر صاحبها إلا بارتكاب الشرك، فالشرك ذنب لا يغفره الله عز وجل، لصاحبه لكن لو أتى الإنسان فعلا من أفعال الجاهلية، سواء كانت من الكبائر أو من الصغائر، فالله عز وجل يغفر له إن تاب العبد إليه عز وجل لكن الشرك ذنب لا يغفر لقوله سبحانه: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا } (116) سورة النساء .
الإمام الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى يقول فى كلام نفيس: ومحصل الترجمة أنه- أى البخارى- لما أطلق أن المعاصى يطلق عليها الكفر كما ذكرت فى المحاضرة الماضية حينما قال: كفر دون كفر العشير ألا وهو كفران المرأة إحسان الزوج، وذكر هذا تحت الكفر لكنه الكفر الذى لا يخرج من الملة، فالحافظ ابن حجر يقول: إن البخارى لما أطلق أن المعاصى يطلق عليها الكفر مجازا على إزادة كفر النعمة لا كفر الجحود أراد أن يبين أنه كفر لا يخرج عن الملة خلافاً للخوارج أى الذين يكفرون بالذنوب، ونص القرآن يرد عليهم وهو قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا } وَيَغْفِرُ مَا دُونَ يعنى من الكبائر والصغائر التى تلى الشرك، يبقى محصل الترجمة أنه لما قدم أن المعاصى يطلق عليها الكفر مجازاً على إرادة كفر النعمة لا كفر الجحد أراد أن يبين أنه كفر لا يخرج عن الملة خلافاً للخوارج ، فأنتم تعلمون كما فصلت قبل ذلك أن الخوارج يكفرون بالكبائر كبائر الذنوب يعنى من أتى بكبيرة من كبائر الذنوب فهو كافر عند الخوارج والمعتزلة قالوا: هو فى منزلة بين المنزلتين لكن أهل السنة- رحمهم الله تعالى- لا يكفرون أحداً من أهل الملة أو أهل القبلة بذنب إلا إذا استحله، لكن إن فعل الذنب وإن كان كبيراً، ويتاب إلى الله عز وجل، يتوب الله سبحانه وتعالى عليه فإن أهل السنة لا يكفرون بكبائر الذنوب لقول الله عز وجل: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} .
قال الكرمانى فى استدلاله بقول النبى لأبى ذر يقول لأبى ذر: "إنك امرؤ فيك جاهلية".. حينما عبر رجلاً بأمة ، ووجه الاستدلال يقول: وجه استدلال البخارى لحديث أبى ذر فيه نظر، لأن التعبير بالأم ليس كبيرة وهم لا يكفرون بالصغائر قلت- والقائل ابن حجر- استدلاله عليه من الآية ظاهر، ولذلك اقتصر عليه ابن بطال، وأما قصة أبى ذر فغنما ذكرت، ليستدل بها على أن من بقيت فيه خصلة من خصال الجاهلية سوى الشرك لا يخرج عن الإيمان بها سواء كانت الخصلة من الصغائر أم من الكبائر وهذا واضح.
فالإمام البخارى استدل بحديث أبى ذر على أن الرجل إن كانت فيه خصلة من خصال الجاهلية سواء كانت هذه الخصلة من الكبائر أو من الصغائر فلا تخرج من الملة وإنما يقال له: إنك امرؤ فيك جاهلية ودعونى أفسر وجه الاستدلال به فى هذا الباب.
وأكرر واقول أن ما استدل به البخارى ، ليبين مذهبة ومذهب أهل السنة والجماعة فى أن الرجل لو ارتكب كبيرة أو صغيرة من أعمال الجاهلية ما دامت هذه الكبيرة أو الصغيرة تأتى بعد الشرك بالله فإنها لا تخرج من الملة ، وإنما هو كفر دون كفر.
أبو ذر- - كما ذكرت بعض الروايات عير بلالا. وبلال كانت أمة أعجمية كانت سوداء اللون ، وأبو ذر من الأشراف من قبيلة مشهورة عظيمة هى قبيلة غفار قبيلة لها مكانة فى أرض الجزيرة بين العرب فحصل خلاف أو شجار بينه وبين بلال- رضى الله عنهما- فسب أبو ذر بلال، وأود أن أبين هنا أن العبد عبد والرب رب، ولو كان هذا العبد من أصحاب المصطفى بشرية بشرية يحدث خلاف وشجار يصل إلى حد السب بل إلى حد القتال، وأنتم تعلمون أن أصحاب النبى قد حدث بينهم قتلاً ضارياً فى الفتنة العاصفة بعد مقتل عثمان.
سأتكلم بإيجار فى هذه المسألة، لأنى قد فصلت الحديث فيها تفصيلاً فى دروس العقيدة فى درس الأربعاء والأشرطة ولله الحمد ومن أهم وأخطر الأشرطة فى موضوع الفتنة التى وقعت بين أصحاب النبى ، فأبو ذر- - سب بلالا، سبه، لماذا؟ قال له: يا بن السوداء؟ مع أن أبا ذر كان فى هذا السن كما صرحت بعض الروايات كان فى سن متقدم ولذلك يتافح الحافظ ابن حجر- رحمة الله تعالى- ويقول: إنه قال ذلك قبل أن يعلم حرمة التعبير، ولذلك صرح أبو ذر وقال مع هذا السن أى بعد هذه السن المتقدمة، ورغم أنى لا أعرف أن التعبير هذا حرام لكن دعنا حتى ولو
أخذنا بالرأى الأول أن أبا ذر أخطأ وسب أخاه لبشريته ولضعف وقع فيه فى لحظة
من اللحظات.
لكن انظروا يا إخوة إلى الأكابر حينما يذكرون بكتاب الله وشرع الله يقف أحدهم أمام الحد، أمام الشرع كعصفور مبلل بماء المطر يرتعد ويرتجف من شدة الخوف والوجل إن ذكر أحدهم بالله تذكر. ما كان عليك إذا أردت أن ترى أحد الصحابة إن كان عملاقا كبيراً أن تراه مرتعداً مرتجفاً وجلاً أصفر اللون ما عليك فقط إلا أن تدنو منه وتقول له: اتق الله والله لو سمعها لارتجف قلبه وارتعد فؤاده!!!.
عمر – - فاروق الأمة كان إن ذكر بالله عز وجل يرتجف ويرتعد ويصفر لونه عند كل ثوب يلبسه وعند كل طعام يأكله وعند كل كلمة يذكر فيها بالله، ماذا أنت قائل لربك غداً يا عمر ؟ كانوا يقفون فى قولتهم الخالدة : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.
النبى يريد أن يزوج زينب بنت جحش- رضى الله عنها- لمولاه زيد بن حارثة فأبت زينب وكرهته فنزل القرآن {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} (36) سورة الأحزاب أنظر إلى القرآن كيف ينزل ليعالج المشاكل فى التو واللحظة، وانطلق النبى إلى زينب- رضى الله عنها- فقرأ عليها الآيات فقالت: رضيت بما رضى الله به ورسوله.
وقوف عجيب عند الحدود لا فزلكة ولا حزلفة إذا سمع هذا الحد امرأة أو رجل وقف وأذعن واستسلم.
معقل بن يسار صحابى جليل زوج أخته لرجل من المسلمين، وأكرم معقل ابن يسار هذا الرجل وأحسن إليه، ولكن هذا الرجل طلق أخت معقل بن يسار بعد فترة قليلة وذهب زوج أخت معقل بن يسارا، ليردها ، فقال له معقل بن يسار: زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها ثم جئت لتطلبها؟! لا والله لا تعود إليك أبداً أمر فطرى بشرى- زوجتك وأفرشتك وأكرمتك فطلقتها حتى إذا انقضت عدتها جئت لتطلبها؟! لا والله لا تعود إليك أبداً.
رجع الرجل، وكان رجلاً لا بأس به وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه تدبر يا أخى الإنصاف عند هؤلاء العدول يعنى مع إنه رده يعترف بأن الرجل كان رجلاً لا بأس به لا فى دين ولا خلق ، وأخت معقل كانت تريد أن ترجع لزوجها فتنزل القرآن يربى، فنزل قول الله عز وجل: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (232) سورة البقرة أى إذا انقضت العدة فلا تعضلوهن ولا تمنعوهن فالعطل فى اللغة هو المنع والتضيبق، فالله يقول: فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أى لا تمنعوهن أن يرجعن إلى أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف، ما دامت الزوجة من الجائز أن ترجع إلى زوجها إذا كانت طلقت طلاقاً رجعياً، فمن حق الزوج أن يردها أو أن يرجعها إليه مرة أخرى ونزلت الآيات على النبى وذهب النبى إلى معقل بن يسار، وقرأ النبى الآيات الكريمة على معقل بن يسار {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ} قال: الآن أفعل يا رسول الله، الآن أفعل يا رسول الله.
وفى رواية قال معقل بن يسار: سمعاً وطاعة يا رسول الله، الآن أفعل يا رسول الله.
وأيضاً من الجفاء أن أتكلم عن سرعة استجابة هؤلاء الأطهار للأمر الربانى والحد الربانى والأمر النبوى، ولا أذكر هذا الحديث الرقراق الذى رواه البخارى ومسلم وغيرهما لما نزل قول الله تعالى: {لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (284) سورة البقرة
لما نزلت هذه الآية- أيها الأخيار الكرام- ذهب الصحابة إلى رسوله الله لما نزلت هذه الآية- ايها الأخيار الكرام- ذهب الصحابة إلى رسول الله لما نزلت الآية وجثوا على ركبهم بين يديه وقالوا: يا رسول الله كلفنا من الأمر ما لا نطيق، لقد كلفنا بالصلاة والصيام والجهاد والصدقة ، وقد نزلت عليك آية لا نطيقها، فغضب النبى واحمر وجهه وقال:" أتريدون أن تقولوا ما قال أهل الكتابين من اليهود والنصارى سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا وأطعنا.." فقال الصحابة فى التو واللحظة : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير فنسخها قوله: {لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (284ـ286) سورة البقرة.
تعليق