صيحة تحذير.. إليك أيها الطائع الخاسر
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(أتدرون ما المفلس؟ إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيُعْطْىَ هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقْضَى ما عليه؛ أُخِذَ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) رواه الإمام أحمد ومسلم و الترمذي، وقال الشيخ الألباني : (صحيح).
ولو نظرنا نظرة متأنية قليلاً في كلمات هذا الحديث الذي نحفظه كلنا لوجدنا فيه من العجب أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أوضح لنا أنَّ هذا (المفلس) سيأتي بحسنات عظيمة؛ قام بحق الله تعالى في الإتيان بالفرائض والواجبات، وانتهى عن المحرمات جميعها، فليس منه في حقِّ خالقه تفريط؛ بل كامل الالتزام والانضباط فرضي الله عنه وأثابه الثواب الحسن، فأتى بالحسنات التي يتيه مثلُه بها افتخارًا يوم القيامة، والتي من شأنها أن تضعه بالمرتبة العليا في الجنة، والتي لا يعلوه فيها إلا الأنبياء والرسل والصِّدِّيقون والشهداء...
هذا ما قد يخطر بباله أو ببال أحدنا، وأكثرنا قد لا يأمل إلا أن يكون مثل هذا الشخص الذي أتى بالواجبات وانتهى عن المحرمات وقام بحقِّ خالقه تمام القيام...
إلا أنَّ هذه المرتبة العليا لم يكن له أن يتمتع بها، أو بشيءٍ منها، إلا لو كانت هذه الحسناتُ صافيةً وخالصةً لا تشوبها شائبةٌ.. فهل كانت كذلك؟
من هذه النقطة كانت تسميته بالـ(مفلس)؛ إذ أنه اهتم كلَّ الاهتمام برضا خالقه وسيده، ولم يكن منه أدنى اهتمام بحقوق العباد أمثاله!
كانت حياته خليطًا متناقضًا لا يصلح أن يجتمع في نفسٍ مطمئنة تجاور ربَّها في جنته، خليطًا جمع بين الحُسْنِ والسُّوء، بين الطَّيِّبِ والقبيح، بين الإحسان والإساءة، جمع بين المتناقضات...
لو أنَّه خلط عملاً صالحًا بآخر سيئًا، لكان من الممكن أن يعفوَ اللهُ عنه؛ إذ ذاك في حقِّه تعالى، وهو الذي أكَّد لنا في كتابه العزيز أنه لا يغفر أن يُشْرَكَ به ويغفر ما دون ذلك لمَن يشاء، فإن شاء غفر وإن شاء عاقب، وحتى إن عاقب فلن تكون العقوبة بالخلود في النار، لأنها ليست من الشرك..
ولكنَّه خلط بين الإحسان في حقِّ الله والإساءة في حقِّ العباد، بين الطيب من العمل المفترض والواجب عليه وبين القبيح في حق البشر، بين الحُسْنِ من التقرب إلى الله بالطاعات وبين السُّوءِ في معاملة الخلق..
ولقد علمنا أن الله قد يتجاوز عن حقوقه، ولكنه بالقطع لا يتجاوز عن حقوق البشر، التي أعطاهم وحدهم الحقَّ في التنازل عنها أو المطالبة بها يوم القيامة..
فماذا يملك هذا (المفلس) – وأكثرنا هو هذا (المفلس) – ليفتدي نفسه من سوء الحساب يوم القيامة؟
أيملك من الجاه أو من السلطان أو من المال ما يفتدي به نفسه، وتظل حسناته ملكًا خالصًا له؟
بل إن كان له مال أو سلطان فسيقول ( ما أغنى عني ماليه * هلك عني سلطانه)..
وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن صاحب العظمة لا تنفعه عظمته هذه يوم القيامة، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ولا ينفع ذا الجدِّ منك الجدُّ، يعني لا ينفع صاحبَ العظمة منك عظمتُه يوم القيامة..
فما هو الحل، وما هو موقف هذا (المفلس) يوم القيامة؟
الحديث الذي تكلمنا عنه أوضح أنَّ كلَّ عبدٍ من عباد الله، ممن أساء لهم هذا (المفلس) سيأتي يوم القيامة مطالبًا إياه بتصفية الحساب، أعطني حقي الآن، لا تنازل ولا مسامحة، الكلُّ في حاجة إلى ذَرَّةٍ ينقذ بها نفسه من هول يوم القيامة، والكل بحاجة لحسنة تزحزحه عن النار ويدخل بها الجنة، الكل يَوَدُّ لو ينجو بنفسه ولو افتدى نفسه بأمه وأبيه وأخته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومَن في الأرض جميعًا، ولكن .. هل من الممكن أن يفتدي نفسه بهم وهو لا يملك هذا؟ فلا تنازل ولا مسامحة ولو عن مثقال ذرة من حسنة!!!
لا بُدَّ من القصاص، أعطني مما تملك، عندك جبال من الحسنات فأعطني منها بمقدار ما أخذت من مالي، أو أخذت من عرضي، أو اغتبتني، أو نلتَ من دمي، أو ضربتني، أعطني منها بمقدار إساءتك إليَّ ولا أريد منك أكثر من هذا، فيعطيه وهو مضطر ومرغم ولا يملك أن يرفض؛ إذ أنه يوم الدين؛ يوم الدينونة؛ يوم الحق، ومَن لم يُعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه في الدنيا، أعطاه إياه مرغمًا يوم القيامة.. فليسارع مَن يملك اليومَ بالسداد قبل أن لا يملك يوم القيامة إلا الحسنات..
وما أصعبه من سداد، لا دينار ولا درهم ولا سلطان ولا واسطة ولا جاه يصلح، لا بد من الحسنات... وكم نملك وقتها من الحسنات التي ارتضى اللهُ أعمالنا فأثابنا عليها؟
هل نضمن أن يقبل الله أعمالنا ونأخذ عليها الأجر، أم قد لا يقبلها ولا نملك يوم القيامة حق القصاص لمَن أسأنا إليهم؟ وماذا نفعل وقتها، وبماذا نقايض؟
فيأخذ كلُّ عبدٍ أساء إليه هذا (المفلس) من حسناته، وكما يقولون: خذ من التَّلِّ يختل، فيختل هذا التل الكبير العظيم من الحسنات، ويتناقص كلما أخذ أحدهم، ويتناقص ويتناقص ويتناقص...
هناك المزيد من العباد، والمزيد من الإساءات، والمزيد من المطالبات.. والقليل من الحسنات..
أوشكت الحسنات أن تنتهى، وقد رضي هذا (المفلس) بما بقي له منها، ورضي مرغمًا على قبول هذا المكان المتواضع في الجنة، وهو مكان عظيم بالمقارنة بدخوله النار، فدخوله الجنة بأي مكان أفضل قطعًا من النار، فرضي بما بقي له، ولكن .. هل انتهى الغرماء أصحاب الديون؟!
الطابور مستمر، ولا أحد يتنازل أو يتركه وشأنه، أو يترفق به، وحتى إذا ترفق به، فمَن يترفق بهذا الأخير؟
لا مكان للرفق بين العباد، الكل يخاف النار، والكل يرجو الجنة، فمَن يترفق بمَن؟
جاء الدور على بقية المطالبين، واحدٌ بعد الآخر يأخذ ويخرج من الدور، حتى انتهت الحسنات وما انتهى المطالبون حتى الآن!!!
عجبًا لرجل أخذ حسناتٍ من ربِّه على أعمال؛ الحسنة بعشر أمثالها، ثم الصوم لا يعلم أجره إلا الله، ثم تنتهي هذه الحسناتُ؟ تُرَى كم اقترفت يداه حتى تنتهي هذه الحسنات العظيمة؟
الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والصيام أكثر من هذا، وبالمقابل نجد أن السيئة بواحدة ليس بأكثر، ثم تنتهي هذه العشرات والمئات مقابل هذه الآحاد؟! كم أنت ظالم للعباد أيها (المفلس)؟!!!
الآن وقد انتهت الحسنات، فكيف يأخذ باقي الغرماء حقوقهم؟ ليس إلا أن يأخذ من سيئاتهم مقابل إساءاته لهم في الدنيا، يأخذ من سيئات الزاني وشارب الخمر والعاق لوالديه والمرتشي والمختلس وجميع مرتكبي الكبائر، فتوضع عليه حتى يوفيهم حقوقهم كاملة..
هو لم يرتكب شيئًا من الكبائر، لا من الزنى ولا شرب الخمر ولا غيره، ثم نراه الآن مرتكبًا لها مثله مثل غيره من أصحاب الكبائر... اللهم سترك علينا..
انتهت المقايضة وانتهت حسناته وأخذ من سيئاتهم، ويساق إلى النار ويتساءل: إنَّ معي كلمة التوحيد، وهي تساوي الأطنان والأطنان من الحسنات، فخذوا منها بدلاً من أن تضعوا عليَّ من سيئاتكم، وسيبقى معي جزءٌ منها أدخل به الجنة بما معي من حسنات، بدلاً من أن تضيع هذه الحسنات وأدخل النار..
ولا يعلم هذا الغافل أنَّ كلمة التوحيد هذه لا تتجزأ، هي كلمة واحدة لا يأخذ أحدٌ منها شيئًا حتى لو أردتَ أنت هذا، كلمة التوحيد بالنسبة إليك كالعمود الفقري في السمكة، فأنت تأكل اللحم وربما الرأس والذيل، ولكنك لا تأكل العمود الفقري، فهذه الشوكة العظيمة القوية لا تتجزأ، ولو صح أن تتجزأ وأخذ غرماؤك منها فلن تدخل بها الجنة، لأنَّها لا تدخلها إلا نفس مؤمنة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يأخذون منها؟
وهذا من رحمة الله تعالى بالعصاة أمثالنا، فلو طالت هذه المقايضة كلمةَ التوحيد، لضاعت وانتهى بنا الأمر إلى الخلود في النار، والعياذ بالله!
الآن وقد انتهى الحال كما ذكرنا، فيمكث (المفلس) في النار قدر هذه الذنوب التي حملها من أصحاب المعاصي، ثم يخرجه الله تعالى بما معه من كلمة التوحيد ويدخله الجنة..
فلننظر الآن ولنقف وقفة مع أنفسنا، هل قمنا بأداء الواجبات وابتعدنا عن الإساءة إلى العباد، أم نحن مثل هذا (المفلس)، والعياذ بالله؟
تحميل المادة صوتيًا من هنا
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(أتدرون ما المفلس؟ إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيُعْطْىَ هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقْضَى ما عليه؛ أُخِذَ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) رواه الإمام أحمد ومسلم و الترمذي، وقال الشيخ الألباني : (صحيح).
ولو نظرنا نظرة متأنية قليلاً في كلمات هذا الحديث الذي نحفظه كلنا لوجدنا فيه من العجب أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أوضح لنا أنَّ هذا (المفلس) سيأتي بحسنات عظيمة؛ قام بحق الله تعالى في الإتيان بالفرائض والواجبات، وانتهى عن المحرمات جميعها، فليس منه في حقِّ خالقه تفريط؛ بل كامل الالتزام والانضباط فرضي الله عنه وأثابه الثواب الحسن، فأتى بالحسنات التي يتيه مثلُه بها افتخارًا يوم القيامة، والتي من شأنها أن تضعه بالمرتبة العليا في الجنة، والتي لا يعلوه فيها إلا الأنبياء والرسل والصِّدِّيقون والشهداء...
هذا ما قد يخطر بباله أو ببال أحدنا، وأكثرنا قد لا يأمل إلا أن يكون مثل هذا الشخص الذي أتى بالواجبات وانتهى عن المحرمات وقام بحقِّ خالقه تمام القيام...
إلا أنَّ هذه المرتبة العليا لم يكن له أن يتمتع بها، أو بشيءٍ منها، إلا لو كانت هذه الحسناتُ صافيةً وخالصةً لا تشوبها شائبةٌ.. فهل كانت كذلك؟
من هذه النقطة كانت تسميته بالـ(مفلس)؛ إذ أنه اهتم كلَّ الاهتمام برضا خالقه وسيده، ولم يكن منه أدنى اهتمام بحقوق العباد أمثاله!
كانت حياته خليطًا متناقضًا لا يصلح أن يجتمع في نفسٍ مطمئنة تجاور ربَّها في جنته، خليطًا جمع بين الحُسْنِ والسُّوء، بين الطَّيِّبِ والقبيح، بين الإحسان والإساءة، جمع بين المتناقضات...
لو أنَّه خلط عملاً صالحًا بآخر سيئًا، لكان من الممكن أن يعفوَ اللهُ عنه؛ إذ ذاك في حقِّه تعالى، وهو الذي أكَّد لنا في كتابه العزيز أنه لا يغفر أن يُشْرَكَ به ويغفر ما دون ذلك لمَن يشاء، فإن شاء غفر وإن شاء عاقب، وحتى إن عاقب فلن تكون العقوبة بالخلود في النار، لأنها ليست من الشرك..
ولكنَّه خلط بين الإحسان في حقِّ الله والإساءة في حقِّ العباد، بين الطيب من العمل المفترض والواجب عليه وبين القبيح في حق البشر، بين الحُسْنِ من التقرب إلى الله بالطاعات وبين السُّوءِ في معاملة الخلق..
ولقد علمنا أن الله قد يتجاوز عن حقوقه، ولكنه بالقطع لا يتجاوز عن حقوق البشر، التي أعطاهم وحدهم الحقَّ في التنازل عنها أو المطالبة بها يوم القيامة..
فماذا يملك هذا (المفلس) – وأكثرنا هو هذا (المفلس) – ليفتدي نفسه من سوء الحساب يوم القيامة؟
أيملك من الجاه أو من السلطان أو من المال ما يفتدي به نفسه، وتظل حسناته ملكًا خالصًا له؟
بل إن كان له مال أو سلطان فسيقول ( ما أغنى عني ماليه * هلك عني سلطانه)..
وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن صاحب العظمة لا تنفعه عظمته هذه يوم القيامة، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ولا ينفع ذا الجدِّ منك الجدُّ، يعني لا ينفع صاحبَ العظمة منك عظمتُه يوم القيامة..
فما هو الحل، وما هو موقف هذا (المفلس) يوم القيامة؟
الحديث الذي تكلمنا عنه أوضح أنَّ كلَّ عبدٍ من عباد الله، ممن أساء لهم هذا (المفلس) سيأتي يوم القيامة مطالبًا إياه بتصفية الحساب، أعطني حقي الآن، لا تنازل ولا مسامحة، الكلُّ في حاجة إلى ذَرَّةٍ ينقذ بها نفسه من هول يوم القيامة، والكل بحاجة لحسنة تزحزحه عن النار ويدخل بها الجنة، الكل يَوَدُّ لو ينجو بنفسه ولو افتدى نفسه بأمه وأبيه وأخته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومَن في الأرض جميعًا، ولكن .. هل من الممكن أن يفتدي نفسه بهم وهو لا يملك هذا؟ فلا تنازل ولا مسامحة ولو عن مثقال ذرة من حسنة!!!
لا بُدَّ من القصاص، أعطني مما تملك، عندك جبال من الحسنات فأعطني منها بمقدار ما أخذت من مالي، أو أخذت من عرضي، أو اغتبتني، أو نلتَ من دمي، أو ضربتني، أعطني منها بمقدار إساءتك إليَّ ولا أريد منك أكثر من هذا، فيعطيه وهو مضطر ومرغم ولا يملك أن يرفض؛ إذ أنه يوم الدين؛ يوم الدينونة؛ يوم الحق، ومَن لم يُعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه في الدنيا، أعطاه إياه مرغمًا يوم القيامة.. فليسارع مَن يملك اليومَ بالسداد قبل أن لا يملك يوم القيامة إلا الحسنات..
وما أصعبه من سداد، لا دينار ولا درهم ولا سلطان ولا واسطة ولا جاه يصلح، لا بد من الحسنات... وكم نملك وقتها من الحسنات التي ارتضى اللهُ أعمالنا فأثابنا عليها؟
هل نضمن أن يقبل الله أعمالنا ونأخذ عليها الأجر، أم قد لا يقبلها ولا نملك يوم القيامة حق القصاص لمَن أسأنا إليهم؟ وماذا نفعل وقتها، وبماذا نقايض؟
فيأخذ كلُّ عبدٍ أساء إليه هذا (المفلس) من حسناته، وكما يقولون: خذ من التَّلِّ يختل، فيختل هذا التل الكبير العظيم من الحسنات، ويتناقص كلما أخذ أحدهم، ويتناقص ويتناقص ويتناقص...
هناك المزيد من العباد، والمزيد من الإساءات، والمزيد من المطالبات.. والقليل من الحسنات..
أوشكت الحسنات أن تنتهى، وقد رضي هذا (المفلس) بما بقي له منها، ورضي مرغمًا على قبول هذا المكان المتواضع في الجنة، وهو مكان عظيم بالمقارنة بدخوله النار، فدخوله الجنة بأي مكان أفضل قطعًا من النار، فرضي بما بقي له، ولكن .. هل انتهى الغرماء أصحاب الديون؟!
الطابور مستمر، ولا أحد يتنازل أو يتركه وشأنه، أو يترفق به، وحتى إذا ترفق به، فمَن يترفق بهذا الأخير؟
لا مكان للرفق بين العباد، الكل يخاف النار، والكل يرجو الجنة، فمَن يترفق بمَن؟
جاء الدور على بقية المطالبين، واحدٌ بعد الآخر يأخذ ويخرج من الدور، حتى انتهت الحسنات وما انتهى المطالبون حتى الآن!!!
عجبًا لرجل أخذ حسناتٍ من ربِّه على أعمال؛ الحسنة بعشر أمثالها، ثم الصوم لا يعلم أجره إلا الله، ثم تنتهي هذه الحسناتُ؟ تُرَى كم اقترفت يداه حتى تنتهي هذه الحسنات العظيمة؟
الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والصيام أكثر من هذا، وبالمقابل نجد أن السيئة بواحدة ليس بأكثر، ثم تنتهي هذه العشرات والمئات مقابل هذه الآحاد؟! كم أنت ظالم للعباد أيها (المفلس)؟!!!
الآن وقد انتهت الحسنات، فكيف يأخذ باقي الغرماء حقوقهم؟ ليس إلا أن يأخذ من سيئاتهم مقابل إساءاته لهم في الدنيا، يأخذ من سيئات الزاني وشارب الخمر والعاق لوالديه والمرتشي والمختلس وجميع مرتكبي الكبائر، فتوضع عليه حتى يوفيهم حقوقهم كاملة..
هو لم يرتكب شيئًا من الكبائر، لا من الزنى ولا شرب الخمر ولا غيره، ثم نراه الآن مرتكبًا لها مثله مثل غيره من أصحاب الكبائر... اللهم سترك علينا..
انتهت المقايضة وانتهت حسناته وأخذ من سيئاتهم، ويساق إلى النار ويتساءل: إنَّ معي كلمة التوحيد، وهي تساوي الأطنان والأطنان من الحسنات، فخذوا منها بدلاً من أن تضعوا عليَّ من سيئاتكم، وسيبقى معي جزءٌ منها أدخل به الجنة بما معي من حسنات، بدلاً من أن تضيع هذه الحسنات وأدخل النار..
ولا يعلم هذا الغافل أنَّ كلمة التوحيد هذه لا تتجزأ، هي كلمة واحدة لا يأخذ أحدٌ منها شيئًا حتى لو أردتَ أنت هذا، كلمة التوحيد بالنسبة إليك كالعمود الفقري في السمكة، فأنت تأكل اللحم وربما الرأس والذيل، ولكنك لا تأكل العمود الفقري، فهذه الشوكة العظيمة القوية لا تتجزأ، ولو صح أن تتجزأ وأخذ غرماؤك منها فلن تدخل بها الجنة، لأنَّها لا تدخلها إلا نفس مؤمنة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يأخذون منها؟
وهذا من رحمة الله تعالى بالعصاة أمثالنا، فلو طالت هذه المقايضة كلمةَ التوحيد، لضاعت وانتهى بنا الأمر إلى الخلود في النار، والعياذ بالله!
الآن وقد انتهى الحال كما ذكرنا، فيمكث (المفلس) في النار قدر هذه الذنوب التي حملها من أصحاب المعاصي، ثم يخرجه الله تعالى بما معه من كلمة التوحيد ويدخله الجنة..
فلننظر الآن ولنقف وقفة مع أنفسنا، هل قمنا بأداء الواجبات وابتعدنا عن الإساءة إلى العباد، أم نحن مثل هذا (المفلس)، والعياذ بالله؟
تحميل المادة صوتيًا من هنا
تعليق