بسم الله والصلاة والسلام علي افضل خلق الله صلي الله عليه وسلم
واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمد عبده ورسوله
ثم اما بعد:
كاد الحليم أن يكون نبياً
بالحلم يسمو المرء للعلياء وينال ما يرجوه من النعماء
الحلم نور والجهالة ظلمة شتان بين النور والظلماء
الحلم نور والجهالة ظلمة شتان بين النور والظلماء
الحلم رأس الخلق وعموده وذروة سنامه.. والحلم ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه.
إن المتأمل لصفة الحلم يجد أنها ارتقت قمة سامقة.. حيث إنها صفة من صفات الرب سبحانه.. ولعلو قدر الحلم ومنزلته اختصه الله فجعله اسما من أسمائه الحسنى"إنه غفور حليم".
والحليم هو الذي يشاهد معصية العصاة ومخالفة المخالفين.. ثم لا يستفزه غضب ولا يعتريه غيظ ولا يحمله على المسارعة إلى الانتقام مع غاية الاقتدار " وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ ".. فالحليم إذا ذكر فاعلم أن العبد قد استوجب العقوبة؛ ولولا حلم الله لحلت به العقوبة فاللهم عاملنا بحلمك يا حليم.
وقد حكي عن إبراهيم عليه السلام أنه لما رأى ملكوت السماوات والأرض رأى عاصيا يعمل معصية فقال "اللهم أهلكه"؛ فأهلكه الله.. ثم رأى ثانياً وثالثا يعصيان الله فدعا عليهم بالهلكة فأهلكهم الله.
ولما رأى رابعاً هم بالدعاء عليه.. فقال له ربه يا إبراهيم كف عن هذا؛ فلو أهلكنا كل عاص رأيناه لم نبق منهم أحداً.. ولكن بحلمنا لا نعذبهم.. فإما أن يتوبوا؛ وإما أن يصروا فلا يفوتنا شيء.
والحلم من محبوبات الله..ففي الصحيح أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال لأشج عبد قيس: "إن فيك خلتين.. يحبهما الله الحلم والأناة ".
"كاد الحليم أن يكون نبيا"
"إن إبراهيم لأواه حليم"
فعل رجل في ألف رجل خير من كلام ألف رجل في رجل.. من هذه القاعدة انقل لكم وصفا ً تفصيليا لمن صاروا قمما في الحلم ومن كان شعارهم:
إذا جرحت مساوئهم فؤادي صبرت علي المساوي وانطويت
وجئت إليهم طلق المحيا كأني ما سمعت ولا رأيت
وجئت إليهم طلق المحيا كأني ما سمعت ولا رأيت
قيل للأحنف بن قيس ممن تعلمت الحلم ؟
فأجاب من قيس بن عاصم المنقري كنت في ضيافته وبينما نحن مستغرقون في الحديث إذ دخل جماعة يحملون قتيلا وآخرون يحملون رجلا مقيداً
قالوا : هذا ابن أخيك وقد قتل ابنك.
فو الله ما فك حبوته ولا قطع حديثه ولما انتهي من كلامه معي؛ نظر لبنيه وقال لهم:
فكوا وثاق ابن عمكم؛ وواروا أخاكم وادفعوا إلي أمه مائة ناقة فإنها غريبة.
ثم التفت إلي ابن أخيه وقال له : لقد لطمت خدك بيدك وقللت من عددك وكثرت عدد عدوك ؛اذهب فشارك في تشييع جنازة أخيك ثم قال لبنيه:
حذار أن يلحقه أي أذي ثم عاد إلي حديثه..
ما أروعك حلماً يا معاوية
أرسل عبد الله بن الزبير رسالة إلي معاوية.. أما بعد :
"يا معاوية إن عبيدك قد دخلوا أرضي فأفسدوا فيها فانههم عن ذلك وإلا كان لي ولك شأن والسلام".
فنادي معاوية علي ابنه يزيد وناوله الرسالة ليقرأها.. فلما قرأها قال له ما رأيك؟
قال: ابعث إليه جيشا أوله عنده وآخره عندك.. يأتونك برأسه.
فقال معاوية: غير هذا أليق ناولني القلم والمحبرة والورق وكتب إليه وصلني خطاب ابن حواري رسول الله وساءني ما ساءه والدنيا هينة عندي في جنب رضاه.. ولقد نزلت عن أرضي فأضفها إلي أرضك بما فيها من العبيد والأموال والسلام.
فلما قرأه كتب الرد التالي: وصلني خطاب أمير المؤمنين ولا أعدمه الله الرأي الذي أحله من قريش هذا المحل والسلام.. فلما وصل الخطاب ناوله يزيد وقال له إذا ابتليت بمثل هذا فداوه بمثل ما داويته.
محمد بن حنفية وذروة الحلم
حدث بين الحسن بن علي وأخيه محمد بن الحنفية بعض الجفاء فأرسل محمد بن الحنفية إلي أخيه الحسن .. أما بعد :
"أنت أخي أبي وأبوك علي لا يفضل أحدنا على الآخر في ذلك.. وأمك فاطمة الزهراء بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. وأمي الحنفية.. فلو ملئت الأرض بمثل أمي ما عدلت أمك فأقبل إليَّ لتترضاني فأنت أفضل مني وما أريد أن أسبقك إلي الصلح لما لك من الفضل والسبق".
معن بن زائدة الذي جمع بين الملك والحلم
أختم الحديث بقمة الحلم وهو وما ذكرناه آنفا أنه درس لبعض أبناء الحركة الإسلامية الذين يقيمون الدنيا ولا يقعدوها إذا وجهت إليه نصحا ً أو صوبت له خطأ.
فانظر إلي ردود الأفعال والأقوال وخاصة علي الفضائيات وفي المنتديات.. "وإنا لله وإنا إليه راجعون" فأهيب بكم أن نقف مع معن بن زائدة وقفة تعلماً كيف نتحلم؟!!.
تراهن جماعة علي مائة ناقة لمن يغضب معن بن زائدة ويخرجه عن حلمه فقبل أحدهم أن يأخذ مائة أو يعطي مائة إن لم ينجح؛ فلبس الرجل جلد جمل ذبح حديثا ً ودخل ولم يسلم وقال لمعن بن زائدة وكان يومئذ واليا:
أتذكر إذ لحافك جلد شاة وإذ نعلاك من جلد البعير
فقال معن: اذكره ولا أنساه والحمد لله
فقال الرجل:
فسبحان الذي أعطاك ملكا وعلمك الجلوس علي السرير
فقال معن: وله الشكر علي ما أعطي
فقال الرجل:
ولست مسلما ما عشت دهرا علي معن بتسليم الأمير
فقال معن: السلام خير ولن أضار إذا لم تسلم
فقال الرجل:
سأرحل عن بلاد أنت فيها ولو جار الزمان علي الفقير
فقال معن: إن جاورتنا فمرحبا بالإقامة وإن رحلت فمع السلامة
فقال الرجل:
فجد لي يا ابن ناقصة بمال فإني قد عزمت علي الرحيل
فأعطاه معن ألفا
فقال الرجل:
قليل ما أتيت به وإني لأطمع منك في المال الكثير
فأعطاه ألفا أخري
فقال الرجل: وقد أحس بالهزيمة
فثني فقد أتاك الملك عفوا بلا عقل ولا رأي منير
فقال أعطوه ألفين.. وقال هل هدأ بالك يا أخا العرب؟
فبكي وقال:
سألت الله أن يبقيك دهرا فما لك في البرية من نظير
فمنك الجود وإلا فضال حقا وفيض يديك كالبحر الغزير
فمنك الجود وإلا فضال حقا وفيض يديك كالبحر الغزير
فقال معن أعطيناه أربعة آلاف علي ذمه ؛فأعطوه أربعة أخري علي مدحه..
فاعتذر الرجل وقص عليه القصة وقال خسرت مائة ناقة.. فأمر بمائة ناقة لأصحاب الرهان وبمائة له غيرها.
وفي النهاية :
لم.. ولن تكون داعية ناجحا.. إلا إذا كنت حليما
ولم.. ولن تستقيم طريقتك.. إلا إذا كنت حليما
ولم.. ولن تستقيم طريقتك.. إلا إذا كنت حليما
تعليق