تفسير سورة العصر
للإمام الشيخ عبد الله بن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله تعالى
فأجاب: الكلام عليها طويل، لكن نذكر لك ما ذكر أهل العلم، على سبيل الاختصار.
ذكروا أن العصر هو الدهر الذي خلقه الله سبحانه، والله سبحانه له أن يقسم بما شاء من خلقه، وأما المخلوق، فلا يجوز له أن يقسم إلا بالله تبارك وتعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت"، وجواب القسم: {إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} .
والإنسان: اسم جنس، وهم جميع بني آدم؛ ثم استثنى فقال: {إِلاّ الَّذِينَ آمَنُوا} بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر، وأيقنوا بقلوبهم، وصدقوا أن ما أخبر الله في كتابه، وعلى ألسنة رسله، فهو الحق الذي لا مرية فيه، ولا شك فيه.
{وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي: عملوا بما شرعه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بجوارحهم.
ولا بد في العمل الصالح، من شرطين:
الأول: أن يكون خالصا لوجه الله،
الثاني: أن يكون على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}.
فقوله: {عَمَلاً صَالِحًا} هو المشروع، وقوله: {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} هو الإخلاص الذي لوجه الله؛
فهذه مرتبتان:
الأولى: الإيمان بالله ورسوله،
الثانية: العمل الصالح، فهذا هو العلم بما أنزل الله والعمل به.
فإذا علم الإنسان ما أنزل الله، فعليه أن يعمل به، وإذا عمل العمل الصالح، فعليه:
مرتبة ثالثة، وهي: التواصي بالحق، وهي أن يوصي غيره باتباع الحق، ويعلم الجهال مما علمه الله، بخلاف من قال الله فيهم: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً}[سورة البقرة آية : 174] .
فإذا فعل المؤمن ما أمره الله به من التواصي بالحق، وهو الأمر بالمعروف الذي أمر الله به، والنهي عن المنكر الذي نهى الله عنه، فعليه:
مرتبة رابعة، وهي: الصبر على أذى الخلق وإساءتهم إليه في ذات الله تعالى، كما صبر أنبياء الله ورسله، وأهل العلم من خلقه على ذلك.
فهذه أربع مراتب، إذا عمل بها الإنسان، صار من أولياء الله المتقين، وحزبه المفلحين.
نسأل الله أن يرزقنا وإخواننا فهمها، والعمل بها، فذكرهن الله في هذه السورة القصيرة الألفاظ، الطويلة المعاني، كما قال الشافعي رحمه الله: لو عمل الناس بهذه السورة لكفتهم، وهو كما قال رحمه الله تعالى. أهـ.
ولنا وقفه أخرى مع سورة العصر في الأسبوع القادم إن شاء الله.