فقه الأدب عند الخلاف مع المخالف المسلم
حرص الإسلام منذ ظهوره على وحدة المسلمين ، فكان أول عمل عمله النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة بناء مسجده والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ، حتى ضربوا أروع الأمثلة في الإيثار والأخوة الإسلامية قال سبحانه ( والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون )(1)
وجعل النبي صلى الله عليه وسلم التآخي والتوادد والحب في الله من أعظم عرى الإيمان ومن أخص صفات المؤمنين ، فعن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( مَن أحب لله ، وأبغض لله ، وأعطى لله ، ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان )(2)، وقال ( إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدّ بعضه بعضاً . ثم شبّك بين أصابعه )(3).
وحذّر النبي صلى الله عليه وسلم من التفرق والاختلاف فقال ( ... فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية )(4)، وأخبر أن الشيطان يسعى جاهداً للتفريق بين المسلمين حتى يكونوا لقمة سهلة لأعدائهم قال عليه الصلاة والسلام ( إن الشيطان أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم )(5).
ولأجل ذلك فإن هناك آداب يلتزم بها كلا الطرفين عند الخلاف ، والخلاف الذي نعنيه الذي لم يخرج به أحد الطرفين من دائرة الإسلام وحدود هذه الدائرة هو قول النبي صلى الله عليه وسلم ( مَن صلى صلاتنا ، واستقبل قبلتنا ، وأكل ذبيحتنا ، فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله ، فلا تخفروا الله في ذمته )(6).
وفي حديث الرجل الذي قال : يا رسول الله اتق الله . قال خالد بن الوليد : يا رسول الله ألا أضرب عنقه ؟ قال ( لا ، لعله أن يكون يصلي ) فقال خالد : وكم من مصلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إني لم أومر أن أُنقب قلوب الناس ولا أشقّ بطونهم )(7).
إلا أن يكون صاحب بدعة مكفرة - وقد ذكر العلماء ضابطاً لها ، فقالوا : إن مَن أنكر أمراً مجمعاً عليه متواتراً من الشرع معلوماً من الدين بالضرورة فقد كفر ، لأن ذلك تكذيب بالكتاب وبما أرسل الله رسله (8)- فليس هو مقصوداً في حديثنا هذا .
أما من ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب ، - والكبيرة هي كل ذنب ترتب عليه حد أو أُتبع بلعنة أو غضب أو نار أو أي عقوبة - فحكمه أنه مسلم وعليه أن يتوب توبة نصوحاً -بأن يتوفر فيها ثلاثة أمور ؛ إقلاع عن الذنب ، وندم على ارتكاب الذنب ، وعزم على عدم العودة إليه ، - إلا إن كان فيها مظلمة لمسلم لزمه أمر رابع هو التحلل منها - قبل الله توبته ، قال سبحانه ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ، أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار ...)(9)، وإن لم يتب فهو إلى الله تعالى إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه لكنه غير مخلد في النار لتوحيده ، لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ( بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم ، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تعصوا في معروف ، فمن وفّى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئـاً ثم ستـره الله فهو إلى الله إن شاء عفـا عنه وإن شاء عاقبه )(10).
يتبع في الحلقة القادمة
تعليق