الحمد لله الرحيم البَرّ، الذي من بره يسرأن لنا مواسم للخيرات، ووعد عليها عظيم الأجر، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي دلّنا على فضل العمل في هذه العشر، صلى عليه ربنا وآله وصحبه وبارك ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ...
كل عام وأنتم بخير وقرب من الله وطاعة وسعادة وعبادة
هاهي الأيام المباركات تطل علينا من جديد
برائحة عبيرها الفواح تملأ الكون والأرض والسماء
هي أيام خير وبركة وهداية وإقبال على الله عز وجل
وهي أيام غفران وعفو ورحمة من الله سبحانه وتعالى
إنّها أفضل أيّام الله
أقول لمن بلغه الله الحج إن لساني يتلعثم ... وعباراتي تختلط بعبراتي ...
فيا أخي إنها فرصة العمر ... فاستغل الثوان ... ولا تنس إخوانك المسلمين من صالح دعائك
ويامن حال بينك وبين الوقوف بعرفة بعد المكان فقد شاركت أهل الموقف في الإسلام والإيمان ...
فمن فاته الوقوف بعرفة فليقم لله بحقه الذي عرفه ..
ومن لم يصل للبيت لأنه منه بعيد فإن رب البيت أقرب إليه من حبل الوريد ...
ومن لم يقدر على نحر هديه بمنى فلينحر هواه هنا فقد بلغ المنى
وفي ذلك فليتنافس التنافسون
أخي ثم أخي ثم أخي..ما بالي أرى قافلة العائدين تمرّ و لا أراك؟ أين أنت أخي؟ قلبي و عيني عليك يبكيان إذ لم أراك في زمرة العائدين للرحمان..أخي إني و الله محسنة ظني فيك، مشفقة عليك منك فكل زمام الأمر بعد فضل الله بين يديك ..لا تقل ميؤوس من توبتي ميؤوس لا و رب النفوس فقد يأتيك الفتح
و كما قال ربك سبحانه لكليم الله موسى "إخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى" أقول لك إخلع عنك اليأس الذي فيك و فرّ إلى الله..قل له يا ربي آت إليك ، قل له غرّتني آماني الزمان و الآن عائد إليك أفر من نفسي إليك لا ملجأ منك إلا إليك..كيف تُطرد وباب التوبة مفتوح؟كيف يصدّك عن بابه بخيبة منه و قد و ردته بثقة به؟ أم كيف يؤيسك من عطائه و قد أمرك بدعائه؟
أخي عد إلى ربك و آنقش أوبة على أغلى الطروس..لا يهم أنك تأخّرت بل المهم أنك بالمنيبين إلتحقت..لا يهم أنك لم تسبق بل المهم أن تصدق..هذه القافلة تمر فآلحق الركب فلا يصيب قلبك الضّر، و هل أشقى على الإنسان من قلب لا يجده في حضرة الديان..هذه ليال مباركات لا تزال فتوضّأ،إلبس أجمل ثيابك، تزين لربك بالثياب يزينك بالثواب..إن لم تكن تراه فهو سبحانه يراك و يسمع نجواك و يعلم سرّك و مرتجاك
تعطّر بالمسك ، عطّر فمك بالسواك فإنه جميل يحب الجمال،خالق الدرّ في الصدف، مزين السماء بزينة الكواكب..إجلس في حضرته و بين يديه..إبدأ بالحمد و الثناء عليه بأسمائه و صفاته ثم صلي على الحبيب محمدا كثيرا..إحمد كثيرا و صلي كثيرا حتى يرق قلبك و تشعر أنه قد رق منك الجنان..توّسل إليه..تضرّع إليه..أشكوه نفسك و كل أمرك..تحدّث إليه..كلمه..إبك و إن لم تستطع فتباكى و إن لم تستطع فآدعه رقة القلب
آدعه الخشوع و أن يحليك بأزمة القنوع..قل له ربي لقد كان لي قلب أعيش به فضاع مني في تقلبه فردّه إلهي إلي فقد تعبت نفسي في تطلّبه..
لا تقل لن يغفر الله لي، لا تقل لن يتقبّل الله مني، لا و ربي!!فربك أهل الظن الحسن ..هو الرحمان هو الرحيم هو الرؤوف هو الودود، الجابر لكسرك العالم بمكنون سرّك الأقرب إليك من حبل الوريد واسع الملكوت له خزائن السماوات و الأراضين فكيف بالله عليك ظنك في ربًّ يحيي العظام و هي رميم؟ كيف ظنك برب يبعث من في القبور؟ أفتراه يعجزه إحياء قلبك؟لا و ربي، فكل أمره سبحانه بين كاف و نون و كل أمره رهن كن فيكون..فسبحانه عدد ما كان و عدد ما يكون و عدد الحركات و عدد السكون..يا ربي إجعل قلبي بين كاف نون
سبقت لك محبته سبحانه فقال"يحبهم و يحبّونه"..ربك كريم حليم ينتظر عودتك ليفرح بك..قل له أي رب ليقول لك لبّيك عبدي لبّيك عبدي لبّيك عبدي..
عائدون مدلهون على الحب مقيمون
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – أيهما أفضل، العشر من ذي الحجة أم العشر من رمضان؟
فأجاب بكلام معناه: أن ليالي العشر الأخيرة من رمضان خير الليالي ،أما أيام العشر من ذي الحجة فهي خير الأيام...
عجيبة: في عشر رمضان يجتمع الناس على الطاعة والذكر التماس للرضا والأجر، ولكن في عشر ذي الحجة لا يُرى فيها ما يُرى في رمضان، ولا يجد فيها إلا من فتح الله سمعه وبصره وقلبه، وانطلق من نصوص فضائل هذه الأيام للجد فيها..
أيـــام أغلى من الذهــــب ...
تقبل علينا أيام طيبات وتحمل معها نفحات كريمة من رب كريم وتبعث في نفوس المسلمين المحبة الكامنة في صدورهم والشوق الذي يملأ قلوبهم فتهز مشاعرهم و عواطفهم ، فتسوقهم إلى رحاب الطاعة ومحراب العبادة فيخرون للأذقان سجدا ويزيدهم خشوعا.
إنها أيام من الرحمة والمغفرة والعتق من النار ، أيام تقترب فيها الأرض من السماء، وتتفتح السماوات بأنوارها وفيضها وخيراتها فتعم أرجاء الأرض أيام تتشبه فيها ملائكة الأرض بملائكة السماء ، أيام ينافس فيها البشر الأطهار الملائكة الأبرار .
أيام لو تعلمون عظيمة يتجلى فيها الرب الجليل الكريم علي عباده ويفيض عليهم من خيره ويفيض عليهم من رحماته وبركاته ، ويسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة فيغفر لعباده ويتوب عليهم ويعتق رقابهم من النار
أيام من استطاع منكم أن يتفرغ لها فليتفرغ، و من استطاع منكم أن يعيش من أجلها فليعش.
أيام اغلي من الذهب بل هي أغلى من أيام الدنيا بأسرها. .
إنها أيام كان النبي الكريم وصحابته الكرام يخصونها بمزيد من الإقبال علي الله والوقوف علي طاعته والإكثار من ذكره والإقبال عليه. .
هذه الأيام من أول شعاعها مع أول شعاع إلى آخر هذه العشر تتقلب فيها أمه محمد – صلى الله عليه وسلم ء علي موائد كرم ربها تستمتع بليلها ونهارها في طاعة الله عز وجل أبلغ ما يقال في هذه الليالي وهذه الأيام المقبلة أن الله تعالي يريد أن يطلعكم علي بعض مظاهر عفوه وسعة رحمته . ويريد أن يظهر لكم ما أعده لكم من عظيم العمل والأجر فى دنياكم وأخراكم فلقد صح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال :
" ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدًا من النار من يوم عرفة "
إنها أيام العشر من ذي الحجة
يقول ابن رجب ـ رحمه الله ـ : " من فوائد مواسم الطاعة سدّ الخلل واستدراك النقص وتعويض ما فات ، وما من موسم من هذه المواسم الفاضلة إلا ولله تعالى فيه وظيفة من وظائف الطاعة يتقرب بها العباد إليه ، ولله تعالى فيها لطيفة من لطائف نفحاته يصيب بها من يشاء بفضله ورحمته ، فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات وتقرب فيها إلى مولاه بما فيها من طاعات فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات ، فيسعد بها سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها من اللفحات
أخي المسلم ...أختي المسلمة...هانحن أدركنا هذه العشر العظيمة التي تقرر فضلها في الكتاب والسنة فما نحن عاملون..؟...كم من أناس كانوا معنا في العام الماضي يأكلون معنا! ويشربون معنا!..نفرح بهم ويفرحون بنا..لم يدركوا هذه الأيام..وكأننا بهم يتمنون لو ركعوا ركعة واحدة في هذه الأيام أو قرأوا آية واحدة..أو تصدقوا، أو صاموا...وأنت أخينا أدركت هذه الأيام وأنت صحيحُ جسم سليم الحواس
استشعر يارعاك ..هذه النعمة...العظيمة التي حرمها كثير من الناس في هذه الأيام إما بموت أو عجز أو تفريط....فاحرص أخي المسلم/أختي المسلمة على هذه الأيام فإنها سريعة الانقضاء..قدم لنفسك عملا صالحا تجد ثوابه يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم
أخي المسلم ... أختي المسلمة... كان السلف الصالح إذا دخلت هذه الأيام..اجتهدوا اجتهادا عظيما مثل اجتهادهم في رمضان أو أكثر..وهذا هو سر رفعة هذه الأمة ..التمسك بالكتاب والسنة..واتباع هدي سلف الأمة..وإذا كنا كذلك..فلننتظر النصر من الله..إن تنصروا الله ينصركم..
إجلس قبل الفجر بعشر دقائق..تستغفر..قال تعالى الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ
تذكر ذنوبك وتفريطك... قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ( واحذر أشد الحذر من أن تمنع عينيك إذا دمعت من البكاء..."...دعها ..تسيل فلها في هذا الوقت لذة لا يعدلها لذة ، لذة الخلوة بالله..ومراقبة النفس.... روى البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سبعةٌ يظلّهم الله في ظلّه...)، وفيه (ورجلٌ ذكر الله ففاضتْ عيناه، وفي رواية ذكر الله خاليًا
فلله كـم مـن عـبـرةٍ مهـراقـةٍ *** وأخـرى علـى آثارهـا لا تقـدمُ
وقد شَرقَتْ عينُ المحـبَّ بدمعِهـا *** فينظرُ من بيـن الدمـوع ويُسجـمُ
وراحوا إلى التعريف يرجونَ رحمة *** ومغفـرةً ممـن يجـودَ ويـكـرمُ
فلله ذاك الموقـف الأعظـم الـذي *** كموقف يوم العرض بل ذاك أعظمُ
ويدنو بـه الجبـار جـلَّ جلالـه *** يُباهي بهـم أملاكـه فهـو أكـرمُ
يقولُ عبـادي قـد أتونـي محبـةً *** وإنـي بهـم بـرُّ أجـود وأكـرمُ
فأشهدُكـم أنـي غفـرتُ ذنوبهـم *** وأعطيتهـم مـا أمَّـلـوه وأنـعـمُ
فبُشراكُم يا أهل ذا الموقـف الـذي *** بـه يغفـرُ الله الذنـوبَ ويرحـمُ
فكم من عتيـق فيـه كُمَّـل عتقُـه *** وآخـر يستسعـى وربُّـكَ أكـرمُ
اَللّـهُمَّ هذِهِ الاَْيّامُ الَّتى فَضَّلْتَها عَلَى الاَْيّامِ وَشَرَّفْتَها قَدْ بَلَّغْتَنيها بِمَنِّكَ وَرَحْمَتِكَ، فَاَنْزِلْ عَلَيْنا مِنْ بَرَكاتِكَ، وَاَوْسِعْ عَلَيْنا فيها مِنْ نَعْمآئِكَ،وَاَنْ تَهْدِيَنا فيها لِسَبيلِ الْهُدى وَالْعِفافِ وِالْغِنى وَالْعَمَلِ فيها بِما تُحِبُّ وَتَرْضى، وَاَنْ تَكْشِفَ عَنّا فيهَا الْبَلاءَ، وَتَسْتَجيبَ لَنا فيهَا الدُّعآءَ، وَتُقَوِّيَنا فيها وَتُعينَنا وَتُوَفِّقَنا فيها لِما تُحِبُّ رَبَّنا وَتَرْضى وَعَلى مَا افْتَرَضْتَ عَلَيْنا مِنْ طاعَتِكَ وَطاعَةِ رَسوُلِكَ وَاَنْ تَهَبَ لَنا فيهَا الرِّضا اِنَّكَ سَميعُ الدُّعآءِ، وَلا تَحْرِمْنا خَيْرَ ما تُنْزِلُ فيها مِنَ السَّمآءِ، وَطَهَّرْنا مِنَ الذُّنوُبِ يا عَلاّمَ الْغُيوُبِ، وَاَوْجِبْ لَنا فيها دارَ الْخُلوُدِ، وَلا تَتْرُكْ لَنا فيها ذَنْباً اِلاّ غَفَرْتَهُ، وَلا هَمّاً اِلاّ فَرَّجْتَهُ، وَلا دَيْناً اِلاّ قَضَيْتَهُ، وَلا غائِباً اِلاّ اَدَّيْتَهُ، وَلا حاجَةً مِنْ حَوائِجِ الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ اِلاّ سَهَّلْتَها وَيَسَّرْتَها اِنَّكَ عَلى كُلِّ شَىْء قَديرٌ، اَللّـهُمَّ يا عالِمَ الْخَفِيّاتِ، يا راحِمَ الْعَبَراتِ، يا مُجيبَ الدَّعَواتِ، يا رَبَّ الاَْرَضينَ وَالسَّماواتِ، يا مَنْ لا تَتَشابَهُ عَلَيْهِ الاَْصْواتِ، صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَاجْعَلْنا فيها مِنْ عُتَقآئِكَ وَطُلَقآئِكَ مِنَ النّارِ، وَالْفائِزينَ بِجَنَّتِكَ وَالنّاجينَ بِرَحْمَتِكَ يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ سَيِّدِنا مُحَمَّد وَآلِهِ اَجْمَعينَ .
ولا تنسوني من صالح دعائكم
تعليق