بسم الله الرحمن الرحيم
إعرف نفسك
إعرف نفسك
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين.
هذه كلمات نافعات , كان الباعث على كتابتها الإشفاق على طلاب العلم , و الأخذ بهم نحو أفضل السبل لتحصيل العلوم الشرعية من منابعه الأصلية على أيدي العلماء الربانين , و الحذر كل الحذر من الأخذ عن بعض طلبة العلم الصغار الذين يخالفون ما عليه الأجلُة من علماء الأمة , حتى وصل بهم الأمر إنهم يحفظون لبعض صغار أهل العلم من الحقوق ما لا يحفظون لغيرهم من الكبار .
و قد حذر النبي صلى الله عليه و سلم من هذا المسلك الخطير , فقال صلى الله عليه و سلم : ( إن من أشراط الساعة أن يُلتمس العلم عند الأصاغر) رواه الطبراني في الكبير و الحديث صحيح
و قال صلى الله عليه و سلم: ( و لا يزال الناس بخير ما اخذوا العلم عن أكابرهم, و عن أمنائهم و علمائهم, فإذا أخذوه عن صغارهم, و شرارهم هلكوا ) رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم
و فضله و إسناده صحيح.
قال ابن قتيبة _ رحمه الله _ : ( يريد لا يزال الناس بخير ما كان علماؤهم المشايخ , و لم يكن علماؤهم الأحداث , لان الشيخ قد زالت عنه متعة الشباب , و حدّته , و عجلته , و سفهه , و استصحب التجربة و الخبرة , و لا يدخل عليه في علمه الشبهة , و لا يغلب عليه الهوى , و لا يميل به الطمع , و لا يستزلّه الشيطان استزلال الحَدَث , فمع السن : الوقار و الجلالة , والهيبة .
و الحَدَث قد تدخل عليه هذه الأمور التي أمنت على الشيخ , فإذا دخلت عليه وأفتى هلك و أهلك )
( نصيحة أهل الحديث الخطيب البغدادي ص 16 )
و المراد إنزال الناس منازلهم فحق الحَدَث أن ينتفع بعلم كبار العلم و مذاكرتهم و مدارستهم , و للأسف الشديد و في هذا الزمان إختلَّ هذا المعيار عند كثير من الصغار فاخذوا يُصدّرون الفتوى , و يُأصَلون المسائل , و يُقعّدون القواعد , و يُكثرون من الإعتراضات – بغير دليل – على العلماء الكبار , بل منهم من يُصدّر كلامه ب ( قلت ), أرى كذا ) و هذه رزية مؤلمة : , و ظاهرة مزرية , إذ هي إسناد العلم إلى غير أهله , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إذا وسّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة " رواه البخاري.
و هذا من أقبح ما تّلبس به طالب العلم من التكبر و التعاظم و الغرور , فيزدري هذا , و يترفع عن هذا , و يكذب على هذا إلى غير ذلك من صفات العُحب بالنفس و الغرور , وعدم التواضع لمن له فضل عليه بعد الله عز و جل .
و لقد بُلينا في هذا الزمن بفئة قليلة _ و لله الحمد _ يقرؤؤن كتابا أو كتابين و يحفظون مسألة أو مسألتين, ثم بعد يوم أو يومين – من أعمارهم في الطلب – يصبحون مجتهدين و ليتهم يقتصرون على هذا الخيال بل انتهى بهم العُجب و الغرور و الكبر إلى هجر الإنتساب للعلم و أهله , و هذه نظرة خاطئة , و تصور فاسد إذ يفضي بصاحبه إلى ما لا تُحمد عقباه من القول على الله بغير علم و الثقة العمياء بالنفس و حب العلو و التصدر فان ذلك قد يكون سببا في ضلالهم و إضلالهم للناس .
أيها الصغير : إعرف نفسك و أنت أيها العاق : عُد إلى بر مشايخك , ولا تتكبر عليهم و تذكر ما كنت عليه من جهل و قلة علم و عليك بالحبر و الورق و علو الهمة في طلب العلم .
قال الإمام الشوكاني – رحمه الله –
هــم أخــذوا عنــــي العلــــوم بذلـــــة فلمـا حووها عاملوني بغلظة
هــم أظهــــروا عنــــد اللقاء ليونـــــة فلما تـولوا عاملوني بشــــدة
هم الخرس إن قلت الصواب و إن اقل خطأ يطيــر في الملا بغلـــطتي
هــم نقلـــوا عنــي مــــا لـــم اقل بــــه هم واحشوا بيني و بين أحبتي
قال الإمام الشافعي – رحمه الله –
إذا رأيــــت شباب الحيّ قد نشأوا لا يحملـون قـــلال الحبر و الورقا
و لا تراهم لدى الأشياخ في حلق يعوون من صالح الأخبار ما اتفقا
فَعُدْ عنهــم و دعْهم انهــم همـــج قـــد بدّلوا بعلــو الهمة الحمقــــــا
قال أبو حيان النحوي المتأخر المشهور
يظن الغمر أن الكتـب تهدي أخا فهـــــم لإدراك العلـــــوم
وما يدري الجهول بأن فيها غوامض حيّرت عقل الفهــيم
إذا رُمت العلوم بغير شيــخ ضللت عن الصراط المستقيم
و تلتبس العلـوم عليك حتى تصير أضل من توما الحكيـم
(توما اسم حمار الحكيم)
قال معن بن أوس :-
اعلمه الرماية كل يــــوم فلما اشتد ساعده رماني
و كم علمته نظم القوافي فلما قـــال قافيــة هجاني
قال سفيان الثوري – رحمه الله :
(من ترأس في حداثته كان أدنى عقوبته أن يفوته حظ كبير من العلم).
قال أبو حنيفة رحمه الله : - (من طلب الرياسة بالعمل قبل أوانه لم يزل في ذل ما بقي )
قال الأوزاعي رحمه الله: ( تعلّم الصدق قبل أن تتعلم العلم )
قال وكيع رحمه الله : ( هذه الصنعة لا يرتفع فيها إلا صادق )
قال ابن عساكر رحمه الله : (من وقع في العلماء بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب )
قال الشافعي رحمه الله : (لا يطلب هذا العلم احد بالمُلك و عزة النفس فيفلح لكن من طلبه بذلة النفس و ضيق العيش و خدمة العلم و تواضع النفس افلح . )
قال عبد الله بن المبارك: ( نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم )
و أخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
سمير المبحوح
تعليق