بسم الله الرحمن الرحيم
إعرف قَدْرَكَ.... !!
◕‿◕
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فما أجمل من جاهد نفسه! وعرف قدره! فلم يتعد حدّه !!، يقول أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز – رحمه الله- :"رحم الله امرأً عرف قدر نفسه".تفسير القرطبي ( 10/ 89)
يقول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله- :"فإذا عرف الإنسان قدر نفسه عرف منزلته بين الناس، ونزَّل نفسه منزلتها فتواضع لخلق الله عز وجل، ومن تواضع لله رفعه الله ". فتاوى نور على الدرب (6/2)
لكن ما أقلَّ هؤلاء الكرام اليوم بين الأنام.... !
فنحن نعيش في زمن- وللأسف- قد ابتلينا فيه بقومٍ! نسوا !أو تناسوا! أحجامهم!! أو غرَّهم ثناء الجهلة عليهم! فظنوا أنهم وصلوا إلى مرتبة رفيعة! واحتلوا مكانة عالية! وقد أصبح لهم بين الناس شأن كبير! وصاروا بسبب ذلك من أهل الحلِّ والتأثير !
فسيطرت على عُقولهم الصغيرة الأماني والأوهام،وتمكنت منهم الظنون والأحلام!فلبِسوا ما ليس لهم! وتشبَّعوا بما لم يُعطوا! مع أن نبيهم الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم قد حذرهم من هذا الوصف الذميم و الخلق السقيم، فعن أسماء بنت الصديق-رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لم يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ ". رواه البخاري (4921) ومسلم (2129) واللفظ له.
يقول الإمام ابن الأثير-رحمه الله-:" أي: المُتكثِّر بأكثر ممَّا عنده يتجمِّل بذلك، كالذي يُرى أنَّه شبعان،وليس كذلك، ومن فعله فإنَّما يسخر من نفسه.وهو من أفعال ذَوي الزُّور،بل هو في نفسه زورٌ: أَي كَذبٌ".النهاية في غريب الأثر(2/ 441)
ويقول الإمام النووي – رحمه الله- : "المُتشبِّعُ: هو الذي يُظهرُ الشَّبع وليس بشبعان، ومعناها هنا: أنَّهُ يُظهرُ أنَّه حصل له فضِيلةٌ وليست حاصلة."ولابِس ثَوْبي زورٍ" أي: ذِي زُورٍ، وهو الذي يُزَوِّرُ على النَّاس، بأن يَتَزَيَّ بِزيِّ أهلِ الزُّهد أَو العلم أَو الثروة، ليغْترَّ به النَّاس وليس هو بتلك الصِّفة، وقيل غير ذك، والله أعلم". رياض الصالحين ( ص440)
أناسٌ! قد خوَّلت لهم أنفسهم الخوض في أمور الدين! ورأوا أن معهم القدرة على الكلام في النوازل العظيمة التي تَحل بالمسلمين، ومكانتهم! قد أصبحت تسمح لهم بالمناقشة والردِّ على العلماء الربانيين !
قومٌ أيضًا!! تصدَّر بعضهم اليوم المشهد! فأصبحوا يخوضون في الأزمات السياسية والاقتصادية وغيرها من الأمور المهمة الدنيوية! ليس فقط هذا ، بل يُنكرون بشده على من يخالفهم! بحجة أن الحق معهم، لا مع غيرهم ، يقول الإمام الذهبي - رحمه الله-:" لا أفلح والله من زكَّى نفسه أو أعجبته ". سير أعلام النبلاء (4/190)
وعجبا من هؤلاء جميعا ! من أين اكتسبوا هذه الـجُرأة ... ؟!
فلا حصيلة علمية معهم! و لا خبرة ولا أهلية تسمح بإبداء رأيهم، والمجادلة و الحكم على آراء غيرهم! ممن هم من أهل الاختصاص و التَّمكن في هذه الأمور..!.
ولذا قد يتعجب المرء ! مما يصدر منهم و تنطق به ألسنتهم ! ويتساءل مع نفسه أو مع إخوانه، هل يعي هؤلاء حقيقة ما به يتكلمون ! وعاقبة ما بين الناس يُقررون! يقول الإمام الشافعي – رحمه الله- :"وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به أقرب من السلامة له إن شاء الله ".الرسالة (ص 41)
لكن إذا تذكَّر العاقل السَّبب ذهب عنه العَجب ! يقول الحافظ ابن حجر – رحمه الله- :"وإذا تكلَّم المرء في غير فنه أتى بهذه العجائب ". فتح الباري ( 3/ 584)
فما أعظم -أيها الأحبة الكرام- على الأمة ضررهم و ما أشدَّ خطرهم! سواء قصدوا بما يصدر منهم الأذية أو لا ! يقول الإمام ابن حزم – رحمه الله- :"لا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء فيها، وهم من غير أهلها فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون، ويفسدون ويقدَّرون أنهم يصلحون ".مداواة النفوس ( ص 23)
ومن أهم الأسباب التي أعانتهم اليوم على تَسويق بضاعتهم ونشر آرائهم والتَّرويج لأفكارهم-أيها الأفاضل-؛و سائل الاتصال الحديثة بأنواعها، سواء كانت المرئية أو المكتوبة أو المسموعة!وزاد أيضا من غرورهم وانحرافهم التفاف بعض الجهلة حولهم وحرصهم على نقل أخبارهم، فظنوا أنهم لأمتنا الإسلامية هم دواء ! وفي الحقيقة هم الداء ومصدر البلاء، يقول الجرجاني- رحمه الله- :"إذا تعاطى الشيء غير أهله ، وتولَّى الأمرَ غير البصير به ، أعضل الداء، واشتدَّ البلاء ".دلائل الإعجاز (ص 346)
فيا هؤلاء ! كفُّوا عن النَّاس شرَّكم ! واعرفوا قدركُم ! وتعلَّموا و تواضعوا لغيركم ! واعلموا أن مصالح الأمة ليست متوقفة كما تظنون عليكم !
وسارعوا إلى التوبة، وبادروا إلى إصلاح البواطن؛ لأن الظاهر هو ثمرة ما في السرائر، يقول الإمام ابن القيم- رحمه الله-:" الأعمال نتائج السرائر الباطنة، فمن كانت سريرته صالحة كان عمله صالحا، فتبدو سريرته على وجهه نورا وإشراقا وحياء، ومن كانت سريرته فاسدة كان عمله تابعا لسريرته لا اعتبار بصورته، فتبدو سريرته على وجهه سوادا وظلمة وشينًا، وإن كان الذي يبدو عليه في الدنيا إنما هو عمله لا سريرته، فيوم القيامة تبدو عليه سريرته ويكون الحكم والظهور لها ".التبيان في أقسام القرآن(ص 66)
أيها المسلم إعلم – رعاك الله- أنَّ سُلوك طريق النَّجاح و السَّير على نهج أهل الفلاح لا يكون إلا بتحقيق طاعة ربِّ العالمين و التمسك بهدي خير المرسلين، ومن أهم ما يُعينك على ذلك بإذن أرحم الراحمين، الأخذ بتوجيهات العلماء الربانيِّين ؛ فهم من أحرص الناس على نشر الخير بين الأنام وأكثرهم سعيًا على نبذ وترك الشَّر والآثام ، ومن نصائحهم النَّافعة التي كانوا بها يتذاكرون وعليها مُستمسكون ! وصية طيبة التي من عمل بها سيسلم و بإذن الله عز وجل سيغنم، ألا وهي حث العبد على معرفه قدره و تحذيره من مجاوزة حدِّه، فقد قيل للإمام عبد الله بن المبارك – رحمه الله- أوصني ؟ فقال –رحمه الله- :" اعرف قدرك ".الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ( 1/ 280)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يُوفِّقنا وإيَّاكم لكل ما يُحبه ويرضاه، ومن ذلك أن نعرف قدر أنفسنا، وأن يُجنبنا كل ما يُبغضه ويأباه ومن ذلك العُجب و الغرور، فهو سبحانه ولي ذلك و الكريم الغفور.
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أبو عبد الله حمزة النايلي
إعرف قَدْرَكَ.... !!
◕‿◕
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة على أشرف المرسلين،نبينا محمد و على آله،وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فما أجمل من جاهد نفسه! وعرف قدره! فلم يتعد حدّه !!، يقول أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز – رحمه الله- :"رحم الله امرأً عرف قدر نفسه".تفسير القرطبي ( 10/ 89)
يقول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله- :"فإذا عرف الإنسان قدر نفسه عرف منزلته بين الناس، ونزَّل نفسه منزلتها فتواضع لخلق الله عز وجل، ومن تواضع لله رفعه الله ". فتاوى نور على الدرب (6/2)
لكن ما أقلَّ هؤلاء الكرام اليوم بين الأنام.... !
فنحن نعيش في زمن- وللأسف- قد ابتلينا فيه بقومٍ! نسوا !أو تناسوا! أحجامهم!! أو غرَّهم ثناء الجهلة عليهم! فظنوا أنهم وصلوا إلى مرتبة رفيعة! واحتلوا مكانة عالية! وقد أصبح لهم بين الناس شأن كبير! وصاروا بسبب ذلك من أهل الحلِّ والتأثير !
فسيطرت على عُقولهم الصغيرة الأماني والأوهام،وتمكنت منهم الظنون والأحلام!فلبِسوا ما ليس لهم! وتشبَّعوا بما لم يُعطوا! مع أن نبيهم الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم قد حذرهم من هذا الوصف الذميم و الخلق السقيم، فعن أسماء بنت الصديق-رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لم يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ ". رواه البخاري (4921) ومسلم (2129) واللفظ له.
يقول الإمام ابن الأثير-رحمه الله-:" أي: المُتكثِّر بأكثر ممَّا عنده يتجمِّل بذلك، كالذي يُرى أنَّه شبعان،وليس كذلك، ومن فعله فإنَّما يسخر من نفسه.وهو من أفعال ذَوي الزُّور،بل هو في نفسه زورٌ: أَي كَذبٌ".النهاية في غريب الأثر(2/ 441)
ويقول الإمام النووي – رحمه الله- : "المُتشبِّعُ: هو الذي يُظهرُ الشَّبع وليس بشبعان، ومعناها هنا: أنَّهُ يُظهرُ أنَّه حصل له فضِيلةٌ وليست حاصلة."ولابِس ثَوْبي زورٍ" أي: ذِي زُورٍ، وهو الذي يُزَوِّرُ على النَّاس، بأن يَتَزَيَّ بِزيِّ أهلِ الزُّهد أَو العلم أَو الثروة، ليغْترَّ به النَّاس وليس هو بتلك الصِّفة، وقيل غير ذك، والله أعلم". رياض الصالحين ( ص440)
أناسٌ! قد خوَّلت لهم أنفسهم الخوض في أمور الدين! ورأوا أن معهم القدرة على الكلام في النوازل العظيمة التي تَحل بالمسلمين، ومكانتهم! قد أصبحت تسمح لهم بالمناقشة والردِّ على العلماء الربانيين !
قومٌ أيضًا!! تصدَّر بعضهم اليوم المشهد! فأصبحوا يخوضون في الأزمات السياسية والاقتصادية وغيرها من الأمور المهمة الدنيوية! ليس فقط هذا ، بل يُنكرون بشده على من يخالفهم! بحجة أن الحق معهم، لا مع غيرهم ، يقول الإمام الذهبي - رحمه الله-:" لا أفلح والله من زكَّى نفسه أو أعجبته ". سير أعلام النبلاء (4/190)
وعجبا من هؤلاء جميعا ! من أين اكتسبوا هذه الـجُرأة ... ؟!
فلا حصيلة علمية معهم! و لا خبرة ولا أهلية تسمح بإبداء رأيهم، والمجادلة و الحكم على آراء غيرهم! ممن هم من أهل الاختصاص و التَّمكن في هذه الأمور..!.
ولذا قد يتعجب المرء ! مما يصدر منهم و تنطق به ألسنتهم ! ويتساءل مع نفسه أو مع إخوانه، هل يعي هؤلاء حقيقة ما به يتكلمون ! وعاقبة ما بين الناس يُقررون! يقول الإمام الشافعي – رحمه الله- :"وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به أقرب من السلامة له إن شاء الله ".الرسالة (ص 41)
لكن إذا تذكَّر العاقل السَّبب ذهب عنه العَجب ! يقول الحافظ ابن حجر – رحمه الله- :"وإذا تكلَّم المرء في غير فنه أتى بهذه العجائب ". فتح الباري ( 3/ 584)
فما أعظم -أيها الأحبة الكرام- على الأمة ضررهم و ما أشدَّ خطرهم! سواء قصدوا بما يصدر منهم الأذية أو لا ! يقول الإمام ابن حزم – رحمه الله- :"لا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء فيها، وهم من غير أهلها فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون، ويفسدون ويقدَّرون أنهم يصلحون ".مداواة النفوس ( ص 23)
ومن أهم الأسباب التي أعانتهم اليوم على تَسويق بضاعتهم ونشر آرائهم والتَّرويج لأفكارهم-أيها الأفاضل-؛و سائل الاتصال الحديثة بأنواعها، سواء كانت المرئية أو المكتوبة أو المسموعة!وزاد أيضا من غرورهم وانحرافهم التفاف بعض الجهلة حولهم وحرصهم على نقل أخبارهم، فظنوا أنهم لأمتنا الإسلامية هم دواء ! وفي الحقيقة هم الداء ومصدر البلاء، يقول الجرجاني- رحمه الله- :"إذا تعاطى الشيء غير أهله ، وتولَّى الأمرَ غير البصير به ، أعضل الداء، واشتدَّ البلاء ".دلائل الإعجاز (ص 346)
فيا هؤلاء ! كفُّوا عن النَّاس شرَّكم ! واعرفوا قدركُم ! وتعلَّموا و تواضعوا لغيركم ! واعلموا أن مصالح الأمة ليست متوقفة كما تظنون عليكم !
وسارعوا إلى التوبة، وبادروا إلى إصلاح البواطن؛ لأن الظاهر هو ثمرة ما في السرائر، يقول الإمام ابن القيم- رحمه الله-:" الأعمال نتائج السرائر الباطنة، فمن كانت سريرته صالحة كان عمله صالحا، فتبدو سريرته على وجهه نورا وإشراقا وحياء، ومن كانت سريرته فاسدة كان عمله تابعا لسريرته لا اعتبار بصورته، فتبدو سريرته على وجهه سوادا وظلمة وشينًا، وإن كان الذي يبدو عليه في الدنيا إنما هو عمله لا سريرته، فيوم القيامة تبدو عليه سريرته ويكون الحكم والظهور لها ".التبيان في أقسام القرآن(ص 66)
أيها المسلم إعلم – رعاك الله- أنَّ سُلوك طريق النَّجاح و السَّير على نهج أهل الفلاح لا يكون إلا بتحقيق طاعة ربِّ العالمين و التمسك بهدي خير المرسلين، ومن أهم ما يُعينك على ذلك بإذن أرحم الراحمين، الأخذ بتوجيهات العلماء الربانيِّين ؛ فهم من أحرص الناس على نشر الخير بين الأنام وأكثرهم سعيًا على نبذ وترك الشَّر والآثام ، ومن نصائحهم النَّافعة التي كانوا بها يتذاكرون وعليها مُستمسكون ! وصية طيبة التي من عمل بها سيسلم و بإذن الله عز وجل سيغنم، ألا وهي حث العبد على معرفه قدره و تحذيره من مجاوزة حدِّه، فقد قيل للإمام عبد الله بن المبارك – رحمه الله- أوصني ؟ فقال –رحمه الله- :" اعرف قدرك ".الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ( 1/ 280)
فالله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يُوفِّقنا وإيَّاكم لكل ما يُحبه ويرضاه، ومن ذلك أن نعرف قدر أنفسنا، وأن يُجنبنا كل ما يُبغضه ويأباه ومن ذلك العُجب و الغرور، فهو سبحانه ولي ذلك و الكريم الغفور.
وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أبو عبد الله حمزة النايلي
تعليق