بقلم : أ جمال سعد حاتم
غلاف مجلة التوحيد العدد 93
غلاف مجلة التوحيد العدد 93
رئيس التحرير
الحمد لله الذي رضي لنا الإسلام دينًا، وأنزل علينا أفضل كتاب، وأرسل إلينا أعظم رسول، وشرع لنا أكمل ملة، وجعلنا من خير أمةٍ أخرجت للناس وبعد
عام جديد يُطلُّ على أمة الإسلام، وفي الأفق خطر جديد يَبُثُّ سمومه على الأمة، وينخر في جسدها، فيما تقوم به الدولة الرافضة الإيرانية من زَعْزَعةٍ لاستقرار الدول المجاورة، بزرع علمائها فيها، وإمدادهم بالمال والسلاح، وجعلهم طليعة لنشر المشروع الرافضي في تلك البلدان، رافضية إيران التي تحاول فرض السيطرة والهيمنة على العالم الإسلامي من خلال مشروع إيران الفارسي، والمذهبي على المنطقة كلها، تلك الدولة التي ساهمت بشكل مباشر في اجتياح واحتلال وتدمير العراق وأفغانستان، يبدو أن هذا الانتصار الكبير للروافض في ظل حالة الهوان التي تعيشها الأمة، قد دفعها لنقل المعركة إلى مكان جديد، فكانت وجهتها هذه المرة إلى اليمن؛ حيث الحوثيون الذين يقطنون في منطقة «صعدة» شمال اليمن، وإلى الجنوب من حدود المملكة العربية السعودية، فوجهوا دعمهم بالمال والسلاح لفرقة «الجاردوية» المنشقة عن المذهب الزيدي، والتي أضحت امتدادًا للشيعة الاثنى عشرية في إيران
وبين عالَم غربي طالما تشدَّق بكلمات رنانة عن الحرية الدينية الزائفة، يطلبها من المسلمين، بينما رائحة العنصرية البغيضة تُزْكم الأنوف، فبالأمس كانت المآذن، وقبل الأمس كان الحجاب، واليوم المساجد، وغدًا ننتظر طعنات أخرى توجه للإسلام والمسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله
الحوثيون عبر التاريخ
كانت البداية في تسعينيات القرن الماضي في محافظة «صعدة» في جمهورية اليمن؛ حيث خرجت للوجود حركة تنظيمية أطلقت على نفسها «الشباب المؤمن»، كان من أبرز مؤسسيها بدر الدين الحوثي، ثم تولى رئاستها ابنه حسين بدر الدين الحوثي، وكان نشاط هذا التنظيم في بداياته فكريًّا، يهدف إلى تدريس المذهب الزيدي
وحينما حدثت الوحدة اليمنية، وفُتح المجال أمام التعددية الحزبية، كان لهذا التنظيم مقعد واحد في مجلس النواب في الحكومة اليمنية ممثلاً عن الطائفة الزيدية، وفي تلك الفترة ومع انشقاق بين علماء الزيدية من جهة، وبين بدر الدين الحوثي من جهة أخرى، بسبب آراء الحوثي المخالفة للزيدية، ومنها دفاعه المستميت ومَيْلهُ الواضح لمذهب الشيعة الاثنى عشرية، وقبوله ببعض معتقداتهم، فأصدر حينها علماء الزيدية بيانًا تبرؤوا فيه من الحوثي وأتباعه وآرائهم، عندها اضطر الحوثي للهجرة إلى إيران، وعاش هناك عدة سنوات تغذى فيها من المعتقد الصفوي، وازدادت قناعته بالمذهب الإمامي الاثنى عشري
وفي عام المجتمع عاد الحوثي إلى بلاده، وعاد إلى تدريس أفكاره الجديدة، والتي منها سبّ الصحابة وتكفيرهم، ووجوب أخذ الخُمُس، وغيرها من المسائل التي وافق فيها مذهب الشيعة الإمامية، وفي تلك الأثناء أيضًا كانت الحركة الحوثية ترسل أبناء صعدة للدراسة في الحوزات العلمية في قم والنجف، ليلقنهم أصحاب العمائم الصفوية هناك أن كل حكومة غير ولاية الفقيه النائبة عن الإمام المنتظر هي حكومة غير شرعية، وغير معترف بها، ولهذا كان للحركة الحوثية اتجاه ثوري ناقم على الحكومة هناك، فاندلعت حروب ستة بين الفريقين، كلفت بلاد اليمن آلاف الأرواح وخسائر مالية فادحة، مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها اليمن
ولقد كان الدعم الصفوي بالمال والعتاد من أهم الأسباب التي جعلت هذه الحركة تبرز على الساحة في سنوات قلائل؛ فضلاً عن الشعارات الرنانة التي كان يرفعها الحوثيون؛ كشعار «الموت لأمريكا»، و«اللعنة لليهود»، وغيرها من الشعارات الخداعة التي أكسبتهم تعاطفًا كبيرًا بين أبناء اليمن، وهذه إحدى الحيل الرافضية في كسب تعاطف الشعوب الإسلامية المقهورة
عقيدة الحوثيين والانحراف والضلال الفكري والعقدي
وإذا اقتربنا من العقيدة الحوثية فإننا سرعان ما نلمس الانحراف الفكري والضلال العقدي في أبهى صُوره، فالحركة الحوثية تنتمي في أصلها إلى الفرقة الجارودية، وهي أشد الفرق الزيدية غلوًّا وشططًا، فمن عقيدتها أن النبي نصَّ على إمامة عليّ بعده بالوصف لا بالاسم، وأن الصحابة كفروا بتركهم بيعة علي بن أبي طالب؛ يقول العجوز الضّالُ بدر الدين الحوثي في كتابه إرشاد الطالب ص الولاية بعد رسول الله لعلي عليه السلام ولم تصح ولاية المتقدمين عليه؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، ولم يصح إجماع الأمة عليهم، رضي الناس بذلك أم لم يرضوا
وقد قال الله سبحانه عن أصحاب محمد مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا الفتح
وأثنى عز وجل عليهم بقوله لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا الفتح
وزكاهم أيضًا بقوله لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ الحشر
وأفضلهم الصديق رضي الله عنه، الذي نزل فيه قول الله جل وعلا إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا التوبة ، ونزل فيه قوله تعالى وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ الزمر
اختارهم الله لصحبة نبيه، وتبليغ رسالته من بعده، يقول أبو زرعة رحمه الله «إذا رأيت الرجل يَنْتَقِصُ أحدًا من أصحاب النبي فاعلم أنه زنديق»
وقال الإمام أحمد رحمه الله «إذا رأيت الرجل يذكر أحدًا من الصحابة بسوء فاتهمه على الإسلام»
واستمع لقول زعماء الحركة الحوثية ومؤسسيها عن صفوة الأمة وسابقيها، يقول العجوز الحوثي بدر الدين صاحب كتاب «الإيجاز في الرد على فتاوى الحجاز وعلى عبد العزيز بن باز» «أنا عن نفسي أومن بتكفيرهم»؛ يعني أصحاب النبي
ويقول ابنه حسين الحوثي «واحترامًا لمشاعر السنة في داخل اليمن وخارجها كُنا نسكت عن اعتقادنا أنهما أي الشيخين أبا بكر وعمر مخطئون عاصون ضالُّون»
وقال أيضًا في أحد خطبه ما نصه «الأمة في كل سنة تهبط نحو الأسفل من جيل بعد جيل إلى أن وصلت تحت أقدام اليهود ومن عهد أبي بكر إلى الآن»
البعد العقدي والحركة الشيعية الباطنية
إن من الخطأ البيِّن تنحية البعد العقدي عن هذه الحركة الشيعية الباطنية، ومن الخطأ أيضًا نسيان تاريخ الحركات الشيعية الثورية التي عانى منها المسلمون عبر تاريخهم؛ كحركة القرامطة، والحركة العُبيدية، والصفوية، وغيرها من الحركات التي أذاقت المسلمين الويلات، وأدخلت أهل الإسلام في صراعات داخلية مريرة، فما هذه الحركة إلاَّ امتداد لتلك الحركات الباطنية جاءت استجابة للصوت الصفوي الذي دعا لتصدير الثورة المزعومة في مشارق الأرض ومغاربها
ومن الصعب أن نفصل هذه الحركة عن التوسع الشيعي في البلاد الإسلامية؛ فالميل العقدي للشيعة الاثنى عشرية قد ظهر من خلال أفعال مؤسسي هذه الحركة وفي أقوالهم، وصرح غير واحد من السياسيين في اليمن أن إيران هي الداعم الرئيس لهذه الحركة التي تسعى للانفصال، والقنوات الشيعية تقف على قدم وساق مع الحركة الحوثية، وتُظهرهم بمظهر المظلوم المضطهد، والمخطط الصفوي لابتلاع العالم الإسلامي واضح للعيان من خلال أذرعه الموزعة هنا وهناك، فقد بشرت الثورة الصفوية أتباعها بقرب ظهور مهديهم الغائب المنتظر، وأن هذا الظهور لن يكون إلاَّ بعد ثورات متتالية على من ظلم أهل البيت، وسلب منهم حقوقهم، ولذا فهذه الثورات بحسب المعتقد الصفوي تمهِّد لخروج الإمام الغائب الحجة كما يزعمون
وإنك لتعجب من مرويات يتداولونها في كتبهم وليست مفتراةً عليهم وكيف يفضلون الحج إلى مشاهدهم أكثر من الحج إلى بيت الله، بل ربما وصل الأمر بهم إلى اعتقاد كربلاء حرمًا آمنًا، وقد جاء في أحد كتبهم ما ينسبونه زورًا للإمام جعفر أنه قال لو أني حدثتكم بفضل زيارته «الحسين»، وبفضل قبره، لتركتم الحج رأسًا، وما حج منكم أحد، ويْحَكَ أما عَلمت بأن الله قد اتخذ كربلاءً حرمًا آمنًا مباركًا قبل أن يتخذ مكة حرمًا» بحار الأنوار ، وأصول مذهب الشيعة
وإن قومًا تلك بعض معتقداتهم وسلوكياتهم ليستحقوا التنديد والكشف عن انحرافاتهم، فاللهم اصرف عن المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن، واجعل كيد الكائدين في نحورهم
الحروب الستة التي خاضها الحوثيون في اليمن
كانت الحرب الأولى في يوليو المجتمع ، والتي قُتل فيها حسين الحوثي مؤسس الجماعة، وقائدها العسكري لتكشف عن وجود تحصينات قوية للحوثيين في الجبال والوديان، وأنهم كانوا يستعدون للحرب منذ فترات طويلة، فحفروا في الجبال، وأقاموا الخنادق، وكدسوا الأسلحة والذخائر، ونجحوا خلال تلك الحرب في امتصاص الصدمة من الحكومة اليمنية، وأبدوا استعدادًا للحوار معها والقبول بسلطتها
وكانت الحرب الثانية في يناير المجتمع ، فقد استغلوا فرصة التهدئة في التقاط الأنفاس، والاستعداد مجددًا لجولةٍ كانوا على يقين أنها قادمة، فبعد أن كانوا متمركزين في الحرب الأولى في جبل «قران»، توسعوا في الثانية إلى مناطق مديرية «حيدان» كافة ثم تلتها الحرب الثالثة في مارس المجتمع من مديرات مجاورة مثل «ساقين والمجز»، إضافة إلى حيدان حتى انتهت بوصولهم إلى محيط مدينة صعدة، والسيطرة على كامل المحافظة، معتمدين على أساليب جمعت بين حرب العصابات، وامتصاص الضربات أثناء المواجهات، وبين النمو والسيطرة على مناطق جديدة، وتجنيد الأنصار للحوثيين أثناء الهدنة مع الجيش اليمني
وجاءت الحرب الرابعة، والتي بدأت في يناير المجتمع ، ولم يستطع الحوثيون إخفاء رغبتهم في السيطرة على كامل محافظة صعدة، فاعتمدوا على أساليب الهجوم ضد قوات الجيش ومؤسسات الدولة في عاصمة المحافظة
وفي فبراير عام المجتمع بدأت الحرب الخامسة، والتي جاءت بمثابة إنذار أخير للحكم، فقد وضحت أهداف الحوثيين، كما لم تتضح من قبل؛ إذ ظهر أنهم يبحثون عن الحكم في صعدة، وإقامة حكم شيعي يخضع لولاية الفقيه
وفي الحرب السادسة والتي وقعت في أغسطس المجتمع ، كان الحوثيون قد توسعوا حتى وصلوا إلى محافظتي الجوف وهجة، وأداروا معارك مع قبائل الجوف للسيطرة على ميناء «ميدي» في البحر الأحمر، وإشعال الحرب في محافظات البيضاء وذمار، وأمانة العاصمة، وبعض أجزاء من الحديدة، أي أن أكثر من نصف مساحة البلاد قد دخلت تحت تمرد الحوثيين
ويعزى الكثير من هذه الانتصارات إلى تدخل بعض الأطراف الدولية الإقليمية؛ بقصد إبقاء الأوضاع في اليمن في حالة توتر مستمر، وإثارة القلاقل في جنوب المملكة العربية السعودية، وهو ما حدث مؤخرًا من خلال تسلل الحوثيين إلى الحدود السعودية، وقتل عدد من الضباط السعوديين
فالأمة بأسرها أمام تحدٍّ خطير قد يتسبب في أزمات عديدة داخل بلدان عربية أخرى، وهو ما يعني في حال تحقيقه نجاح مخطط تمزيق الأمة بحسب الخطط الأمريكية والغربية، والتي تُنَفَّذ هذه المرة بأيدٍ إيرانية
العنصرية الغربية وبزوغ الكراهية على المآذن والمساجد
في عدد ذي الحجة وعلى صفحات مجلة التوحيد الشهرية، تناولنا محاولة أحزاب اليمين المتطرفة في سويسرا، والتي جمعت ألف توقيع لسن قانون يحظر إقامة المآذن في سويسرا، وها هو الاستفتاء قد أُجري، وجاءت الموافقة على منع إقامة مآذن جديدة بسويسرا، دليلاً على العنصرية المنافية لمواثيق حقوق الإنسان والحرية الدينية التي يتشدق الغرب بها، ولحقت سويسرا بإيطاليا وفرنسا وألمانيا وهولندا وإنجلترا، وغيرها من الدول الأوروبية التي سَنَّت العديد من القوانين للحدّ من حريات المسلمين المقيمين بها
فهذا هو لسان حال السويسريين الذي جاء صادمًا لكل التوقعات والتحليلات والاستطلاعات، عندما صوَّت بـ «نعم» لحظر المآذن في سويسرا هذا البلد الصغير الذي يُعتبر في رأي الكثيرين حول العالم، جنّة الحرية والأمان والتسامح، وقبول الآخر، والتعايش المتعدد الأعراق في خطوة تتناسب مع طبيعة الروح العدائية المتنامية للإسلام والمسلمين داخل القارة العجوز التي على ما يبدو لم تنسَ إرثها التاريخي الكبير من عداوة للعالم الإسلامي، وتكشف عن طبيعة الروح الأوروبية، وخبايا العقل العدائي لدى الأوروبيين، مع أن السمة الغالبة لمسلمي سويسرا، والبالغ عددهم ألف مسلم أغلبيتهم من البلقان مثل ألبانيا والبوسنة وكوسوفا، ونسبة من الأتراك، فالسمة الغالبة لمسلمي سويسرا أنهم ينحدرون من أصول بلقانية، فهم بالأساس أوروبيون وفي هذا النطاق، فإننا نذكر بدور الكنيسة السويسرية في تأجيج المخاوف الشعبية من المدّ الإسلامي، وهي على علاقة قوية مع الكيان الصهيوني، وبينهما تنسيق كبير، ولعبت دورًا كبيرًا في ترجيح الكفة لصالح منع بناء المآذن
فهل يليق بالمسلمين العرب أن يثقوا في هذا الكيان الهشّ الذي يحارب الإسلام وأهله، فيذهبون إليهم يهرولون؛ ليضعوا أموالهم في بنوكهم، والأَوْلى أن يستفيد المسلمون بهذه الأموال في بلادهم
فاللهم انصر الإسلام والمسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين [
غلاف مجلة التوحيد العدد 93
غلاف مجلة التوحيد العدد 93
رئيس التحرير
الحمد لله الذي رضي لنا الإسلام دينًا، وأنزل علينا أفضل كتاب، وأرسل إلينا أعظم رسول، وشرع لنا أكمل ملة، وجعلنا من خير أمةٍ أخرجت للناس وبعد
عام جديد يُطلُّ على أمة الإسلام، وفي الأفق خطر جديد يَبُثُّ سمومه على الأمة، وينخر في جسدها، فيما تقوم به الدولة الرافضة الإيرانية من زَعْزَعةٍ لاستقرار الدول المجاورة، بزرع علمائها فيها، وإمدادهم بالمال والسلاح، وجعلهم طليعة لنشر المشروع الرافضي في تلك البلدان، رافضية إيران التي تحاول فرض السيطرة والهيمنة على العالم الإسلامي من خلال مشروع إيران الفارسي، والمذهبي على المنطقة كلها، تلك الدولة التي ساهمت بشكل مباشر في اجتياح واحتلال وتدمير العراق وأفغانستان، يبدو أن هذا الانتصار الكبير للروافض في ظل حالة الهوان التي تعيشها الأمة، قد دفعها لنقل المعركة إلى مكان جديد، فكانت وجهتها هذه المرة إلى اليمن؛ حيث الحوثيون الذين يقطنون في منطقة «صعدة» شمال اليمن، وإلى الجنوب من حدود المملكة العربية السعودية، فوجهوا دعمهم بالمال والسلاح لفرقة «الجاردوية» المنشقة عن المذهب الزيدي، والتي أضحت امتدادًا للشيعة الاثنى عشرية في إيران
وبين عالَم غربي طالما تشدَّق بكلمات رنانة عن الحرية الدينية الزائفة، يطلبها من المسلمين، بينما رائحة العنصرية البغيضة تُزْكم الأنوف، فبالأمس كانت المآذن، وقبل الأمس كان الحجاب، واليوم المساجد، وغدًا ننتظر طعنات أخرى توجه للإسلام والمسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله
الحوثيون عبر التاريخ
كانت البداية في تسعينيات القرن الماضي في محافظة «صعدة» في جمهورية اليمن؛ حيث خرجت للوجود حركة تنظيمية أطلقت على نفسها «الشباب المؤمن»، كان من أبرز مؤسسيها بدر الدين الحوثي، ثم تولى رئاستها ابنه حسين بدر الدين الحوثي، وكان نشاط هذا التنظيم في بداياته فكريًّا، يهدف إلى تدريس المذهب الزيدي
وحينما حدثت الوحدة اليمنية، وفُتح المجال أمام التعددية الحزبية، كان لهذا التنظيم مقعد واحد في مجلس النواب في الحكومة اليمنية ممثلاً عن الطائفة الزيدية، وفي تلك الفترة ومع انشقاق بين علماء الزيدية من جهة، وبين بدر الدين الحوثي من جهة أخرى، بسبب آراء الحوثي المخالفة للزيدية، ومنها دفاعه المستميت ومَيْلهُ الواضح لمذهب الشيعة الاثنى عشرية، وقبوله ببعض معتقداتهم، فأصدر حينها علماء الزيدية بيانًا تبرؤوا فيه من الحوثي وأتباعه وآرائهم، عندها اضطر الحوثي للهجرة إلى إيران، وعاش هناك عدة سنوات تغذى فيها من المعتقد الصفوي، وازدادت قناعته بالمذهب الإمامي الاثنى عشري
وفي عام المجتمع عاد الحوثي إلى بلاده، وعاد إلى تدريس أفكاره الجديدة، والتي منها سبّ الصحابة وتكفيرهم، ووجوب أخذ الخُمُس، وغيرها من المسائل التي وافق فيها مذهب الشيعة الإمامية، وفي تلك الأثناء أيضًا كانت الحركة الحوثية ترسل أبناء صعدة للدراسة في الحوزات العلمية في قم والنجف، ليلقنهم أصحاب العمائم الصفوية هناك أن كل حكومة غير ولاية الفقيه النائبة عن الإمام المنتظر هي حكومة غير شرعية، وغير معترف بها، ولهذا كان للحركة الحوثية اتجاه ثوري ناقم على الحكومة هناك، فاندلعت حروب ستة بين الفريقين، كلفت بلاد اليمن آلاف الأرواح وخسائر مالية فادحة، مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها اليمن
ولقد كان الدعم الصفوي بالمال والعتاد من أهم الأسباب التي جعلت هذه الحركة تبرز على الساحة في سنوات قلائل؛ فضلاً عن الشعارات الرنانة التي كان يرفعها الحوثيون؛ كشعار «الموت لأمريكا»، و«اللعنة لليهود»، وغيرها من الشعارات الخداعة التي أكسبتهم تعاطفًا كبيرًا بين أبناء اليمن، وهذه إحدى الحيل الرافضية في كسب تعاطف الشعوب الإسلامية المقهورة
عقيدة الحوثيين والانحراف والضلال الفكري والعقدي
وإذا اقتربنا من العقيدة الحوثية فإننا سرعان ما نلمس الانحراف الفكري والضلال العقدي في أبهى صُوره، فالحركة الحوثية تنتمي في أصلها إلى الفرقة الجارودية، وهي أشد الفرق الزيدية غلوًّا وشططًا، فمن عقيدتها أن النبي نصَّ على إمامة عليّ بعده بالوصف لا بالاسم، وأن الصحابة كفروا بتركهم بيعة علي بن أبي طالب؛ يقول العجوز الضّالُ بدر الدين الحوثي في كتابه إرشاد الطالب ص الولاية بعد رسول الله لعلي عليه السلام ولم تصح ولاية المتقدمين عليه؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، ولم يصح إجماع الأمة عليهم، رضي الناس بذلك أم لم يرضوا
وقد قال الله سبحانه عن أصحاب محمد مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا الفتح
وأثنى عز وجل عليهم بقوله لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا الفتح
وزكاهم أيضًا بقوله لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ الحشر
وأفضلهم الصديق رضي الله عنه، الذي نزل فيه قول الله جل وعلا إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا التوبة ، ونزل فيه قوله تعالى وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ الزمر
اختارهم الله لصحبة نبيه، وتبليغ رسالته من بعده، يقول أبو زرعة رحمه الله «إذا رأيت الرجل يَنْتَقِصُ أحدًا من أصحاب النبي فاعلم أنه زنديق»
وقال الإمام أحمد رحمه الله «إذا رأيت الرجل يذكر أحدًا من الصحابة بسوء فاتهمه على الإسلام»
واستمع لقول زعماء الحركة الحوثية ومؤسسيها عن صفوة الأمة وسابقيها، يقول العجوز الحوثي بدر الدين صاحب كتاب «الإيجاز في الرد على فتاوى الحجاز وعلى عبد العزيز بن باز» «أنا عن نفسي أومن بتكفيرهم»؛ يعني أصحاب النبي
ويقول ابنه حسين الحوثي «واحترامًا لمشاعر السنة في داخل اليمن وخارجها كُنا نسكت عن اعتقادنا أنهما أي الشيخين أبا بكر وعمر مخطئون عاصون ضالُّون»
وقال أيضًا في أحد خطبه ما نصه «الأمة في كل سنة تهبط نحو الأسفل من جيل بعد جيل إلى أن وصلت تحت أقدام اليهود ومن عهد أبي بكر إلى الآن»
البعد العقدي والحركة الشيعية الباطنية
إن من الخطأ البيِّن تنحية البعد العقدي عن هذه الحركة الشيعية الباطنية، ومن الخطأ أيضًا نسيان تاريخ الحركات الشيعية الثورية التي عانى منها المسلمون عبر تاريخهم؛ كحركة القرامطة، والحركة العُبيدية، والصفوية، وغيرها من الحركات التي أذاقت المسلمين الويلات، وأدخلت أهل الإسلام في صراعات داخلية مريرة، فما هذه الحركة إلاَّ امتداد لتلك الحركات الباطنية جاءت استجابة للصوت الصفوي الذي دعا لتصدير الثورة المزعومة في مشارق الأرض ومغاربها
ومن الصعب أن نفصل هذه الحركة عن التوسع الشيعي في البلاد الإسلامية؛ فالميل العقدي للشيعة الاثنى عشرية قد ظهر من خلال أفعال مؤسسي هذه الحركة وفي أقوالهم، وصرح غير واحد من السياسيين في اليمن أن إيران هي الداعم الرئيس لهذه الحركة التي تسعى للانفصال، والقنوات الشيعية تقف على قدم وساق مع الحركة الحوثية، وتُظهرهم بمظهر المظلوم المضطهد، والمخطط الصفوي لابتلاع العالم الإسلامي واضح للعيان من خلال أذرعه الموزعة هنا وهناك، فقد بشرت الثورة الصفوية أتباعها بقرب ظهور مهديهم الغائب المنتظر، وأن هذا الظهور لن يكون إلاَّ بعد ثورات متتالية على من ظلم أهل البيت، وسلب منهم حقوقهم، ولذا فهذه الثورات بحسب المعتقد الصفوي تمهِّد لخروج الإمام الغائب الحجة كما يزعمون
وإنك لتعجب من مرويات يتداولونها في كتبهم وليست مفتراةً عليهم وكيف يفضلون الحج إلى مشاهدهم أكثر من الحج إلى بيت الله، بل ربما وصل الأمر بهم إلى اعتقاد كربلاء حرمًا آمنًا، وقد جاء في أحد كتبهم ما ينسبونه زورًا للإمام جعفر أنه قال لو أني حدثتكم بفضل زيارته «الحسين»، وبفضل قبره، لتركتم الحج رأسًا، وما حج منكم أحد، ويْحَكَ أما عَلمت بأن الله قد اتخذ كربلاءً حرمًا آمنًا مباركًا قبل أن يتخذ مكة حرمًا» بحار الأنوار ، وأصول مذهب الشيعة
وإن قومًا تلك بعض معتقداتهم وسلوكياتهم ليستحقوا التنديد والكشف عن انحرافاتهم، فاللهم اصرف عن المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن، واجعل كيد الكائدين في نحورهم
الحروب الستة التي خاضها الحوثيون في اليمن
كانت الحرب الأولى في يوليو المجتمع ، والتي قُتل فيها حسين الحوثي مؤسس الجماعة، وقائدها العسكري لتكشف عن وجود تحصينات قوية للحوثيين في الجبال والوديان، وأنهم كانوا يستعدون للحرب منذ فترات طويلة، فحفروا في الجبال، وأقاموا الخنادق، وكدسوا الأسلحة والذخائر، ونجحوا خلال تلك الحرب في امتصاص الصدمة من الحكومة اليمنية، وأبدوا استعدادًا للحوار معها والقبول بسلطتها
وكانت الحرب الثانية في يناير المجتمع ، فقد استغلوا فرصة التهدئة في التقاط الأنفاس، والاستعداد مجددًا لجولةٍ كانوا على يقين أنها قادمة، فبعد أن كانوا متمركزين في الحرب الأولى في جبل «قران»، توسعوا في الثانية إلى مناطق مديرية «حيدان» كافة ثم تلتها الحرب الثالثة في مارس المجتمع من مديرات مجاورة مثل «ساقين والمجز»، إضافة إلى حيدان حتى انتهت بوصولهم إلى محيط مدينة صعدة، والسيطرة على كامل المحافظة، معتمدين على أساليب جمعت بين حرب العصابات، وامتصاص الضربات أثناء المواجهات، وبين النمو والسيطرة على مناطق جديدة، وتجنيد الأنصار للحوثيين أثناء الهدنة مع الجيش اليمني
وجاءت الحرب الرابعة، والتي بدأت في يناير المجتمع ، ولم يستطع الحوثيون إخفاء رغبتهم في السيطرة على كامل محافظة صعدة، فاعتمدوا على أساليب الهجوم ضد قوات الجيش ومؤسسات الدولة في عاصمة المحافظة
وفي فبراير عام المجتمع بدأت الحرب الخامسة، والتي جاءت بمثابة إنذار أخير للحكم، فقد وضحت أهداف الحوثيين، كما لم تتضح من قبل؛ إذ ظهر أنهم يبحثون عن الحكم في صعدة، وإقامة حكم شيعي يخضع لولاية الفقيه
وفي الحرب السادسة والتي وقعت في أغسطس المجتمع ، كان الحوثيون قد توسعوا حتى وصلوا إلى محافظتي الجوف وهجة، وأداروا معارك مع قبائل الجوف للسيطرة على ميناء «ميدي» في البحر الأحمر، وإشعال الحرب في محافظات البيضاء وذمار، وأمانة العاصمة، وبعض أجزاء من الحديدة، أي أن أكثر من نصف مساحة البلاد قد دخلت تحت تمرد الحوثيين
ويعزى الكثير من هذه الانتصارات إلى تدخل بعض الأطراف الدولية الإقليمية؛ بقصد إبقاء الأوضاع في اليمن في حالة توتر مستمر، وإثارة القلاقل في جنوب المملكة العربية السعودية، وهو ما حدث مؤخرًا من خلال تسلل الحوثيين إلى الحدود السعودية، وقتل عدد من الضباط السعوديين
فالأمة بأسرها أمام تحدٍّ خطير قد يتسبب في أزمات عديدة داخل بلدان عربية أخرى، وهو ما يعني في حال تحقيقه نجاح مخطط تمزيق الأمة بحسب الخطط الأمريكية والغربية، والتي تُنَفَّذ هذه المرة بأيدٍ إيرانية
العنصرية الغربية وبزوغ الكراهية على المآذن والمساجد
في عدد ذي الحجة وعلى صفحات مجلة التوحيد الشهرية، تناولنا محاولة أحزاب اليمين المتطرفة في سويسرا، والتي جمعت ألف توقيع لسن قانون يحظر إقامة المآذن في سويسرا، وها هو الاستفتاء قد أُجري، وجاءت الموافقة على منع إقامة مآذن جديدة بسويسرا، دليلاً على العنصرية المنافية لمواثيق حقوق الإنسان والحرية الدينية التي يتشدق الغرب بها، ولحقت سويسرا بإيطاليا وفرنسا وألمانيا وهولندا وإنجلترا، وغيرها من الدول الأوروبية التي سَنَّت العديد من القوانين للحدّ من حريات المسلمين المقيمين بها
فهذا هو لسان حال السويسريين الذي جاء صادمًا لكل التوقعات والتحليلات والاستطلاعات، عندما صوَّت بـ «نعم» لحظر المآذن في سويسرا هذا البلد الصغير الذي يُعتبر في رأي الكثيرين حول العالم، جنّة الحرية والأمان والتسامح، وقبول الآخر، والتعايش المتعدد الأعراق في خطوة تتناسب مع طبيعة الروح العدائية المتنامية للإسلام والمسلمين داخل القارة العجوز التي على ما يبدو لم تنسَ إرثها التاريخي الكبير من عداوة للعالم الإسلامي، وتكشف عن طبيعة الروح الأوروبية، وخبايا العقل العدائي لدى الأوروبيين، مع أن السمة الغالبة لمسلمي سويسرا، والبالغ عددهم ألف مسلم أغلبيتهم من البلقان مثل ألبانيا والبوسنة وكوسوفا، ونسبة من الأتراك، فالسمة الغالبة لمسلمي سويسرا أنهم ينحدرون من أصول بلقانية، فهم بالأساس أوروبيون وفي هذا النطاق، فإننا نذكر بدور الكنيسة السويسرية في تأجيج المخاوف الشعبية من المدّ الإسلامي، وهي على علاقة قوية مع الكيان الصهيوني، وبينهما تنسيق كبير، ولعبت دورًا كبيرًا في ترجيح الكفة لصالح منع بناء المآذن
فهل يليق بالمسلمين العرب أن يثقوا في هذا الكيان الهشّ الذي يحارب الإسلام وأهله، فيذهبون إليهم يهرولون؛ ليضعوا أموالهم في بنوكهم، والأَوْلى أن يستفيد المسلمون بهذه الأموال في بلادهم
فاللهم انصر الإسلام والمسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين [
تعليق