بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه
ثم اما بعد::
فإخوتي في الله
أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
والذي نفسي بيده إني أحبكم في الله
فيا أيها الإنسان
ما غرك بربك الكريم؟!
ما الذي خدعك حتى عصيت الله؟!
وما الذي غرّك حتى تجاوزتَ حدود الله؟!
وما الذي أذهلَك حتى انتهكتَ حرمات الله؟!
من أنت يا أيها المسكين الحقير الذليل الفقير؟!
أما أنت الذي تؤذيك وتدميك البقّة؟!
أما أنت الذي تنتنك العرقة؟!
أما أنت الذي تميتك الشرقة؟!
أما أنت الذي تحمل في جوفك العذرة؟!
أما أنت الذي تتحوّل في قبرك إلى جيفة قذرة؟!
من أنت يا أيها المسكين؟!
أما كنت نطفة؟!
أما كنت ماءً؟! أما كنت في عالم العدم؟!
قبل سنوات لم تكن شيئًا مذكورًا، وبعد سنوات أيضًا لن تكون شيئًا مذكورًا
هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [الإنسان:1، 2].
مسكين هذا الإنسان، حقير هذا الإنسان
أتى من ماء، أتى من نطفة، أتى من عالم العدم
فلما مشى على الأرض تكبر وتجبر ونسيَ الله الواحد.
بصق الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يومًا في كفه فوضع عليها إصبعه ثم قال: ((قال الله عز وجل: ابن آدم، أنّى تعجِزني وقد خلقتُك من مثل هذه، حتى إذا سويتك وعدّلتك مشيتَ بين بردَين وللأرض منك وئيد، فجمعتَ ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت: أتصدق، وأنى أوان الصدقة)).
فيا أيها الإنسان، تفكر في نفسك، تفكر في ضعفك وعجزك وافتقارك
وتفكر في عظمة الله وفي ملكوت الله
انظر
إلى السماء بلا عمد، انظر إلى الأرض في أحسن مدر
انظر من أجرى الهواء، ومن سير الماء، ومن جعل الطيور تناظم بالنغمات، ومن جعل الرياح غاديات رائحات من فجر النسمات، من خلقك في أحسن تقويم
أهذا يعصى؟!
أهذا يكفر؟!
أهذا يجحد؟!
والله، إنّ السماء بما فيها من ملكوت لا تعصِي الله
وإن الأرض لا تقوى على معصيته، وإن الجبال الرواسي الشامخات لا تعصي الله
وإن الشمس بحرارتها وقوتها لا تعصي
وإن القمر بجماله لا يعصي الله
لا إله إلا الله
كيف استطاع هذا الإنسان الضعيف الحقير أن يعصي ربه وخالقه ومولاه؟!
كيف تجرأ هذا الإنسان أن يعصي جبّار السموات والأرض الذي لا يعذّب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد؟!
والله ـ يا عبد الله ـ لن يبقى معك إلا ما قدمتَ من أعمال صالحة في الدنيا والآخرة
أما في الدنيا ::فيقول ربي وأحق القول قول ربي: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27]
وأما في القبر:: فسوف يرجع أهلك ومالك، ولن يبقى معك إلا عملك، فإن كان عملك صالحًا أتاك رجل حسن الوجه حسن الثياب حسن الريح، فتسأله: من أنت؟! فوجهك الذي يأتي بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح ولا أفارقك، وإن كان عملك خبيثًا فسوف يأتيك رجل قبيح الوجه قبيح الثياب قبيح الريح فتقول له: من أنت؟! فوجهك الذي يأتي بالشر، فيقول لك: أنا عملك السيئ ولا أفارقك.
وليت أن الأمر ينتهي عند هذا الحد
بل سوف تقف عاريًا حافيًا في يوم كان مقداره
خميس ألف سنة
يوم تدنو الشمس من رؤوس الخلائق على قدر ميل منهم
ويكون الناس في ذلك اليوم على قدر أعمالهم
فمنهم من يبلغ عرقه إلى كعبيه، ومنهم من يبلغ عرقه ركبتيه
ومنهم من يبلغ عرقه حقويه، ومنهم من يبلغ حنجرته، ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا.
فتفكر ـ يا عبد الله ـ ويا آمة الله
يوم تقف بين يدي الله ليس بينك وبينه ترجمان
فتتلفت يمينًا فلا تجد إلا ما قدمت
وتتلفت شمالاً فلا ترى إلا ما قدمت
فتتلفت أمامك فلا ترى إلا النار
قد غضب الربّ غضبًا لم يغضب قبله ولا بعده قط.
يوم تنصب الموازين
فيقول الله:
يا آدم، أخرِج بعث النار من ذريتك، فيقول آدم: وما بعث النار؟ فيقول الله: من كل ألف تسعمائة وتسع وتسعون، عندها تذهل كل مرضعة أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد.
فعجبًا لك يا ابن آدم
كيف تجتهد وتتعب وتنصب وتشقى
من أجل خمسين أو ستين سنة في هذه الحياة الدنيا
وهذا لمن بلغ الخمسين أو الستين، ولا تجتهد ولا تعمل من أجل يوم واحد فقط مقداره خمسون ألف سنة
ومن أجل موقف خطير ومصير مجهول
إما إلى نار وإما إلى جنة؟!
أمـا والله لـو علم الأنام لِما خلِقوا لما هجعوا وناموا
لقد خلِقوا ليـوم لو رأتـه عيون قلوبهم ساحوا وهاموا
مَماتٌ ثم حشـر ثم نشـر وتوبيـخ وأهوال عظـام
ليوم الحشر قد عمِلت أناس فصلّوا من مَخافته وصاموا
ونحن إذا أمرنـا أو نهينـا كأهل الكهف أيـقاظ نيام
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46].
تعليق