السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مقدمة :
أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ على الأعمال الصالحة ويداوم عليها، وعادة ما يأتي شهر رمضان فيتعود الناس فيه على قراءة القرآن وصلاة القيام والتراويح والصدقة ونحوها من القربات ولكن ما أن ينقضي رمضان حتى تختفي تلك القربات في دنيا الناس، وكان ينبغي الدوام عليها والاستمرار، حتى يتم للمرء الفلاح ويختم الله له بالخير.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران : 102]
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء : 1]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب : 70]
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار،
ثم أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء!
وأيها الإخوة الأحباب الكرام الأعزاء!
وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً،
وأسأل الله الحليم الكريم جل وعلا الذي جمعني مع حضراتكم في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أحبتي في الله! ماذا بعد رمضان؟
هذا عنوان لقائنا مع حضراتكم في آخر يوم من أيام شهر الصيام والقيام والقرآن، وكعادتي حتى لا ينسحب بساط الوقت سريعاً من تحت أقدامنا، فسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم في هذه العنوان :
ثوابت الإيمان
.
فأعيروني القلوب والأسماع، فإن هذا الموضوع من الأهمية بمكان، والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب.
ثوابت الإيمان:
أيها الأحبة الكرام! أيها الصادقون القائمون القارئون للقرآن .. هاهو شهر رمضان قد انتهى، انتهى شهر الصيام والقيام والقرآن والبر والجود والإحسان: فيا عين جودي بالدمع من أسف على فراق ليالٍ ذات أنوار على ليال لشهر الصوم ما جعلت إلا لتمحيص آثام وأوزار ما كان أحسننا والشمل مجتمع منا المصلي ومنا القانت القاري فابكوا على ما مضى في الشهر واغتنموا ما قد بقي إخوتي من فضل أعمار إنا لله وإنا إليه راجعون..
وهكذا أسرعت أيام الخير والبر والفضل والطاعة، ولا شك أن ربنا جل وتعالى قد اختص رمضان بكثير من رحماته وبركاته، فأنت ترى الناس تقبل على طاعة الله في رمضان بأريحية عجيبة، وبيسر وسهولة غريبة؛
لأن الله قد هيأ الناس في رمضان للطاعة، وقد سهل الطاعة للصادقين من المؤمنين في رمضان،
ولكن يا إخوة: ليس معنى ذلك أن نعرض عن كثير من الثوابت الإيمانية بعد رمضان،
فأنت ترى المساجد معطرة بأنفاس الصائمين في رمضان،
وترى صفوف المصلين مزدحمة في رمضان؛
بل وترى البر والجود والإحسان والبذل والإنفاق والعطاء والذكر والتوبة والاستغفار،
وترى حرص الناس على الطاعة،
فترى المحسن يقول للمسيء إليه: اللهم إني صائم، يذكر نفسه بالله جل وعلا، وبطاعة الله.
ليس معنى ذلك -أيها الأحبة الكرام- أن نعرض عن هذه الثوابت الإيمانية بعد رمضان، فإن للإيمان من الثوابت ما لا يستغني عنها مؤمن من المؤمنين حتى يلقى بها رب العالمين.
المحافظة على صلاة الجماعة
من أعظم هذه الثوابت: أن تحافظ على الصلاة في جماعة كما كنت حريصاً أيها الصائم في رمضان، قال ربنا جل جلاله:
{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة : 238]
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
أَلا أدُلُّكُمْ علَى ما يَمْحُو اللَّهُ به الخَطايا، ويَرْفَعُ به الدَّرَجاتِ؟ قالُوا بَلَى يا رَسولَ اللهِ، قالَ: إسْباغُ الوُضُوءِ علَى المَكارِهِ، وكَثْرَةُ الخُطا إلى المَساجِدِ، وانْتِظارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّباطُ. وليسَ في حَديثِ شُعْبَةَ ذِكْرُ الرِّباطِ. وفي حَديثِ مالِكٍ ثِنْتَيْنِ فَذَلِكُمُ الرِّباطُ، فَذَلِكُمُ الرِّباطُ.
الراوي : أبو هريرة.
المحدث : مسلم.
المصدر : صحيح مسلم.
الصفحة أو الرقم: 251.
خلاصة حكم المحدث : [صحيح].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
مَن غَدَا إلى المَسْجِدِ، أَوْ رَاحَ، أَعَدَّاللَّهُ له في الجَنَّةِ نُزُلًا، كُلَّما غَدَا، أَوْ رَاحَ.
الراوي : أبو هريرة.
المحدث : مسلم.
المصدر : صحيح مسلم.
الصفحة أو الرقم: 669.
خلاصة حكم المحدث : [صحيح].
التخريج: أخرجه البخاري (662)، ومسلم (669) واللفظ له.
وفي صحيح ابن ماجه عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أرأيتَ لو كانَ بفناءِ أحدِكم نَهرٌ يجري , يغتسلُ فيهِ كلَّ يومٍ خمسَ مرَّاتٍ، ما كانَ يبقي من درنِهِ ؟ قالَ : لاَ شيءَ ، قالَ : فإنَّ الصَّلاةَ تذْهبُ الذُّنوبَ كما يذْهبُ الماءُ الدَّرن.
الراوي : عثمان بن عفان.
المحدث : الألباني.
المصدر : صحيح ابن ماجه.
الصفحة أو الرقم: 1154.
خلاصة حكم المحدث : صحيح.
المداومة على قراءة القرآن
وقراءة القرآن من الثوابت الإيمانية التي لا يستغني عنها مؤمن بعد رمضان،
وقد رأينا الصائمين -ولله الحمد- في أشد الحرص على قراءة القرآن في رمضان، فمنهم من قرأ القرآن كله مرة؛ بل ومنهم من قرأ القرآن كله مرتين، بل ومنهم من قرأ القرآن كله ثلاث مرات، ومنهم من زاد على ذلك،
فلا تتخل عن القرآن بعد رمضان، ولا تضع المصحف في عزلته مرة أخرى، وتضعه على رفٍ من أرفف المكتبة في بيتك في رمضان، فإن المسلم لا غنى له أبداً عن كتاب الله جل وعلا. فلا بد أن تمتع بصرك، وأن تسعد قلبك وبصيرتك بالنظر يومياً في كتاب ربك تبارك وتعالى، قال الله عز وجل:
{إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء : 9]
وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث
أبي أمامة :
اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْراوَيْنِ البَقَرَةَ، وسُورَةَ آلِ عِمْرانَ، فإنَّهُما تَأْتِيانِ يَومَ القِيامَةِ كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ كَأنَّهُما غَيايَتانِ، أوْ كَأنَّهُما فِرْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصْحابِهِما، اقْرَؤُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، فإنَّ أخْذَها بَرَكَةٌ، وتَرْكَها حَسْرَةٌ، ولا تَسْتَطِيعُها البَطَلَةُ. قالَ مُعاوِيَةُ: بَلَغَنِي أنَّ البَطَلَةَ: السَّحَرَةُ. [وفي رواية]: غيرَ أنَّه قالَ: وكَأنَّهُما في كِلَيْهِما، ولَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ مُعاوِيَةَ بَلَغَنِي.
الراوي : أبو أمامة الباهلي.
المحدث : مسلم.
المصدر : صحيح مسلم.
الصفحة أو الرقم: 804.
خلاصة حكم المحدث : [صحيح].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي بسند صحيح من حديث ابن مسعود رضي الله عنه:
مَن قَرأ حَرفًا مِن كِتابِ اللهِ فله حَسَنةٌ، والحَسَنةُ بعَشَرةِ أمثالِها، لا أقولُ {الم} حَرفٌ، ألِفٌ حَرفٌ، ولامٌ حَرفٌ، وميمٌ حَرفٌ.
الراوي : عبدالله بن مسعود.
المحدث : عبد الحق الإشبيلي.
المصدر : الأحكام الصغرى.
الصفحة أو الرقم: 901.
خلاصة حكم المحدث :
[أشار في المقدمة أنه صحيح الإسناد].
التخريج: أخرجه الترمذي (2910) واللفظ له، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (6/263)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (1983) باختلاف يسير..
فلا تتخلّ أيها الموحد الصادق عن القرآن.. لا تتخل أيها الصائم عن القرآن.. لا تتخل أيها القائم عن القرآن، وهل ذلت الأمة وضاعت إلا يوم أن تخلت عن القرآن؟!
{وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان : 30]
والهجر للقرآن أنواع:
- هجر التلاوة.
- وهجر السماع.
- وهجر التدبر.
-وهجر العمل بأحكام القرآن.
- وهجر التداوي بالقرآن.
- هجرت الأمة القرآن إلا من رحم ربك من أفراد، فذلت الأمة لإخوان القردة والخنازير، ولعباد البقر في كشمير، وللملحدين الملعونين في كوسوفا، وفي باكستان والشيشان، وللصليبيين الحاقدين في كوسوفا والبوسنة وفي كل مكان: ففي كل بلد على الإسلام دائرة ينهد من هولها رضوى وثهلان ذبح وصلب وتقتيل بإخوتنا كما أعدت لتشفي الحقد نيران يستصرخون ذوي الإيمان عاطفة فلم يغثهم بيوم الروع أعوان هل هذه غيرة أم هذه ضعة للكفر ذكر وللإسلام نسيان ووالله ما انتشر وانتفش الباطل وأهله إلا يوم أن تخلى عن القرآن أهله،
أسأل الله أن يرد الأمة إلى القرآن رداً جميلاً.
المداومة على الذكر
ومن الثوابت الإيمانية التي لا غنى للمسلم عنها بعد رمضان: أن يكون دائم الذكر للرحيم الرحمن، قال الله تبارك وتعالى:
{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة : 152]
وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري :
مَثَلُ الذي يَذْكُرُ رَبَّهُ والذي لا يَذْكُرُرَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ.
الراوي : أبو موسى الأشعري.
المحدث : البخاري.
المصدر : صحيح البخاري.
الصفحة أو الرقم: 6407.
خلاصة حكم المحدث : [صحيح].
فالذاكر لله حي ولو حبست منه الأعضاء، والغافل عن ذكر الله ميت وإن تحرك بين الأحياء. أخي الحبيب! لا تغفل عن ذكر رب الأرض والسماء، وحافظ على ذكر الله، ففي الحديث الطويل الذي رواه أحمد من حديث الصحيح الحارث الأشعري وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال ( مثل الذي يذكر ربه كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً فأتى على حصو حصين فاحتمى به من عدوه ، فذلك مثل الذاكر لله ، يحتمي بالذكر من الشيطان)، فلا تتخل عن الذكر بعد رمضان.
يُتَّبَعْ مع بقية الثوابت الإيمانية : الإنفاق في سبيل الله
تجديد التوبة والاستمرار عليها
الحرص على قيام الليل
مقدمة :
أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ على الأعمال الصالحة ويداوم عليها، وعادة ما يأتي شهر رمضان فيتعود الناس فيه على قراءة القرآن وصلاة القيام والتراويح والصدقة ونحوها من القربات ولكن ما أن ينقضي رمضان حتى تختفي تلك القربات في دنيا الناس، وكان ينبغي الدوام عليها والاستمرار، حتى يتم للمرء الفلاح ويختم الله له بالخير.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران : 102]
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء : 1]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب : 70]
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار،
ثم أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء!
وأيها الإخوة الأحباب الكرام الأعزاء!
وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً،
وأسأل الله الحليم الكريم جل وعلا الذي جمعني مع حضراتكم في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أحبتي في الله! ماذا بعد رمضان؟
هذا عنوان لقائنا مع حضراتكم في آخر يوم من أيام شهر الصيام والقيام والقرآن، وكعادتي حتى لا ينسحب بساط الوقت سريعاً من تحت أقدامنا، فسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم في هذه العنوان :
ثوابت الإيمان
.
فأعيروني القلوب والأسماع، فإن هذا الموضوع من الأهمية بمكان، والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب.
ثوابت الإيمان:
أيها الأحبة الكرام! أيها الصادقون القائمون القارئون للقرآن .. هاهو شهر رمضان قد انتهى، انتهى شهر الصيام والقيام والقرآن والبر والجود والإحسان: فيا عين جودي بالدمع من أسف على فراق ليالٍ ذات أنوار على ليال لشهر الصوم ما جعلت إلا لتمحيص آثام وأوزار ما كان أحسننا والشمل مجتمع منا المصلي ومنا القانت القاري فابكوا على ما مضى في الشهر واغتنموا ما قد بقي إخوتي من فضل أعمار إنا لله وإنا إليه راجعون..
وهكذا أسرعت أيام الخير والبر والفضل والطاعة، ولا شك أن ربنا جل وتعالى قد اختص رمضان بكثير من رحماته وبركاته، فأنت ترى الناس تقبل على طاعة الله في رمضان بأريحية عجيبة، وبيسر وسهولة غريبة؛
لأن الله قد هيأ الناس في رمضان للطاعة، وقد سهل الطاعة للصادقين من المؤمنين في رمضان،
ولكن يا إخوة: ليس معنى ذلك أن نعرض عن كثير من الثوابت الإيمانية بعد رمضان،
فأنت ترى المساجد معطرة بأنفاس الصائمين في رمضان،
وترى صفوف المصلين مزدحمة في رمضان؛
بل وترى البر والجود والإحسان والبذل والإنفاق والعطاء والذكر والتوبة والاستغفار،
وترى حرص الناس على الطاعة،
فترى المحسن يقول للمسيء إليه: اللهم إني صائم، يذكر نفسه بالله جل وعلا، وبطاعة الله.
ليس معنى ذلك -أيها الأحبة الكرام- أن نعرض عن هذه الثوابت الإيمانية بعد رمضان، فإن للإيمان من الثوابت ما لا يستغني عنها مؤمن من المؤمنين حتى يلقى بها رب العالمين.
المحافظة على صلاة الجماعة
من أعظم هذه الثوابت: أن تحافظ على الصلاة في جماعة كما كنت حريصاً أيها الصائم في رمضان، قال ربنا جل جلاله:
{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة : 238]
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
أَلا أدُلُّكُمْ علَى ما يَمْحُو اللَّهُ به الخَطايا، ويَرْفَعُ به الدَّرَجاتِ؟ قالُوا بَلَى يا رَسولَ اللهِ، قالَ: إسْباغُ الوُضُوءِ علَى المَكارِهِ، وكَثْرَةُ الخُطا إلى المَساجِدِ، وانْتِظارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّباطُ. وليسَ في حَديثِ شُعْبَةَ ذِكْرُ الرِّباطِ. وفي حَديثِ مالِكٍ ثِنْتَيْنِ فَذَلِكُمُ الرِّباطُ، فَذَلِكُمُ الرِّباطُ.
الراوي : أبو هريرة.
المحدث : مسلم.
المصدر : صحيح مسلم.
الصفحة أو الرقم: 251.
خلاصة حكم المحدث : [صحيح].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
مَن غَدَا إلى المَسْجِدِ، أَوْ رَاحَ، أَعَدَّاللَّهُ له في الجَنَّةِ نُزُلًا، كُلَّما غَدَا، أَوْ رَاحَ.
الراوي : أبو هريرة.
المحدث : مسلم.
المصدر : صحيح مسلم.
الصفحة أو الرقم: 669.
خلاصة حكم المحدث : [صحيح].
التخريج: أخرجه البخاري (662)، ومسلم (669) واللفظ له.
وفي صحيح ابن ماجه عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أرأيتَ لو كانَ بفناءِ أحدِكم نَهرٌ يجري , يغتسلُ فيهِ كلَّ يومٍ خمسَ مرَّاتٍ، ما كانَ يبقي من درنِهِ ؟ قالَ : لاَ شيءَ ، قالَ : فإنَّ الصَّلاةَ تذْهبُ الذُّنوبَ كما يذْهبُ الماءُ الدَّرن.
الراوي : عثمان بن عفان.
المحدث : الألباني.
المصدر : صحيح ابن ماجه.
الصفحة أو الرقم: 1154.
خلاصة حكم المحدث : صحيح.
المداومة على قراءة القرآن
وقراءة القرآن من الثوابت الإيمانية التي لا يستغني عنها مؤمن بعد رمضان،
وقد رأينا الصائمين -ولله الحمد- في أشد الحرص على قراءة القرآن في رمضان، فمنهم من قرأ القرآن كله مرة؛ بل ومنهم من قرأ القرآن كله مرتين، بل ومنهم من قرأ القرآن كله ثلاث مرات، ومنهم من زاد على ذلك،
فلا تتخل عن القرآن بعد رمضان، ولا تضع المصحف في عزلته مرة أخرى، وتضعه على رفٍ من أرفف المكتبة في بيتك في رمضان، فإن المسلم لا غنى له أبداً عن كتاب الله جل وعلا. فلا بد أن تمتع بصرك، وأن تسعد قلبك وبصيرتك بالنظر يومياً في كتاب ربك تبارك وتعالى، قال الله عز وجل:
{إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء : 9]
وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث
أبي أمامة :
اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْراوَيْنِ البَقَرَةَ، وسُورَةَ آلِ عِمْرانَ، فإنَّهُما تَأْتِيانِ يَومَ القِيامَةِ كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ كَأنَّهُما غَيايَتانِ، أوْ كَأنَّهُما فِرْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصْحابِهِما، اقْرَؤُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، فإنَّ أخْذَها بَرَكَةٌ، وتَرْكَها حَسْرَةٌ، ولا تَسْتَطِيعُها البَطَلَةُ. قالَ مُعاوِيَةُ: بَلَغَنِي أنَّ البَطَلَةَ: السَّحَرَةُ. [وفي رواية]: غيرَ أنَّه قالَ: وكَأنَّهُما في كِلَيْهِما، ولَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ مُعاوِيَةَ بَلَغَنِي.
الراوي : أبو أمامة الباهلي.
المحدث : مسلم.
المصدر : صحيح مسلم.
الصفحة أو الرقم: 804.
خلاصة حكم المحدث : [صحيح].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي بسند صحيح من حديث ابن مسعود رضي الله عنه:
مَن قَرأ حَرفًا مِن كِتابِ اللهِ فله حَسَنةٌ، والحَسَنةُ بعَشَرةِ أمثالِها، لا أقولُ {الم} حَرفٌ، ألِفٌ حَرفٌ، ولامٌ حَرفٌ، وميمٌ حَرفٌ.
الراوي : عبدالله بن مسعود.
المحدث : عبد الحق الإشبيلي.
المصدر : الأحكام الصغرى.
الصفحة أو الرقم: 901.
خلاصة حكم المحدث :
[أشار في المقدمة أنه صحيح الإسناد].
التخريج: أخرجه الترمذي (2910) واللفظ له، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (6/263)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (1983) باختلاف يسير..
فلا تتخلّ أيها الموحد الصادق عن القرآن.. لا تتخل أيها الصائم عن القرآن.. لا تتخل أيها القائم عن القرآن، وهل ذلت الأمة وضاعت إلا يوم أن تخلت عن القرآن؟!
{وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان : 30]
والهجر للقرآن أنواع:
- هجر التلاوة.
- وهجر السماع.
- وهجر التدبر.
-وهجر العمل بأحكام القرآن.
- وهجر التداوي بالقرآن.
- هجرت الأمة القرآن إلا من رحم ربك من أفراد، فذلت الأمة لإخوان القردة والخنازير، ولعباد البقر في كشمير، وللملحدين الملعونين في كوسوفا، وفي باكستان والشيشان، وللصليبيين الحاقدين في كوسوفا والبوسنة وفي كل مكان: ففي كل بلد على الإسلام دائرة ينهد من هولها رضوى وثهلان ذبح وصلب وتقتيل بإخوتنا كما أعدت لتشفي الحقد نيران يستصرخون ذوي الإيمان عاطفة فلم يغثهم بيوم الروع أعوان هل هذه غيرة أم هذه ضعة للكفر ذكر وللإسلام نسيان ووالله ما انتشر وانتفش الباطل وأهله إلا يوم أن تخلى عن القرآن أهله،
أسأل الله أن يرد الأمة إلى القرآن رداً جميلاً.
المداومة على الذكر
ومن الثوابت الإيمانية التي لا غنى للمسلم عنها بعد رمضان: أن يكون دائم الذكر للرحيم الرحمن، قال الله تبارك وتعالى:
{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة : 152]
وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري :
مَثَلُ الذي يَذْكُرُ رَبَّهُ والذي لا يَذْكُرُرَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ.
الراوي : أبو موسى الأشعري.
المحدث : البخاري.
المصدر : صحيح البخاري.
الصفحة أو الرقم: 6407.
خلاصة حكم المحدث : [صحيح].
فالذاكر لله حي ولو حبست منه الأعضاء، والغافل عن ذكر الله ميت وإن تحرك بين الأحياء. أخي الحبيب! لا تغفل عن ذكر رب الأرض والسماء، وحافظ على ذكر الله، ففي الحديث الطويل الذي رواه أحمد من حديث الصحيح الحارث الأشعري وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال ( مثل الذي يذكر ربه كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعاً فأتى على حصو حصين فاحتمى به من عدوه ، فذلك مثل الذاكر لله ، يحتمي بالذكر من الشيطان)، فلا تتخل عن الذكر بعد رمضان.
يُتَّبَعْ مع بقية الثوابت الإيمانية : الإنفاق في سبيل الله
تجديد التوبة والاستمرار عليها
الحرص على قيام الليل
تعليق